منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبد العزيز ناصر الصويغ،عبدالله العجلان

#52130
من المفارقات أن رفض المحكمة الدستورية في تايلاند، خلال الفترة الأخيرة، قضيتين ضد الحزب الديمقراطي الحاكم، من منطلقات تتعلق بالإجراءات، يستعيد شبهاً خارجياً بالأمور العادية في هذه البلاد التي سبق لها أن مرت بمرحلة ديمقراطية نشيطة، بينما تعيش الآن وضعاً مطولاً من الشغب. غير أن الأمر الذي بدا بمثابة تعزيز لوضع الفئة الحاكمة، قد يكون عامل تحريك لرد فعل قوي تتم تغذيته، بصورة مستمرة، من خلال خيبات الأمل، والأحزان بين صفوف الشعب في تايلاند, وإن الهدوء الخادع في تايلاند يخفي تحته الرياح المجتمعة التي تغذيها مشاعر الحاجة إلى الإصلاح، والقوى التاريخية التي تميل نحو التحول.

لقد تسبب الرفض من جانب المحكمة الدستورية في رفع حواجب البعض تعجباً بسبب السوابق التي سارت في الاتجاهات المعاكسة لذلك. وسبق أن تم منع حزب ثاي راك ثاي، واسع الشعبية، من المشاركة في الحكم عام 2007، بتهمة التلاعب في الانتخابات عام 2006، بعد أن قام الجيش التايلاندي بانقلاب عسكري أدى إلى الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء في ذلك الحين، ثاكسين شيناواترا. وفشل الدستور الجديد المدعوم من جانب القوات المسلحة في الحيلولة دون فوز حزب سلطة الشعب في انتخابات كانون الأول (ديسمبر) من عام 2007. غير أن المحكمة الدستورية ألغت مشاركة هذا الحزب في الحكم في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2008 بتهمة التلاعب في الانتخابات السابقة، وعاملته كما عاملت حزب التحالف الشعبي من أجل الديمقراطية الذي احتشد أنصاره في مطاري بانكوك الرئيسيين. وخلال كل تلك الفترات جرى إبعاد رئيس وزراء مؤيد لثاسكين عن المشاركة السياسية لمدة خمس سنوات، إضافة إلى حظر النشاط السياسي لعدد من الأحزاب السياسية الأصغر حجماً. ويضاف إلى ذلك أنه تم حظر رسمي على المشاركة السياسية لأكثر من 200 من السياسيين في البلاد. وكانت المحاكمات التي تعرض لها أفراد الأحزاب المغضوب عليها قد تمت على عجل في محاولة لضمان إصدار الأحكام التي توافق هوى السلطة التي كانت قائمة في ذلك الحين.

أما بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي، فقد تم إسقاط التهمتين عنه، المتعلقتين بسوء استخدام الأموال العامة، وتخصيص بعضها لرشوة عدد من الأحزاب السياسية، وكذلك قبول تبرع غير قانوني من إحدى الشركات الخاصة. وجرى إسقاط التهمتين دون تقديم أي مبررات لذلك. وحكمت المحكمة بأن رئيس هيئة الانتخابات أخفق في اتباع الإجراءات السليمة، وكذلك التوقيت المطلوب لرفع الدعاوى ضد الحزب الديمقراطي. غير أن الأسئلة ستستمر في الظهور في الأفق بخصوص ما يقال إنه تعامل يقوم على المحاباة من جانب المحكمة.

وكان قاضيان من خمسة قضاة نظروا في القضية الأولى، قد رأوا وجوب حل الحزب الديمقراطي. كما كان لثلاثة قضاة من أصل سبعة قضاة حكموا في القضية الثانية رأي مشابه. وسعى عدد من قضاة المحكمة الدستورية إلى الحديث عن براءتهم من تهمة التحيز للحزب الديمقراطي، تلك التهمة التي استندت إلى أشرطة فيديو مسجلة لوقائع الجلسات.

إن اللجوء إلى حل بعض الأحزاب من خلال إجراءات قضائية، والإبقاء على بعضها من خلال القضاء كذلك، أوجد ما يسمى ''بسيادة الطابع القضائي'' على السياسة في تايلاند، وذلك رغم أن دور هذا القضاء يفترض أن يتحرك في سبيل حل عقد السياسة في البلاد. ونلاحظ أن القضاء عمل على تفاقم الأمور، بدلاً من التوصل إلى حالة من التوافق والانسجام. ومن أمثلة الأحكام القضائية ما صدر منها ضد ذوي القمصان الحمر الذين بدأوا كحركة مؤيدة لثاكسين، ثم توسعوا إلى قضايا متعددة أوسع بكثير من مجرد المطالبة باستعادة ثرواته التي تمت مصادرتها من قبل السلطات السياسية المعادية له، ولحزبه الشعبي. ومن المنتظر أن تزداد نشاطات ذوي القمصان الحمر الاحتجاجية، والمعادية للحكومة. وأصبح عشرات الآلاف من هؤلاء على استعداد للمشاركة الفورية في أي نشاط احتجاجي ضد الحكومة في مختلف أنحاء تايلاند.

نجد كذلك أن مؤيدي الوضع السياسي الذي كان قائماً في البلاد قبل الانقلاب العسكري يعدون أنفسهم من أجل خوض معركة استنزاف طويلة الأجل ضد السلطات الحاكمة. ولجأ الجيش إلى استبدال حالة الطوارئ في العاصمة بقانون استبدادي آخر هو قانون الأمن الداخلي. وتبدو الأمور أشبه بإبحار سهل للحزب الديمقراطي، وكذلك للحلف الذي يقوده في حكم البلاد قبل الانتخابات المقبلة التي يمكن لرئيس الوزراء، اختيار الوقت الذي يناسبه لإجرائها خلال عام 2011.

إن خطة القوى المؤيدة للسلطات الحاكمة واضحة، حيث إنه بعد أن تم سحق انتفاضتي ذوي القمصان الحمر في نيسان (أبريل) من عام 2009، وأيار (مايو) من العام الحالي، وقتل 91 من أفراد هذه الجماعة، وجرح 1900 شخص، أصبح الجيش المؤيد للحكومة أكثر جرأة على المضي في أجندته الشعبوية التي يغلفها بعباءة الرعاية الاجتماعية.

هنالك تحرك واضح حول ترتيب مسبق لنتائج الانتخابات. وبما أن من غير المتوقع أن تفرز الانتخابات المقبلة حزباً يتمتع بالأغلبية، فإن الجيش سيعمل على تشجيع الأحزاب الصغيرة على تشكيل تحالف يتولى الحكم بقيادة الحزب الديمقراطي، كما أنه يحثهم على الابتعاد عن حزب ثاي الذي يتزعمه ثاكسين. ومعروف أنه قد جرى تشكيل الحكومة الحالية في تايلاند في ثكنات الجيش، وبالتالي فإن الجيش سيستمر في استعراض عضلاته.

غير أن مثل هذا التحرك الحكومي المدعوم من جانب الجيش فعلاً، والذي تحاول الحكومة تغطيته بغطاء ديمقراطي، لن ينجح في ردع ذوي القمصان الحمر الذين يتوقع أن يعبروا عن غضبهم، وسخطهم. وإذا كان أفراد هذه الجماعة مشتتين في أمور كثيرة، فإن ما يجمعهم هو مقاومة الحكومة القائمة في تايلاند في الوقت الراهن، ومحاربة كل ما هو قائم من أنظمة استندت إلى الانقلاب العسكري. غير أن حالة عدم الاتفاق على كل الأهداف تثير المخاوف من جانب السلطات الحاكمة، الأمر الذي يرشح الوضع إلى السير باتجاه مواجهات عنيفة في شوارع البلاد.