منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#64815
نشرت: السبت 21 أبريل 2012 بواسطة : مركز الشعلة للأبحاث والنشر والترجمة


علي رضا نادر* ـ معهد الولايات المتحدة للسلام


اتخذت إيران نهجًا إيجابيًّا واضحًا أثناء الجولة الأولى من المحادثات، وذلك وفقًا لما جاء على لسان دبلوماسيين غربيين شاركوا في المحادثات. ولم يكن أمرًا شديد الغرابة للجميع أن تسلك إيران هذا الاتجاه في الوقت المناسب من هذه المرحلة؛ فالجمهورية الإيرانية التي تتبع نظام حكم إسلامي تعاني الآن من ضغوط اقتصادية وسياسية عارمة، بعد أن تسببت العقوبات الأمريكية المفروضة على البنك المركزي الإيراني حتى الآن في حدوث اضطرابات اقتصادية كبرى بها، بل ومن المقرر أن يدخل الحظر الأوروبي المفروض على استيراد النفط الإيراني حيز التنفيذ بداية من شهر يوليو، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من الضعف للاقتصاد الإيراني لاعتماده على تصدير النفط.

ومع ذلك، تُظهر المحادثات أيضًا أن نظام الحكم بإيران لديه نفوذ كبير للتأثير على القوى الخمس الكبرى أصحاب حق الفيتو بمجلس الأمن بجانب ألمانيا - المعروفين في المحادثات بالدول الدائمة (٥+١) - وعلى المجتمع الدولي ككل، فلايزال البرنامج النووي الإيراني يحرز تقدمًا حيث يقترب تدريجيًّا من مرحلة إنتاج أسلحة نووية إذا قررت القيادة الإيرانية اللجوء لذلك. وربما ترجع قوة الجانب الإيراني أثناء التفاوض إلى عدم قدرة الأطراف الأخرى في المحادثات التلويح بخيار عسكري فاعل نظرًا للعواقب الوخيمة التي سوف تحل بالمجتمع الدولي بما فيهم الولايات المتحدة وإيران إن نشب صراع عسكري وهو أمر يدركه ويستغله القاده الإيرانيون، لذلك لايوجد بديل سوى المحادثات والتي لن تشهد نجاحًا إلا بتحقق المطالب الإيرانية.
ماذا عن الرغبة الإيرانية تجاة التوصل إلى التسوية؟

ليست بالمشجعة كثيرًا، فلم تقدم إيران حتى الآن أي نوع من التنازلات، وتأتي موافقة إيران للجلوس على طاولة المفاوضات في إطار التحرك الدبلوماسي الفطن من جانبها، وليست إشاره على رغبتها في التوصل إلى التسوية، فلم تتضح بعد النوايا الإيرانية تجاه رغبتها في تحقيق تسويات حقيقية بشأن مطالبة الأطراف الأخرى من إيران أن تمتنع عن تخصيب اليورانيوم بأكثر من نسبة ٢٠٪ و أن تقايض طلب حصولها على الوقود االلازم لمفاعل الأبحاث بطهران بشرط التخلص من مخزونها الحالي من اليورانيوم بشحنه خارج حدود إيران؛ لأنه إذا احتفظت إيران بهذا المخزون فسوف تتمكن مستقبلاً من إنتاج أسلحة نووية. ويجب على إيران أيضًا أن تبرهن على سلامة موقفها إزاء الشكوك التي تثار حول قيامها بالتسليح النووي سرًّا، وعلى الأرجح سوف يستلزم ذلك من إيران أن تسمح للمفتشين الدوليين بأن يتفحصوا المواقع العسكرية السرية للغاية، مثل: موقع بارشين. إلا أن آية الله علي خاميني - مرشد الثورة الإيرانية - يرى أن إيران لا تستطيع تحقيق تلك التسوية لأنها محفوفة بالمخاطر سياسيًّا.
ماذا عن التحفظات الأخرى التي تتعرض لها المحادثات بخلاف البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل؟
توجد الكثير من التحفظات المثيرة للجدل بخلاف البرنامج النووي الإيراني، فبصفة عامة، يدرك النظام الإيراني - ولاسيما آية الله علي خاميني - أن الولايات المتحدة تكرس كل جهودها تجاه تقويض الثورة الإسلامية والإطاحة بنظام حكمها بجمهورية إيران. وعلى الجانب الآخر، تعارض الولايات المتحدة الدعم الإيراني لحركة حماس و"حزب الله" لاعتقادها أنهم يمارسون أنشطة إرهابية، وتشجب أيضًا انتهاك نظام الحكم الإيراني لحقوق الإنسان على نطاق واسع بإيران.

وتتنافس كلتا الدولتين دائمًا في السيطرة على مقاليد الأمور في منطقة الشرق الأوسط، ولكن لم تزدد حدة المنافسة إلى هذة الدرجة إلا بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، والتي وصفها آية الله علي خاميني بـ"اليقظة الإسلامية" التي ستخمد نار الفتنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
ومع ذلك، قد يتعرض الوضع الإيراني في الشرق الأوسط إلى الكثير من الخطر مقارنةً بالوضع الأمريكي، حيث يواجه النظام السوري - الحليف الأقرب لإيران بالمنطقة - عصيانًا مدنيًّا صلدًا، فمع إزالة نظام حكم بشار الأسد، سوف تفقد إيران جزءًا هامًّا من نفوذها في المنطقة. وفي أثناء ذلك، بدأ النفوذ التركي وربما النفوذ السعودي في المنطقة يتزايد على حساب النفوذ الإيراني، إلا أن نظام الحكم الإيراني لن يقف مكبل اليدين في هذا المنعطف الحاسم، تاركًا نفوذه في المنطقة واستمرار بقائه عرضة للزوال.

ماذا عن التحديات القادمة؟
قد تستغرق المفاوضات وقتًا طويلاً، وتبذل أطرافها مجهودًا شاقًّا، وتنتهي دون التوصل إلى تسوية مرضية للجميع؛ فالوجوه البارزة بداخل الحقل السياسي الأمريكي تعارض من الأساس وبشدة وجود نظام حكم يخلط الدين بالسياسة بجمهورية إيران، ويشاركهم في هذا النفور الكثير من أنظمة الحكم - الحليفة للولايات المتحدة - في منطقة الشرق الأوسط. وكثير من الأحيان، يذكر آية الله علي خاميني في خطبه أن الولايات المتحدة لا تكنُّ عداءً شديدًا لنظام الحكم الإيراني بسبب البرنامج النووي، وإنما لإيدولوجيته الإسلامية.
ومع أن الولايات المتحدة قد لا تنشغل حاليًا بالسعي إلى الإطاحة بنظام الحكم الإسلامي في جمهورية إيران، إلا أن القادة الإيرانيين ربما راودهم شك أقرب لليقين بغير ذلك؛ نتيجة لمجموعة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران، بجانب أعمال التخريب الغامضة للمنشآت النووية واغتيالات العلماء الإيرانيين في الطاقة النووية، وربما يلجأ القادة الإيرانيون إلى التظاهر بعقد تسويات ما لانتشال نظام الحكم الإيراني من المعاناة التي يلقاها أمام تصاعد موجات الضغط الداخلية والخارجية بما في ذلك المشاكل الاقتصادية والانقسامات السياسية والسخط الشعبي في الداخل.

ــــــــــــــــــــــــــــ
* علي رضا نادر؛ مؤلف شارك في كتاب "مواجهة التسلح النووي الإيراني" (راند، ٢٠١١)، يشغل وظيفة كبير محللي السياسة بمؤسسة راند، مؤسسة لا تهدف للربح تهتم بتحسين السياسات وصنع القرار استنادًا إلى البحث والتحليل.