منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By ممدوح تيسير النفيعي
#69036
أمريكا هي القوة الوحيدة اليوم علي المسرح العالمي؛ الجميع يسعئ لإرضائها و التودد إليها كل الحكومات تحني رؤؤسها لسياسيات أمريكا دون الإعتراض لها إذا كانت إحدي سياساتها خأطئة. كل تلك القوة والتطور تاتي من دولة كانت تعيش الحروب الاهلية حتي القرن التاسع عشر وأوائل العشرين فكيف لهم من كل هذا التطور الخارق في خلال 100 عام فقط من الوحدة والإستقرار ماهو السبب في ذلك؟ أكيد النظام.



اضغط للتكبير
وماهو هذا النظام الخارق الذي طورهم كل هذا التطور؟ النظام السياسي الامريكي للدولة وهو ما يسمي الدستور ...
منذ البداية، تأسس النظام السياسي الأميركي بطريقة دقيقة وواضحة، حيث مكث المؤسسون الأوائل لأميركا عدة سنوات في مناقشة الدستور ووضع بنوده، فكانت الفترة ما بين إعلان الإستقلال، من الإستعمار البريطاني، وإنتخاب أول رئيس أميركي، جورج واشنطن، حوالي ثلاثة عشر عاما (1776-1789)، حيث تم قضاء معظم هذه الفترة في مناقشات ساخنة حول كيفية البنية السياسية لإتحاد الولايات الثلاث عشر آنذاك، وانتهت تلك المداولات بكتابة دستور قصير جدا في نصه (حوالي 28 صفحة من القطع الصغير، بحجم صفحات قاموس الجيب)، لكن القيمة في أن هذا الدستور مازال في أوج مجده بعد أكثر من قرنين من صياغته، ولم يتم تعديل سوى بعض من بنوده الأقل أهمية، مع إستمرار بنوده الجوهرية واقفة بشموخ، مثل حرية التعبير وحرية إختيار الدين (أول بند في الدستور)، حيث ينص هذا البند على أن:

"لا يجوز للكونغرس أن يشرع لمصلحة ديانة بعينها، أو ان يمنع أي ممارسة دينية مهما كان نوعها، أو التضييق على حرية التعبير اوالصحافة، أو حرية الشعب في التجمعات السلمية، أو حقهم في تقديم شكاواهم للحكومة ضد ما يرونه ضارا بهم."

والنظام الأميركي نظام "فدرالي رئاسي تشريعي ديموقراطي جمهوري" يعطي كل ولاية درجة شبه كاملة من الإستقلالية. ويقف النظام الفدرالي علي الاعمدة التقليدية الثلاثة: التشريعي (الكونغرس) والتنفيذي (البيت الأبيض) والقضائي (المحكمة العليا). وبطريقة مشابهه، يتكون نظام كل ولاية من كونغرس وحاكم (التنفيذي) وكذلك محكمة عليا، أي نظام قضائي خاص بالولاية.

انتخابات الفروع الفدرالية الثلاثة
الحقيقة ان الإنتخابات لا تشمل سوى الفرعين التشريعي والتنفيذي بينما يتم ترشيح القضاة الفدراليين، وعلى رأسهم أعضاء المحكمة العليا، من قبل الرئيس على ان يتم اعتمادهم من قبل مجلس الشيوخ، وهي عملية عادة ما يخضع فيها المرشح الى درجة مكثفة من التمحيص والتقصي الدقيق لسجله العملي والشخصي وتوجهاته الفكرية ومواقفه من مسائل حساسة. السبب في عدم الإنتخاب المباشر للقضاة-- مثل ما هو الحال للسياسيين من اعضاء الكونغرس والرئيس-- هو عدم تعريض القاضي لظروف قد تقوده للتلون والتغير في مواقفه حسب الأجواء السياسية السائدة، كما ان تعرض المرشح لمنصب قضائي للتمحيص الدقيق سببه ان الموافقة عليه من قبل مجلس الشيوخ تعني تعيينه مدى الحياة، وهي حالة نادرة داخل هذا النظام الديمقراطي ولكنها وسيلة تهدف الى حماية القاضي من الضغوط السياسية وتعينه على تحقيق أعلى درجة من الحيادية عند مشاركته في اتخاذ قرارات غالبا ما تكون مصيرية وذات تأثيرمباشرعلى المواطن.

الإنتخابات التشريعية
يتكون الكونغرس الأميركي من مجلسين: الشيوخ والنواب. يعتبر مجلس الشيوخ هوالأعلى ومجلس النواب الأدنى ، ويقع مقرالكونغرس في العاصمة الفدرالية واشنطن دي سي . شعارالكونغرس:"من الشعب ومن خلال الشعب ومن أجل الشعب." وواشنطن عبارة عن ارض مساحتها عشرة اميال مربعة ( ستة عشر كيلو متر) اقتطعت من ولاية ميريلاند وسميت العاصمة الجديدة (كانت نيويورك العاصمة الأولى) بإسم أول رئيس لأميركا، جورج واشنطن، تقديرا لدوره كقائد عسكري ضد الإحتلال البريطاني. وهذه العاصمة تسمى بمقاطعة كولومبيا، حيث لا تتبع اي ولاية أميركية بل هي تحت ادارة حكومة بلدية، منتخبة من قبل سكان المدينة، وتحت اشراف مباشر من الكونغرس.

يختلف نظام الكونغرس الأميركي عن النظام "البرلماني" بإعطائه درجة عالية من الإستقلالية للأعضاء اثناء التصويت على أي تشريع، حيث تكون مصلحة الناخبين قبل مصلحة الحزب، لذا فمن الطبيعي ان يصوت عضو الكونغرس ضد التوجه العام لحزبه تجاه تشريع معين، وذلك حسب ما تمليه مصالح الولاية التي يمثلها (إذا كان سيناتورا) أو المقاطعة (اذا كان عضوا في مجلس النواب).

تشهد أميركا يوم الثلاثاء القادم 7 نوفمبر 2006 الإنتخابات النيابية، ذات الأهمية القصوى، خاصة للرئيس، حيث ان فقدانه للأغلبية الجمهورية في أي من المجلسين سيجعل منه رئيسا "كسيحا" في السنتين القادمتين، لأنه سيلقى عندها صعوبة في تمرير اي تشريع من قبل مجلس الأغلبية فيه للحزب المعارض. تحدث هذه الإنتخابات التشريعية مرة كل عامين، وتكون في اول ثلاثاء من شهر نوفمبر، وتشمل جميع اعضاء مجلس النواب وحوالي الثلث من اعضاء مجلس الشيوخ.


مجلس الشيوخ
The Senate
تعود جذوراسم هذا المجلس باللغة الإنجليزية الى اللغة اللاتينة وتعني "عقلاء وكبارالقوم"، وقد كان اول مجلس بهذا الشكل قد تكون لأول مرة كمجلس استشاري لأمبراطورية روما القديمة، ولعل هاذين المدلولين وراء الترجمة العربية لهذا المصطلح.

مجلس الشيوخ الأميركي يتكون من ممثلين إثنين لكل ولاية، حيث يتكون المجلس الحالي من مائة عضو يمثلون الولايات الخمسين، ولا يوجد ممثلين فيه للعاصمة واشنطن لأنها ليست بولاية ولاتتبع اي ولاية، كذلك لا يوجد ممثلين فيه لعدد من المناطق الأخرى التي تعتبر حدودا أميركية لكنها ليست بالولايات مثل جزر بورتوريكو وغوام وساموا وغيرها.

يعتبر مجلس الشيوخ اكبر تأثيرا في القرار لأن الصلاحيات الممنوحة له اهم بشكل عام من تلك المعطاة لمجلس النواب. كما ان صغر عدد اعضائه مقارنة بمجلس النواب وطول الفترة الإنتخابية (ست سنوات للفترة الواحدة مقابل سنتين فقط لعضو مجلس النواب) يمنح اعضاءه فرصة اكبرلتحقيق درجة اعلى من التفاهم بينهم حول القضايا المطروحة والتحررمن تأثيرالتوجهات الحزبية والتي قد تؤثر سلبا على رؤية العضو لقضية بعينها، ومن ثم نوعية القرار الذي يتخذه.

يعتبر نائب الرئيس الأميركي رئيس مجلس الشيوخ الا انه نادرا ما يرأس اي جلسة الا في حالة وجود تعادل في الأصوات حول تشريع معين (50 مقابل 50 صوت) فإن صوته في هذه الحالة يكسر هذا التعادل. في الجلسات اليومية تكون رئاسة الجلسات لمن يعرف بزعيم الأغلبية، وهو قائد ممثلي الحزب صاحب الأغلبية من الأعضاء في المجلس والذي عادة ما ينتخب قائدا بناء على الأقدمية. كما ان زعيم الأغلبية هذا عادة ما يتيح لأعضاء حزبه الآخرين بالجلوس على كرسي الرئاسة اثناء المناقشات كنوع من اتاحة الفرصة خاصة للأعضاء الجدد.


مجلس النواب
House of Representatives
يعّرف مجلس النواب بأنه مجلس "الشعب" وذلك لأنه أكثر التصاقا من مجلس الشيوخ بهموم الشعب اليومية، كما ان عضو هذا المجلس يمثل عادة مقاطعة صغيرة جغرافيا ويكون عدد سكانها حوالي الخمسمائة الف شخص، بينما عضوين فقط يمثلان ولاية بكاملها في مجلس الشيوخ. ويلعب هذا المجلس دورا كبيرا ايضا قد يفوق في بعض الأحيان مجلس الشيوخ، فهو على قدم المساواة في اصدار التشريعات، حيث لابد لأي تشريع من ان يعتمد من قبل هذا المجلس بالإضافة الى مجلس الشيوخ. كذلك فإن رئيس مجلس النواب هو ثالث شخص الى البيت الأبيض، بمعنى انه لو مات الرئيس ونائبه فإن رئيس هذا المجلس يصبح تلقائيا رئيسا لأميركا ويبقى كذلك حتى تحين الإنتخابات الرئاسية.

لعل العدد الكبيرلأعضاء هذا المجلس احد الأسباب في التقليل من شأنهم مقارنة بأعضاء مجلس الشيوخ. فبينما يحظى عضو مجلس الشيوخ بتمثيله لولاية بكاملها، فإن عضو مجلس النواب محصور في تمثيله لجزء من السكان لا يتجاوز الخمسمائة الف شخص. ومن هذا المنطلق، فإن عدد الأعضاء الذين يمثلون ولاية كاليفورنيا، اكثر الولايات المتحدة سكانا، 51عضوا (رجلا وامرأة) مقابل عضو واحد فقط لأصغر الولايات سكانا (ولاية وايومينغ) والتي تبلغ نسبة سكانها أقل من واحد على ستين (نصف مليون) من سكان كاليفورنيا (33 مليون)، بينما يمثل كل من هاتين الولايتين عضوان في مجلس الشيوخ. وعلى هذا الأساس فإن مجلس النواب يتكون حاليا من 435 عضوا يمثل كل ولاية عدد مختلف حسب عدد سكان الولاية.

الإنتخابات الرئاسية
انتخابات الرئيس الأميركي ونائبه هي الأكثرصدى اعلامبا، ومن ثم شهرة، داخل ماكينة السياسة الأميركية الضخمة. تجري الإنتخابات مرة كل اربع سنوات ولا يجوز ان ينتخب الرئيس اكثر من فترتين متتالييتين، اي ثمان سنوات. ويكون الرئيس المنتخب رئيسا للدولة ورئيسا للوزراء وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة. الشرط الوحيد في الرئيس ونائبه ان يكونا من مواليد الولايات المتحدة وان لا يقل عمركل منهما عن الخمسة والثلاثين عاما.

القضاء
كما سبق وان ذكر، لا يوجد انتخابات للقضاة بل ترشيح من قبل الرئيس، يتبعه موافقة من مجلس الشيوخ. يتكون النظام القضائي الفدرالي من خمسة انواع من المحاكم اعلاها واشهرها المحكمة العليا والتي تتكون من تسعة اعضاء. المهمة الرئيسية للقضاء هي تفسير الأنظمة والقوانينن والشريعات بما في ذلك الدستور، والتأكد من ان حقوق المواطن محفوظة ومصانة، وأن الجميع سواسية امام القانون. هذا الدور الحساس يجعل من المحكمة العليا، سواء على المستوى الفدرالي او المحلي، اقرب فروع نظام الحكم الى وجدان المواطن الأميركي.

النظام المحلي

هنالك أيضا إنتخابات مشابهه على مستوى كل ولاية من الولايات الخمسين، حيث انتخاب حاكم الولاية والذي هو بمثابة الرئيس وكونغرس الولاية، وانتخابات أخرى أقل أهمية مثل عمدة كل مدينة رئيسية في الولاية والمجالس البلدية والمحافظات التي تتكون منها كل ولاية. كذلك القضاة المحليين يتم ترشيحهم من قبل الحاكم ومن ثم اعتمادهم من قبل مجلس الشيوخ في كونغرس الولاية. نظام الولايات مشابه الى حد كبير للنظام الفدرالي والإختلافات الموجودة بين انظمة الولايات الخمسين عادة ما تكون قليلة وسطحية.


نظام مراقبة كل فرع لآخر
Checks & Balances
من اهم صفات النظام الأميركي، بل هي صفة لأن نظام ديموقراطي حقيقي، ان لا يستأثر فرع من الفروع الثلاثة بنفوذ صارخ قد يضعف احد او كلا الفرعين الآخرين. لذا تكون عملية النفوذ تلك موزعة بين الأطراف الثلاثة بل ومتشابكة بحيث يكون جزء من القرار ملك لكل طرف. على سبيل المثال، يضع البيت الأبيض الميزانية السنوية للحكومة، لكن لابد من ان تعتمد من قبل الكونغرس لكي تصبح سارية المفعول. كما ان بإمكان الكونغرس ان يصدر تشريعا هاما لكن بإمكان المحكمة العليا ان تلغيه لأنه، في نظرها، يتعارض مع الدستور. وبإمكان الرئيس أن يستخدم حق النقض (الفيتو) ضد اي تعديل من قبل الكونغرس على مشروع مقدم من الرئيس للإعتماد. وداخل الكونغرس نفسه، يمارس كل من المجلسين مبدأ مراقبة كل طرف للآخر، حيث ان جميع التشريعات لا تصبح معتمدة الا بعد موافقة المجلسين وليس احدهما.



دور الإعلام كسلطة رابعة
تقوم وسائل الإعلام الأميركية المختلفة بدوررئيسي واحد وهو دور المراقب، او ما يسمى هناك بدور"كلب الحراسة،" للشأن العام مع تركيز خاص على من يعملون في الخدمة العامة والذين هم عادة اشخاص منتخبين. لذا تجد ان معظم المتاعب التي يواجهها اولئك الأشخاص، من الرئيس الى عضو مجلس بلدي لبلدة صغيرة وسط أميركا، عادة ماتكون نتيجة لكشف ممارسة مهنية او اخلاقية مخالفة كشفتها احدى الصحف او محطات الإذاعة او التلفزيون، وفي السنوات الأخيرة الإنترنت. فلقد كان سقوط الرئيس نيكسون المدوي نتيجة للتحقيقات الصحفية حول ما عرف لاحقا بفضيحة ووترغيت من قبل جريدة الواشنطن بوست. وكانت فضيحة كلينتون مع مونيكا لوينسكي قد كشفتها للعالم مجلة النيوزويك، وهنا مئات الأمثلة سقط ضحيتها اعضاء من الكونغرس ووزراء وجنرالات، بل وحتى في القطاع الخاص، مثل ما حدث مع شركة انرون، والتي كشف فساد الإدارة العليا بها عدد من الصحف المحلية في ولاية تكساس قبل ان تنهار الشركة بالكامل، وقد حكم بالسجن لسنين طويلة على مدرائها وغرموا عشرات الملايين. بل وحتى في حالات الحرب لا يتراجع الإعلام عن دوره في تعرية من هم في السلطة، فلقد كانت شبكة سي بي اس التلفزيونية هي من كشف فضيحة سجن ابوغريب في العراق، وكانت صحيفة النيويورك تايمز،ايام حرب فيتنام في اوائل السبعينات من القرن الماضي، قد نشرت اجزاء من وثائق عالية السرية حول العلاقات الأميركية الفيتنامية، وهي وثائق عرفت لاحقا "بأوراق البنتاغون" والتي اقامت الدنيا نظرا لحساسية المعلومات المنشورة وفي وقت عصيب لأميركا، حيث كانت في ذروة تورطها في تلك الحرب.

دور الإعلام في نظام ديموقراطي كالنظام الأميركي رقابي بشكل أساسي، لا مكان فيه للتطبيل او التمجيد لأي ***** او مؤسسة عامة، بل يطغى الجانب النقدي التحليلي الموضوعي المستند على الحقائق على ما يقال وينشر. وهذا الدور المؤثر للإعلام كسلطة رابعة يحميه البند الأول من الدستورالأميركي والمتعلق بحرّية التعبير وحماية الصحافة.


منظمات الضغط (اللوبي)
اولا كلمة لوبي تشير إلى بهو كبير يقع بين مجلسي النواب والشيوخ داخل مبنى الكونغرس الأميركي في واشنطن، وهومكان يصطاد فيه المواطن من يمثله داخل هذا البرلمان لإبداء رايه حول تشريع او مسألة يتم مناقشتها هناك. قد يكون هذا المواطن ممثلا لنفسه او لمجموعة بعثت به مرسولا من ولايته. لكن هذا المواطن في اغلب الإحتمالات لا يمثل لا نفسه ولا بضعا من مواطنيه، بل هو محام يعمل في احد مئات مكاتب المحاماة التي تعج بها واشنطن العاصمة، والمتخصصة في في هذا النوع من التجارة: الضغط. والضغط هنا يعني محاولة اقناع عضو الكونغرس بوجهة نظر معينة تجاه تشريع او موقف معين وتصب في مصلحة شركة او صناعة او شريحة اجتماعية او غيرها. يوجد في أميركا ملايين الجمعيات والإتحادات والتنظيمات ويكاد ان يكون لكل منها من يعرض صوتها داخل الكونغرس، بصفته المؤسسة التي تصدر التشريعات والتي تصبح قوانينا فوراعتمادها.

عملية "الضغط" هذه قانونية من ناحية نظرية. قانونيتها تنبع ايضا من البند الأول في الدستور الفدرالي، اي حرية التعبير وحرية تقديم الشكوى لمن هم داخل اروقة الحكم، لكن كشف فضائح رشاوى حصل عليها بعض اعضاء الكونغرس عبر السنوات مقابل اتخاذ موقف معين تجاه قضية ما جعل من كلمة "لوبي" ذات مدلول سلبي ان لم يكن قذرا في بعض الأحيان. ونتج عن اساءة استخدام هذا الحق الدستوري من قبل بعض اعضاء الكونغرس الفاسدين سن قوانين صارمة تكبح من تحويل النظام الديموقراطي الى نظام في يد من يملك المال مثل الشركات الكبرى، وذلك على حساب مصالح المواطن العادي. بل ان بعض المفكريين والسياسيين الأميركيين يتهمون النظام بأنه قد تحول فعلا الى اداة في ايدي مكاتب اللوبي في العاصمة الأميركية. وبالإضافة الى سن القوانين ضد اي مخالفات، تشكلت منظمات مدنية متخصصة في نشر سجل كل عضو في الكونغرس مع قوى الضغط تلك، كما يمارس الإعلام دورا مماثلا. وبين الفترة والأخرى يتم كشف احد اعضاء الكونغرس متلبسا برشوة ليقضي بعدها بضع سنوات خلف القضبان، وتنتهي معها علاقته مع السياسة الى الأبد.

اللوبي اليهودي: تعرية الأسطورة
ترتبط كلمة "لوبي" لدى العربي بالقضية الفلسطينية وكيف ان عددا من المنظمات اليهودية تمارس عملية الضغط تلك لكي يميل الميزان لصالح اسرائيل عندما تتم مناقشة امرا ذا علاقة داخل الكونغرس الأميركي. وقد وصل الأمر بكثير من الكتاب والإعلاميين والناشطين السياسيين العرب ان يكرروا مقولة "سيطرة اليهود على القرار السياسي الأميركي." اولا، لاتوجد " سيطرة" على القرارات السياسية الأميركية سواء تلك المتعلقة بقضايا داخلية او خارجية. هناك "تأثير" من قوى معينة ومن خلال نظام الضغط المشار اليه هنا. السبب الرئيسي في عدم وجود " سيطرة،" هو، أن أميركا من خلال نظامها المؤسساتي يتخذ قراراته (خاصة الخارجية منها) حسب مصالح استراتيجية عليا، ولا يمكن ان يسمح لفئة بعينها "السيطرة" على تلك القرارات، وثانيا، ان "السيطرة" من حيث المبدأ تتناقض مع مجتمع مدني ديموقراطي مبني على التعددية والإختلاف.

في العقدين الأخيرين، تنبهت بعض الجماعات العربية والإسلامية لهذه المباديءوانخرطت في لعبة الضغط تلك من خلال تكوينها لجمعيات ومؤسسات سياسية تتابع مصالح اعضائها وقد حققت نتائج ممتازة. بالطبع لا يتوقع لها ان تكون بنفس قوة تأثيرالمنظمات اليهودية، على الأقل في المستقبل المنظور، وذلك لأسباب عديدة. اولا، الجالية اليهودية، بالرغم من صغر حجمها (حوالي 2% من السكان) لها حضورطاغ في كل المجالات المهنية، من اساتذة جامعات، الى الطب الى المحاماة الى عالم المال الى الفنون والأداب، كما انه مشهود لأفرادها بالإبداع في كل ما يقومون به. ثانيا، ان لم يكن كل اولئك المبدعين من اليهود الأميركيين، فعلى الأقل الأغلبية العظمى منهم تنتمي الى من يعرف ب "الإصلاحيين اليهود،" وهم فئة تشكل نسبة كبرى من يهود الغرب، بصفة عامة، وهم متأثرين بحركة اصلاح كبرى، علمانية في جوهرها، حدثت في المانيا للديانة اليهودية في القرن التاسع عشر، وهي مبنية بشكل رئيسي على تفسيرالمباديء اليهودية بطرق لا دينية، ونتج عنها تحررالمنتمين لها من قيود الديانة اليهودية التقليدية الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، بل وحتى تلك المتعلقة بالهوية اليهودية.

هذا الإنتماء سمح لتلك الفئة ان تنصهرعبر الزمن مع الأجواء الإجتماعية والسياسية من حولها حتى اصبح اليهودي لا يعرف في أميركا، على سبيل المثال، الا اذا كان اسمه، خاصة الإسم العائلي، يدل بشكل واضح على يهوديته. كما ان نسبة كبيرة منهم تزاوجت مع منتمين لديانات واعراق اخرى داخل المجتمع الأميركي. هذا النوع من الإنسجام كان عاملا رئيسيا في تحقيقهم لذلك التأثير الكبير، والذي لم يكن ليتحقق لو بقوا متقوقعين داخل الغيتو المرتبط تاريخيا بهم. الغيتو كلمة اطلقت في اوربا على احياء اليهود في اوربا قبل قرون، حيث انهم كانوا متقوقعين حول انفسهم قبل ان تخرجهم حركة الإصلاح تلك الى آفاق جديدة اتاحت لهم ان يتركوا اثرا ليس فقط علي قضية فلسطين بل على الفكرالإنساني بعامته، ولعلنا هنا نشير، فقط للتذكير، إلى عظماؤهم الثلاثة: كارل ماركس وسيغموند فرويد والبرت آنشتاين.