منتديات الحوار الجامعية السياسية

قسم مختص بالطلاب و اسهاماتهم الدراسية

المشرف: صفيه باوزير

#67866
في المبدأ تتسابق الدول على نسج التحالفات بهدف الفوز بعضوية جهاز من اجهزة الامم المتحدة وبخاصة مجلس الامن، لما له من دور فاعل ومقرر في الكثير من القضايا الدولية. والمفارقة انه لم يسبق لدولة عضو في الامم المتحدة ان اعتذرت عن عضوية مجلس الامن، ما يعني ان ثمة حالة اعتراض قوية على سياسات متبعة في المجلس نفسه تجاه قضايا استراتيجية، أو ان ثمة اعتراض على سياسات تتبعها احدى الدول الدائمة العضوية في المجلس.

ولو اردنا التدقيق في مواقف الدول تجاه اداء مجلس الامن في معالجة الكثير من القضايا الدولية، لوجدنا ان ثمة كماً هائلا من الملاحظات الجوهرية التي تبديها تجاه السلوك السياسي المتبع في معالجة بعض القضايا الدولية المزمنة، ومرد ذلك إلى طبيعة الصلاحيات المعطاة للمجلس ولطبيعة النفوذ والسطوة التي تتعامل بها الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس في سياق التعاطي مع القضايا المطروحة، وبالتالي طبيعة القرارات التي يتخذها المجلس.

لقد ضجت المنتديات الدولية بالعديد من مشاريع الاصلاح التي استهدفت تحسين اداء الامم المتحدة ومجلس الامن بخاصة، إلا ان تركيبة النظام الدولي الذي ساد اعقاب الحرب العالمية الثانية وكذلك بعيد انهيار الاتحاد السوفياتي، لم يكونا عاملين مساعدين لتطوير اسلوب عمل المنظمة الدولية، بل ساعدا بشكل أو بآخر في زيادة منسوب الاستغلال السياسي والعسكري لحق النقض الفيتو الذي تتمتع به الدول الخمس الكبرى، وبالتالي المزيد من المعاناة للدول الأخرى التي كانت بمثابة الديكور السياسي لتجميل وتحسين صورة بعض القرارات الدولية.

والمفارقة في هذا المجال، اعتذار المملكة العربية السعودية عن قبول العضوية غير الدائمة في المجلس بعد انتخابها، والتي شكلت سابقة دولية في الامم المتحدة لما لها من دلالات رمزية في هذا الاتجاه. وقد اتى هذا الموقف تعبيرا عن حالة اعتراض معلنة في بعض الجوانب من بينها المواقف المتعلقة بالقضية الفلسطينية وغيرها من المسائل العربية ذات الصلة بالصراع العربي الاسرائيلي، وكذلك طريقة مقاربة مجلس الامن للأزمة السورية.

صحيح ان ثمة حالات كثيرة من التململ والتبرّم التي تبديها الدول العربية في مقاربتها للسلوك السياسي الذي ينتهجه مجلس الامن في تعاطيه مع القضايا العربية، إلا ان تسجيل حالة الاعتراض في هذا التوقيت بالذات، له من الدلالات الهامة سيما وان المملكة لها من الثقل السياسي الاقليمي الذي لا يمكن تجاهله، وبخاصة السلوك الاميركي في ادارة ملفات بعض ازمات المنطقة.

وبصرف النظر عن تداعيات هذا القرار على الوضع العربي في مجلس الامن سيما وان المملكة انتخبت كممثل للمجموعة العربية، فان هذه الخطوة ستثير جدلا كبيرا في المحافل الدولية، بخاصة ان المنطقة قادمة على جملة من الاستحقاقات المتعلقة بالأزمات القائمة حاليا، ومنها ملف المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية، وملف مؤتمر جنيف 2 بخصوص الازمة السورية. ومن هذا المنطلق يبدو ان غياب طرف عربي فاعل عن هذا المحفل الدولي بالذات سيرخي بظلال كثيفة على كيفية التعاطي مع القضايا المطروحة امامه.

ان تسجيل الموقف بطريق الاعتذار عن العضوية، يشكل صدمة سياسية بالغة الدلالات للولايات المتحدة الاميركية بالنظر للعلاقات التي تربط كل من الرياض وواشنطن.، وهي من الصدمات التي ينبغي الاستفادة منها، اقله تحفيز الولايات المتحدة وغيرها على تغيير اساليب التعاطي مع القضايا العربية في مجلس الامن، علاوة على وجوب اعادة هيكلة علاقات واشنطن بالدول العربية في هذه الفترة بالذات بعد التحولات التي شهدتها اكثر من ساحة عربية.

ثمة اعتقاد شائع بأن الامم المتحدة لم تتمكن في كثير من الحالات من تقديم الجديد لأزمات العرب ومشاكلهم، بل ثمة من يقول انها تسببت في نشوء العديد من الازمات غير القابلة للحل، إلا ان تركيبة النظام الدولي القائم تظهر ان الامم المتحدة قضاء لا مفر منه، وينبغي التعاطي معه كجزء من واقع دولي بصرف النظر عن منسوب الرضا أو الاعتراض على سلوكها وأدائها. فالأمم المتحدة منذ نشأتها قبل ثمانية وستين عاما كانت محصلة لتوازنات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي اليوم انعكاس لواقع دولي لا زال يتشكل أو يحاول تثبيت صورة جديدة له. فهل سابقة الاعتذار عن عضوية مجلس الامن تشكل صدمة يمكن ان تفعل فعلها في دوائر السياسات الدولية وبالتحديد الامم المتحدة؟ انه امر مشكوك فيه حتى الآن!



د. خليل حسين