منتديات الحوار الجامعية السياسية

قسم مختص بالطلاب و اسهاماتهم الدراسية

المشرف: صفيه باوزير

By محمد الخمشي 1
#61236
على مدى ثلاثة أسابيع، تصاعدت فى نيبال الاحتجاجات المناوئة للملك جيانيندرا، فأصابت البلاد بالشلل، وأسفرت عن مقتل 15 شخصا وجرح الآلاف وقد بدأت هذه الاحتجاجات عقب إعلان الأحزاب السياسية السبعة فى البلاد، فى السادس من أبريل الماضى، عن إضراب عام غير محدد، احتجاجا على تفرد الملك بالسلطة منذ حله البرلمان عام 2002، وإطاحته بالحكومة المنتخبة فى فبراير 2005.
وقد ردت حكومة الملك على ذلك بمحاولة قمع المسيرات الاحتجاجية، وفرض حظر التجوال لمنع المظاهرات المناهضة، خصوصا فى العاصمة كاتمندو وأمام تصاعد الاحتجاجات، اقترح الملك فى 21 أبريل الماضى إحلال ديمقراطية متعددة الأطراف فى البلاد، وطلب من المعارضة ترشيح شخصية لتولى رئاسة الوزراء، وهو ما رفضه تحالف الأحزاب السياسية السبعة فى نيبال، أسوة بالمتمردين الماوميين، إذ رأت أكبر ثلاثة أحزاب سياسية معارضة أن اقتراح الملك غير كاف وأوضح تحالف المعارضة أن ـ الإعلان الملكى لم ينجح فى الرد على مطالب تحالف الأحزاب السبعة المتعلقة بخريطة طريق لعودة الديمقراطية إلى نيبال ـ ومن جانبهم، أعلن المتمردون الماويون رفضهم "المؤمراة الإقطاعية"، وتعهدوا بمواصلة التحرك لحين عودة السلطة التنفيذية بين يدى الشعب من خلال تنظيم انتخابات، وانهم لن يرضوا بشىء أقل من انتخابات لتشكيل البرلمان الذى سيضع الدستور الجديد وفى 25 أبريل 2006، ألقى الملك خطابا للأمة النيبالية، أعلن فيه تخليه عن سلطاته للشعب عبر إعادة البرلمان المنحل للعمل رضوخا لمطالب المعارضة بعد ما واجه خطوات جدية لإنهاء النظام الملكى فى نيبال عقب ذلك مباشرة، أعلن تحالف الأحزاب السياسية السبعة فى نيبال اختيار رئيس الوزراء الأسبق، جيريجا براساد كويرالا زعيم حزب المؤتمر النيبالى، لرئاسة الحكومة الجديدة فى البلاد، علما بأن كويرالا تولى رئاسة الوزراء ثلاث مرات قبل ذلك، ويطلق عليه "قائد" الحركة المؤيدة للديمقراطية وأعلنت الأحزاب السياسية السبعة أن المهمة الأولى للحكومة الجديدة ستكون ضمان انخراط المتمردين الماويين، الذين يخوضون تمردا منذ نحو عقد، فى الحياة السياسية.
أولا ـ جذور الأزمة:
تعانى مملكة نيبال من عدم الاستقرار منذ نهاية الحرب الباردة فباستثناء فترة قصيرة بين عامى 1959 و 1960، عرفت خلالها نيبال الحكم الدستورى، فإن الملك السابق بيرندرا يعد أول مؤسس للديمقراطية فى البلاد، إذ دشن أول ملكية دستورية عام 1989 لكنها لم تنعم بالاستقرار، فقد تخلى رئيس الوزراء جيريجا براساد كويرالا عن منصبه بعد هزيمته فى الانتخابات التشريعية عام ـ 1994 وفى عام 1996، انسحب الحزب الشيوعى الماوى النيبالى بادئا ـ حربا شعبية ـ ضد العرش وكان ملك نيبال الحالى جيانيندرا قد تولى العرش على غير توقع فى عام 2001، بعد قيام ولى العهد بقتل والديه رميا بالرصاص وانتحاره بعد ذلك وأعرب الملك الجديد عن رغبته فى إدخال المتمردين الماويين فى العملية السياسية، فاتفقت الحكومة مع المتمردين على هدنة، استمرت أربعة أشهر فقط، استؤنفت بعدها أعمال العنف، فأعلن الملك الأحكام العرفية، وقام بحل حكومة رئيس الوزراء بها دور دوبا، وعين مكانه لوكيندرا بها دور شاند رئيسا للوزراء، لكنه أجبر على التنحى بعد شهور من الاحتجاجات التى قامت بها الأحزاب الحكومية السابقة وحاول الملك أن يجرب حظه ويعين ملكى هو سوريا باها رئيسا للحكومة، لكنه أجبر على الاستقالة بعد أقل من عام بسبب الاحتجاجات التى واجهته وفى أوائل مايو 2004، كلف الملك ـ بها دور دوبا ـ مرة أخرى رئيسا للوزراء لكن بعد 8 أشهر، وضع الملك أعضاء الحكومة تحت الإقامة الجبرية، واستأنف الحكم المطلق لتوسيع صلاحياته فى استخدام القوة لمواجهة المتمردين الماويين فى الأرياف، لكن سيطرة الملك المباشرة على الجيش لم تحدث أى تقدم لحل المشكلة عسكريا ومنذ عام 2005، نحت الأحزاب السياسية خلافاتها جانبا، واتفقت على أن عودة الحكم الدستورى هى الموضوع الأكثر أهمية وفى أواخر أغسطس 2005، اتفقت الأحزاب السياسية على أن وجود ملكية دستورية أفضل من حكم دستورى كامل وفى مقابل التقارب الحاصل مع الأحزاب السياسية، بادر المتمردون الماويون بوقف إطلاق النار من جانبهم لعدة أشهر، الأمر الذى قاد إلى اتفاق 22 نوفمبر 2005 بين الأحزاب السياسية والمتمردين وقد دعا الطرفان إلى إنهاء "الملكية الاستبدادية"، وإن كان هناك تباين واضح بين الطرفين بشأن أهداف تلك الخطوة.
ثانيا ـ الأبعاد الإقليمية والدولية للأزمة:
عندما حصلت الهند على استقلالها عن بريطانيا فى أغسطس 1947 وانضمت الصين إلى الكتلة الشيوعية عام 1949، شعرت الحكومة الهندية بالقلق بشأن نيبال بسبب ضعفها كدولة عازلة وفى عام 1950، وقعت الدولتان ـ اتفاقية صداقة ـ لدعم تحالفهما، الذى امتد إلى مجالات "الدفاع المشترك" ولكن لم يكد ينقضى ذلك العام، حتى قامت الصين باحتلال "التبت"، الأمر الذى أكد لدى الهند هواجس الخوف من اجتياح الموجة الشيوعية للإقليم ومنذ ذلك الحين، أصبحت نيبال منطقة عازلة استراتيجية، ومحط نوازع الهيمنة من قبل جاراتيها ومن جانبها، تعهدت الحكومة الصينية بدعم جهود حكومة الملك لكبح جماح تمرد الماويين الذين تصفهم الصين بـ"العصابات اليسارية المتطرفة" وتسربت بعض الأنباء فى عام 2005 التى تفيد بأن الصين قامت بإرسال 6 سيارات عسكرية خاصة إلى الملك لدعمه فى صراعه مع المتمردين الماويين، وكان ذلك عقب قيامه بعزل رئيس الوزراء مباشرة (فبراير 2005) على أثر ذلك، قررت الهند على وقف دعمها العسكرى، احتجاجا على تلك التطورات التى أشاعت الاضطراب السياسى، الأمر الذى ـ فيما يبدو ـ قد شجع الصين لعرض مساعداتها أما الولايات المتحدة، فإنها تأمل فى تقوية علاقاتها مع نيبال فى إطار استراتيجية تطويق الصين واحتواء نفوذها فى منطقة جنوب غرب آسيا ويقتصر الدور الأمريكى فى أزمة نيبال على تقديم المساعدات العسكرية والمشورة والتدريبات على أحدث تقنيات مواجهة عمليات التمرد، وممارسة بعض الضغوط الدبلوماسية وقد لعبت واشنطن دورا داعما مهما فى ترتيب تحركات الأحزاب السياسية النيبالية فمثلا، استضافت الهند اجتماعا فى نيودلهى فى نوفمبر 2005، شارك فيه السفير الأمريكى فى نيبال جيمس مورياتى ومادها زعيم الحزب الشيوعى النيبالى، وجيريجا كويرالا رئيس حزب المؤتمر النيبالى، وهو ما أدى إلى إنجاز اتفاق نوفمبر 2005 بين الأحزاب السياسية النيبالية السبعة والمتمردين الماويين وخلال الأزمة الأخيرة وبعد اقتراح الملك باختيار رئيس وزراء جديد، ضغطت الولايات المتحدة على الأحزاب السياسية النيبالية لقبول هذا الاقتراح، معتبرة إياه خطوة مهمة لإنهاء الأزمة السياسية فى البلاد وتطمح الولايات المتحدة والهند للاستفادة من الطاقة الهيدروكهربائية الحيوية فى نيبال لاستثمار ما تتيحه من فرص واعدة، حيث كانت شركة اينرون الأمريكية الشهيرة فى مجال الطاقة، قبل انهيارها المدوى، تخطط لإقامة مشروع ضخم للطاقة الهيدروجينية فى نيبال ولقد جاء تداعى الشركة ماليا لصالح الآلاف من العناصر النيبالية الفقيرة، الذين كان سيتم ترحليهم عن قراهم فى حال إقامة هذا المشروع وبالنسبة للهند، فإن الطاقة الكامنة فى أنظمة المياه الداخلية بالهيمالايا يمكن أن تكون مصدرا ملائما للكهرباء والرى الزراعى.
ثالثا ـ المأزق الهندى:
تجد الهند صعوبة بالغة فى التعامل مع التطورات الحاصلة فى نيبال، إذ لا ترغب نيودلهى فى لعب دور وساطة نشيط فى الصراع الدائر بين القصر الملكى والمتمردين الماويين فى الوقت نفسه، لا تستطيع الهند أن تنأى بنفسها عن التطورات فى نيبال، خصوصا عندما تواجه حالة عدم استقرار بسبب الروابط الثقافية والدينية والعرقية بين البلدين ولكن مشكلة الهند تكمن فى صعوبة بلورة سياسة واضحة ومؤثرة تجاه نيبال فعندما قام الملك بحل مجلس الوزراء برئاسة شيربهادور دوبا فى فبراير 2005، ردت الهند بحدة وقاطعت اجتماع قمة رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمى (سارك) وأشارت التقارير إلى أن رئيس الوزراء الهندى مانموهان سينج لم يكن حريصا على الظهور وهو يصافح حاكما أطاح للتو حكومة منتخبة لقد وجد معارضو الملك السياسيون والمتمردون الماويون فى نيبال بعض الدعم من الهند، إذ حرصت الهند على إبقاء الاتصالات مع القوى المؤيدة للديمقراطية، وفى الوقت نفسه مع المتمردين الماويين وبينما تمتلك الهند روابط قوية مع قيادات تحالف الأحزاب السياسية السبعة، فإن اتصالاتها مع المتمردين تبدو حديثة ولعبت الهند دورا محوريا فى توقيع اتفاق نوفمبر 2005 بين الأحزاب المعارضة والمتمردين الماويين، وإن كانت نيودلهى لا تبدو متحمسة لصعود المتمردين بسبب روابطهم القومية مع الجناح اليمينى المتطرف للجماعات الماوية فى الهند وتكشف الملابسات، التى أجبرت الملك على الرضوخ للمطالب الشعبية بسبب احتمالات سقوط الملكية فى نيبال، عن إمكانية تفسيرها على أنها نصر للمتمردين الماويين أكثر منه تنازلا سياسيا حققته القوى المؤيدة للديمقراطية وبسبب ذلك، يبقى الخطر قائما من احتمال أن تجد الهند نفسها مسئولة عن استمرار الملكية فى نيبال ومثل قرار الحكومة الهندية، بإرسال كاران سينج مبعوثا خاصا فى 19 أبريل الماضى، أولى الخطوات الملموسة من أجل ضمان استمرار الملكية فى نيبال فخلال تلك الأوقات، وافق الملك على استعادة الحكم الدستورى، وهو ما رحبت به الهند، لكن الأمور لم تسر على نحو ما اشتهت الهند فتحت ضغط الاحتجاجات الشعبية المكثفة، أعلنت الأحزاب السياسية السبعة المعارضة أن تنازلات الملك غير كافية لقد كانت موافقة الملك على عودة البرلمان المنحل بسبب الضغط الشعبى، وليس بسبب مهارة الدبلوماسية الهندية، إذ لم تستطع الهند إقناع الملك بضرورة التخلى عن الحكم المطلق الذى اغتصبه فى فبراير 2005 ومنذ تدخل الهند العسكرى المرير فى الصراع العرقى فى سريلانكا أواخر الثمانينيات الماضية، تشعر الهند بقلق من قيامها بدور نشيط فى التوسط فى النزاعات المجاورة لها ومنذ اغتيال رئيس الوزراء الراحل راجيف غاندى عام 1991 ظلت الهند ـ شاهدا صامتا ـ فى الصراع العرقى الدائر فى سريلانكا فرغم أن الهند تعتبر جوارها الحالى منطقة نفوذ لها، لكنها تناضل من أجل الابتعاد عن بعض القضايا الحساسة التى تواجه منطقة جنوب آسيا لكن بداية التمرد الماوى فى نيبال، وعدم قدرة النخبة السياسية على إيجاد حل سياسى أو عسكرى غيرا بشكل مفاجئ الحسابات الهندية أن استمرار العنف الداخلى واحتمالات سقوط الملكية تقوضان بقوة النفوذ الهندى لقد حل الملك البرلمان واستأثر بالسلطة، لأن الحكومات المدنية لم تستطع السيطرة على تمرد الماويين، والملك يتخلى الآن عن السلطات نفسها، لأن المتمردين وصلوا تقريبا إلى أعتاب القصر الملكى ولذلك، عاجلا أم آجلا، ستضطر الحكومة المدنية، إما إلى مواجهة الماويين أو العرش ومنذ فبراير 2005، تواجه الأحزاب السياسية الجانبين معا فى هذا الموقف، ستدعم الهند جانب الاستقرار، وسوف تهدف إلى نزع سلاح الماويين عبر دمجهم فى الحكومة مادام لم يتم إخضاعهم بالقوة المسلحة فهل تنجح الهند فى ذلك؟
رابعا ـ فرص ومخاطر:
فى الثانى عشر من مايو الماضى، وبناء على توجيهات لجنة قيادية عليا مخولة من الحكومة الجديدة، جرى اعتقال خمسة من كبار وزراء الملك، إلى جانب تقييد إقامة بقية الوزراء الآخرين ومنعهم من مغادرة العاصمة كاتمندو كما أقرت اللجنة نفسها إيقاف ثلاثة من رؤساء الأجهزة الأمنية فى البلاد عن مزاولة عملهم كما أعلن التحالف الحزبى عزمه إنهاء سيطرة الملك الحالية على الجيش، فضلا عن إعلان البرلمان، بصفته أعلى سلطة تشريعية فى البلاد إلى جانب ذلك، قرر البرلمان إجراء انتخابات لاختيار جمعية تشريعية تكلف بصياغة مسودة جديدة للدستور، فضلا عن تلبيته للشروط التى وضعها المتمردون الماويون للانضمام إلى العملية السياسية وتشمل تلك الشروط استئناف وتبادل وقف إطلاق النار المعلن من جانبهم، ورفع اسم منظمتهم عن قائمة الجماعات الإرهابية، بما فى ذلك مطالبة "الإنتربول" الدولى بشطب أسماء قادة وأفراد المنظمة من قائمته الخاصة بمراقبة الأشخاص المتهمين والمشتبه بهم وأخيرا، فقد شملت جدية الخطوات، التى اتخذها البرلمان والحكومة الجديدة فى هذا الاتجاه، إطلاق سراح اثنين من كبار قادة المتمردين الماويين من سجن كاتمندو وكان الإعلان الذى تبناه البرلمان النيبالى فى 18 مايو 2006، والذى ينهى اعتبار البلاد الدولة الهندوسية الوحيدة فى العالم واحدا من القرارات الصعبة التى اتخذتها الحكومة الجديدة بهدف استمالة المتمردين الماويين، ومحاولة إقناعهم بالانضمام إلى العملية السياسية غير أن الخطوة ولدت صراعا جديدا، لم يكن فى الحسبان، مع الأغلبية الهندوسية فى البلاد (80%) من السكان ففى رد فعلها، وصفت المنظمات الهندوسية فى نيبال، التى تتلقى دعما قويا من المنظمات الهندوسية الأصولية القوية فى الجارة الهند، الإعلان، الذى ينص على علمانية نيبال بـ"المسىء" و"الخطير"، معتبرة أن من شأنه أن يثير "حملة دينية" فى هذا البلد الصغير فإثر الإعلان، نظمت المنظمات الهندوسية مسيرات حاشدة فى العاصمة كاتمندو، وخرج رجال الدين الهندوس بثيابهم البرتقالية إلى شوارع العاصمة ومدن أخرى، مطالبين بإلغاء الإعلان ويقول ديواكار شاند، أمين عام الفيدرالية الهندوسية العالمية، وهى منظمة مسجلة لدى الأمم المتحدة وتمثل المنظمات الهندوسية حول العالم، "كيف لبرلمان يتكون من 250 عضوا أن يقرر مصير موضوع بهذه الأهمية، أن استفتاء حول الموضوع هو الحل للمسألة" وقد لا يكون ثمة مثال أفضل وأبلغ تعبيرا عن الأهمية، التى تعلقها المنظمات الهندوسية حول العالم، خاصة فى الهند، على نيبال، من حقيقة أن "الفيدرالية الهندوسية العالمية" درجت على أن يرأسها شخص يحظى بتزكية نيبال، حيث يحظى ملوك البلاد بالقداسة، على اعتبار أنهم يجسدون "فيشنو"، وهو من بين الآلهة الأكثر تقديسا لدى الهندوس أما رئيس الفيدرالية الهندوسية العالمية الحالى، فهو "بهارات كيشارى سينج" الذى يعد أحد كبار مساعدى ملك نيبال "جيانيندرا" ومن جانبه، قال "رانجات سينج"، رئيس حزب "بهارتيا جناتا" الهندوسى فى الهند لوفد نيبالى، زار الهند فى الأسبوع الأخير من مايو 2006، إنه ينبغى على نيبال أن تظل دولة هندوسية، واستطرد قائلا: "إن حزب بهارتيا جناتا لن يرضى بوضع تفقد فيه نيبال هويتها الأصلية، وترضخ فيه لضغوط الماويين" ولعل أكثر ما يثير قلق المنظمات الهندوسية هو ما إذا كانت قدسية الأبقار ستراعى فى نيبال العلمانية أم لا، ذلك أن ذبح الأبقار غير قانونى، حيث يقدس الهندوس الأبقار ويعبدونها، باعتبارها تجسيدا لـ"لاكسمى" آلهة الثروة وزوجة "فيشنو" كبير آلهة الهندوس حسب معتقدات الهندوس كما أن البقرة هى الحيوان الوطنى لنيبال وإذا كانت للهندوس تحفظات قوية حول الموضوع فإن المنظمات البوذية، التى تمثل 12% من السكان فى نيبال، إضافة إلى المسلمين والمسيحيين وأقليات أخرى، أعربت عن ترحيبها بالإعلان غير أن أكثر من جهة رحبت بالإعلان، ربما تكون الأقليات العرقية فحسب المكتب المركزى للإحصاءات التابع للحكومة النيبالية، توجد بالبلاد أكثر من 103 طبقات وأعراق، و92 لغة على الأقل، وأكثر من 10 أديان مختلفة وقد جرت العادة على أن يقتسم الأشخاص الذين ينتمون إلى الطبقتين الأوليين فى التراتيبية الهندوسية "البراهمة وشيتريا" السلطة مع الملك وحتى حينما عاشت نيبال تجربة ديمقراطية محدودة لمدة 12 عاما بعد عام 1990، كان معظم رؤساء الوزراء من البراهمة، بينما سيطرت على البرلمان والإدارة أغلبية من البراهمة وشيتريا وهما أعلى الطبقات الاجتماعية وتنتمى الأغلبية الساحقة من المتمردين الماويين، الذين خاضوا حربا عنيفة ضد الحكومة خلال السنوات العشر الماضية، إلى أقليات عرقية تكاد لا تحظى بأى تمثيل فى هيئات صنع القرار بالبلاد وتضع الاستجابة القوية لمطالب المتمردين الماويين منظمتهم أمام خيارين، كلاهما أصعب من الآخر: فإما دخول الحلبة الانتخابية لاختيار جمعية تشريعية تكلف بإعادة صياغة الدستور، مع ملاحظة أن المنظمة الماوية ستشكل أقلية سياسية لا محالة أو العودة إلى حرب غير متكافئة الأطراف مع الجيش الملكى المؤلف من 150 ألفا من الجنود والمقاتلين، مع العلم بأن "جيش التحرير الشعبى الماوى" لا يعادل سوى 10% فحسب من قوة الجيش الملكى، بالإضافة إلى ضعف وهزال معداته العسكرية (ثلث أسلحته 50 بندقية قديمة) لذلك، فمن غير المتوقع للمتمردين الماويين اللجوء إلى الخيار الثانى، لاسيما وأن القاسم المشترك بين الماويين وتحالف الأحزاب السياسية السبعة هو تشكيل جمعية وطنية تتولى مهمة صياغة دستور البلاد، فى حين يتوقع نشوء عراك أيديولوجى شرس حول الشروط التى تجرى على أساسها العملية الانتخابية إلا أنه سيتعين على الماويين، فى نهاية المطاف، الوفاء بالعهد الذى قطعوه على أنفسهم بالمشاركة فيها، خصوصا فى ظل المد العالمى والإقليمى المناهض لحركات المقاومة منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001.