منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#5805
:cheers:
خصائص النظام الأمريكي انطلاقا من كونه النموذج الأصيل للنظم الرئاسية

تأتي التجربة الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة التجارب الديمقراطية في العصر الحديث، فالثورة الأمريكية The American Revolution عام 1776 هي أولى الثورات الديمقراطية في العصر الحديث في العالم، لقد قامت الثورة لوضع نهاية للاستبداد وللمشاركة في الثروة والسلطة انطلاقا من مقولة: " لا ضرائب بدون تمثيل " No Taxation Without Representation، وقد جاءت الثورة بالكثير من القيم والمبادئ والمؤسسات الديمقراطية مثل:

1- إعلان الاستقلال The Declaration of Independence.
2- وثيقة الحقوق The Bill of Rights .
3- الدستور The Constitution .

إضافة إلى ذلك، فقد شكلت تلك الثورة مصدر الهام للكثير من الثورات والحركات الشعبية التحررية في كافة أنحاء العالم لسنوات طويلة، لذلك لا غرابة أن نجد أن الثورة الفرنسية عام 1789 قد تأثرت كثيرا بأفكار الثورة الأمريكية التي سبقتها .

يعد الدستور الأمريكي بمثابة القانون الأعلى في البلاد والذي أرسى أسس ودعائم النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، فعلى مدى أكثر من مائتي عام لعب الدستور دور المرشد في تطور النظام السياسي الأمريكي بشكل يضمن الاستقرار السياسي والحرية الفردية والتطور الاقتصادي والاجتماعي وهو أقدم دستور مكتوب في العالم .

فلقد أراد واضعوا الدستور إحكام السيطرة علي الحكومة وذلك بتقسيمه إلي سلطات ثلاث: تشريعية وتنفيذية وقضائية، والحقيقة أن هذا المبدأ العام المتمثل في الفصل بين السلطات كان من نتاج أفكار الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو في القرن الثامن عشر الذي أصر علي أن نظام القيود والتوازنات أو تداخل سلطات أفرع الحكومة بعضها لبعض سوف يحول دون تركيز خطير في السلطة .

يشارك النظام الأمريكي النظم الغربية الليبرالية المعاصرة كونه نظاما نيابيا يأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات في جانبيه التنظيمي والقانوني ، وصورته الحالية هي وفقا للدستور الصادر عام 1787 .
يقوم النظام الرئاسي الأمريكي علي فكرة الاستقلال فيما يتصل بكيان مؤسساته السياسية العضوي والوظيفي وفي علاقة سلطتي التشريع والتنفيذ وذلك علي النحو التالي:

1.أنه نظام نيابي:

تسند فيه الوظيفة السياسة بشقيها التشريع والتنفيذ إلي هيئات منتخبة من قبل الأمة، فتسند الوظيفة التشريعية إلي البرلمان( الكونجرس) بمجلسيه النواب والشيوخ، كما تسند الوظيفة التنفيذية إلي الرئيس، وعلي اعتبار أن كلا من الرئيس والكونجرس يقوم علي وظيفة نيابية فلا يسئل عن أدائها إلا أمام الأمة التي انتخبته

2.الاستقلال فيما يتصل بعلاقة سلطتي التشريع والتنفيذ:

ونعني بذلك أن رئيس الدولة – ورئيس السلطة التنفيذية – في النظام الرئاسي لا يملك حل البرلمان أو احد مجلسيه، ولا يملك تأجيل أو تعطيل ادوار انعقاده، ولا يملك التدخل في أعماله، ولا يملك حق التقدم إليه بمشروعات للقوانين، وهكذا يقتصر دوره عند حد ممارسة مهام السلطة التنفيذية فحسب .

أما السلطة التشريعية في ظل النظام الرئاسي فتقوم علي مهمة أساسية هي إعداد التشريع بما في ذلك التشريع المالي، ولكن دون أن يكون من حقها أن تحاسب السلطة التنفيذية علي أعمالها، ولا تملك المجالس التشريعية في هذا النظام توجيه أسئلة أو استجوابات لرئيس السلطة التنفيذية أو معاونيه من الوزراء، كما أنها لا تملك الحق في سحب الثقة منهم أو خلعهم من مناصبهم.

وبصدد وظيفة التنفيذ:

فإن الرئيس يستقل بها ولا يعرف النظام الأمريكي الوزارة كمؤسسة مستقلة تقوم إلي جانب الرئيس، ولذلك يأتي الرئيس بمساعدين (سكرتارية)، وهم مجرد معاونون له يعينهم هو ويقيلهم وحده متى شاء، وهؤلاء المعاونون غير متضامنين فيما بينهم، فهم يعينون فرادي ويقالون فرادي، فالقول الفصل له وحده ولو ذهب فيه بمفرده إلي نقيض ما ذهبوا إليه مجتمعين .

وتأكيدا للفصل العضوي بين الوظيفتين السياسيتين(التشريع والتنفيذ) لا يجمع معاونو الرئيس بين وظائفهم وعضوية الكونجرس ولا يجوز لهم حضور جلسات الكونجرس (وإن حضروا باعتبارهم من الجمهور) .
وجدير بالذكر أن، هيئة التنفيذ (الرئيس) لا تملك شيئا بالنسبة للكونجرس، أي لا يوجد وسائل تأثير علي الكونجرس، كما أن الرئيس ومعاونيه غير مسئولين سياسيا أمام الكونجرس .

ومن هنا فإن ملامح الاستقلال الوظيفي واضحة بين سلطتي التشريع والتنفيذ في النظام الأمريكي حيث لا تداخل عضوي ولا تداخل وظيفي في الاختصاصات .

غير أن واضعي الدستور الأمريكي جاءوا باستثناءين اقتضاهما سير النظام الأمريكي ذاته رغم ارتباطه بمبدأ الاستقلال

- الاستثناء الأول: في مجال التشريع:

إعطاء رئيس الجمهورية حق الاعتراض التوفيقي (حق الفيتو التشريعي) علي القوانين التي يصدرها الكونجرس، وهو بذلك يلفت نظر البرلمان إذا ما رأي أن قانونا ما سيعرقل سياساته أو يتعارض معها ، إلا أن هذا الحق – والذي يعد تدخلا واضحا في العمل التشريعي – لا يمكن أن تأتي مطلقة بغير قيد أو وإلا كان معني ذلك أننا نزعنا عن البرلمان سلطته التشريعية، ومن هنا كان لابد من أن يتمتع البرلمان بإقرار نفس القانون مرة أخري مع اشتراط إقراره بأغلبية ثلثي أعضائه .

- الاستثناء الثاني: في مجال التنفيذ:

لا يستطيع الرئيس الأمريكي ممارسة حقه في تعيين كبار موظفي الاتحاد( كالوزراء والسفراء وقضاة المحكمة العليا) إلا بعد حصوله علي موافقة مجلس الشيوخ، وللرئيس أن يعقد المعاهدات ولكن هذا لا يعني أن أمريكا التزمت بها، إلا إذا صدق عليها مجلس الشيوخ- كما حدث بشأن معاهدة حظر التجارب النووية، وأيضا قد يعترف الرئيس بدولة ناشئة، ولكن يرفض مجلس الشيوخ التصديق علي تعيين سفير فيها، فيصبح الاعتراف بالدولة بلا محتوي حقيقي .

أضف إلي ذلك، الاستثناءات التي أفرزها الواقع، فالتطبيق الواقعي لهذا النظام كان لابد وأن يؤدي إلي قيام تعاون ما بين رئيس الدولة وبين البرلمان، وهي ممارسات فعلية تتمثل في التعاون الفعلي وليس المنظم دستوريا بين الرئيس والكونجرس بمجلسيه ( الشيوخ والنواب) وتتمثل في:

أولا: يستطيع الرئيس الأمريكي التأثير – عملا – في مواقف الكونجرس إزاء بعض مطالبه التي يقتضيها سياساته، وذلك من ثنايا ضغطه علي أعضاء الكونجرس الذين ينتمون إلي حزبه .

ثانيا: يستطيع الكونجرس التأثير علي الرئيس من خلال تصديه لمطالب الرئيس للاعتمادات المالية التي تقتضيها سياساته ( من خلال إقرار الميزانية العمومية للدولة من جانب الكونجرس)، ومن ثم للرئيس أن يعد الإستراتيجية ويرسم السياسات لكنه يعجز عن تنفيذها إذا ما قرر الكونجرس حرمانه من الأموال اللازمة لتنفيذ هذه السياسات ز بل ويفرض عليه سياسات أخري عبر تخصيص أموال لها أو عبر اشتراط تنفيذها مقابل تمويل سياسات أخري وهكذا .

وجدير بالذكر أن هذه الاستثناءات الدستورية الواقعية قد جاءت لكي تلطف من حدة فكرة الاستقلال حيث أوجدت وسائل لتبادل التأثير والتأثر بين الرئيس والكونجرس . ويذكر ديفرجيه" أنه زواج بدون طلاق فهما مضطران للعيش معا دون فراق، أي دون إمكانية للانفصال" .


:sunny:
إلي الجزء الثاني
صورة العضو الرمزية
By نهاد
#5808
مشكورة صفاء على هذا الطرح ، وفى الواقع مجهود رائع يثبت أننا نفهم الأمريكان أكثر منهم أنفسهم، وأود أن أشير إلى بعض الملاحظات ، خاصة وأن بعض الأنظمة العربية تُتهم بطغيان سلطاتها التنفيذية على التشريعية ، وإن صح هذا الاتهام ، إلا أننا يجب أن نقول ما لنا وما علينا .


تطرح سلطات الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية جدلا فقهيا ونظريا بين من يعتبر أن سلطة الرئيس مقيدة بكوا بح الدستور التي وضعت للحد من نزوعه للهيمنة كإجراءات المراقبة واستقلال السلطتين التنفيذية والتشريعية ، كما أن الأجهزة السياسية الفرعية " التنفيذية" رغم كونها تابعة رئاسيا لسلطته ، فهي تعمل في الحقيقة وفقا لآليات تجعلها مستقلة عن إرادته إلى حد كبير بسبب تدخل قوى ومجموعات اللوبي من خلال علاقاتها التحتية والخفية كالعلاقات بين أعضاء الكونجرس ومسئولي الأجهزة البيروقراطية والتحالفات بين جماعات سياسية واقتصادية، كالمؤسسة العسكرية والشركات الكبرى و أجهزة المخابرات .بينما يرى رأى ثان أن سلطة الرئيس هي المحور الأساسي للنظام الأمريكي .

فعلى سبيل المثال رغم أن الكونجرس يتمتع بسلطة إعلان الحرب إلا أنه من الناحية العملية فإن القرار السياسي والعمليات الحربية التي تترتب عنه تظل بيد الرئيس إلى حد كبير وفى محاوله لكبح سلطات الرئيس في هذا المجال أصدر الكونجرس قرار" سلطات الحرب" إلا أنه أيضا لم يضع حدا رادعا لمثل هذا الإجراء حيث أن فترة الستين يوما كافية لتنفيذ أي عمل عسكري بالغ التأثير .
كما أن الرئيس يفلت في الواقع من مراقبة مجلس الشيوخ في مجال السياسة الخارجية وذلك بأنه يلجأ إلى ما يعرف بالاتفاقيات التنفيذية وهو اتفاق بين الرئيس وأي دولة أجنبية له قوة القانون ومن المهم أن نشير إلى أن النسبة الغالبة من الاتفاقيات التي تبرمها الولايات المتحدة الأمريكية تتشكل من هذه الاتفاقيات.
بالإضافة إلى أن رئيس الدولة بمقتضى رئاسته للسلطة التنفيذية يرأس فعليا الإدارة الفيدرالية ويعين كبار موظفيها مما نتج عنة تضخم في الجهاز التنفيذي أدى في المقابل إلى تضخم لسلطات الرئيس في مواجهة الكونجرس.

هذا وتدعم وجه النظر هذه رأيها بأنه يوجد تراجع لسلطات الكونجرس في النظام الأمريكي حيث أن قراراته عرضة لتحولات سياسية تتجاوز نطاق اختصاصاته الدستورية المحددة فالأحزاب وجماعات اللوبي والزعماء البرلمانيين كذلك نفوذ كبريات المؤسسات الاقتصادية وأيضا العلاقات التبادلية التأثير بين كل من الجهاز التنفيذي والبرلمانيين على مستوى لجان الكونجرس والوكالات التنفيذية كل هذا يساهم في مجموعة في تشكيل قرارات الكونجرس وبهذا يتضح جليا مدى عدم التوازن في القوى والتحالفات داخل الكونجرس مما يعكس التراجع في دور الكونجرس داخل النظام الأمريكي.

وبهذا يتبادر إلى الذهن سؤال غاية في الأهمية : هل يمكن القول أننا نعيش عصر تطغى فيه السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية حتى في أكثر الأنظمة السياسية اتزاناً من حيث مبدأ" الفصل بين السلطات"؟
:joker: