منتديات الحوار الجامعية السياسية

قسم مختص بالطلاب و اسهاماتهم الدراسية

المشرف: صفيه باوزير

#66064
(العدل) هو القاعدة الأساسية في تنظيم علاقة المسلم بغيره، ويشمل ذلك العلاقات الدولية - كما سنرى. والعدل في هذا المجال - وكما تظهر نصوص القرآن والسنة - هو القيمة الأولى بين القيم الإسلامية، وفي القرآن ورد الأمر بالعدل والإشادة بالمتَّصفين به، والنهي عن الظلم والتشنيع على مرتكبيه في أكثر من 350 موضعاً. ويعبر عن العدل أحياناً بالقسط وإقامة الميزان أو بما يدل على هذا المعنى، كما يعبر عن الظلم بالبغي والعدوان والبخس والطغيان.والعدل في الإسلام قيمة مطلقة ذات ميزان واحد يلتزم به المسلم كواجب أساسي في المنشط والمكره، وفي حالة الصداقة والعداوة، في القول والعمل، وفي الفعل والترك. قال تعالى: (( يأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله شهدآء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )(المائدة: ).قال المفسرون: المعنى: لا يحملكم بغض قوم يقاتلونكم في الدين على أن لا تعدلوا في معاملتهم.ويشهد لهذا التفسير الآية الأخرى: (( ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب )) (المائدة: 2).ولم يكن أحد أعدى للمسلمين من الذين صدوهم عن المسجد الحرام وقاتلوهم وأخرجوهم من ديارهم. (انظر أيضاً الآية 135 من سورة النساء).والعدل مطلوب في القول والعمل: (( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا )) (الأنعام: 152).العدل هو الحد الأدنى في معاملة المسلم لغيره، ولكن المسلم مدعو وراء العدل إلى درجات أعلى: فإذا كان العدل يتحقق بالمقابلة بالمثل، فالمسلم مدعو في القرآن والسنة إلى الصبر والعفو ومقابلة السيئة بالحسنة والبر والإحسان.قال تعالى: (( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور )) (آل عمران: 18).وقال تعالى: (( والذين إذآ أصابهم البغى هم ينتصرون (39) وجزاؤا سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين (40) ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل (41) إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم (42) ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) (الشورى: 39-43).وقال تعالى: (( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شئ قدير )) (البقرة: 109).وقال تعالى: (( ادفع بالتي هي أحسن السيئة )) (المؤمنون: 96).وقال تعالى: (( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبيمه عداوة كأنه ولي حميم (34) وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )) (فصلت: 34-35).وفي وصف عباد الرحمن قال تعالى: (( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما )) (الفرقان: 63).

وعلى القاعدة الأساسية - العدل تبنى أحكام العلاقات الدولية في الإسلام، سواء في حالة الحرب وفي حالة السلم، على التفصيل الآتي.أولاً: في حالة الحرب:يلاحظ في البداية من نصوص القرآن دلالتها على أن أشنع عمل للإنسان في علاقته بغيره (سفك الدماء، وإرادة العلو في الأرض، والفساد فيها).قال تعالى: ((قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء )) (البقرة: 30).وقال تعالى: (( من أجل ذلك كتبنا على بني إسراءيل ظظانه من قتل نفسا بغير نفس ظاو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )) (المائدة: 32).وقال تعالى: (( وقضينا إلى بني إسراءيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتبن ولتعلن علواً كبيراً )) (الإسراء: 4).وقال تعالى: (( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الرحث والنسل والله لا يحب الفساد )) (البقرة: 205).وقال تعالى: (( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا )) (الإسراء: 33).وفي وصف المستحقين للجزاء الأخروي الحسن: (( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فدساداً والعاقبة للمتقين )) (القصص: 83).وقال تعالى: (( ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين )) (هود: 85 والشعراء: 183).وفي التشنيع على فرعون قال تعالى: (( وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين )) (يونس: 83 والدخان: 31).وقال تعالى: (( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهله شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين )) (القصص: 4).وقال تعال: (( ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض )) (البقرة: 27 والرعد:25).وفي ذم اليهود قال تعالى: ((كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين )) (المائدة: 64).وبالجملة فإن ذم القتل بغير حق والعلو في الأرض والفساد فيها ورد في القرآن في أكثر من 120 موضعاً.لكل ما سبق كان من الطبيعي أن تكون الحرب في الإسلام مكروهة في الجملة، ينبغي ما أمكن تفاديها، وفي المعنى جاء الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاثْبُتُوا )) (متفق عليه). وكان من الطبيعي أن لا يسمح الإسلام بالحرب إلا في حالة الضرورة الشرعية، وفي هذه الحال تحكم الحرب مبادئ ترتكز على القيمة الأساسية (العدل).تتخلص المبادئ التي تحكم الحرب في ثلاثة مبادئ تضمنها الآية الكريمة: (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )) (البقرة: 190).

المبدأ الأول: أن يكون القتال في سبيل اللهبأن يخلص القصد منه إلى أن تكون كلمة الله هي العليا، فالمصلحة الشخصية أو القومية لا يبرر الحرب، بل تجعل الحرب غير شرعية في حكم الإسلام.وأهمية هذا المبدأ تظهر من أن القتال أو الجهاد نادراً ما يرد في القرآن دون تقييده بأن يكون في سبيل الله، وأحياناً يكون مقروناً بالأمر بالتقوى.و(التقوى) اصطلاح قرآني لا يوجد له مرادف في اللغة العربية، وربما لا يوجد في غيرها من اللغات، فهو يعني درجة عالية من الحساسية الخلقية، بأن يتصرَّف الإنسان وأوامر الله ونواهيه بين عينيه وأن يشعر بأن الله يراقبه في تصرفه ويراه، وأن الله إليه المآب والمصير.