- الثلاثاء ديسمبر 10, 2013 11:01 pm
#69609
القوة الماثلة والنخب: مصر وتركيا
قد يكون مصطلح القوة الماثلة مستهجناً، كونه لم يُستعمل سابقاً، ولكن استخدامه هنا كان لا بُد منه، لتمييزه عن القوة الراهنة أو القوة المسيطرة، فالقوة المسيطرة هي القوة التي يتم التسليم والاعتراف بسيطرتها على البلاد والعباد، والسيطرة لغوياً آتية من جذر (سطر) وهو الخط المستقيم الناتج من فعل مُسطِّر، وقيل أنها تنميق الكلام ولفه لجعله جميلاً أمام الآخر وهو غير ذلك، ومن هنا جاءت الأساطير..
والسُلطة بضم السين هي من الجذر (سلط) وهو طويل اللسان وبذيئه، أو إذا أخذت من الجذر اليمني فالسلط هو (الزيت)*1. وفي حديث ابن عباس (رأيت علياً وفي عينيه سراجاً سليط) أي تضيئان من بريقهما، وفي التنزيل{هلك عني سلطانيه}*2، أي ذهبت حجتي.
والماثل: مأخوذ من جذر (مثل) وهو جذر يحمل الكثير من المعاني، فمنه الامتثال: الطاعة ومنه التمثيل: أي المحاكاة أو التنكيل بالجثة، ومنه المُثول: وهو الوقوف بانتصاب أمام القاضي أو المُحاكم أو المُطالب بحق، والأخيرة هي ما تعنينا، لأن المُثول أمام القاضي هو مسألة لحظية قد يُدان الماثل أو يُبرأ، وهكذا هي السلطات أو أنظمة الحكم، عندما تقوم قوة الشعب أو غيره بالوقوف في وجهها، فقد تنتهي كما انتهى حكم من كان في مصر أو تونس أو ليبيا، أو قد تؤجل لإشعار آخر كما في بقية الدول العربية!
لذلك، اخترنا لفظ القوة الماثلة لتمييزها عن غيرها، وحتى يتم تغيير القوة الماثلة لا بد من حساب مكونات تلك القوة ومعرفة مفاتيحها وطرق حشد القوى التي تستطيع الإطاحة بها. ويحضر هنا مثال الجيش الجمهوري الايرلندي السري، عندما سأل أحد الحكماء فيه: أيستطيع القزم أن يتغلب على العملاق؟ فكانت إجابة الجميع بلا! لكنه أضاف: أنه يستطيع التغلب عليه إذا تم فقأ عينيه!
والعينان هنا كانتا أعوانه من المخبرين والجواسيس الذين ينقلون له المعلومات فباشر الجيش الجمهوري بملاحقتهم وقتلهم، حتى انتصر أخيرا وانتزع ما كان يريد (ولو بشكل منقوص).
النخب
النُخبة هي مجموعة من الناس إما تصنع القرار، وإما تصنع الوعي، وهي خيار صنفها، فإن كانت بالعلم قيل النخبة العلمية في مجالاتها المختلفة (الطب الهندسة الرياضيات الخ) سُميت ونُسبت له، وإن كانت في فن من الفنون كالرياضة أو التمثيل أو الرسم نُسبت لها، وإن كانت في السياسة سواء كانت في الحكم (نخبة حاكمة) أو كانت في المعارضة تصنع الوعي وتحرض على انتقاد الحكم من أجل تعديله أو تغييره سُميت (نخبة معارضة).
وتنقسم النخب من حيث سلوكها وأدائها الى عدة أقسام:
نخبة الفك المفترس*3: وهي التي تعمل على إزاحة كل من يعترض سبيلها في تصفيته وإخراجه من الساحة السياسية.. وتاريخها طويل في بلاد العرب والمسلمين، حيث بدأت في عصر الفتنة الكبرى (بين علي ومعاوية) واستمرت ليزيح العباسيون الأمويين من طريقهم وتصفيتهم كلياً وملاحقتهم حتى في الأندلس، وما أشكال الانقلابات التي جرت في القرن العشرين وما زالت إلا تعبير صريح عن نوعية نخب الفك المفترس..
نخب تكسير العظم: وهي النخب التي تتربص بخصمها من أجل شلِّه وإعاقته عن أداء عمله، مستفيدة من الترويج الإعلامي والتصيد لأي خطأ يقوم فيه، وتبرير تلك الأخطاء بالتآمر والعمالة والتنسيق مع الأعداء والهدف من ذلك هو تقليص حجم التأييد الشعبي لذلك الخصم وإضعافه نهائياً، والنماذج كثيرة آخرها ما تمثل في أحداث مصر الأخيرة.
النُخب المتعايشة بسلام: وهي تلك النُخب التي تعترف بخسارتها أمام خصمها في الانتخابات، وتقوم بتهنئته رغم مرارة الشعور بالهزيمة وهي ما ينطبق عليها قوله تعالى { تحسبهم جمعاً وقلوبهم شتى}، وهي تلك التي عند أعدائنا الصهاينة والغرب واليابان وغيرها من الدول المتقدمة.
يستعيض النوع الأخير في مواجهته لخصمه، في متابعة وقائع الفساد والتهرب من أداء الضريبة وغيره، مستفيدة من الدساتير والقوانين التي تتيح للصحافة متابعة خيوط الفاسدين وأوكارهم. كما أنها تجتهد في وضع برامج تجذب الجمهور لصفها من أجل تغلبها على خصمها الذي أصبح قوة (ماثلة).
من هنا، فإن الدول التي تتعايش فيها النخب بأمن وسلام، يقل فيها الفساد وتزيد وتائر الإنتاج وبراءات الاختراع، في حين تبقى الدول التي تتصارع فيها نخبها مرتعا للفساد واقتصادها في تخلف مستمر.
وتتشابه تركيا لقبل ربع قرن من الآن مع الكثير من الدول العربية (حاليا)، ولكنها انتقلت من مرحلة (نخب الفك المفترس) الى نخب (تكسير العظام) التي ملت من وضعها فأخذت تتلمس طريقها في وضعية (النخب المتعايشة بأمان).
ولكن هل يمكن للتيار السياسي الإسلامي العربي أن يسلك نفس الطريق الذي سلكه التيار السياسي الإسلامي التركي؟ هذا ما سنتناوله في المرة القادمة.
قد يكون مصطلح القوة الماثلة مستهجناً، كونه لم يُستعمل سابقاً، ولكن استخدامه هنا كان لا بُد منه، لتمييزه عن القوة الراهنة أو القوة المسيطرة، فالقوة المسيطرة هي القوة التي يتم التسليم والاعتراف بسيطرتها على البلاد والعباد، والسيطرة لغوياً آتية من جذر (سطر) وهو الخط المستقيم الناتج من فعل مُسطِّر، وقيل أنها تنميق الكلام ولفه لجعله جميلاً أمام الآخر وهو غير ذلك، ومن هنا جاءت الأساطير..
والسُلطة بضم السين هي من الجذر (سلط) وهو طويل اللسان وبذيئه، أو إذا أخذت من الجذر اليمني فالسلط هو (الزيت)*1. وفي حديث ابن عباس (رأيت علياً وفي عينيه سراجاً سليط) أي تضيئان من بريقهما، وفي التنزيل{هلك عني سلطانيه}*2، أي ذهبت حجتي.
والماثل: مأخوذ من جذر (مثل) وهو جذر يحمل الكثير من المعاني، فمنه الامتثال: الطاعة ومنه التمثيل: أي المحاكاة أو التنكيل بالجثة، ومنه المُثول: وهو الوقوف بانتصاب أمام القاضي أو المُحاكم أو المُطالب بحق، والأخيرة هي ما تعنينا، لأن المُثول أمام القاضي هو مسألة لحظية قد يُدان الماثل أو يُبرأ، وهكذا هي السلطات أو أنظمة الحكم، عندما تقوم قوة الشعب أو غيره بالوقوف في وجهها، فقد تنتهي كما انتهى حكم من كان في مصر أو تونس أو ليبيا، أو قد تؤجل لإشعار آخر كما في بقية الدول العربية!
لذلك، اخترنا لفظ القوة الماثلة لتمييزها عن غيرها، وحتى يتم تغيير القوة الماثلة لا بد من حساب مكونات تلك القوة ومعرفة مفاتيحها وطرق حشد القوى التي تستطيع الإطاحة بها. ويحضر هنا مثال الجيش الجمهوري الايرلندي السري، عندما سأل أحد الحكماء فيه: أيستطيع القزم أن يتغلب على العملاق؟ فكانت إجابة الجميع بلا! لكنه أضاف: أنه يستطيع التغلب عليه إذا تم فقأ عينيه!
والعينان هنا كانتا أعوانه من المخبرين والجواسيس الذين ينقلون له المعلومات فباشر الجيش الجمهوري بملاحقتهم وقتلهم، حتى انتصر أخيرا وانتزع ما كان يريد (ولو بشكل منقوص).
النخب
النُخبة هي مجموعة من الناس إما تصنع القرار، وإما تصنع الوعي، وهي خيار صنفها، فإن كانت بالعلم قيل النخبة العلمية في مجالاتها المختلفة (الطب الهندسة الرياضيات الخ) سُميت ونُسبت له، وإن كانت في فن من الفنون كالرياضة أو التمثيل أو الرسم نُسبت لها، وإن كانت في السياسة سواء كانت في الحكم (نخبة حاكمة) أو كانت في المعارضة تصنع الوعي وتحرض على انتقاد الحكم من أجل تعديله أو تغييره سُميت (نخبة معارضة).
وتنقسم النخب من حيث سلوكها وأدائها الى عدة أقسام:
نخبة الفك المفترس*3: وهي التي تعمل على إزاحة كل من يعترض سبيلها في تصفيته وإخراجه من الساحة السياسية.. وتاريخها طويل في بلاد العرب والمسلمين، حيث بدأت في عصر الفتنة الكبرى (بين علي ومعاوية) واستمرت ليزيح العباسيون الأمويين من طريقهم وتصفيتهم كلياً وملاحقتهم حتى في الأندلس، وما أشكال الانقلابات التي جرت في القرن العشرين وما زالت إلا تعبير صريح عن نوعية نخب الفك المفترس..
نخب تكسير العظم: وهي النخب التي تتربص بخصمها من أجل شلِّه وإعاقته عن أداء عمله، مستفيدة من الترويج الإعلامي والتصيد لأي خطأ يقوم فيه، وتبرير تلك الأخطاء بالتآمر والعمالة والتنسيق مع الأعداء والهدف من ذلك هو تقليص حجم التأييد الشعبي لذلك الخصم وإضعافه نهائياً، والنماذج كثيرة آخرها ما تمثل في أحداث مصر الأخيرة.
النُخب المتعايشة بسلام: وهي تلك النُخب التي تعترف بخسارتها أمام خصمها في الانتخابات، وتقوم بتهنئته رغم مرارة الشعور بالهزيمة وهي ما ينطبق عليها قوله تعالى { تحسبهم جمعاً وقلوبهم شتى}، وهي تلك التي عند أعدائنا الصهاينة والغرب واليابان وغيرها من الدول المتقدمة.
يستعيض النوع الأخير في مواجهته لخصمه، في متابعة وقائع الفساد والتهرب من أداء الضريبة وغيره، مستفيدة من الدساتير والقوانين التي تتيح للصحافة متابعة خيوط الفاسدين وأوكارهم. كما أنها تجتهد في وضع برامج تجذب الجمهور لصفها من أجل تغلبها على خصمها الذي أصبح قوة (ماثلة).
من هنا، فإن الدول التي تتعايش فيها النخب بأمن وسلام، يقل فيها الفساد وتزيد وتائر الإنتاج وبراءات الاختراع، في حين تبقى الدول التي تتصارع فيها نخبها مرتعا للفساد واقتصادها في تخلف مستمر.
وتتشابه تركيا لقبل ربع قرن من الآن مع الكثير من الدول العربية (حاليا)، ولكنها انتقلت من مرحلة (نخب الفك المفترس) الى نخب (تكسير العظام) التي ملت من وضعها فأخذت تتلمس طريقها في وضعية (النخب المتعايشة بأمان).
ولكن هل يمكن للتيار السياسي الإسلامي العربي أن يسلك نفس الطريق الذي سلكه التيار السياسي الإسلامي التركي؟ هذا ما سنتناوله في المرة القادمة.