منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#5813
(المبحث الثالث)


وجهات النظر المختلفة فى جدوى الغزو الامريكى للعراق
تعددت الرؤى الدولية والإقليمية والمحلية حول جدوى الغزو الأمريكى للعراق، الإ انة ومن المهم أن نشير إلى الأبعاد المختلفة كى يمكن أستيعاب تلك الرؤى فى ظل الظروف السائدة سواء على المستوى الدولى أو الإقليمى أو المحلى.
أولا: الأوضاع الداخلية للعراق
شاء قدر العراق أن يضم العديد من الأعراق من السنة والشيعة والأكراد والتركمان وغيرها ،.ولذا أتسم حكم صدام حسين بدرجة عالية من السيطرة السياسية من خلال تركيبة النظام السياسي كونها تكشف عن حجم اتساع القاعدة الشعبية الداعمة له وبالتالي عن مدى تمتعه بالشرعية وجوداً أو عدماً. وتكمن نقطة الانطلاق الرئيسية في فهم النظام العراقي في تبين الدور المحوري للرئيس صدام حسين في إطار العملية السياسية. فصدام حسين هو رئيس مجلس قيادة الثورة الذي يعد أهم مؤسسات صنع القرار في العراق، والذي يتمتع بصلاحيات تشريعية تجب نظيراتها للمجلس الوطني (أي الهيئة التشريعية) بخلاف الصلاحيات التنفيذية الواسعة التي يمارسها. وهو يرأس مجلس الوزراء ويعين باقي أعضاء المجلس ويقيلهم، كما أنه يتولى الأمانة العامة لحزب البعث العربي الاشتراكي وهو الحزب الحاكم في إطار صيغة تعددية هشة تشترط لتأسيس الحزب بين ما تشترط الإيمان بمبادئ البعث. وفى عبارة موجزة فإن النظام يدور حول شخص الرئيس ويتمحور من حوله.
ويعتمد صدام حسين في تأمين نظامه على أحد أضلاع المثلث السني الواقع شمال بغداد وغربها، وهو المثلث الذي ظل يضخ في النخبة العراقية أبرز عناصرها على امتداد ما يزيد على نصف القرن،هذا بلإضافة إلى الأجهزة الأمنية مثل: فدائيو صدام وجيش القدس والحرس الجمهوري، والأخير من أخلص أجهزة الرئيس له وأكثرها تدريباً ومرانا.
وبقدر ما عمقت هذه العلاقات الشخصية من ولاء أطرافها للنظام العراقي الحاكم وربطت مستقبلها بمستقبل الرئيس صدام حسين شخصياً، فإنها قادت إلى تهميش الغالبية الساحقة من المواطنين العراقيين في مواجهة قلة لا تزيد عن 0.27% من إجمالي السكان.
وفى الوقت نفسه فإن ضيق كل من قنوات المشاركة السياسية وفرص التعبير عن الرأي جعل من المحاولات الانقلابية الوسيلة الرئيسية للتعبير عن الاحتجاج الشعبي، وهي المحاولات التي كانت تجهض بفعل إحكام القبضة الأمنية للنظام.
والعراق يأتي ضمن الدول العربية التي تتمتع بأقصى درجة من التعددية الإثنية شأنه في ذلك شأن دول أخرى مثل سوريا ولبنان والسودان، إذ لا نكاد نجد جماعة إثنية في الوطن العربي إلا ولها امتداداتها داخل العراق.
ومثل هذا الوضع الإثني شديد التعقيد ينطوي على مجموعة من الحقائق واجبة المراعاة عند تصور سيناريوهات المستقبل العراقي. إحداها أن هناك تلازماً بين التقسيم الإثني والتقسيم الجغرافي حيث يتوزع العرب والأكراد والشيعة على أقاليم الوسط والشمال والجنوب على التوالي. والأخرى أن هناك تاريخاً طويلاً من التنازع ليس فقط بين الجماعة الإثنية المسيطرة (أي العرب السنة) وما عداها من جماعات تعاني درجات مختلفة من التهميش، ولكن فيما بين هذه الجماعات الإثنية وبعضها البعض.
والحالة النموذجية ذات الصلة هي حالة العلاقة بين الأكراد والتركمان لا سيما مع تركزهم الجغرافي في المنطقة ذاتها وهى الموصل وكركوك، وهي العلاقة التي صورها البعض على أساس تهميش الأكراد للتركمان وتعاملهم معهم بوصفهم أقلية.

و يمكن التمييز في هذه الجزئية بين المعارضة العراقية فيما بين معارضة الداخل ومعارضة الخارج .ففي طليعة المعارضة يأتي الحزبان الكرديان: الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، وهما حزبان يحصران مطالباتهما في كل ما يخص الأكراد مع الوعي بالتطور الذي أصاب تلك المطالب وانتقل بها من احترام الحقوق الثقافية للأكراد وإشراكهم في هياكل السلطة وفق نسبتهم العددية وتفعيل صيغة الحكم الذاتي التي نص عليها بيان 11 مارس 1970 إلى اقتراح الفيدرالية للدولة العراقية على ما سوف يجيء. (1)
وفى إطار الجماعة الإثنية نفسها ظهرت الحركة الإسلامية لكردستان العراق التي يتزعمها الشيخ علي عبد العزيز ومقرها حلبجة، وقد انشق عنها فصيل آخر حمل اسم أنصار الإسلام تزعمه الملا كريكر الذي اعتقل في أوروبا في عام 2002 بدعوى ارتباطه بتنظيم القاعدة.
كذلك فإن هناك الحزب الديمقراطي التركماني العراقي الذي أسسه مظفر أرسلان في عام 1988، وظل يعمل في السر حتى تحول إلى العلانية في عام 1991 أي بعد حرب الخليج الثانية عندما تمتع باستقلال نسبي في ظل منطقة الحظر الجوي الشمالية. وكما هو واضح من اسمه فإن الحزب المذكور يركز في مطالبه على الجماعة التركمانية، ويدعو إلى إقامة كونفدرالية عراقية. وهناك بالطبع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي تأسس في عام 1982، أي بعد ثلاثة أعوام فقط من قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي يتواصل معها مذهبياً وسياسياً والتي تستضيف قيادته ممثلة في محمد باقر الحكيم وجناحه العسكري ممثلاً في فيلق بدر.
وفى المربع الشيعي أيضا يقف حزب الدعوة الإسلامية الذي أسسه محمد باقر الصدر في نهاية الخمسينيات، إلا أن ملاحقته الأمنية المستمرة وتصفية كوادره الرئيسية بما في ذلك مؤسسه نفسه كانتا من الأسباب المباشرة لإضعافه بالمقارنة بالمجلس، ويقود الحزب حالياً أبو أحمد الجعفري.
هذا بخلاف بعض التنظيمات التي تضم عسكريين عراقيين أمثال التحالف الوطني العراقي الذي تأسس عام 2000 تحت قيادة شيعية، مثلها توفيق اليسري الذي تولى رئاسة الأكاديمية العسكرية العراقية وشارك في الانتفاضة الشيعية في 1991. وكذلك العديد من قوى المعارضة غير المؤطرة تنظيمياً خصوصاً المعارضة القبلية للرئيس صدام ونظامه. (1)
ويمثل المؤتمر الوطني العراقي المظلة الرئيسية لحركات المعارضة الناشطة في المنفى، وقد تأسس في عام 1992 على إثر اجتماع كل من الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني في فيينا بحضور عشرات من تنظيمات المعارضة. وقد اختير أحمد الجلبي لرئاسة اللجنة التنفيذية للمؤتمر وهو علماني شيعي تعلم في الولايات المتحدة .
وكسائر فصائل المعارضة العراقية، انشقت عن المؤتمر بعض قواه ومن بينها الحركة الوطنية العراقية التي ضمت بعض كبار الضباط السابقين في الجيش العراقي وتأسست في عام 2001. كما أن هناك المجلس الأعلى للإنقاذ الوطني الذي تشكل في الدانمارك في عام 2002 برئاسة وفيق السامرائي المدير السابق للمخابرات العسكرية العراقية ،ونزار الخزرجي الرئيس السابق للأركان. وهناك الوفاق الوطني العراقي الذي شكله إياد علوي الرئيس السابق لاتحاد الطلاب العراقيين في أوروبا.
وعلية فإننا عندما نتكلم عن المعارضة العراقية إنما نتكلم في واقع الأمر عن معارضة متشرذمة أو مجزأة بعضها من بعض، أكثر من ذلك فإن هذه المعارضة أو إن شئنا دقة التعبير العناصر الرئيسية للمعارضة تتميز بالطائفية، وبالتالي فإنها تدور حول جماعة إثنية بذاتها وتحصر مطالبها في حدودها.
وبإلقاء نظرة على سيناريو الحكم العسكري الأمريكي وهو السيناريو الذي ترشحه الولايات المتحدة لفترة انتقالية تالية على انتهاء المعارك العسكرية وسقوط نظام صدام حسين، وتعتبره ضرورياً لتنشئة الشعب العراقي على مبادئ الديمقراطية وقيمها وإعادة بناء مؤسسات الدولة، بما يسمح بترجمة هذه المبادئ والقيم إلى سياسات وإجراءات. ففي الوقت الذي كان يجهز فيه هذا السيناريو ويتم ترشيح أبطاله وتحديد مراحله، كانت تجرى على قدم وساق محاولات نظرية لتسويقه وتبريره بأسانيد مختلفة وبذرائع متعددة. ومن أهم المحاولات ذات الصلة تلك التي قام بها ريتشارد هاس مدير هيئة تخطيط السياسة في وزارة الخارجية الأمريكية، والتي تمثل في جوهرها انقلاباً على المفهوم التقليدي للسيادة وتُشَّرع التدخل الدولي (الأمريكي في الواقع) لتقييد تلك السيادة، وتبدو وكأنها صممت خصيصاً لتطبق أول ما تطبق على العراق. يقول هاس: لم يعد من الممكن اعتماد المعايير المتهالكة للسيادة التي تحتكر للدولة حق استخدام القوة على أرضها، وتقف عليها تنظيم حركة التنقل عبر حدودها، وتخولها تصميم سياستها الخارجية بما يخدم مصالحها القومية، وتحصنها ضد التدخل الدولي في شئونها. ومن هذه النقطة ينطلق هاس ليؤكد أن المعايير المشار إليها يمكن أن تقود لشر مقيم إذا كانت الدولة المعنية غير جديرة بها، وهو يحصر مظاهر عدم الجدارة وبالتالي أحقية المجتمع الدولي في التدخل في الحالات الآتية: ضعف الدولة، واضطراب الحدود، وإخلال الدولة بالتزاماتها، سواء حيال مواطنيها أو تجاه المجتمع الدولي. والحالات الثلاث يمكن تلبيسها بشكل أو بآخر على النموذج العراقي بالقدر نفسه الذي يمكن به اختزال المجتمع الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية.
وذلك أننا لو سلمنا بأن من بين المعارضين العراقيين من يرضى بتسهيل عمل القوات الأمريكية على إسقاط نظام صدام حسين (ومنها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، والمؤتمر الوطني العراقي، والحزبان الكرديان) مقابل من يرفض تلك التسهيلات بالمقارنة (منظمة العمل الإسلامي وحزب ولاية الفقيه). فإننا لا نكاد نجد طرفاً معارضاً يقبل بوجود حاكم عسكري في العراق، وهذا منطقي لأنه لا يعقل أن يستبدل عراقي وطني محتلا أجنبيا بحاكم متسلط. وقد عبرت جميع قوات المعارضة العراقية عن هذا الموقف بشكل واضح في مواقف مختلفة. وعكس البيان السياسي لمؤتمر لندن الذي حضرته تلك المعارضة في ديسمبر 2002 هذه الحقيقة بجلاء تام حيث نص البند السادس من البيان وبدون مواربة على ما يلي "رفض أية تدخلات تهدف إلى تجاوز إرادة الشعب العراقي في عملية التغيير". واستطرد مضيفاً "ويرفض المؤتمر أية صيغة من صيغ الاحتلال أو الحكم العسكري المحلى أو الأجنبي أو الوصاية الخارجية أو التدخل الإقليمي، ويؤكد على ضرورة احترام سيادة العراق واستقلال الدول المجاورة". بعبارة أخرى فإن فصائل المعارضة تميز تمييزاً واضحاً -بما في ذلك منها الذي يقبل بالعدوان الأمريكي- بين معاداة نظام الرئيس صدام حسين من جهة وبين التمرس على الديمقراطية بواسطة جنرالات الولايات المتحدة من جهة أخرى. وفي هذا السياق جاء إعلان فيلق بدر الأخير رفضه الحرب إلى جانب المعسكر الأمريكي.
وإذا كانت الاعتبارات الداخلية السابقة تمثل قيوداً حقيقية على تحويل سيناريو الحكم العسكري من خطط الإدارة الأمريكية الجمهورية إلى واقع يعيش فيه العراقيون، فإن هناك قيوداً أخرى إقليمية ودولية لا تقل تأثيراً (1)
ثانيا: الأبعاد الإقليمية للأزمة العراقية

أولا: دول الجوار.. الخيارات الصعبة

باستعراض وتحليل سلوك بعض الدول المعنية يجعلنا أمام مجموعتان تتفاوت في إدراكها وتأثرها بتداعيات المواجهة المحتملة بين الولايات المتحدة والعراق:
• فهناك أولا مجموعة الدول التي تتأثر حتما بتداعيات هذا النزاع وترتبط بشكل مباشر بصراع لا يقل أهمية، وهو ما يعرف بالصراع العربي الإسرائيلي الذي يتسم بالغطرسة الصهيونية في إهدار الحقوق الفلسطينية، وتطلعها لضربة ضد العراق تزيد من اختلال التوازن لصالحها.
• وهناك المجموعة الثانية وتضم مجموعة الدول المرتبطة بعلاقات الجوار مع العراق، وهي المتمثلة في الدول الخليجية العربية وإيران وتركيا .
وهذه المجموعة تتميز في كونها -إذا استثنينا إيران- مؤهلة أن تقدم الأرضية اللوجيستية لضربة أميركية محتملة، من خلال إيوائها لقواعد أو أراض لا ريب في استعمالها من طرف القوات الأميركية.
المجموعة الأولى:
تضم هذه المجموعة التي تتضمن دول الجوار القريب الذي يتفاعل بشكل مباشر مع تداعيات المنطقة، يمكن أن نسجل أن كل هذه الدول تنتمي بشكل واسع للمنظومة الإسلامية. وتتفق جميعا في ضرورة العمل على حل هذه الأزمة بالطرق السلمية، أي إعطاء الأولوية لمجلس الأمن لوضع شروط التعامل معها. لكنها تختلف بشكل واضح في نقط متعددة، بل أكثر من ذلك في طبيعة علاقاتها مع الولايات المتحدة.

• الدول العربية الخليجية
منذ انذلاع أزمة الخليج الثانية، فقد باتت كل الدول الخليجية تؤوي قواعد أميركية. وليس مستبعدا أن تكون منطلقا للهجوم على العراق. ويشكل هذا الأمر حرجا كبيرا لها، لكنها تدرك جيدا في ظل الوضعية القلقة أنه لا يمكن لها الاستغناء عن الوجود الأميركي في المنطقة لضمان أمنها. فهناك مخاطر متعددة في هذا المحيط القلق بفعل موقعه الإستراتيجي، تغذيها الولايات المتحدة لتأبيد حضورها المادي في هذا الفضاء. لكن هذا القاسم المشترك لا ينفي وجود تمايزات بين الأطراف الخليجية في تدبير هذه المشكلة.
1- الكويت
فالكويت التي عانت من الغزو العراقي لها لا تطرح نقاشا كبيرا حول السماح للولايات المتحدة باستعمال أراضيها لشن الحرب على العراق.. وبصفة عامة يقوم الموقف الكويتي على العناصر التالية:
• أولا: إن الوجود العسكري الأميركي والبريطاني هو نتاج لمعاهدة أبرمت بين هذا القطر وتلك الدول، ومن بينها تلك الدائمة العضوية في مجلس الأمن لحماية أراضيها. فهي تندرج ضمن أعمال سيادتها التي تسمح لها بالدفاع عن استقلال وحرمة أراضيها ضد أي خطر خارجي.
• ثانيا: إن الكويت ملتزمة بأي قرار يصدر عن مجلس الأمن في إطار الفصل السابع. فهي التي تم تحريرها بفضل قرارات مجلس الأمن ولا يمكن لها أن تتنكر لها إذا كانت تزكي الهجوم على العراق.
• ثالثا: إن الجيش الكويتي لن يشارك بشكل مباشر في قوات التحالف للحرب ضد العراق في حالة وقوع مواجهة عسكرية. لكن الكويت لا يمكن لها أن تمتنع عن تقديم تسهيلات ومساعدات للقوات الأميركية في حربها المحتملة ضد العراق، لأن "الولايات المتحدة سبق أن أرسلت أبناءها وقواتها إلى الكويت مواجهين خطر الموت من أجل تحرير البلاد من الغزو والاحتلال العراقي" [تصريح لمسؤول كويتي منشور في جريدة الرأي العام الكويتية بتاريخ 24 ديسمبر/كانون الأول 2002 ص 1 و37 ] .
واضح أن الموقف الكويتي ما يزال محكوما بمخلفات الاجتياح العراقي للبلاد في أغسطس/ آب 1990. وهو بذلك قد ينظر بعين الارتياح إلى كل عملية تستهدف إسقاط النظام الذي ساهم في غزوه.
2- السعودية
ربما تميزا عن هذا الموقف الكويتي، تحاول المملكة العربية السعودية تمرير خطاب أكثر استقلالية عن أميركا. وحسب تصريحات مسؤوليها فإنها ترفض استخدام القواعد العسكرية الموجودة فوق ترابها لضرب العراق، حتى ولو صدر قرار من مجلس الأمن بذلك. ويتعلق الأمر أساسا باستخدام قاعدة الأمير سلطان الجوية في العمليات العسكرية ضد العراق. وهو الأمر الذي ردده بعض المسؤولين الأميركيين.
إن هذا الموقف السعودي المتحفظ يستند إلى مبررات موضوعية، من بينها أن العلاقات السعودية الأميركية قد تدهورت منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول. حيث تنامت الانتقادات الموجهة للسعودية، والتي تحاول أن تعتبرها مفرخة للإرهاب وهي تستند في ذلك إلى وجود 14 سعوديا من بين الـ 19 المشتبه في قيامهم بتفجيرات 11 سبتمبر 2001. بل ذهبت إلى حد توريط بعض الأمراء السعوديين في تمويل العمليات الإرهابية. و قد وصل بعض المحللين القريبين من الإدارة الأميركية -كما هو الأمر بالنسبة لصاحب التقرير الشهير مورورا- إلى الدعوة إلى اعتبار السعودية بمثابة عدو.
وإذا كانت دوائر القرار الأميركية لم تذهب إلى حد تبني مثل هذه الأطروحات والتحليلات، فإن دعوتها إلى إدخال إصلاحات سياسية على النظام -كما هو الأمر بالنسبة لمبادرة كولن باول الأخيرة- لا تجد ارتياحا كبيرا في السعودية. ومن هذا المنطلق ربما يعتقد المسؤولون السعوديون أن كل مباركة للسياسة القوية للولايات المتحدة قد تصطدم بالسخط الشعبي الذي ينتقد سياسة الكيل بالمكيالين والتكالب على المسلمين، بل ربما يدرك هؤلاء أن هذه الحرب المحتملة بمثابة مواجهة بين المسيحيين والمسلمين. (1)
لكن الموقف السعودي يبقى صعبا، فهامش المناورة يظل ضيقا. فمن الناحية الاقتصادية قد تقبل السعودية على الرفع من إنتاجها البترولي درءا لكل ارتفاع في الأسعار قد يزيد من مصاعب الاقتصاد العالمي، ويحمل الولايات المتحدة مسؤولية ذلك. وعلينا أن نتذكر أن السعودية قد أقدمت على ذلك في خضم الحرب في أفغانستان .
أما من الناحية العسكرية، فيطرح السؤال حول معرفة حدود مراقبة السعوديين للتحركات الأميركية ضمن القواعد الموجودة. وقد يكون من الصعب على السعودية في حالة اندلاع المواجهات ألا تسمح بتمكين الأميركيين ببعض التسهيلات اللوجستيكية لتنفيذ عملياتهم ضد العراق. ومن الناحية السياسية تدرك القيادة السعودية أنه لا يمكن لها أن تعارض كثيرا الإرادة الأميركية، لأنه في حالة تحقيق الولايات المتحدة لانتصار وبالتالي احتلالها للعراق، فإنها قد تزيد من ضغوطها على السلطات السعودية للقيام بإجراءات قد تكون لا شعبية، لمحاربة ما تسميه الولايات المتحدة الشبكات الإرهابية التي تعتبر السعودية أنها قامت بمحاربتها من خلال تجميد عدد من الحسابات البنكية، وكذلك استنطاق عدد من المشكوك في انتمائهم لمثل تلك الشبكات.
بصفة عامة يبدو واضحا أن تأثير الدول العربية الخليجية في تفادي ضربة عسكرية يبقى جد محدود. بل أكثر من ذلك قد لا يمكن لها منع استعمال أراضيها من طرف القوات الأميركية، طالما أنها أبرمت معاهدات فتحت بموجبها الباب أمام الوجود الأميركي. وقد كان وزير خارجية قطر واضحا في هذا الإطار، عندما صرح على هامش القمة الخليجية الأخيرة الدورة الـ 23 التي انعقدت بالدوحة يومي 21 و22 ديسمبر الماضي، فأكد أن كافة الدول الخليجية قد سبق لها إبرام معاهدات عسكرية مع الولايات المتحدة [أنظر نص الندوة في جريدة الأنباء الكويتية بتاريخ 23 ديسمبر 2002]. ومن ثم فإن تأكيد القمة الخليجية الأخيرة على ضرورة احترام وحدة واستقلال العراق لا يخرج عن المواقف المكررة للمنتظم الدولي بما فيها الولايات المتحدة التي تمارس ممارسة أخرى. (2)
• الأردن وسوريا ومصر
ثلاث دول عربية تظل معنية بشكل واضح بتداعيات كل حرب محتملة بين الولايات المتحدة والعراق. و هي الأردن وسوريا ومصر. وهي في نفس الوقت معنية بالصراع الدائر في الشرق الأوسط نتيجة سياسة الغطرسة التي تمارسها حكومة شارون بنوع من غض الطرف الأميركي. بصفة إجمالية ترفض هذه الدول الثلاث مساندة المخططات الأميركية في المنطقة.
1- الأردن
ويتخوف الأردن أكثر من الانعكاسات المحتملة على اقتصاده الذي يرتبط كثيرا بالمبادلات مع العراق، والذي بدأ يسترجع نوعا من عافيته -كما تدل على ذلك الأرقام- بعد المصاعب التي واجهها من جراء أزمة الخليج الثانية، والحظر الشامل المضروب على العراق. لكن بصفة عامة، فإن الولايات المتحدة تدرك جيدا دقة الموقف الأردني. ويمكن القول إنه بالنسبة لهذا البلد العربي المجاور للعراق، فإن الأمر قد يقتصر على كيفية تدبير الانعكاسات الإنسانية لمواجهة محتملة، لا سيما إذا طالت وخلفت خسائر مادية وبشرية قد يصعب التحكم فيها.
2- سوريا
بالرغم مما يبدو من توتر ظاهري في العلاقات السورية الأميركية، فإن هناك مؤشرات واضحة على وجود نوع من التواصل يرتكز على حماية مصالح الطرفين. صحيح أن الخارجية الأميركية ما زالت تدرج سوريا ضمن الدول الإرهابية. لكن في الواقع فإن سوريا بتقاليدها البرغماتية تسعى إلى عدم إقرار القطيعة مع الإدارة الأميركية، وحتى في صراعها مع إسرائيل فقد حرصت دائما على ألا تتحول أراضيها إلى منطلق للقيام بعمليات ضد الدولة العبرية.
وهناك تعاون سوري واضح لمحاربة شبكات الإرهاب ومنها القاعدة. وهو أمر يساير التصور الأميركي والأممي، من خلال إعطاء فعالية لمحتوى القرارات التي أصدرها مجلس الأمن كرد فعل على هجمات 11 سبتمبر 2001 . في نفس السياق فقد صوتت سوريا لصالح القرار الأممي 1441، وهو الأمر الذي اعتبر مؤشرا واضحا على تفضيل سوريا الانخراط في الاتجاه القاضي بمنع المواجهة، أكثر من الإصرار على موقف يعطي الأولوية للاعتبارات القومية بدون فعالية.
وتسعى السياسة السورية إلى نوع من التوازن. ففي الوقت الذي تحاول تذليل الحواجز مع أميركا، فهي ترفض سياسة الانحياز التي تمارسها الولايات المتحدة لصالح إسرائيل وضد الشرعية الدولية. كما ترفض سياسة الكيل بالمكيالين الهادفة إلى شن العدوان على العراق، رغم التزامه بالقرار 1441 الذي صوتت سوريا لصالحه. لكن بالمقابل فإنها عملت كذلك على إنماء علاقاتها مع بغداد، وكذلك تقوية أواصرها مع المعارضة العراقية التي تملك مكاتب في العاصمة السورية.
وبصفة عامة لا يمكن لسوريا إلا التشبث بموقف يدعو إلى تسوية هذه الأزمة بطرق سلمية، قد تساهم في مزيد من إضعاف الرئيس العراقي. لكنها تتخوف في نفس الوقت من الانعكاسات السلبية على اقتصادها، في حالة وقوع مواجهة قد تدوم لمدة أطول. علاوة على ذلك فإنها تتخوف من الاختلالات الإستراتيجية التي قد تكون في صالح إسرائيل.. وأخيرا وكما هو الأمر بالنسبة لإيران وتركيا، فإن احتمال قيام دولة كردية في العراق قد يفضي إلى خلق لا استقرار بفعل الوجود الكردي في الدول الثلاث. (1)
3- مصر:
مثل غزو الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق تحديا كبيرا للسياسة المصرية، والتى ترفض من حيث المبدأ استخدام القوة المسلحة لحل المشكلات والأزمات الدولية. وقد زاد من عمق التحدى أن القائم بالغزو هو الدولة العظمى الأولى فى العالم، ولم يكن هناك طرف دولى آخر أو مجموعة قوى دولية تستطيع منع هذا الغزو، وفى الوقت نفسه فإن العلاقات الثنائية بين مصر والولايات المتحدة تعد استراتيجية بكل المعانى، ولها تأثيراتها على كثير من اوجه الحياة المصرية، ولم يكن مطلوبا أو مرغوبا تعريضها إلى أزمة كبرى، أو التعامل مع الاندفاع الأمريكى العسكرى باستخفاف. وفى المقابل كان الطرف المعرض للغزو، بلد عربى له مصالح ممتدة مع مصر، فى الوقت نفسه كان متعذرا الوقوف بجانبه عسكريا فى مواجهة الغزو.
ومن هنا كان الرفض لمبدأ الغزو والأعمال العسكرية هو السمة الغالبة على الموقف المصرى، ولكن دون أن يتعدى التمسك بالمبدأ إلى تحركات عسكرية معينة. وبعد حدوث الغزو ووقوع العراق تحت الاحتلال الأنجلو أمريكى، تطور الموقف المصرى على نحو شمل الامتناع عن تأييد الاحتلال، والتمسك بالتحرك عربيا وإقليميا من اجل الحفاظ على وحدة العراق، مع المناداة بسرعة إنهاء الاحتلال، وبإفساح مجال للأمم المتحدة لكى تسهم فى إعادة السلطة والسيادة للشعب العراقى.(1)
رافق الموقف الرسمى موقف شعبى اتسم بالغليان والحماس ودعوات بالمقاطعة، ومناداة بالوقوف مع العراق وشعبه وقوى المقاومة فيه.
وقد عبرت كافة الجماعات والقوى السياسية الحزبية وغير الحزبية والمؤسسات الدينية والرأى العام فى مصر عن رأيها الرافض بقوة وإدانتها للنزعة العسكرية الأمريكية، ودعت إلى مساندة العراق بكل السبل .وبالرغم مما شكله ذلك من ضغط معنوى وسياسى على السياسة المصرية، فقد بدا واضحا إن لا مكان للاستجابة لدعوات المقاطعة وطرد السفراء، أو سحب السفراء المصريين من دول الغزو، أو منع مرور السفن الحربية الأمريكية والبريطانية فى قناة السويس، وذلك استنادا إلى اتفاقية القسطنطينية التى تبيح المنع فقط فى حالة تعرض مصر للعدوان، وهو ما لم ينطبق على هذه الحالة.

أولا ـ الموقف الرسمى من الاحتلال الأنجلو ـ أمريكى للعراق
مصر أكبر دولة عربية محتضنة للجامعة العربية ومستفيدة من المعونات الأميركية، إذا كانت قد ساندت التحالف الأميركي لتحرير الكويت من الاجتياح العراقي، فإنها تجد اليوم نفسها على شاكلة الدول الأخرى في موقف يفرض عليها الكثير من الحذر للتفاعل مع الأحداث. بصفة إجمالية، فهي ترفض المقاربة الأميركية الرامية لاستعمال القوة ضد العراق.. وترفض بالتالي استعمال الأراضي العربية لممارسة أي عدوان أجنبي. يتعزز موقفها بكون هذا الأخير التزم بمقررات الأمم المتحدة الرامية إلى تجريده من أسلحة الدمار الشامل، وفتح أبوابه للتفتيش، بل لم يعد يتحدث عن تهديد أمن جيرانه. وفضلا عن ذلك فإن قيام حرب قد يفقد مصر ما بين 6 و8 مليارات دولار، بسبب انعكاسها على السياحة والصادرات وعائدات قناة السويس. مما قد يزيد من المصاعب الاقتصادية والاجتماعية..(2)
وقد ربطت مصر بين ضرورة رفع العقوبات الدولية المفروضة على العراق منذ عام 1991، وبين التأكيد على مركزية دور الأمم المتحدة فى إعادة إعمار العراق، ومساعدة الشعب العراقى فى اختيار حكومته بحرية تامة، وفقاً لما تم الاتفاق عليه فى مؤتمر الرياض لدول الجوار. وذلك على أساس أن الأزمة العراقية بدأت بقرارات من الأمم المتحدة، ويفترض ان تنظمها قرارات أخرى اكثر وضوحا من جهة إنهاء الاحتلال وتسليم السلطة للعراقيين.

وقد تبنى وزراء الخارجية العرب هذا الموقف فى الدورة المائة والعشرين لمجلس الجامعة، وذلك بالتأكيد على لسان وزير الخارجية المصرى السيد أحمد ماهر بوصفه رئيساً للدورة على عدم وجود نية لإرسال قوات مصرية أو عربية للمشاركة فى القوة متعددة الجنسيات فى العراق. وذلك استنادا إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا خالفتا الشرعية الدولية بالذهاب إلى الحرب دون تفويض دولى، وانه لا توجد نية إظهار أى نوع من أنواع التأييد للولايات المتحدة فى العراق طالما بقيت الولايات المتحدة كقوة احتلال.
ثانيا ـ الموقف الحزبى والشعبى تجاه احتلال العراق
شهدت الساحة السياسية المصرية حالة من الاجتماع، بين كافة المؤسسات السياسية والثقافية والدينية ومنظمات المجتمع المدنى على رفض الاحتلال الأنجلو - أمريكى للعراق. كما عبرت عن تضامنها مع الشعب العراقى، ومساندتها للمقاومة العراقية فى مواجهة المحتل. كما أجمعت على ضرورة إنهاء الاحتلال بكافة الوسائل، وإقامة حكومة عراقية عن طريق الإرادة الحرة للشعب العراقى تحافظ على وحدة العراق وتعيده إلى محيطه العربى.
1ـ الحزب الوطنى الحاكم: جاءت مواقف الحزب الوطنى انطلاقاً من المبادئ التى حكمت الموقف المصرى من الأزمة العراقية، واتخذ الحزب من مواقف وبيانات الرئيس مبارك - بصفته رئيس الحزب والدولة معا ـ أساساً لموقفه من رفض العدوان والاحتلال الأنجلو أمريكى للعراق، ورفض أن يحكم العراق غير العراقيين، وهو ما أكده أمين عام الحزب صفوت الشريف فى لقاءه الشيخ عبد الكريم العلى الربيعى أمين عام الحزب الوطنى الديمقراطى الحر العراقى، والذى عبر خلاله الشريف عن رفض الحزب الوطنى التعامل أو التعاون إلا مع الأحزاب الوطنية التى تعبر عن الأهداف والرغبات الأصيلة للشعب العراقى، بصفته الوحيد صاحب الحق فى إدارة شئونه بنفسه.
2 ـ موقف مجلسى الشعب والشورى: فور وقوع الحرب أدان كل من مجلس الشعب والشورى العدوان، وأكدا فى بيانين منفصلين على احترام سيادة العراق وسلامة أراضيه ووحدته الوطنية، واحترام الشرعية الدولية ورفع المعاناة عن الشعب العراقى، وضرورة تدخل المنظمات الدولية والبرلمانات ومنظمات المجتمع المدنى لتوحيد الجهود لوقف تداعيات الحرب.
وطالب مجلس الشعب المصرى فى مشروع قرار قدمه إلى الاتحاد البرلمانى الدولى بوقف الحرب ضد العراق، وإنهاء جميع العمليات العسكرية، والعودة إلى مجلس الأمن لمباشرة مسئولياته فى حفظ الأمن والسلم الدوليين وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، ودعا الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار يؤكد على سيادة العراق وسلامه ووحدة أراضيه. وتضمن مشروع القرار الرفض المطلق لأى محاولة للتدخل فى الشئون الداخلية لأى دولة أو تغيير أنظمة الحكم بالقوة، وضرورة ممارسة الشعب العراقى لحقه الطبيعى فى اختيار حكومته بإرادته الحرة، وإنهاء الاحتلال الأنجلو - أمريكى.
و طالبت لجنة الشئون العربية والخارجية والأمن القومى بمجلس الشورى. وأكدت اللجنة على الالتزام القومى المصرى الواضح والمتمثل فى تأكيدات الرئيس حسنى مبارك على الحفاظ على أمن الشعب العراقى واستقراره وتراثه الإنسانى، وأن يكون حكم العراق للعراقيين، وحذرت من أن تداعيات الحرب قد تكون أخطر من الحرب ذاتها، وأن الوضع الإنسانى المعقد الذى يشهده العراق المحتل قد يؤدى إلى نتائج خطيرة ، وتضع تماسك العراق وأمنه وسيادته على قمة الأولويات.
وفى إطار الحرص على التواصل والانفتاح على القوى والفاعليات العراقية استقبل كل من الدكتور فتحى سرور والدكتور مصطفى كمال حلمى رئيسى مجلسى الشعب والشورى الوفد الشعبى العراقى برئاسة ماهر الدليمى رئيس لجنة الدفاع عن الشعب العراقى، حيث تم التأكيد على ثوابت الموقف المصرى تجاه العراق، التى تشمل ضرورة الحفاظ على سيادة العراق وسلامته الإقليمية ووحدة أراضيه، باعتباره جزءا لا يتجزأ من الأمة العربية، ورفع المعاناة عن الشعب العراقى الشقيق، ورفض أى محاولة للتدخل لتغيير أنظمة الحكم بالقوة، انطلاقاً من أن نظام الحكم هو شأن داخلى تختص به كل دولة، آخذة فى الاعتبار خصوصيتها الثقافية والدينية والاجتماعية، وضرورة الإسراع بتولى سلطة عراقية منتخبة المسئولية فى بغداد.
3ـ أحزاب المعارضة: لم تختلف مواقف أحزاب المعارضة عن مجمل المبادئ التى حكمت الموقف المصرى الرسمى. ولكن تميز موقفها بإعلان الدعم الكامل للمقاومة العراقية لقوات الاحتلال الأنجلو - أمريكى، فضلاً عن دعوتها بمقاطعة منتجات وشركات وبنوك الدول المعتدية.
وعلى الصعيد الحركى نظمت أحزاب المعارضة عدداً من المؤتمرات لمساندة الشعب العراقى، دعت فيها الحكومات العربية إلى وقف كافة أشكال التعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا، وعدم الاعتراف بأى حكومة عراقية تنصبها دولة الاحتلال، ومناشدة الشعوب العربية بالاستمرار فى التظاهر والاحتجاج السلميين حتى خروج جيوش العدوان من أرض العراق، ودعوة الشعوب العربية لمقاطعة منتجات وشركات وبنوك وطائرات وسفن الدول المشاركة فى العدوان والدول المتواطئة معها، والتضامن لتقديم الرئيس الأمريكى جورج بوش ورئيس الوزراء البريطانى تونى بلير إلى محكمة دولية. كما طالبت أحزاب المعارضة الدول العربية وقف تصدير بترولها لدول العدوان.
ومن جانب آخر شددت أحزاب المعارضة على ضرورة إلغاء قانون الطوارئ فى مصر، وإطلاق الحريات العامة حتى تستطيع الجماهير التعبير عن مشاعرها. وشددت أحزاب المعارضة على رفض الهيمنة الأمريكية على مقدرات الأمة العربية، وضرورة التوحد تجاه الهجمة الاستعمارية التى تواجهها المنطقة، والعمل على تغيير ميثاق الجامعة العربية بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة الجديدة .
ومن ناحية أخرى رأت أحزاب المعارضة أن الأزمة العراقية تقطع بأولوية قضية الديمقراطية والإصلاح السياسى للخروج من حالة الجمود السائدة فى غالبية البلدان العربية، ولمواجهة أى عدوان أو سيطرة خارجية. وناشدت أحزاب المعارضة القوى والتيارات السياسية العراقية بتجاوز الماضى وإقامة نظام ديمقراطى تعددى يضم مختلف القوى السياسية من أجل الحفاظ على وحدة وسيادة وأمن العراق.
وقد أيدت أحزاب المعارضة الموقف الرسمى الرافض إرسال قوات مصرية إلى العراق، وذلك على أساس أن الولايات المتحدة تحاول جر قوات عربية للعراق لحماية الاحتلال ذاته وإضفاء شرعية عربية عليه، وحتى تتفرغ للشأن الاقتصادى، والهمينة على البترول العراقى على وجه الخصوص.
4ـ مواقف النقابات: ساعدت الأزمة العراقية الأمريكية قبل الحرب وبعدها على بروز دور مؤسسات المجتمع المدنى والنقابات فى العمل السياسى، حيث قامت بعدد من الخطوات العملية، كإرسال قوافل إغاثة إلى العراق، وتنظيم المؤتمرات الجماهيرية لمساندة الشعب العراقى، ورصد قوائم للمقاطعة الاقتصادية لدول الاحتلال. وخلال الأزمة برز دور كل من نقابة الصحفيين والمحامين والأطباء، حيث تم عقد العديد من المؤتمرات الجماهيرية التى تم التعبير من خلالها عن رفض الاحتلال الأنجلو - أمريكى للعراق، واعتبار ذلك جزءاً من المخطط الأمريكى لإحكام السيطرة على العالم، وإعادة ترتيب أوضاع المنطقة وفقاً للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، وذلك على حساب المصالح والهوية العربية.
وقد أيدت النقابات المهنية والعمالية المقاومة العراقية للاحتلال بمختلف أشكالها، وقد خطت نقابة المحامين خطوة أبعد باتجاه دعم المقاومة العراقية بإعلانها عن فتح باب التطوع لمقاومة الاحتلال الأنجلو - أمريكى للعراق، وقد تسبب هذا الإعلان فى حدوث أزمة على خلفية تدفق آلاف الشباب المصريين إلى مقر النقابة لتسجيل أسمائهم استعداداً للسفر إلى العراق. وقد وصل عدد المتطوعين إلى نحو 17 ألف فرد، وبعد شعور هؤلاء المتطوعين بمماطلة مسئولى النقابة فى تجهيزهم للسفر عبروا عن غضبهم إلى حد الهتاف ضد مسؤولى النقابة، والإعلان عن اعتصامهم داخل مقر النقابة تعبيراً عن رفضهم لقرار النقابة بإغلاق باب التطوع. وقد تم حل الأزمة بعد تدخل نقيب المحامين سامح عاشور، الذى برر للمعتصمين قرار النقابة بأنه جاء على خلفية إغلاق الحدود الأردنية والسورية مع العراق، الأمر الذى منع كثيرا من المتطوعين من العبور والمشاركة فى قتال قوات الاحتلال.
وعلى صعيد التحرك الشعبى، وبالرغم من رفض الجهات الأمنية تنظيم أية مظاهرات أو حشود جماهيرية إلا بعد الحصول على إذن مسبق، فقد انطلقت عدة مظاهرات من الجامع الأزهر للتنديد باحتلال العراق، وطالبت الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولى بالوقوف خلف الشعب العراقى. وحَمل المتظاهرون الاحتلال الأنجلو - أمريكى مسئولية أحداث العنف وإثارة العنف بين طوائف الشعب العراقى، كما عبروا عن تأييدهم المطلق للمقاومة العراقية للاحتلال


5- موقف الرأى العام المصرى لغزو العراق
وقد تحول العديد من الندوات والأمسيات الفنية والثقافية التى نظمتها مختلف النقابات المهنية إلى ما يشبه التظاهرات الشعبية تضامناً مع الشعب العراقى ومقاومته الباسلة، ووصف مثقفون مصريون ما يحدث فى العراق بأنه بمثابة عملية بناء لمحور أمريكى - إسرائيلى - عراقى يشكل أساسا لنظام جديد مفروض على المنطقة.
وكتعبير عن رفض الاحتلال الأنجلو - أمريكى للعراق، قام المصريون عن طريق البريد الإلكترونى، بإرسال ما لا يقل عن 1.2 مليون رسالة للسفارة الأمريكية بالقاهرة، عبروا فيها عن رفضهم للسياسة الأمريكية. وكان تدفق الرسائل الإلكترونية على بريد السفارة الأمريكية قد بدأ إبان تهديد الولايات المتحدة بضرب العراق. وكانت الرسائل فى البداية مجرد عرض لوجهات نظر أصحابها الذين يرفضون ضرب العراق أو نزع أسلحته بالقوة. ومع بداية الحرب زاد عدد الرسائل، وزادت حدتها الرافضة للغزو والاحتلال، والداعية للخروج فورا من العراق.(1)

ثالثا ـ موقف المؤسسات الدينية فى مصر
1 ـ الأزهر الشريف: كان مجمع البحوث الإسلامية سباقاً فى إدانته للعدوان على العراق واحتلال أراضيه، وأكد فى بيان أصدره عقب سقوط بغداد، على ضرورة مقاومة الظالمين وعدم إعانتهم على ظلمهم سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وأن كل جهاد من أجل نصرة
الشعب العراقى المظلوم هو جهاد مشروع سواء أكان بالكلمة أم بالنفس أم بالمال أم بالسلاح، أو بأى وسيلة من الوسائل التى أقرتها الشرائع السماوية.(2)
وفى الوقت الذى أدان فيه المجمع الظلم الذى تعرض له الشعب العراقى طوال العقدين الماضيين، رفض المجمع العدوان على الشعب العراقى واحتلال أراضيه، وطالب قوات الاحتلال بترك مقاليد الأمور لأبناء الشعب العراقى، لكى يقرر مصيره بنفسه ويسترد حريته وكرامته.
2 ـ الكنائس المصرية: أدانت الكنائس المصرية الثلاث العدوان ثم الاحتلال الأنجلو - أمريكى للعراق، وشاركت تلك الكنائس فى المؤتمرات التى نظمتها مختلف القوى السياسية الرسمية والمعارضة الرافضة للاحتلال العراقى، ووجه رؤساء الكنائس المصرية الشكر لبابا الفاتيكان لوقوفه فى وجه العدوان على العراق.
وقضى البابا شنوده بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية فترة اعتكاف للصلاة من أجل عودة السلام والاستقرار إلى العراق وفلسطين. كما دعا مجلس كنائس الشرق الأوسط، الكنائس الشرقية إلى الاكتفاء بإقامة الصلوات، والامتناع عن إعلان مظاهر البهجة والفرح خلال احتفالات عيد القيامة المجيد تضامناً مع الشعب العراقى فى محنته، وقد اتخذت الطائفة الإنجيلية نفس المسلك.
وطالب مجلس البطاركة والأساقفه الكاثوليك بمصر بأن يترك للشعب العراقى حق تقرير مستقبله، مؤكداً فى رسالة بعث بها للبطاركة والمطارنة رؤساء الكنائس بالعراق، مساندته للشعب العراقى حتى يسود السلام فى العراق، وأن تظل الكنيسة العراقية رمزاً لوحدته.
ووصف أحد رجال الدين المسيحى الأنبا موسى أسقف الشباب، الحرب الأنجلو - أمريكية بأنها حرب احتلال وليست لتحرير العراق كما زعمت الولايات المتحدة، وأن ادعاء الرئيس جورش دبليو بوش بأن الحرب على العراق باسم الرب محض تدليس دينى، لأن المسيحية دين سلام، وأن خبر سقوط بابل الموجود فى سفر أشعياء الذى استند عليه، هو نص قد تحقق قبل الميلاد بآلاف السنين.(1)
مما سبق يتضح أن الموقف العربى يظهر من خلال مستويين
أ- على مستوى النظام العربي عموما:
نلاحظ هنا أن النظام العربي، وإن بدا موحدا إزاء مسألة رفض العدوان الأمريكي على العراق -وذلك على خلاف ما كان عليه الحال في أثناء أزمة/حرب الخليج الثانية 1990/1991 حيث حدث انقسام حاد في الصف العربي- فإن توحده في رفض العدوان لا يعدو كونه توحدا على المستوى الرسمي النظري. فالملاحظ أن هناك على الأقل خمس دول عربية تشارك في المجهود الحربي الأمريكي ضد العراق من خلال فتح أبوابها وأراضيها لتمركز القوات الأمريكية البريطانية، وهي: الكويت، وقطر والبحرين، والإمارات، والمملكة العربية السعودية.
كما نلاحظ هنا أيضا فيما يتعلق بأداء النظام العربي إزاء الأزمة/ العدوان الأمريكي ضد العراق حقيقة أن مصر بوصفها الدولة العربية الأكثر تأثيرا في مجريات الأحداث على امتداد الساحة العربية لم تكن دبلوماسيتها عند المستوى المطلوب، وتصرفت إزاء الأزمة وكأنها دولة عادية.
ب- على مستوى جامعة الدول العربية:
على خلاف الحال في أزمة/ حرب الخليج الثانية في 1990/1991، حيث بادر مجلس الجامعة إلى عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية في نفس يوم الغزو العراقي للكويت، كما اجتمع مؤتمر القمة العربي الطارئ لمناقشة الأزمة في 9 أغسطس 1990، هذا ناهيك عن اجتماع آخر لوزراء الخارجية في آخر شهر أغسطس 1990، على خلاف ذلك، جاء رد الجامعة العربية متأخرا إزاء تطورات أزمة العدوان الأمريكي ضد العراق منذ صيف عام 2002 على أقل تقدير. فالقمة العربية التي كان متوقعا أن تنعقد استثنائيا، لم تنعقد بهذا الوصف، وإنما عقدت كقمة عادية في الأول من مارس 2003.
ويلاحظ على هذه القمة العادية (العاجلة كما أطلق عليها) ما يلي:
- أنها لم تنعقد في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، وإنما انعقدت في مدينة شرم الشيخ، وتقديرنا أنه ربما كان من الأفضل كتعبير عن وقوف الجامعة إلى جانب الشعب العراقي أن تنعقد بمقر الجامعة بالقاهرة.
- أنه غاب عن هذه القمة رؤساء دول: العراق – السودان – موريتانيا - سلطنة عمان - المملكة العربية السعودية – الكويت - فلسطين.
- طرح على القمة بندان رئيسيان، هما: الأزمة العراقية الأمريكية، والأزمة العراقية الكويتية.
والواقع أنه على الرغم من حقيقة أن الأزمة العراقية الكويتية لم يتمكن النظام العربي على مدى الفترة الماضية ومنذ 1990/1991 من احتوائها؛ فإن طرحها على القمة لم يكن أمرا موفقا. فالقمة عقدت لكي تبحث موضوعا أساسيا بل وواحدا، وهو العدوان الأمريكي المحتمل ضد العراق. ومن جهة أخرى فإن الاستغراق في التذكير بأزمة/ حرب الخليج الثانية 1990/1991 وبمسئولية العراق عنها ليس مبررا في الوقت الحالي الذي تتعرض فيه دولة عربية مهمة لحرب مدمرة تهدد سيادتها واستقلالها.
لقد كان متوقعا أن يقف النظام العربي وجامعة الدول العربية جنبا إلى جنب مع العراق ضد العدوان الأمريكي، تماما كما وقفا (النظام العربي وجامعة الدول العربية) في عام 1990/1991 مع الكويت ضد الغزو العراقي.
الآ أن العرب قد أضاعوا فرصا كثيرة لدعم العراق ورفض العدوان الأمريكي. ولعل في مقدمة هذه الفرص: القدرة على الالتحام مع الرأي العام العربي الدولي، مستندين في ذلك إلى ما يلي:
- التأكيد على أولوية الحل السلمي للأزمة.
- التشديد على البعد الإنساني، وعلى المخاطر التي تحدث للشعب العراقي، جراء العدوان الأمريكي.
- التأكيد على أهمية الالتزام بوحدة المعايير الدولية، على اعتبار أن العراق بافتراض أنه يمتلك أسلحة دمار شامل ليس بالدولة الوحيدة في هذا الخصوص، سواء على مستوى دول العالم كافة، أو على مستوى دول المنطقة تحديدا.
- إبراز أن أي عدوان يستهدف العراق من جانب الولايات المتحدة وحلفائها من شأنه أن يفتح الباب أمام عناصر التطرف التي سترى في هذه الحالة أنها تباشر حقها في الدفاع عن سيادة بلادها واستقلالها، وهو أمر سيعود في النهاية بالضرر على المجتمع الدولي عموما. (1)
المثقفون العرب والأزمة العراقية
لم تعد الأزمة مشكلة تواجه المثقف العربي، لقد صارت هويته. وكلما تنوعت ردود الفعل وتعارضت خطط الناس في فهمها والتفاعل معها. أصبح ذلك، هو المعنى الأنسب للأزمة. فلا تكون مصاعب الواقع أزمة إلا إذا تعثرت ردود أفعالنا، ومنها الوعي، في الإحاطة بها.
تتجاوز "الأزمة العراقية" الراهنة العراق ونظام حكمه، تتجاوز كذلك النظام العربي و"الفكرة العربية" أو العروبة لتطل على معنى العالم المعاصر والأسس التي ينبغي أن تحكمه. وإذا لم يعد هناك "حل عربي" لهذه الأزمة، فليس ذلك لأن بوش والإدارة الأمريكية ونخبتها من المحافظين الجدد ترفض هذا الحل، ولا لأن العرب عاجزون عن تقديم حل كهذا كما أثبتت آخر "قممهم"، ولكن لأن الأزمة التي تتكثف فيها تناقضات عالمنا المعاصر تحتاج إلى حل يفتح لهذا العالم، وليس للضحايا المباشرين من أهل العراق وغير المباشرين من العرب، آفاقا لنظام عالمي اكثر عدالة واستقرارا. ودور المثقفين في هذا الإطار ليس دعوة العالم إلينا(فهو عندنا سلفا) ولا ذهابنا إليه(فنحن فيه إلى درجة الغرق)، بقدر ما هو اختيار هذا التشابك وإضاءته. (2)
ويضم هذا الجزء من الدراسة أراء بعض الشخصيات السياسية والفكرية المصرية تنتمى إلى كل ألوان الطيف السياسى والفكرى.ومن المهم ان نشير الى دور المثقفين العرب النشط تجاة المأساة العراقية، فقبل أسابيع من بدء الحملة الامريكية على العراق أصدر فريق من ألمع المثقفين العرب ينتمون الى عدة دول عربية وعدد كبير من منظمات حقوق الإنسان بيانا بعنوان "لاللحرب..لا للطغيان..هناك حل إنسانى أخر"أدان اتجاة الولايات المتحدة وبريطانيا لشن حرب عدوانية على العراق بعيدا عن الشرعية الدولية وبذرائع تخفى ورائها امبراطورية تسعى للهيمنة على العالم .وطالب فى الوقت نفسة الجامعة العربية بالدعوة الى مؤتمر للمصالحة الوطنية يضم ممثلين لكل القوى السياسية العراقية فى الداخل والخارج بما فى ذلك ممثلين للنظام الحاكم-نظام صدام حسين- للحوار حول مبادىء دستور عراقى جديد، تجرى فى ظلة انتخابات حرة تسفر عن حكومة تمثل الشعب العراقى وتسعى لحل سلمى للأزمة..إلا ان هذا البيان قد تعرض لإعتراض بعض العناصر من المعارضة العراقية، بالإضافة الى بعض المثقفين المصريين والذين أصدروا بيانا مضادا خلاصتة أن كل دعوى تطالب بإصلاحات ديمقراطية فى العراق فى الوقت الذى تتصاعد فية التهديدات الأمريكية لا يستفيد منها إلا الغزاة الأمريكيون.
وهكذ إنقسمت النخبة المثقفة المصرية والعربية الى معسكريين، ينطلق الاول من ضرورة التضامن مع الشعب العراقى فى رفض التهديدات الامريكية ،ويضغط فى اتجاة أن تتخذ الدول العربية خطوات لدعم العراق .
اما الثانى فينطلق من أنة لايجوز ان نطلب من العرب والعالم التضامن مع الشعب العراقى دون أن نطلب ذلك من النظام العراقى الذى تسبب بسياستة الخاطئة منذ غزو الكويت فى اعطاء الذريعة للولايات المتحدة وحلفائها، وان من مصلحة الشعب العراقى والنظام نفسة أن يسعى لحشد كل القوى السياسية العراقية فى شراع مقاومة العدوان المتوقع من خلال مصالحة وطنية توحد الجسد العراقى الممزق.(1) وبناء على ما سبق فقد تم رصد بعض الاراء المتباينة للنخبة المثقة العربية والتى تنتمى لتيارات مختلفة فى الفكر السياسى العربى من القوميين والناصريين والماركسيين والإسلاميين والليبراليين .والتى جمعت بين التحليل الفكرى للظاهرة و التحليل السياسى للوقائع المتغيرة، والتى لم تخلو أيضا من التأثر بالمناخ العام السائد.
1- يصوغ المهندس / ابو العلا ماضى وهو أحد رموز الإسلام السياسى رأية فيقول"لا يجوز ان نتخذ موقفا مؤيدا لاستبداد صدام كما لا يصح ان نؤيد الإحتلال حتى لو رفع شعار تحرير العراقيين من ديكتاتورية صدام، ومن هنا تمنيت الأ تسقط بغداد حتى ولو كان حاكمها طاغية مثل صدام، لان السقوط سوف يعنى مواجهة خطر الإحتلال أو رموزة العراقية التى تعبر عنه"، ويضيف قائلا"أن البديل يكون بمقاومة الإستبداد بنفس طويل حتى يتم تغيير النظام بأيد عراقية ،خاصة وان الامريكيين لم يأتوا لتحرير العراقيين إبتغاء وجه الله أو مصلحة العراق أن تحقيق الديمقراطية بل إنهم يريدون تطبيق النموذج الأمريكى".
2- التيار اليسارى فى مصر:يمثل هذا التيار عدد من المفكريين الذين تتعدد أنتمائتهم اليسارية بين ناصرى وماركسى وشيوعى ومنهم:-
رأى الدكتور" اسماعيل صبرى عبد الله" وهو أحد المفكرين اليساريين :ويرى أن سقوط بغداد لا مفر منه حيث أن المجتمع حينما يقع تحت نظام مستبد وطاغية أحمق يفقد كل قدرة على الحرب ومواجهة العدوان الأجنبى، ويضيف أن صدام كان بأمكانة إيقاف هذة الحرب وتجنيب شعبة ويلاتها إذا أراد، وإن كانت الولايات المتحدة أتجهت الى ضرب العراق فإنما ينبع ذلك من سياسة صدام تجاة شعبة أو الدول المجاورة ،حيث أنة أستنزف أموال العراق فى تجارب نووية وانتاج أسلحة كيماوية وهى حقائق ثابتة، بدليل أستخدامة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية ضد الأكراد فى الشمال والشيعة فى الجنوب أبان أنتفاضة 91.
د/ رفعت السعيد أمين عام حزب التجمع يقول " أن الأستعمار الأمريكى يحمل فى جعبتة عدة سيناريوهات يبدو بعضها منقولا عن الأستعمار القديم وقد قام الامريكيون بدراسة تلك السيناريوهات جيدا، حيث أن العراق تعد أول دولة مستقلة تتعرض للإحتلال العسكرى المباشر، ولهذا لجأوا إلى الخبرة الإنجليزية فى استعمارها للبلدان الأخرى ،وأستخدموا السيناريو الإنجليزى بعد إضافة بعض التعديلات علية ،ومن هذة التعديلات ترويع جميع القوى السياسية العراقية من بعضها البعض حتى يسعى كل طرف لأزاحة الأخريين لينفرد هو بلعب الدور الأساسى فى الحياة السياسية العراقية."
د/ ضياء الدين داود رئيسا لحزب العربى الديمقراطى الناصرى وأمين عام المؤتمر القومى العربى، ويرى ان إسقاط نظام صدام ليحل محلة الإحتلال الأمريكى أمر مرفوض حتى وإن كان يحكم العراق شياطين الأرض على حد تعبيرة، فلا يمكن المساواة بين إزاحة حاكم وطنى مهما كانت درجة ديكتاتوريتة بإحتلال العراق ونهبة من قبل القوات الأمريكية ومهما كان طغيان صدام حسين فالعراق فى نهاية الأمر دولة مستقلة وبها جوانب تقدم علمى و تكنولوجى واقتصادى .
الأستاذ/ محمد سيد أحمد وهو يلقب بشيخ المفكريين والمحللين السياسيين، وهو ينتمة للمدرسة الماركسية ويرى "أنة بإنتهاء نظام الثنائية القطبية وانفراد الولايات المتحدة بالمسرح العالمى أصبح هناك تغير نوعى فى المخطط الأمريكى نظرا لوجود متغييرين جديدين فى الساحة، أولهما: الإرهاب الدولى الذى تجلى فى أحداث 11 سبتمبر، اما المتغير الثانى فهو: أسلحة الدمار الشامل التى هى ظاهرة موضوعية لا يمكن إيقافها ،فإذا كان العلم قد اكتشف طريقة لتفجير الذرة فكيف لأحد أن يوقف أنتشار سر علمى؟ هذة مشكلة الدول التى تريد أن تحتكر مصادر القوة الجديدة وفى مقدمتها أمريكا ،التى تريد أن تسلح نفسها وتسلح إسرائيل وتحرم فى نفس الوقت أطرافا من امتلاك مثل هذا السلاح وهذا واضع غير طبيعى ورغم ذلك تحاول فرضة بالقوة.
الأستاذ محمد عودة/ويلقب بشيخ القوميين العرب وعميد المؤرخين المصريين والمرجع الناصرى واليسارى يقول "أصبحنا الأن فى مواجهة أستعمار أمريكى جديد قاعدتة إسرائيل، وها هم الأمريكيون يحاولون الأن إشعارنا بالعجز والدونية ،ويبشرنا بوش الإبن باليمقراطية وكأننا قبائل بربرية همجية يريد لها أن تتحضر، "ويضيف قائلا :"كان صدام حسين من المرضى عنهم تماما فى أمريكا وأوربا لأنة حارب الشيوعيين ونفذ المشيئة الأمريكية فى محاربة الثورة الإيرانية ،غير أن هذا الموقف تغير تماما بعد ان وضع برنامجا للتنمية وخطة خمسية ووجة عائدات البترول لخدمة التنمية والعسكرة فأصبح طريد الغرب لأنة مس قدس الأقداس وهو البترول، وهذا سر الحملة الأمريكية على صدام حسين".
1- أما الإتجاة الليبرالى والذى يمثلة د/ أسامة الغزالى حرب ويرى" ان ضرب امريكا للعراق يعد عدوان قامت به أكبر قوة فى العالم مفتقدة إلى الشرعية الدولية ومتحدية لكل قواعد القانون الدولى ضد دولة صغيرة كالعراق ،غير أن هذ المنظور يعد تبسيطا للأمور لأن العراق يعتبر ذو وضع خاص من كونة يمر بحرب أهلية بين نظام قمعى مستبد وشعب كامل ،ومثل هذة النظم لا يمكن أن تكون قادرة على الدفاع عن أوطانها أو أن يكون هناك توحد بينها وبين شعوبها"، ويضيف قائلا:"إننا نرفض تغيير النظام بعدوان خارجى، كما أن الشعب العراقى لم يكن قادرا على الاطاحة به فهو شعب مغلوب على أمره، فهو لم يأت بة ولم يكن قادرا على الخلاص منة، ولكن هل ذهبت الولايات المتحدة للعراق للإطاحة بصدام حسين ؟الإجابة طبعا بالنفى، فأى مبتدأ فى العلوم السياسية يعرف حقيقة الأهداف الأمريكية، فهى ذهبت للسيطرة على البترول العراقى ومن ثم السيطرة على أسترتيجية النفط العالمى مما يعطيها موقف اليد العليا فى علاقتها مع باقى الدول.هى أيضا ذهبت لدرء هواجس أسرائيل من الخطر العراقى رغم أن صدام لم يكن يشكل أدنى خطر عليها، وأتصور أن العناصر اليهودية فى الإدارة الأمريكية لعبت دورا مهما فى دفعها لخوض هذة الحرب، كما أنها ذهبت لتأكيد سيطرتها فى ظل النظام العالمى ما بعد الجديد، الذى تمثل فية الولايات المتحدة ليس فقط القطب الوحد ولكن أيضا عالما بأكمله فى مواجهة العالم القديم، أما الأسباب الأخرى والتى تدعيها أمريكا والتى يعد نزع أسلحة الدمار الشامل قد اصبحت مجرد أضحوكة . "
2- يشير الأستاذ مراد وهبة أحد أهم العاملين فى الحقل الثقافى إلى أن العدوان على العراق يعد تحريرا من الطغيان، وتعد احداث الحادى عشر من سبتمبر وراء التحرك الأمريكى تجاة العراق، حيث انها تمثل فقدان شعورها بالأمن أى أنها لا تشعر بالإستقلال بعد أن توهمت طويلا أن أحدا لا يستطيع إيذائها من الداخل، لكنها فؤجئت بأن الأذى ممكن وأنة مقبل من الخارج فكان أن أتجهت من الداخل الى الخارج، فهل نسمى هذا استعمارا؟امريكا ضربت فى أعظم منتجات الثورة العلمية والتكنولوجية، ثم تفاجىء بنا نحذرها بأن أى تحرك من جانبها سنعتبرة أستعمارا، بل ونطالبها بأن تتحمل أى ضرب يوجة اليها من الداخل ،هل هذا منطق فية أعمال للعقل؟
3- د/ عبد المنعم سعيد مدير مركز الدراسات السياسية والإسترتيجية بالأهرام ويقول:"أن أدارة بوش الابن وبالتحديد بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر اصبحت أقل حماسا تجاة وجهة النظر التى تبنتها الدول الاوربية فى ضرورة أدارة النظام الدولى من خلال المؤسسات الدولية كى تحظى بالشرعية الدولية ، إلاأن أمريكا قد اتجهت لتبنى وجة نظر مخالفة مشيرة الى وجود دول وجماعات تستغل الشرعية الدولية للتغطية على قدراتها فى مجال استخدام القوة، وهى تعطى على ذلك مثالا أن الكثيريين يطالبون أمريكا بالحصول على تصريح لضرب العراق، وفى المقابل لم يحصل أسامة بن لادن على مثل هذا التصريح فى ضربة لامريكا، والعراق أيضا لم يحصل على هذا التصريح عندما غزا الكويت ولم يسألة أحد لماذا لم يلجأ الى مجلس الأمن ؟وبناء على وجهة النظر الأمريكية هناك شرعيتين فى العالم:شرعية تمثل الدول التى تقبل الخضوع للقانون الذى يطبق على الصغير والكبير، وشرعية الدول والجماعات السياسية التىترفض القانون الدولى من الأصل وتعتمد الى شرعية أخرى، ومن هنا فلا يمكن لتعامل معها الا بالقوة."(1)

• المجموعة الثانية إيران وتركيا
1- تركيا
تعتبر تركيا من الدول التي تعول عليها الولايات المتحدة كثيرا لشن هجوم على العراق. وهي تمثل أحد الحلفاء الإستراتيجيين داخل حلف الناتو. وفي محاولة لضمان مساهمتها في خططها الحربية، سعت الولايات المتحدة لدى الدول الأوروبية لقبول تركيا عضوا داخل الاتحاد. لكن هذا المسعى لم يكتب له التوفيق، وربما كان هذا الضغط من العوامل التي جعلت الأوروبيين يؤخرون التفكير في فتح مفاوضات مع تركيا قد لا تدخل هذه الأخيرة إلا بعد عشر سنوات.
المخاوف التركية
وإذا كانت الولايات المتحدة تملك قواعد عسكرية في تركيا، فإن هذه الأخيرة لا تشاطر كلية التصور الأميركي لتدبير النزاع مع العراق. وتتلخص مخاوف تركيا في شيئين أساسيين:
• أولا: الانعكاسات المحتملة على اقتصاد تركيا. فهي كانت من الدول التي تضررت كثيرا من الحظر الشامل المضروب على العراق، حيث كانت هذه الأخيرة بمثابة حليفها الاقتصادي الرئيسي قبل نشوب أزمة الخليج. ويعتبر الأتراك أنه على خلاف الوعود التي قدمت إليهم، فإنهم لم يتلقوا فعليا إلا جزءا يسيرا. وفي هذا السياق تسعى تركيا إلى التفاوض للحصول على مساعدات مالية، تدعم برنامجها القاضي بإنعاش الاقتصاد بعد النكسة التي تعرض لها.
• ثانيا: المسألة الكردية، فتركيا تتخوف من أن التدخل الأميركي قد يؤدي إلى تقسيم العراق، أو قد يخلق حالة من الفوضى قد تعطي الفرصة لأكراد العراق بتكوين دولة في الشمال. وهو ما قد يشجع أكراد تركيا على تعزيز مطالبهم، أو العمل على تسريب أكراد مقاتلين من حزب العمال الكردستاني إلى البلاد للقيام بعمليات قد ترجع البلاد إلى وضعها ما قبل اعتقال الزعيم أوجلان والحكم عليه بالسجن مدى الحياة. وتقلق المسألة الكردية تركيا، خاصة أنها تحاول من خلال الإصلاحات الديمقراطية إيجاد تسوية لهذه المسألة في إطار الوحدة التركية. وعلاوة على ذلك قد تعمل تركيا على نشر عدد من قواتها إلى جانب قوات التحالف شمالي العراق، منعا لتدفق اللاجئين ومنع حدوث كل ما من شأنه أن يضر بمصالحها.
ولمحاولة التخفيف من حدة الضغوط الأميركية يحاول الأتراك تبني سياسة انتظارية تسعى إلى انتظار تقرير مفتشي الأسلحة لمعرفة موقف مجلس الأمن. وبالتالي تحديد الموقف النهائي، والذي لا يمكن له إلا أن يأخذ بعين الإعتبار مدى إصرار الولايات المتحدة على المضي في تنفيذ سياستها العدوانية ضد العراق. وبحكم علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، فإن ما هو أساسي بالنسبة لتركيا هو محاولة التخفيف من الانعكاسات، وربما الحصول على امتيازات في حالة قيام مواجهة مسلحة. (1)
2- إيران.. والعدُوان
يختلف الوضع مع إيران. فمنذ وصول الرئيس محمد خاتمي، بدا وكأن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران تسير نحو التحسن. فموضوعيا شروط اللقاء بينهما موجودة في هذا الملف، لكون العراق يعتبر عدوا مشتركا لهما. لكن الأمر ليس بهذه البساطة. فالعلاقات مع أميركا تدخل ضمن دائرة الصراع بين المحافظين والإصلاحيين. بل إن هامش هؤلاء في تدبيرها يبدو ضعيفا. فالمحاولات التقاربية التي أبداها الإصلاحيون سرعان ما تم إجهاضها.
وإذا كانت إيران قد لينت موقفها خلال حرب أفغانستان، حيث عمدت بفعل عدائها لنظام طالبان إلى مطاردة أنصار القاعدة الفارين إلى ترابها، فإن العلاقات الأميركية الإيرانية لم تتحسن بفعل اختلاف وجهات النظر، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومساندة إيران لحركات لبنانية تعتبرها أميركا إرهابية. وقد ساءت العلاقات عندما صنف الرئيس الأميركي جورج بوش إيران ضمن دول محور الشر، رافضا بذلك التمييز بين الإصلاحيين والمحافظين، ومطالبا إيران بمواءمة سياستها للقبول بالمخططات الأميركية والإسرائيلية في الملفات الحساسة. ومن ثم فقد توسعت دائرة الاختلاف بين الدولتين في إدراك قضايا المنطقة، كما هو الأمر بالنسبة للقضية الفلسطينية.
ومن ثم فإن إيران تنظر بالكثير من الريبة لإمكانية تدخل عسكري أميركي في المنطقة. فهي إذا كانت تبارك كل محاولة للإطاحة بنظام صدام حسين الذي تعتبره مسؤولا عن الحرب بين الدولتين والتي خلفت ما يناهز المليون قتيل، وكذلك شخصا انتهازيا لا يحترم أي ميثاق [أنظر تصريح نائب رئيس مجلس البرلمان الإيراني نشرته صحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 6 ديسمبر 2002]، فإنها على شاكلة تركيا تتخوف من المسألة الكردية، والتي قد تتأجج بفعل المساندة الأميركية إلى جانب الأغلبية الشيعية التي لا يعرف أي أحد مصيرها في حالة قيام حرب في العراق وانهيار النظام الحالي. لكن أكثر من ذلك هناك من يعتبر أن إيران هي الحلقة المقبلة في مسلسل إعادة تشكيل العالم الذي تقوده الولايات المتحدة. فاحتلال أميركا للعراق يعني زيادة الطوق على النظام الإيراني الذي لا تخفي الإدارة الأميركية رغبتها في سقوطه. ومن ثم فإن السؤال الأساسي فيما يتعلق بإيران هو معرفة ما إذا كانت حرب محتملة بإمكانها أن تغير التوازنات الداخلية، وتعطي دعما لجناح على حساب جناح آخر، أم أنها ستذهب أبعد من ذلك إلى حد تشكيل خطر فعلي على النظام الإيراني برمته. (1)

ثالثا: الأبعاد الدولية للأزمة العراقية
الاتحاد الاوربى وموقفة من الأزمة العراقية
هناك تحديان رئيسيان يواجهان الناظر إلى المشهد الأوربي تجاة الزمة العراقية، يرتبط أولهما بالبحث عن أسباب اختلاف مواقف القوى الأوربية المركزية حول قضية العراق والتأمل في انعكاساته المحتملة على وتيرة ووجهة عمليات التوحد والاندماج الأوربي، ويتعلق الثاني بحقيقة بروز أنماط جديدة لتعامل بعض الدول الأوربية مع توجهات السياسة الأمريكية باعتبارها تعبيراً عن إرادة القطب المهيمن عالميا والمضطلع تقليدياً بدور القيادة في منظومة التحالف الغربي. وعلى الرغم من حدة المقارعات الدبلوماسية بين الحكومات الأوربية في الفترة الأخيرة والتي بلغت درجة حديث البعض عن عصابات عميلة لواشنطن داخل القارة الأوربية (كلمات المستشار الألماني شرودر في معرض تهكمه على الدول الثمانية التي وقعت على إعلان تأييد موقف الرئيس الأمريكي من العراق) أو تذكير الآخرين بأن الولايات المتحدة هي مَن صنعتهم وأنعمت عليهم بنعمة الديمقراطية بعد حقب طويلة من الاستبداد (رئيس الوزراء البريطاني موجهاً حديثه للمجتمع الألماني ناكر الجميل) إلا أن عباءة الهوية الأوربية المشتركة ما زالت تغلف محاور الخلافات والصراعات الواقعية وترتب تبعاً لذلك تعاظماً لمساحات المسكوت عنه في خطابات القوى الأوربية، وغلبة لمنطق "دعنا ننتظر فلا نكون البادئين بإحداث أزمة قارية"، وهو منطق تعلمه السياسي الأوربي بعد سلسلة طويلة من المواجهات المريرة خسرها دائماً كل من بادر بالتصعيد أو تفجير موقف مشتعل بالفعل (خبرة الحربين العالميتين الأولى والثانية).
بين المصالح.. والمواقف
وحقيقة الأمر أنه يمكن التمييز بوضوح على خلفية المواجهة الأمريكية العراقية بين معسكرين متقابلين داخل القارة الأوربية لكل منهما رؤيته وخطابه السياسي ورموزه الإعلامية. فهناك من جهة مجموعة مؤيدي ومعاوني الولايات المتحدة في حربها ضد العراق وتضم بصورة أساسية في غرب أوربا بريطانيا وأسبانيا وإيطاليا وهولندا والدانمارك، وفي وسط وشرق القارة بولندا وجمهورية التشيك والمجر ودول البلطيق. وتتوافق إرادات هذه الدول مجتمعة على مشروعية التدخل العسكري لتغيير النظام الحاكم في بغداد وتؤكد في خطابها السياسي على التوجه نحو إحلال ترتيبات ديمقراطية في العراق بعد عقود طويلة من الحكم الديكتاتوري ومحاولة جعل عراق ما بعد صدام حسين نموذجاً إقليميا يحتذى به. وعلى الرغم من الالتقاء حول الأهداف الكبرى فإن دوافع أعضاء هذه المجموعة شديدة الاختلاف؛ الأمر الذي يرتب تفاوت درجات تأييدها للحرب الأمريكية. ففي حين تلتصق بريطانيا بحكومتها العمالية بصورة شبه كاملة بموقف واشنطن في إطار إدراك يضع التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة في المرتبة الأولى على سلم الأولويات أي قبل اعتبارات المعارضة الشعبية والحزبية للحرب على العراق أو مستقبل عملية الاندماج الأوربي، وهو التوجه الذي تشاركه في اللحظة الراهنة هولندا والدانمارك بصورة عامة -يأتي التأييد الأسباني والإيطالي أكثر تحفظاً.
والواقع أن موقف الدولتين الأخيرتين الحالي يشكل تحولاً ملحوظاً في تاريخ علاقتهما المعاصرة مع الولايات المتحدة. فقد تميزت الأحزاب اليسارية والاشتراكية التي سيطرت على مقاعد الحكم لفترات طويلة في مدريد وروما منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بنزعتها النقدية إزاء السياسات الأمريكية خاصة في منطقة الشرق الأوسط القريبة جغرافياً وتاريخياً لها وتماهت في ذلك، على الرغم من اندراجها في سياق منظومة حلف الأطلنطي عادة مع الموقف الفرنسي. ربما فسرت حقيقة أن الائتلافات الحاكمة الآن في الدولتين بقيادة أزنار وبرليسكوني هي يمينية الهوى هذا التحول جزئياً إلا أن فهمه بصورة أعمق لن يتأتى إلا من خلال إدراك أهمية التحولات الكبرى التي شهدتها القارة الأوربية في التسعينيات. فالوحدة الألمانية وتوسع الاتحاد الأوربي شرقاً قد رتبا باختصار اختلالاً واضحاً لموازين القوى القارية في صالح وسط وشرق أوربا على حساب جنوبها؛ الأمر الذي يدفع صانع القرار في دول مثل أسبانيا وإيطاليا إلى البحث باستمرار عن إطارات بديلة للفعل السياسي يعادل بها هيمنة الأجندة الألمانية على القارة. ولم يكن تطوير الشراكة الأورومتوسطية إلا محاولة من صانع القرار في مدريد وروما بل وقبلهما في باريس لكبح جماح توجه القاطرة الألمانية نحو الشرق. وأضيف إلى ذلك فيما يخص الأزمة العراقية حالة التقارب الفرنسي-الألماني الواضحة التي أعادت الحياة إلى محور باريس-برلين بعد فترة من التوترات بين البلدين في أواخر التسعينيات وهو الوضع الذي تخشى معه دائماً دول القارة الأضعف نسبياً تجاهل مصالحها وتصوراتها.
يمكن إذن فهم التأييد الأسباني والإيطالي للموقف الأمريكي باعتباره محاولة للتأكيد على استقلالية الدولتين وتوسيع مساحة حركتهما السياسية من خلال التقرب إلى واشنطن. ورغم المعارضة الشعبية الواسعة للموقف الرسمي والتي تصل في أسبانيا على سبيل المثال وفقاً لاستطلاعات الرأي العام الأخيرة إلى ما يزيد عن 90% فإن حكومة رئيس الوزراء الأسباني إنما تعتمد على شرعية الإنجاز الاقتصادي في علاقتها مع الناخب هناك في حين يعتمد برليسكوني على تشرذم الساحة السياسية الإيطالية وغياب البديل في بقائه في الحكم.
أما دول أوربا الشرقية والوسطى فلها هي الأخرى دوافعها الخاصة. فبولندا وجمهورية التشيك والمجر فضلا عن الجمهوريات القزمية في منطقة البلطيق تسعى جميعها في ظل وضعية جيوإستراتيجية شديدة التعقد لتوظيف علاقاتها الخاصة مع الولايات المتحدة لخلق حالة من التوازن الإيجابي في فعلها الخارجي في ظل ارتباطها العضوي بالاتحاد الأوربي الذي بدأت بالفعل عملية انضمامها له وفي ظل شبح عودة الهيمنة الروسية خاصة في حالة دول البلطيق تمكنها من التعبير عن إراداتها الوطنية محتمية بالقوة العظمى التي تدخلت بالفعل في الماضي القريب للدفاع عن مصالحها في مواجهة التصورات الألمانية والفرنسية المجحفة أحياناً.
ومن جهة أخرى تمركزت في الشهور الماضية حول موقف فرنسا وألمانيا مجموعة ثانية مناوئة للتوجهات الأمريكية ضمت معهما بصورة رئيسية بلجيكا وبدرجات أقل اليونان والنرويج والسويد. ويشدد الخطاب المعلن لهذه المجموعة على عدم مشروعية استخدام القوة العسكرية في نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية إلا بعد استنفاد كافة الوسائل الأخرى وبترخيص واضح من الأمم المتحدة، وعلى عدم جواز التدخل المباشر لتغيير نظام الحكم في العراق أو غيرها من دول المنطقة وذلك بصرف النظر عما يمكن أن يساق في هذا الصدد من أسباب مثل الحرب ضد الإرهاب أو التحول الديمقراطي. وتستند هذه السياسة إلى نظرة للشرق الأوسط ترى في حل الصراع العربي الإسرائيلي نقطة البدء في الإصلاح، وفي الحرب على العراق تطورا يفضي بالحتم إلى غلبة رؤى المواجهة الشاملة بين العالم الغربي والإسلامي في ظل هوس عام بصراعات بين الحضارات وبحروب صليبية قادمة. أما المصالح الكامنة وراء موقف دول هذه المجموعة فتأتي أيضاً تماماً مثل المجموعة المؤيدة للسياسة الأمريكية شديدة التفاوت.
ففرنسا ترغب بالأساس في تسجيل اختلافها مع الإدارة الأمريكية الحالية حول أسلوب إدارة النزاعات العالمية بحيث يتضح بجلاء رفضها لهيمنة دولة واحدة على مقدرات البشرية، خاصة إذا كانت هذه الدولة تحتكم إلى منطق من ليس معي فهو ببساطة ضدي. وترد في مرتبة تالية كمحدد هام للسياسة الفرنسية المصالح الخاصة في الشرق الأوسط ومع العراق، والتي جعلت تبني موقف قريب من الموقف الأمريكي يذهب بمصداقية استقلالية باريس النسبية عن واشنطن في فعلها الدولي أمرا من الصعوبة بمكان.
ألمانيا على صعيد آخر أعادت في ظل حكومة يسارية اكتشاف نفسها كقوة أوربية يمكنها التصرف عالمياً بمعزل عن الإرادة الأمريكية وفي ضوء تصورات جديدة تعلي من شأن المصالح القومية الألمانية - وجزء حيوي منها متموضع في الشرق الأوسط - على حساب اعتبارات الطاعة العمياء للولايات المتحدة.
ويمكن أخيراً النظر إلى رفض قطاعات واسعة من المجتمع المدني في الدولتين ومعهما بلجيكا والنرويج والسويد على أنه عامل مساعد شجع حكوماتها في لحظة أزمات اقتصادية وتغيرات مجتمعية عميقة الأثر (نهاية عصر دولة الرفاهية) على المضي في رفض الحرب الأمريكية ومكنها من تسويق هذا الموقف باعتباره تعبيرا صادقا عن الإرادة الشعبية.
وعلى الرغم من السمو الأخلاقي والفلسفي للموقف والخطاب الرافض للحرب والذي يعد وزير خارجية فرنسا الحالي من أهم رموزه فإنه يعاني من ثلاث مشكلات كبرى. وفي حين تتمثل الأولى في حقيقة محدودية فاعلية هذه الدول في التأثير على الإدارة الأمريكية لتغيير توجهاتها على أرض الواقع ترتبط الثانية بممارسة فرنسا تحديداً لسياسات أحياناً ما تقترب إلى حد بعيد من المواقف الأمريكية المنتقدة على نحو يجعل من السهل الحديث عن عدم اتساق بين أو تناقض جلي بين القول والفعل. والإشارة هنا على سبيل المثال إلى التدخل الفرنسي العسكري في عدد من الدول الأفريقية كانت ساحل العاج أهمها في الفترة السابقة وعلى الرغم من غياب ترخيص دولي واضح من الأمم المتحدة.
أما أخطر وأعقد هذه المشكلات فيرتبط بالأهمية الإستراتيجية لعلاقات هذه الدول مجتمعة مع الولايات المتحدة في إطار منظومة التحالف الغربية. فواشنطن هي أهم شريك تجاري للاتحاد الأوربي وما زالت تمثل الطرف الأكثر فاعلية في ترتيبات الأوربيين الدفاعية والذي تدخل باستمرار لإنقاذ القارة القديمة من شبح الحروب أو من أخطار استمرار تصفيات عرقية بشعة في السنوات الأخيرة لم تتمكن دول مثل فرنسا وألمانيا من التغلب عليها بمفردها. وبالمقابل فإن أدوات الفعل الخارجي الجماعي خاصة العسكري باستقلالية عن الولايات المتحدة غائبة إلى حد كبير. وإن وجد توجه نحو سياسة خارجية مشتركة للاتحاد الأوربي فإن معناه الواقعي محدود للغاية في ضوء الاختلافات الأوربية- الأوربية.(1)


المجتمع المدنى العالمى ومناهضتة للحرب ضد العراق
برز تعبير "المجتمع المدني العالمي"- مثله مثل تعبير "المجتمع المدني" ذاته- مجددا في سياق التحولات التي رافقت انهيار القطبية الثنائية. وربما يصح ربطه أيضا مع خطاب العولمة. وقع في يوم 15 فبراير خفض حدة تلك التوقعات المتشائمة. فقد تجلى المجتمع المدني العالمي، بأعظم معانيه ودلالاته، في المسيرات الحاشدة والمتزامنة في نحو 6000 مدينة، وأكثر من 70 دولة في العالم، لمناهضة الحرب الأمريكية المزمعة ضد العراق. وقد فرض هذا اليوم نفسه حتى على أكثر المتشككين في مفهوم المجتمع المدني العالمي، باعتباره يوما فريدا في تاريخ العالم، وظاهرة لا يضاهيها شيء في تاريخ البشرية أو واقعها الحديث. فالمسيرات والمظاهرات- خاصة تلك المناهضة للحروب الاستعمارية- هي تجل تقليدي للرأي العام العالمي. ولكن ما حدث في يوم 15 فبراير يتجاوز هذا التجلي، ليس فقط من حيث الاتساع الجغرافي والكم، وإنما أيضا من حيث طبيعة القوى المشاركة والتكوين القومي ودلالاته. فأكثرية القوى المشاركة في المظاهرات والمسيرات العالمية المناهضة للحرب الأمريكية ضد العراق هي طلائع لنشاطية مدنية منظمة لها حضور عالمي. فكأن تلك القوى لم تتدفق إلى شوارع المدن في جميع أنحاء العالم فجأة للاحتجاج على حدث منفرد أو أكثر، وإنما هي قوى مدربة ذات نشاطية سابقة بمناسبة أحداث سابقة وعديدة. وانطلقت تلك الجماهير لا للتعبير عن غضب، وإنما للتعبير عن رؤية وممارسة لكفاحية ممتدة لتطبيق وجهة النظر هذه.
ويرتبط بذلك أن أسلوب التحرك لم يكن يتسم بمجرد التزامن والتركيز على حدث خطير يهدد سلام العالم ومبادئ العدالة الدولية، وإنما أيضا بالارتباط الفعلي والحركي الذي توج عملية بالغة الاتساع والتعقيد لبناء الشبكات وتبادل الرأي في منابر ومناسبات شتى.
ويضمر هذا الوصف أيضا إشارة إلى الدور المذهل الذي تلعبه الأوعية الحوارية الأكثر حداثة، مثل شبكة الإنترنت، والمؤتمرات الكونية، والمظاهرات الحاشدة ذات التركيبة متعددة الجنسيات، التي تمت تجربتها في مناسبات شتى، وفي مختلف مدن العالم، وعلى مستويات مختلفة، بدءا من المظاهرات المناهضة للعولمة، وحتى المؤتمرات العالمية للأمم المتحدة، مثل مؤتمر فيينا لحقوق الإنسان عام 1993، ومؤتمر القاهرة للسكان عام 1994، ومؤتمر نيروبي للمرأة، وغيرها.
ومن هذا المنظور مثلت أحداث 15 فبراير كتلة مشاعرية ورؤى متحدة على نحو غير مسبوق في التاريخ العالمي، لأنها حملت ميراث الفكر السياسي والمدني الذي تبلور عبر عقود.
ويلفت النظر أيضا في هذه الأحداث الطبيعة الخاصة لتركيبها القومي. فالأغلبية العددية للمشاركين في المسيرات والمظاهرات التي وقعت في هذا اليوم، والفعالية النوعية الأعلى لهذه الأنشطة تخص تلك التي وقعت في مدن أمريكا الشمالية وأوربا وأستراليا، أي في تلك الدول التي تمثل "الغرب الثقافي"، وهي نفسها المستفيدة من الوضع الممتاز للغرب، سواء في ميدان العلاقات السياسية الدولية، أو الرخاء والتقدم الاقتصادي. وبداهة فإنها هي أيضا الدول الوريثة للاستعمار الغربي الحديث. ومعنى ذلك أن هذا التحرك العالمي لم يعكس مصلحة قومية أو اجتماعية مباشرة وإنما رؤية أخلاقية تناضل ضد الامتياز الذي تتمتع به تلك البلاد، بما في ذلك امتياز شن الحرب على الآخرين والضعفاء مثلما هو الحال مع العراق. وقد حدث ذلك من قبل في المظاهرات التي وقعت في أوربا الغربية بما فيها بريطانيا وفرنسا أثناء العدوان الثلاثي على مصر أو الحرب الفرنسية ضد حركة التحرر الوطني الجزائرية. وباختصار، فظاهرة 15 فبراير ليست مجرد تجسيد للمعنى التقليدي للرأي العام العالمي وإنما هي تجسيد لقيم مدنية وسياسية أو مصالح عالمية أو فوق قومية وعابرة للحدود بين القوميات. وقد نشأت تلك الظاهرة -من حيث المضمون- على أرضية الشعور والإيمان بقيم مشتركة للبشرية، وتم زرع هذا الشعور وهذا الإيمان بفضل نشاطية مدنية عالية، وهو ما يميزها عن الرأي العام العالمي التقليدي الذي توزع بين الأوعية السياسية والحزبية التقدمية واليسارية القديمة مثلما حدث مثلا في عام 1956. فالنشاطية العالمية الحديثة تنبع من أوعية مدنية واتصالية مستجدة إلى حد كبير.(1)