منتديات الحوار الجامعية السياسية

قسم مختص بالطلاب و اسهاماتهم الدراسية

المشرف: صفيه باوزير

#63809
لقد بدأ الربيع العربي في تونس. انتحر البوعزيزي في بلدة نائية، فكان ذلك الحدث إشارة النهاية بالنسبة لنظام زين العابدين بن علي. في مصر كان هناك خالد سعيد، رمزا آخر لبدء المسيرة الشبابية في اتجاه ميدان التحرير، وهي المسيرة الافتراضية التي ظن نظام حسني مبارك أنها ستكون محصورة بين عالمي فيسبوك وتويتر.
كلا البلدين لم يشهدا في تلك الفترة حراكا متمردا، مادته شباب جماعة الإخوان في مصر أو شباب حركة النهضة في تونس. لم تكن هناك شعارات دينية مرفوعة. لم تكن هناك لحى ولا ثياب رجالية قصيرة ولا سيوف ولا خناجر. كان شباب الثورة معاصرين، بأفكارهم وثيابهم وشعاراتهم.
حين سقط نظاما الحكم في تونس ومصر مالت كفة الميزان إلى جهة دعاة الشريعة. من الطبيعي القول أن ذلك الميل كان ظالما، غير أنه تم عن طريق انتخابات ديمقراطية نزيهة. وهو ما لا يمكن أن ينكره أحد. أين يكمن الخطأ؟ وهل هناك ما يمكن أن يشار إليه باعتباره نوعا من الخيانة؟ مَن خان الآخر؟ الثورة التي لم تنجز أهدافها أم الشعب الذي ذهب إلى الانتخابات بأفئدة كلها هواء؟ هل كانت هناك مسافة تفصل بين الثورة والشعب نجح الاسلامويون في ملئها بأدعيتهم المجانية؟
غربيا ما حدث كان متوقعا. لمَ لم يتوقعه أصحاب الشأن؟ شعوب سلمتها أنظمة الاستبداد إلى الفقر والجهل والأمية والظلم واليأس والإقصاء، ما كان عليها سوى أن تتوجه إلى الله وهو القادر على كل شيء. ولأن الاسلامويين قد احتكروا الله لصالحهم ووظفوا عالم الغيب لحسابهم، فقد كانوا الجهة الأكثر كفاءة في الاستجابة لنداء المقهورين واليائسين والمغلوبين على أمرهم.
هناك الجنات المفتوحة على لذائذها، نساء وخمورا وكسلا ولبنا وعسلا وحقولا خضراء. كان لسان حال الإسلامويين يقول للشعب: «ما تحلمون به لدينا وما من أحد سوانا يمكنه أن يصل بكم إليه»، فكان الاختيار بين الدنيا الزائلة والآخرة الدائمة هو الامتحان الذي لم يفكر فيه شباب مصر وتونس، في الوقت الذي كان فيه ذلك الاختيار هو كلمة السر التي عبأ الإسلامويون رهانهم الانتخابي بها.
الآن وقد تمكن الإسلامويون من الحكم، ألا يزال هناك من أثر للثورة على أرض الواقع؟ الفوضى الهائلة التي يعيشها البلدان الرائدان في ربيعهما لا تبشر بأي نوع من الجنة، لا في الأرض ولا في السماء. لقد أدخل النظامان الإسلامويان البلدين في متاهة خلافات لا مخرج منها.
ولو اقتصر الأمر على اعتراض التيارات المدنية لهان الأمر بالنسبة لشعب سيصدق أنه ذاهب إلى الجنة لا محالة بمعونة الإخوان والنهضة وبعداً للقوم الكافرين، ولكن خرجت تيارات إسلاموية صارت تكفر علنا من يحكمون باسم الإسلام. صار هناك من يرفع لواء الشريعة في وجه الإخوان والنهضة. عاد الشعب مرة أخرى ليتخيل منقذيه. لقد تراجع الحوار الديني- المدني في كلا البلدين ليحل محله حوار ديني- ديني، فهل هذا ما حلمت ثورات الربيع العربي بأن تصل إليه؟
هناك صفحة طويت في تاريخ العالم العربي، هي صفحة الاستبداد العسكري الذي كان مغطى بهالة مدنية، غير أن ما جرى ديمقراطيا بعد ذلك إنما يمهد لفتح صفحة استبداد جديد، سيكون الدين مادته هذه المرة. وهو ما سيؤدي لاحقا إلى فضح الأهداف السياسية التي تخفيها الحركات الدينية، حيث يشكل الاستيلاء على السلطة والتمتع بمنافعها الدنيوية جوهرها. سيكتشف الشعب أن المبشرين بالآخرة هم أكثر دنيوية من مبارك وبن علي، ولكن ندمه على الثورات المغدورة قد يقع متأخرا.