منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#5784
الولايات المتحدة ومبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول
"دراسة في السياسة الخارجية الأمريكية خلال مرحلة ما بعد الحرب الباردة"

رسالة مقدمة من:
الطالبة: صفاء صابر خليفة
لنيل درجة الماجستير في العلوم السياسية
كلية التجارة - جامعة الإسكندرية

إشراف
د.أحمد محمد وهبان
أستاذ العلوم السياسية المساعد
كلية التجارة - جامعة الإسكندرية

2007



استهدف هذا البحث في- المقام الأول- الإجابة عن تساؤل رئيسي يدور حول مدي التغيير الذي لحق بسياسة الولايات المتحدة بصدد مبدأ عدم التدخل خلال فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة وفي ظل انفرادها بتقرير مصير النسق، ولقد تبين لنا بعد العرض السابق لموضوع "الولايات المتحدة ومبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول خلال مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة" أنه يمثل مسألة تطرح نفسها بقوة على الساحة الدولية، خاصة في ضوء تزايدها خلال تلك الفترة بصورة قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم والأمن الدوليين، وتهدد سيادة الدول واستقلالها.

وجدير بالذكر أن العلاقات الخارجية بين الدول قد نسجت على أساس احترام السيادة لكل منها، وأصبحت بذلك عمليات التدخل في الشئون الداخلية من قبل دولة ما في شئون دولة أخرى يمثل مخالفة صريحة لأحكام القانون الدولي المعاصر. وعلى الرغم من هذه القاعدة العامة لم تمتنع بعض الدول عن القيام بممارسات تدخلية في شئون غيرها، إلا أنها ظلت ممارسات مدانة وغير مقبولة بل ولا تتفق وقواعد الشرعية الدولية .
أما فيما يتصل بمنهج الدراسة، فإنه بحكم طبيعة مادة البحث وعلي مقتضي الهدف الذي حددناه سلفا ًكان لامناص من اللجوء إلي المنهج الاستقرائي كمنهج لبحثنا هذا.فعمدنا إلي البدء من المصادر والمراجع – ذات الصلة بمادة البحث – كأداة للملاحظة في سبيلنا للوصول إلي حكم موضوعي بشأن هدف البحث، كما لجأنا إلي أسلوب الملاحظة الذاتية المباشرة للواقع ساعين إلي تسجيل أحداثه ووقائعه في مجال التدخلات الأمريكية إبان الحقبة المذكورة .

وبصدد خطة الدراسة فقد قمنا بتقسيم بحثنا إلي ثلاثة فصول وتقرير ختامي ،فيما يلي نعرض لأظهر ما خلصنا إليه من نتائج في كل من الفصول الثلاثة وذلك علي النحو التالي:

الفصل التمهيدي: وقد ضم مبحثين، انصب أولهما:علي ماهية التدخل ومدي مشروعيته، أما المبحث الثاني، فقد عالجنا من خلاله ممارسات الولايات المتحدة بصدد مبدأ عدم التدخل خلال فترة ما قبل انتهاء الحرب الباردة، وانتهينا في هذا الفصل إلى أن مبدأ عدم التدخل حظي باهتمام القانون الدولي العام، ووجدنا أن ميثاق الأمم المتحدة يعتبر مبدأ عدم التدخل هو رائد الأمم المتحدة في تعريفاتها، وذكرنا أن الميثاق قد نص ضمنا على عدم التدخل في م2/4 وصراحة في م2/7 وحدد الاستثناءات الواردة علي كل مادة . لذلك فإنه لا يجوز الخلط بين التدخل باعتباره أمراً غير مشروع وحالات أخرى يقرها القانون الدولي مثل الدفاع الشرعي عن النفس الفردي أو الجماعي لأن في ذلك خلطا بين الأحكام القانونية من خلال الربط بين أمر مشروع وأخر غير مشروع حيث إن لكل منها قواعده التي تحكمه .

أضف إلى هذا، أنه يمكن تتبع إدانة التدخل في الاتفاقيات الدولية ومواثيق المنظمات الإقليمية والقرارات والإعلانات والاتفاقيات الدولية، الممارسات الدبلوماسية، أحكام القضاء الدولي، وتأسيسا على ما تقدم فإن أي تصرف دولي يخالف قواعد الشرعية الدولية- التي حددناها سلفا - يعد غير مشروع يفتقد أبسط المقومات للقول بمشروعيته .

أما فيما يتصل بممارسات الولايات المتحدة بصدد مبدأ عدم التدخل خلال مرحلة ما قبل انتهاء الحرب الباردة، وجدنا أن الولايات المتحدة قد اتبعت نهجا قائما على العزلة طوال القرن التاسع عشر، بدايات القرن العشرين واتخذت منه سياسة وشعارا لعلاقاتها الدولية، وتجلت تلك السياسة في كل من إعلان واشنطن لسياسة الحياد 1776، وتصريح مونرو 1823.

وعلى الرغم من ذلك، تبين لنا أن رؤساء تلك الدولة قد استطاعوا أن يستخدموا كافة السبل الممكنة للحفاظ على أكبر قدر من مصالح بلادهم دون النظر إلى الأضرار التي قد تصيب الدول الأخرى. فلقد استخدمت الولايات المتحدة مبدأ مونرو كمبدأ سياسى خاص بها حافظت من خلاله على مصالحها في القارة الأمريكية خاصة في أمريكا الجنوبية والوسطى، ولكن مع الوقت أصبح هذا المبدأ وثيقة تبرر بها الولايات المتحدة تدخلها في الشئون الداخلية لدول أمريكا اللاتينية . وبعد أن تحققت رغبة الولايات المتحدة في عدم تدخل الدول الأوربية في شئون القارة الأمريكية واحترام استقلال دولها تحولت هذه الرغبة بعد حين إلى أداة لسيطرة الولايات المتحدة على القارة المذكورة.ويمكننا القول إن الولايات المتحدة قد طرحت تصريح مونرو جانبا والذي أصبح بالنسبة إليها من ودائع التاريخ .

عندما جاء ويلسون إلى الحكم1914 ساد الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستتحرر من عزلتها كاملة وخاصة بعد دخولها الحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء، إلا أن ويلسون لم يكن من محبذي سياسة التدخل ولم تشكل الحرب العالمية الأولي في ذهنه تدخلا وما أن انتهت المهمة عادت الولايات المتحدة إلى سابق مواقفها . والحق أن الولايات المتحدة قد امتنعت عن التدخل لأن مصالحها كانت تتفق وعدم التدخل، حيث لم يكن التهديد الشيوعي قد نما إلى الحد الذي تشعر فيه الولايات المتحدة بالخطر .
ولقد عدلت الولايات المتحدة عن العزلة السياسية منذ اتخاذها قرار خوض الحرب العالمية الثانية، وبعد أن أدركت خطورة الشيوعية الممثلة في رأس الحربة لها- الاتحاد السوفيتي- وأصبح محور سياستها الخارجية خلال مرحلة الحرب الباردة هو" حصر الخطر الشيوعي" أو "الاحتواء" مع اختلاف الوسائل والمناهج المستخدمة تبعا لتباين ظروف كل مرحلة.

والمستقرئ للواقع الدولي يدرك أن ثمة حقيقة لا يمكن إنكارها مفادها أن البيئة الدولية في تلك الفترة كان يحكمها توازن القوى بين المعسكرين الشيوعي والغربي، كانت الولايات المتحدة- وقتذاك- لا تمتلك رفاهية استعداء دول العالم لئلا يؤدي ذلك إلى اتساع النفوذ الشيوعي بمعني أن: التدخل الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية ارتبط بمقتضيات الحرب الباردة التي دارت رحاها بين المعسكرين الأمريكي والسوفيتي في تلك الآونة، لذا كان الدافع الأساسي للتدخل الأمريكي هو الرغبة في الاحتفاظ بنوع من التوازن السياسي والاقتصادي والعسكري والأيديولوجي بين الكتلتين المتصارعتين

أما الفصل الأول والمعنون ب" الولايات المتحدة ومبدأ عدم التدخل خلال عقد التسعينيات "، فقد تضمن توطئة ومبحثين،أما التوطئة: تناولنا فيها أبرز سمات البيئة الدولية خلال تلك الفترة معتبرين أن السياسة الخارجية لأي دولة - انطلاقاً من كونها تمثل السلوك الخارجي للدولة - تتأثر بالحالة التي عليها النسق الدولي، وقد اتضح لنا أن انهيار سور برلين في التاسع من نوفمبر 1989- كبداية لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة- قد ألقي بظلاله على طبيعة توجهات السياسة التدخلية الأمريكية .

وحري بنا أن نفصل في بعض تلك السمات التي اعتبرناها أنها الأكثر تأثيرا على موضوعنا - محل البحث- وكانت (التحول الواضح في طبيعة الصراعات والأزمات الدولية، وازدواجية المعايير الأمريكية بصدد مواقف السياسة الخارجية، وتصاعد دور سياسة التدخل ولاسيما التدخل لاعتبارات إنسانية أو لاستعادة الديمقراطية بمفهومها الغربي، واستخدام ميثاق الأمم المتحدة - في كثير من الأحيان- كأداة لإضفاء الشرعية على بعض التدخلات الأمريكية) .

وقسمنا هذا الفصل إلى مبحثين،انصب أولهما علي أهم الحالات التي تدخلت فيها الولايات المتحدة لاعتبارات إنسانية، ومن خلال ثلاثة مطالب تعرضنا لأربع حالات للتدخل الأمريكي خلال عقد التسعينيات وهي: ( العراق، والصومال، والبوسنة، وكوسوفو)، وللوقوف على مدي التغيير الذي لحق بممارسات الولايات المتحدة مشروعية حاولنا إثبات عدم اتساق تلك التدخلات وقواعد الشرعية الدولية من خلال عرض أهم المبررات الأمريكية التي ساقتها الولايات المتحدة في كل حالة ومواجهتها بما استقر علية فقه وأحكام القانون الدولي المعاصر في هذا الشأن، وفي هذا الصدد وجدنا أن عمليات التدخل الأمريكي باسم الإنسانية لم تكن مشروعة من الناحية القانونية، هذا إلى جانب أن التدخل في كوسوفو، والذي تم دون الحصول على قرار مسبق من مجلس الأمن، غير أن الولايات المتحدة راحت تحاول أن تنشئ قاعدة قانونية عرفية دولية بصدد التدخل تكسبها المشروعية، وأثبتت الدراسة أنها غير مشروعة .

فضلا عما تقدم، فلقد رأينا في السوابق الدولية التي عرضنا لها أن التدخل لنصرة مفهوم حقوق الإنسان لم يأت في النهاية بما فيه صالح الإنسانية . فالحروب والدمار والدماء التي سالت أشارت إلى أن كل ما كان يقترف مما يمكن اعتباره إرهاب الدولة ضد مواطنيها وفي حق وجودهم الإنساني لهو أقل بكثير ولا يقارن بما ألحقته الولايات المتحدة بشعوب الدول التي تم التدخل في مواجهتها .
ولذلك يمكننا القول، إن عمليات التدخل سالفة الذكر هي غير مشروعة من الناحية القانونية، كما أن الولايات المتحدة لم تحقق الأهداف التي أعلنتها عتد ارتكابها لفعل التدخل، علاوة علي التناقضات التي انطوت عليها عملية التدخل، الأثار السلبية التي لحقت بتلك الدول، وبالتالي فإن تلك التدخلات لا تتسق وقواعد الشرعية الدولية التي يتم التصرف على أساسها في العلاقات الدولية .

أما المبحث الثاني، تناولنا من خلاله التدخل الأمريكي لإعادة الديمقراطية بمفهومها الغربي وذلك في مطلبين عالجنا في أولهما الغزو العسكري الأمريكي لبنما في ديسمبر 1989. وفي الثاني فقد تناولنا التدخل الأمريكي في هاييتي (1991-1994)، وتوصلنا إلى أن عملية خلق الدولة الديمقراطية بالقوةالمسلحة لكي تصبح نموذجاً للحكم الديمقراطي الغربي هي عملية غير مشروعة من الناحية القانونية وإن تمت- كما في حالة هاييتي- وفق قرار من مجلس الأمن ، على صعيد أخر، فلقد أثبتنا من خلال حالتي بنما، وهاييتي التناقض الحاد بين الدعوى الأخلاقية التي نادت بها الولايات المتحدة وبين الممارسات اللأخلاقية التي انتهجها .
ولقد تبين لنا أن الولايات المتحدة لا تهتم بالديمقراطية، إلا في إطار ما يخدم الأهداف الأمريكية، وأصبحت الديمقراطية حجة منطقية لمهاجمة من يقف في وجه تحقيق تلك الأهداف . فالديمقراطية لا تخلق فجأة أو تنقل من الغرب ولكن تنشأ نشأة طبيعية تاريخية منبثقة من واقع ظروف المنطقة دون أن تكون بالضرورة ليبرالية غربية. وهكذا فإن التدخل الأمريكي لإعادة الديمقراطية أيضا لا يتفق وقواعد الشرعية الدولية .

وخلصنا من خلال الفصل الأول - على الجملة- إلى مجموعة من النتائج تتمثل في:
أ- تحاول الولايات المتحدة - كموجه لدفة قرارات الأمم المتحدة بعد انفرادها بقيادة علاقات القوي الدولية - تغيير بعض القواعد القانونية التي تحكم التنظيم الدولي المعاصر وذلك من خلال انتهاكها لتلك القواعد بغرض إحداث سوابق يؤدي تكرارها إلي تجاهلها، فسكوت جماعة الدول بصددها يؤدى إلي دخولها في مجال القواعد العرفية، وخير مثال يؤكد هذا المعني التدخلات سواء الأحادية أو من مجلس الأمن المخالفة لمبدأ عدم التدخل ولمبدأ السيادة الوطنية التي رأت الولايات المتحدة أنه لم يعد صالحا لعالم ما بعد الحرب الباردة .

ب- إن التدخل الإنساني فيه مخالفة صريحة لنص المادتين 2/4، 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة حيث إنه لا يوجد في الميثاق ما يوجب التدخل من أجل حماية حقوق الإنسان أو إعادة الديمقراطية، وهذا النوع من التدخل- في تصورنا- قد يخلق معادلة خطيرة في العلاقات الدولية فيما يتعلق بنظام الأمن الجماعي الذي نص عليه الميثاق حيث تربط الولايات لمتحدة بين تهديد السلم والأمن الدوليين ومسائل تعد بحق- من صميم الاختصاص الداخلي للدول وبناء عليه تتدخل بموجب الفصل السابع من الميثاق

ج- يعد مفهوم التدخل الإنساني من المفاهيم التي تحتاج إلى ضبط وتحديد حتى يكون التدخل الإنساني معلوماً بقواعد قانونية واضحة تبعده عن دوافع السياسة وتفوت الفرصة لاستغلال الدواعي الإنسانية للتدخل في الشئون الداخلية للدول.

وفي هذا الصدد أوضحت الأدبيات المتخصصة أنه إذا كان التدخل الإنساني أمراً وارداً لابد من أخذ بعض الضوابط في الاعتبار ومنها:

1-لابد من النظر إليه على أنه استثناء من مبدأ عدم التدخل ويكون في حالة الضرورة فقط .
2- يجب أن يكون التدخل هو آخر الاختيارات والبدائل المتاحة التي يجب عدم الالتجاء إليها إلا بعد استنفاد الوسائل الأخرى التي تحترم فيها السيادة الوطنية .
3- يجب رفض التدخل الدولي من جانب دولة أو مجموعة من الدول على أن يتم التدخل من خلال احدي المنظمات الدولية العالمية أو الإقليمية، فالتدخل الفردي لن يكون ممكنا إلا بالنسبة للدول الكبرى التي ستضع مصالحها الذاتية نصب عينيها بطبيعة الحال . وهنا يكمن احتمال تسوية المسألة مما يؤدي في النهاية إلى الانتقائية وازدواجية المعايير .

أما الفصل الثاني والمعنون ب"السياسة الأمريكية ومبدأ عدم التدخل في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، فقد قمنا- بداية – بعرض أبرز ملامح التحول في توجهات السياسة التدخلية الأمريكية بعد هجمات سبتمبر، وتبين لنا أن تلك الأحداث مثلت- بحق- فرصة جوهرية لفريق المحافظين الجدد لتطبيق الرؤية التي يؤمنون بها، وتمت ترجمتها على شكل وثيقة استراتيجية للأمن القومي الأمريكي لتكون بمثابة برنامج للإدارة الأمريكية تسعي إلى تحقيقه اعتماداً على مفاهيم جديدة كالحرب ضد الإرهاب، ونشر الديمقراطية، والحرب الاستباقية مع الأخذ في الاعتبار التغيير الذي لحق بتلك الأفكار عقب الولاية الثانية للرئيس بوش الابن

وقد ضم هذا الفصل مبحثين أنصب أولهما علي الحرب الأمريكية ضد الإرهاب:وتعرضنا من خلال مطلبين لأهم الحالات التي تدخلت فيها الولايات المتحدة في إطار تلك الحرب. وحاولنا إثبات عدم مشروعية تلكما الحالتين على أساس أن الحرب حتى تكون مشروعة لابد أن يتحقق لها (المشروعية القانونية الدولية أو على الأقل وجود مظلة أخلاقية تبررها، ووضوح الأهداف السياسية للحرب، وأن يتوافر لدي متخذ قرار الحرب الوسائل الكفيلة لتنفيذ هذه الأهداف بعد الحرب، وتبين لنا أن حربي الولايات المتحدة في كل من
( أفغانستان 2001، والعراق 2003)غير مشروعتين.

فمن الناحية القانونية: عند مواجهة الدوافع والمبررات التي ساقتها الولايات المتحدة عند تدخلها في أفغانستان في السابع من أكتوبر 2001 وعند غزوها للعراق في 21 مارس 2003 بما استقرت عليه أحكام القانون الدولي العام وجدنا أنها دوافع ومبررات غير مشروعة وخاصة ادعاءاتها الخاصة بحقها في الدفاع الشرعي عن النفس وفقا للمادة (51)، وحقها في الدفاع الاستباقي، والادعاء في حقها في التدخل بناء على تفويض من مجلس الأمن، ولقد أثبتت الدراسة أن تلك الادعاءات باطلة وغير مشروعة قانونا.

وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة قد ألحقت ضرراً كبيرا بالمبادئ والقواعد القانونية الهامة وخاصة مبدأ حظر استخدام القوة الوارد في م2/4، مبدأ عدم التدخل الوارد في م2/7 من ميثاق الأمم المتحدة ولقد استقر رأي غالبية رجال القانون الدولي متفقا حيالها على اعتبار أنهما قاعدتان آمرتان لا يجوز الخروج عليهما إلا في الاستثناءات التي حددها الميثاق .

فقد جاء الميثاق باستثناءين فقط على م2/4 هما (ما ورد في المادة (51) الخاصة بحالة الدفاع الشرعي عن النفس الفردي أو الجماعي، والمادة (42) وفقا لمفهوم الأمن الجماعي)، أما عن الاستثناء الوارد على م2/7 فهو الخاص بتطبيق مجلس الأمن تدابير القمع الواردة في الفصل السابع لوقف الأعمال التي تهدد السلم والأمن الدوليين.الأمر الذي يعني أن تطورا جديدا- من وجهة النظر الأمريكية- ذلك هو ما يتعين أن يطرأ بالفعل علي القاعدة القانونية الخاصة بالتدخل في شئون الغير، يمثل مخالفة صريحة لأحكام م2/7 من ميثاق الأمم المتحدة مما يعني أن مثل هذه العمليات من التدخل غير مشروعة.

ومجمل القول-إذا- أن التدخل الأمريكي في كل من أفغانستان، العراق هو غير مشروع ،كما أن المبررات التي ساقتها الولايات المتحدة باطلة وألحقت ضررا كبيرا بالمبادئ والقواعد القانونية الدولية
علي صعيداأخر، تبين لنا عدم قدرة المشروع الأمريكي علي تحقيق الأهداف التي تم الادعاء أنه سيحققها بعد الحرب في كلتا الدولتين. فمن ناحية لم يشهد الواقع الأفغاني أية تطورات حقيقية بعد نجاح الحملة العسكرية الأمريكية في إسقاط نظام حكم طالبان، فلم تستطع الولايات المتحدة تحقيق الوعود التي أغدقتها علي الشعب الأفغاني مبررة غزوهاواحتلالها لبلاده، كما أنها لم تستطع تحقيق أحد أهم أهدافها من الغزو، وهو القضاء علي حركة طالبان كحركة سياسية وعسكرية واضحة.ومن ناحية أخرى فالولايات المتحدة تواجه الآن واقعا مختلفا كليا في العراق يعكس حجم الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية هناك طيلة الأربع سنوات الماضية، وهذا يؤكد فشل المشروع الأمريكي في العراق وإخفاقه في تحقيق الأهداف التي سعي إليها .

وتأسيسا علي ذلك، أثبتت الحرب علي الإرهاب برمتها فشلا ذريعا كما تبين لنا عدم فعالية الفكر الاستراتيجي للمحافظين الجدد في كلا الحربين. ويؤكد لنا ذلك حقيقة هامة مؤداها "عدم اتساق حربي الولايات المتحدة وقواعد الشرعية الدولية ".

وقد تناولنا في المبحث الثاني رؤية إدارة بوش الابن للديمقراطية بعد أحداث 11 سبتمبر،وكيف برزت قضية الديمقراطية ضمن أجندة السياسة الأمريكية، أو من خلال طرح عدد من المبادرات والمشروعات التي استهدفت الترويج للتغيير.مع الإشارة إلى الحالة العراقية كمثال لتلك الرؤية .

وانتهينا إلى أن فرص النجاح أمام الطرح الأمريكي للديمقراطية بعد أحداث 11 سبتمبر محدودة جدا وخاصة مسألة التناقض بين الدعاوى الديمقراطية والممارسة العملية،أما فيما يتصل بالعراق فان الترويج لإقامة نظام ديمقراطي في العراق حتى تقتدي به باقي دول المنطقة ينطوي علي تبسيط للأمور وتجاهل للكثير من المعطيات الهامة ذات الصلة بطبيعة ذلك النظام، والدليل علي ذلك أن العملية السياسية التي كانت تخطط لها الولايات المتحدة في العراق منيت بالفشل، والأفضل للشعب العراقي هو التخلص من الديكتاتورية والاحتلال معا.


رؤية تقويمية


استخدمت الولايات المتحدة مبدأ عدم التدخل استخداما مرنا يتفق ومصالحها علي نحو يصح معه القول إن الولايات المتحدة لها أكثر من مدلول لمبدأ عدم التدخل، فلقد كان المبدأ بمثابة أفكار مثالية بينما كانت الضرورات العملية تقضي بالتدخل، ويلاحظ أنه علي الرغم من السياسة المعلنة للتمسك بسياسة عدم التدخل غير أن حقيقة هذه السياسة أنها قائمة علي الحفاظ علي مصالح شعبها . وكان تفسير الولايات المتحدة لمبدأ عدم التدخل يتغير وفقا لتغير قوة الولايات المتحدة وحسب اتساع نطاق مصالحها .

ويمكننا القول إن الولايات المتحدة قد امتنعت عن التدخل عندما كانت مصالحها تتفق وعدم التدخل، ولكن عندما كانت مصالحها تكمن في التدخل فإنها كانت تتلمس الأعذار لإضفاء الشرعية علي تدخلها
وجدير بالذكر أن محاولة الولايات المتحدة البحث عن مبررات وأسانيد من أجل إضفاء المشروعية علي سلوكها وتصرفاتها يؤكد أن المبدأ العام والأصل في الأشياء هو عدم مشروعية التدخل في شئون الدول الأخرى .

ويبقي في النهاية أن نشير إلى ثمة حقيقة هامة مؤداها" إهدار الولايات المتحدة كليا لمبدأ عدم التدخل"، ومهما حاولت الولايات المتحدة أن تبرر تدخلاتها بذريعة مكافحة الإرهاب أو تحقيق الديمقراطية أو حماية حقوق الإنسان من الانتهاك فإنه قد تبين لنا عدم توافر أبسط المقومات للقول بمشروعيتها .
أما ما يتعلق بالنتائج المتوقعة علي بنية النسق الدولي- في تصورنا- من جراء تلك السياسة التدخلية خلصنا إلى أن الطريقة التي أدارت بها الولايات المتحدة السياسة العالمية خلال العقد الأول من عمر النسق العالمي الأحادي القطبية أكدت أنها لم تفعل أكثر مما فعلته أي قوة عظمي في التاريخ المعاصر، فلقد أدت لحظة الأحادية القطبية إلى جعل الولايات المتحدة أكثر رغبة في استخدام القوة في الخارج وخاصة بعد أن انهار الاتحاد السوفيتي أصبحت الولايات المتحدة مطلقة اليدين في التدخل عمليا في أي مكان و زمان تختارهما. وتلك هي الحقيقة التي عكستها ظاهرة تزايد التدخلات الأمريكية والتي سارت بوتيرة أسرع من تلك التي كانت عليها معظم سنوات الحرب الباردة.

إلا أنه -في تصورنا-هناك أمران ينبغي الالتفات إليهما:

الأول: أن ردود الفعل الدولية علي سلوك القوي العظمي تكون أكثر حدة في ظل الاحادية القطبية عندما تنفرد قوة عظمي واحدة بالعالم فهي تصبح عرضة للانتقاد من الجميع إذا لم تدرك ذلك وتحرص علي تجنب اكتساب عداء متزايد،فتعمد إلي انتهاج سياسات متوازنة تستند لمعايير واضحة لا ازدواج فيها .

الثاني: أتاحت ثورة الاتصالات والمعلومات نقل ما يحدث أي مكان إلى غيره في اللحظة نفسها وصار من السهل متابعة الأحداث وتحديد مسئولية الولايات المتحدة في الصراعات والحروب والنزاعات التي جرت خلال تلك الحقبة .

وأخيرا، فإنه من المتعين ألا نصف النتائج التي توصلنا إليها والتي مفادها" إهدار الولايات
المتحدة كليا لمبدأ عدم التدخل" باعتبارها نهائية أو ثابتة غير قابلة للتبدل والتغيير، فالعلاقات الدولية لا يمكن– بأي حال من الأحوال- اختزالها في لحظة معينة يتم الادعاء فيها بأنها نهاية التاريخ، فحركة التاريخ بطبيعتها مستمرة وتولد الصيرورة التي تدفع بزخم من التطورات التي تتشكل وتتداخل عبر سياق من الزمن تحدث تحولات نوعية في بنية النسق الدولي. ولعل ما شهدناه من تغيير لحق بالسياسة الخارجية الأمريكية في أعقاب هجمات سبتمبر 2001 وحتى الآن هو خير دليل علي ما نقول .

بوضوح أكثر فإن لكل عصر نموذجه الخاص للقوة، وبالتالي سماته التي تميزه، وقد تؤدي أية تغيرات مستقبلية إلى إعادة الاعتبار لهذا المبدأ أو غيره من أحكام القانون الدولي التي طرأ عليها العديد من التغيرات، وقد لا تمر عقود طويلة حتى تتحقق نظرية بول كيندي عن أثر تعاظم الالتزامات الخارجية للقوى العظمى" . وهذا ما سوف تجليه الأعوام القادمة.



والله من وراء القصد