منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By فهد ماجد80
#56303
مدينة الفاتيكان (بالإيطالية: Città del Vaticano) المعروفة رسميًا باسم دولة مدينة الفاتيكان (بالإيطالية: Stato della Città del Vaticano)، هي أصغر دولة من حيث المساحة في العالم وتأخذ شكل شبه إهليلجي في قلب مدينة روما عاصمة إيطاليا التي تحيط بها من جميع الجهات ويفصلها عنها أسوار خاصة؛ تبلغ مساحة الفاتيكان 0.44 كم مربع ويقارب عدد سكانها 800 نسمة فقط وتعتبر بالتالي أصغر دولة في العالم من حيث عدد السكان أيضًا.[1]
ورغم كونها أصغر دول العالم سكانًا ومساحةً فهي تستقي دورها وأهميتها من كونها مركز القيادة الروحية للكنيسة الكاثوليكية في العالم والتي يربو عدد أتباعها على 1.147 مليار نسمة،[2] كذلك من كونها تحفظ في متاحفها وأرشيفها مجموعة من أرقى المنتوجات الفنية للجنس البشري على مر العصور،[3] فضلاً عن القضايا السلمية والأخلاقية التي تدافع عنها.
لا تأخذ الفاتيكان بأي لغة على أنها لغتها الرسمية، لكن لغة الكرسي الرسولي الرسمية هي اللاتينية، وتستعمل الإيطالية في الفاتيكان بشكل واسع بحكم الأمر الواقع، كذلك حال اللغة الألمانية؛ وإلى جانب هذه اللغات يعترف الكرسي الرسولي بثمان وثلاثين لغة أبرزها: الإسبانية، الفرنسية، البولندية، البرتغالية، والإنكليزية، وتغطي هذه اللغات نسبة كبيرة من اللغات المنتشرة بين كاثوليك العالم.
ورغم الوجود التاريخي للفاتيكان، فإن هذا الوجود لم يصبح بالشكل المستقل المتعارف عليه اليوم، قبل 7 يونيو سنة 1929 حين تمّ توقيع ثلاث معاهدات في قصر لاتران بين الحكومة الإيطالية التي كانت آنذاك فاشية بقيادة بينيتو موسيليني وممثل البابا بيوس الحادي عشر، الكاردينال بيترو كاسباري، وعرفت هذه الاتفاقيات باسم اتفاقية لاتران؛ نظمت الاتفاقيات الثلاث العلاقة بين الفاتيكان والدولة الإيطالية، ونصت على أن يكون الفاتيكان بحدوده الحالية، جزء مستقل عن الدولة الإيطالية ومدار من قبل البابا.
أيضًا فقد نصت على إدارة الفاتيكان بشكل مباشر لكافة الكنائس والأديرة في مدينة روما، استنادًا على الاعتقاد الكاثوليكي بكون البابا هو أسقف روما المنتخب، وثلاثة وعشرين موقعًا آخر خارج أسوار الفاتيكان وتزيد مساحة هذه المواقع في روما ومحيطها عن مساحة الفاتيكان نفسها؛[4] وضمنت الاتفاقيات أيضًا مبلغًا سنويًا من المال يدفع إلى الفاتيكان تعويضًا عن الخسائر التي مني بها الكرسي الرسولي إثر قضاء مملكة إيطاليا على الولايات البابوية، التي كانت تمتد من الساحل جنوب روما إلى حدود البندقية شمالاً قاسمة بذلك إيطاليا إلى ثلاث أقسام.
كانت الفترة التي تلت القضاء على الدولة البابوية وحتى توقيع الاتفاقيات فترة من الفوضى القانونية أطلق على البابوات خلالها اسم سجناء روما، لعدم وجود أي تنظيم لحال السيادة الإيطالية وسيادة الكرسي الرسولي، ونظرًا لأهميتها فقد أدرجت هذه الاتفاقيات في الدستور الإيطالي عام 1947.
تعتبر الفاتيكان دولة يديرها الإكليروس،[5] ويرأس هؤلاء البابا أسقف روما المنتخب من قبل مجمع الكرادلة متمتعًا بصلاحيات غير محدودة مدى الحياة؛ بيد أن البابا فعليًا لا يمارس أيًا من صلاحياته على الأمور الإدارية والسياسية والقانونية تاركًا تدبير هذه الشؤون لرئيس وزراء دولة الفاتيكان، ومؤسسات الدولة المختلفة. يشغل منصب رئيس الوزراء عادة كاردينال كنسي، معين من قبل البابا.
أدرجت الفاتيكان، على لائحة اليونيسكو كإحدى مواقع التراث العالمي.[6] وهي الدولة الوحيدة المدرجة بكاملها على اللائحة المذكورة، أيضًا فإن الفاتيكان ممثل لدى عديد من المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وعدد من وكالاتها منظمة الأغذية العالمية ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية إلى جانب منظمات أخرى غير رسمية كالجمعية العالمية للعلوم التاريخية والجمعية العالمية للطب المحايد وغيرها.[7]
النشيد الوطني في الفاتيكان وهو "السلام البابوي" ألفه الفرنسي شارل غونو خلال القرن التاسع عشر لمناسبة قداس اليوبيل الذهبي لنيل للبابا بيوس التاسع سر الكهنوت.[8
معالم المدينة ومبانيها
بسبب صغر مساحة الفاتيكان، فمن الممكن للغاية حصر المعالم الرئيسية بثلاث مناطق هي كاتدرائية القديس بطرس والتي تعتبر حاليًا أكبر كنيسة في العالم،[15] والساحة أمامها إضافة إلى القصر الرسولي الذي يشمل عدة مباني منفصلة تغطي سكن البابا وقاعة الاجتماعات الرسمية ومقرات عدد من المجامع إلى جانب مكتبة الفاتيكان والمتاحف إلى جانب الأرشيف، في حين أن المنطقة الثالثة هي حدائق الفاتيكان. ويبلغ مجموع الساحات والشوارع في الفاتيكان بما فيها شوارع الحدائق سبعين شارعًا وساحة، وأغلبها صغيرة المساحة وقليلة العرض.[16]

وضع البابا يوليوس الثاني الحجر الأساس لبناء الكاتدرائية بالشكل الحالي في 17 أبريل 1509 بعد هدم الكنيسة السابقة المقامة فوق ضريح القديس بطرس والمسماة الكنيسة القسطنطينية تيمنًا بالإمبراطور قسطنطين الذي قام بتشيدها في القرن الثالث.[17] عهد الكرسي الرسولي أول الأمر إلى المهندس براماتني وضع مخططات الكاتدرائية الجديدة، غير أن وفاته عام 1514 حال دون متابعته العمل، فشكلت لجنة من ثلاث مهندسين هم رافائيل وسانفالو والراهب غيوكوندو دافيرونا لوضع مخططات جديدة كليًا للبناء.[17] اتفق المهندسون على أن تبنى الكاتدرائية بشكل صليب ضخم، غير أن وفاة رافائيل عام 1520 والاضطرابات السياسية التي بلغت ذروتها إبان نهب روما عام 1536 هتك 1536 قد حالت دون مباشرة العمل على الأرض بشكل مباشر. بدأ بتجهيز الأساس للبناء عام 1538 وانتهي منه أواخر عام 1539،[18] ومن ثم عين البابا بولس الثالث عام 1546 الفنان والمهندس ميكيلانجيلو للعمل فأنهى القسم الشمالي حيث صحن الكاتدرائية بالكامل وبدء مع عام 1557 بوضع مخطط القبة، وإثر وفاته عين البابا بيوس الرابع جياكومو باروزي لاستكمال العمل.[19] استغرقت الدراسات الهندسية لطريقة بناء القبة الضخمة زمنًا طويلاً، قبل أن يتم الاتفاق بين مختلف المهندسين على طريقة ملائمة لبناء القبة، ليبدأ العمل على تنفيذ التصاميم في 15 يوليو 1588 خلال حبرية البابا غريغوري الثالث عشر وإشراف المهندس دومنيكو فونتانا وانتهت بشكل كامل في 14 مايو 1590.[18]
رواق الكاتدرائية وواجهتها الداخلية تمت مباشرة العمل ببنائهما في سبتمبر 1605 خلال حبرية البابا بولس الخامس، وانتهى العمل بشكل كامل في 22 نوفمبر 1614 أما الواجهة والدرج المؤدي إليها فقد قام ببنائهما المهندس كارلو ماديرنو بين عامي 1607 و1614،[20] الطابق الأرضي من الواجهة الخارجية للكنيسة تزينه أعمدة كورنثية وهو بكامله مصنوع من الرخام الأبيض، وقبالة الباب الرئيسي يتموضع تمثالان للقديس بطرس وبولس، أما الطابق العلوي فيسمى «طابق البركات»، وهو يحوي على شرفة يطل منها البابا للمرة الأولى لدى انتخابه مانحًا بركته الأولى وهذا أصل التسمية.[21] وللكاتدرائية خمس أبواب لكل منها استعمال مختلف.
افتتحت الكاتدرائية رسميًا في 18 نوفمبر عام 1626 خلال حبرية البابا أوربان الثامن، وتبلغ مساحتها الإجمالية 15160 مترًا مربعًا أي حوالي نصف مساحة الفاتيكان، وطول الكاتدرائية 186 مترًا وعرضها 211.5 متر ويبلغ ارتفاع القبة 133.5 مترًا وهي تحوي أربعة وأربعين مذبحًا وخمسة وتسعين تمثالاً ومنحوتة،[20] إلى جانب ستة وعشرين ضريحًا كأضرحة الباباوات ليون الثاني عشر وكلمينت العاشر والكونتيسة ماتيلدا ملكة السويد وغيرهم.[22] وتتسع لحوالي أربعين ألف شخص.
يتوسط الكنيسة مذبح الاعتراف القائم فوق ضريح القديس بطرس مباشرة، ويعلو المذبح مظلة برنيني البرونزية، والتي بدأ العمل بها عام 1624 ودشنها البابا أوربان الثامن في 29 يونيو 1633،[21] وأمام مذبح الاعتراف وهو المذبح الرئيس في الكاتدرائية هناك فسحة يتوضع بها خمسًا وتسعون سراجًا.[23]
يتعهد خدمة الكاتدرائية جمعية عمالية تأسست في القرن السادس عشر يربو عدد أعضائها على السبعين وغالبًا ما يتوارثون مهنتهم ويدعون بالبطرسيين.[

ساحة القديس بطرس والقصر الرسولي
تتوضع ساحة القديس بطرس أمام الكاتدرائية مباشرة، ولها شكل بيضوي كبير بعرض 240 مترًا وقد قام المهندس ماديرنو ببناء جداري الساحة،[25] اللذان يأخذان شكل أربعة أروقة من الأعمدة الإغريقية، كمان قام برنيني بتصميم الساحة بأمر من البابا ألكسندر السابع واستمر العمل بها بين عامي 1656 و1667. وقد وضع البابا ألكسندر السابع طلبه ببناء الساحة على هذا الشكل كرمز لأمومة الكنيسة حيث تضم جميع الأمم.[26] ويعلو الجدار ستة وتسعون تمثالاً تظهر قديسين يتوسطهم يسوع المسيح مباركًا.[27]
الساحة المرصوفة ببلاط غرانيتي أسود يتوسطها مسلة بارتفاع 25.88 مترًا على ظهر أربعة أسود برونزية، وكان الإمبراطور كاليغولا قد جلب المسلة من مصر في القرن الأول ومن ثم نقلت بأمر البابا سكتس الخامس عام 1586 إلى القصر اللاتراني قبل أن تستقر في موضعها الحالي على يد دومنيكو فونتانا،[28] وعلى جانبيها نافورتان بارتفاع 14 مترًا بنى اليمنى منها فالتي عام 1613 واليسرى كارلو فونتانا عام 1670.[28] من الملاحظ أنه على الرغم من أن الساحة تأخذ شكلاً إهليلجيًا إلا أن الواقف بقرب الأعمدة والناظر إليها، تبدو له بشكل عمود واحد خلف صف مستقيم.[28]
يتصل الفاتيكان بروما من خلال الساحة، أما على جانبي الساحة يتوضع القصر الرسولي المكون من كتل منفصلة من البناء إلى جانب المتاحف والمكتبة والأرشيف السري كذلك كنيسة سيستين. أبرز القاعات الحديثة البناء هي قاعة الاجتماعات والاستقبالات الرسمية والتي افتتحها البابا بولس السادس في 30 يوليو 1971 وتتسع لاثني عشر ألف شخصو هي من تصميم بيير نيرفي.[29] سائر الأبنية التي تشكل القصر الرسولي هي عبارة عن مزيج معماري بني بمراحل مختلفة بين القرنين الثالث عشر والتاسع عشر، وكان البابا نيكولا الثالث (1277 - 1280)، أول من اهتم ببنائه. يحوي الطابق العلوي من القصر الرسولي على الشقق السكنية الخاصة بالبابا والمقربين منه، وتشرف غرفة البابا الشخصية على ساحة القديس بطرس مباشرة، ومنها يلقي خطابًا أسبوعيًا للمحتشدين كل يوم أربعاء. أما الطابق الأوسط فيحوي شقق رافائيل الثلاثة لكون رافائيل من أشرف على رسمها، إلى جانب قاعة الاستقبال الثانية المعروفة باسم "قاعة كلمنتين" والمكتبة البابوية الخاصة.[30] يوجد في الطابق الأوسط أيضًا المصلى البولسي الذي بناه مايكل آنجلو للبابا بولس الثالث وشقة بورجيا حيث أقام البابا ألكسندر السادس، ثم مصلى نيكولا الخامس، ليتصل البناء مباشرة بعدها بمتاحف الفاتيكان.[31] يحوي القصر الرسولي أيضًا على مقرات عدد من المجامع البابوية، بشكل منفصل أو متصل مباشرة بالبناء.


تاريخ الفاتيكان
القرون الأولى

بنى الإمبراطور كاليجولا في هضبة الفاتيكان القديمة غير المأهولة بالسكان، خلال القرن الأول، مسرحًا خاصًا شبيهًا بالكولوسيوم، حيث كانت تنفذ مباريات وأعمال عنف ضد المسيحيين تؤدي إلى موتهم، ولذلك فقد ألحقت بها مقابر على مساحات شاسعة، لدفن ضحايا الإعدام العشوائي أثناء الاضطهادات الرومانية في القرون الأولى.[37]
إن أول كنيسة بنيت في الموقع تم تشييدها على النمط الروماني التقليدي للكنائس عام 326 تكريمًا للشهداء المسيحيين بشكل عام وللقديس بطرس الذي شهد الموقع صلبه ودفنه بشكل خاص،[38] وشيّد أول قصر في المنطقة في مرحلة مبكرة، ما يدل على أهميتها بالنسبة للمسيحين منذ القرون الأولى، في النصف الأول من القرن الخامس خلال عهد البابا سيماشوس (498- 514)؛ إن المسيحيين في القرون الثلاث الأولى كانوا جماعة محظورة في ظل الإمبراطورية الرومانية ولم يكن لديهم أي نشاط رسمي أو أبنية واضحة والكثير من الأبنية والكنائس، كانت سرية ومبنية في الضواحي البعيدة عن قلب روما، بيد أن الوضع قد تغير مع مرسوم ميلانو عام 313 والاعتراف بالمسيحية كأحد أديان الإمبراطورية ومنح حقوق لمعتنقيها؛[39] ومن ثم تحولها إلى دين الامبراطورية الرسمي في عهد الإمبراطور قسطنطين، الذي قدم قصر لاتران كهدية لأسقف روما، وهو المقر البابوي الأول قبل الانتقال إلى الفاتيكان.

الولايات البابوية
منذ بداية القرن السادس ولمدة تفوق الألف عام، كانت الفاتيكان تسيطر على مناطق واسعة من شبه الجزيرة الإيطالية؛[41] ودعيت هذه المناطق باسم الولايات البابوية وكانت تخضع مباشرة لحكم الكرسي الرسولي؛ وقد شملت حدود الدولة البابوية إضافة إلى روما مناطق ماركي وأومبريا ولاتسيو؛ وكانت واحدة من ست دول أخرى شكلت فيما بعد إيطاليا المعاصرة.[42]
إن السبب الرئيسي في نشوء الولايات البابوية هو انتقال عاصمة الإمبراطورية الرومانية إلى القسطنطينية، ما أدى إلى ضعف سيادة الإمبراطورية في روما، يضاف إلى ذلك ملكية الكنيسة لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وأراضي الأوقاف فضلاً عن الأديرة؛ هذه الأملاك حصلت عليها الكنيسة بشكل أساسي من تبرعات الأثرياء والهبات المقدمة في الكنائس، ويضاف إلى هذه الأسباب أيضًا شعبية البابا في روما وتنامي سلطته السياسية؛ ولم يكن تشكيل الولايات البابوية، قد حدث بشكل سلمي، إذ قد اندلع القتال بين البابا غريغوري الثاني والإمبراطور ليون الثالث، وانتهت الحرب لمصلحة البابا، لكن نفوذ القوط أو الإمبراطورية الرومانية المقدسة، كانت قد تزايدت بشكل واسع في أوروبا، وعندما هاجموا إيطاليا، تولى البابا الدفاع عن روما والأراضي المجاورة، واستطاع صد هجوم الإمبراطورية الرومانية المقدسة وأبرم معها اتفاقًا تضمن تراجع القوط عن روما والأراضي المجاورة؛[43] كذلك فقد تضمن الاتفاق حياد الكرسي الرسولي المطلق فيما يخص النزاع بين القوط والبيزنطيين؛[42] كانت تلك اللحظة الحاسمة في نشوء الولايات البابوية فعلى الرغم من أنّ هذه الولايات ظلت تتبع نظريًا للإمبراطورية البيزنطية إلا أنها كانت فعليًا قد نالت استقلالها الكامل وأبعدت في الوقت ذاته مخاطر الإمبراطورية الرومانية المقدسة عن حدودها.[44]

إن سياسة العلاقات الجيدة بين الدولة البابوية والإمبراطورية الرومانية المقدسة سرعان ما انهارت في القرن الثامن؛ فقد شجع البابا استيفان الثاني القائد الفرنسي ببيان القصير على خلع ملك فرنسا الميروفرنجي شليدرك الثالث وقام شخصيًا بتتويج ببيان كملك على فرنسا؛[45] فتوجه ببيان إثر ذلك على رأس جيش ضخم إلى الشمال الإيطالي عام 756، وبدأ حربًا ضد الإمبراطورية الرومانية المقدسة فتراجعت سطوتها عن تلك المناطق، واضطر الإمبراطور شارلمان لترسيم حدود جديدة للولايات البابوية، وبدأ علاقات جديدة جيدة مع الكرسي الرسولي وصلت ذروتها عام 800 عندما قام البابا ليون الثالث بتتويج شارلمان امبراطورًا للإمبراطورية الرومانية المقدسة.[46]
تلا ذلك في القرن الحادي عشر نداء البابا أوربان الثاني لملوك أوروبا في مجمع كليرمونت عام 1094 لإعلان انطلاق الحملات الصليبية،[47] وساهم نجاح الحملة الصليبية الأولى في ازدياد هيبة البابا السياسية في الغرب وتنامي دوره السياسي وزعامته، ويرجع بعض المؤرخين زمن بروز السلطة الزمنية للبابوات لعهد البابا غريغوري السابع الملقب بالعظيم،[48] ويرى بعض المؤرخين أيضًا أن الملوك حينذاك لم يكونوا أكثر من قواد لجيوشهم فقط، يستثنى من ذلك عدد من أباطرة ألمانيا خصوصًا فريدريش الثاني.[49]
لم تكن الدولة البابوية، خصوصًا في القرنين التاسع والعاشر، دولة مركزية قوية فقد ساد حكم الإقطاع المحليين بنسبة كبيرة، ولم يكن البابا حاكمًا زمنيًا يهتم بالأمور المعيشية والسياسية الداخلية، فسلطته كانت منحصرة في الأمور الخطيرة والسياسة الخارجية إلى جانب الدور الرمزي.[42]
شهدت تلك الفترة جدالاً مستمرًا بين البابوات المتعاقبين وأباطرة الإمبراطورية الرومانية المقدسة الألمان حول زعامة العالم المسيحي،[50] خصوصًا في عهد الإمبراطور أوتو، رغم أن البابوات قد توجوا شخصيًا عددًا من الأباطرة؛[51] غير أن هذه العلاقة الغير مستقرة لم تتأزم لتصل إلى حالة الحرب أو نزع الاعتراف المتبادل بين الكيانيين. يمكن القول أن ذروتها بلغت حين أقدم الإمبراطور أوتو على خلع البابا يوحنا الثاني عشر وخليفته بندكت الخامس، وتلاه خنق الإمبراطور كريستينوس للبابا بندكت السادس عام 974؛[52] ومن ثم انقسام البابوية إلى قسمين في القرن الرابع عشر، الأول في روما وينال شرعيته من قبل الإمبراطورية الرومانية المقدسة، والثاني في أفنيغون في الجنوب الفرنسي، وينال شرعيته من سائر أوروبا أي بشكل رئيسي، إسبانيا وفرنسا وانكلترا.

الانقسام الغربي
بدءًا من العام 1305 وحتى عام 1417 اتخذ قسم من البابوات أفنيغون في جنوب فرنسا مقرًا لهم في حين ظل القسم الآخر في روما، وتعترف الكنيسة الكاثوليكية اليوم بشرعية كلا البابوين خلال تلك الفترة، بيد أن بابوات روما كانوا فعليًا تحت سيطرة الأباطرة الرومانيين، ما أدى إلى إضعاف موقعهم. كذلك الحال بالنسبة للولايات البابوية، فعلى الرغم من أن الكيان لم يتم احتلاله وإتباعه للإمبراطورية الرومانية المقدسة، إلا أنّه قد أصبح بحكم الأمر الواقع تابعًا لها. تزامن ذلك مع انتشار الفقر والفوضى واستبداد حكم الإقطاع المحلي. شهدت تلك الفترة عدة محاولات لتحسين الأوضاع، غير أنها عمومًا كانت ذات أثر محدود. أبرز المحاولات الإصلاحية صدور المدونة القانونية أو دستور الخاص بالولايات البابوية (باللاتينية: SANCTÆ CONSTITUTIONES MATRIS ECCLESIÆ) عام 1357، وظل العمل بهذا الدستور ساريًا حتى استبداله العام 1816. وبالتالي تكون الفاتيكان من أوائل دول العالم التي وضعت دستور منظم لحياتها السياسية والاجتماعية.
حاول بعض بابوات أفنيغون العودة إلى روما، منهم البابا أوربان الخامس عام 1367 لكن عملية إعادة الوحدة لم تكن قد نضجت بعد، فاضطر البابا إلى العودة إلى فرنسا عام 1370 واستقر مجددًا في أفنيغون التي كانت قد أعلنت جزءًا من الولايات البابوية، وقد ظلت تابعة لها حتى بعد عودة البابا إلى روما، ولم تعد لحكم الدولة الفرنسية إلا في أعقاب الثورة الفرنسية عام 1789.[54]
بدءًا من عام 1378 تعددت محاولات السيطرة على الكرسي البابوي بين الأباطرة والطامعين في الحصول على الكرسي الرسولي، يطلق على هذه الفترة من تاريخ الفاتيكان عمومًا اسم "الجدل الكبير" الذي حُلّ أخيرًا عام 1417، من خلال مجمع كونستانس والذي انتخب في أعقابه البابا مارتن الخامس حبرًا للكنيسة الكاثوليكية جمعاء، منهيًا بذلك حوالي قرن من الانشقاق.[55]

اللغة والسكان

على خلاف جميع الدول التي تعطي الجنسية لمواطنيها على أساس العرق، أو حسب مكان الولادة، فإن الفاتيكان، تمنح الجنسية مع بدأ التعيين داخل الدولة وتصبح الجنسية غير صالحة بمجرد انتهاء خدمات الموظف، في حال كان موظفًا في الفاتيكان.[80] وعندما يفقد الشخص الجنسية الفاتيكانية يتحول بشكل تلقائي إلى الجنسية الإيطالية، بموجب اتفاقيات لاتران الثلاثة، لتنظيم العلاقات بين إيطاليا والفاتيكان؛ كذلك فليس من الضروري على كل ناشط في الفاتيكان، سواء أكان رجل دين أم موظف عادي، أن يحمل هذه الجنسية.
في عام 2005 كانت إحصائيات سكان الفاتيكان المشمولين بالجنسية والغير المشمولين وفق الشكل التالي، وهم حوالي 826 فردًا من المقيمين الدائمين في الفاتيكان:[81]
• البابا.
• 120 كاردينالاً يقيم 58 منهم فقط في الفاتيكان في حين أن أغلب الكردالة ينتشرون حول العالم كرؤساء أساقفة للكنيسة الكاثوليكية.
• 293 رجل دين، غالبًا يكونون بمنصب خورأسقف؛ يمثلون بعثات الكرسي الرسولي الديبلوماسية حول العالم، وبعضهم أعضاء في المؤسسات الفاتيكانية المختلفة.
• 101 عدد الحرس السويسري، وهم حرس البابا الشخصي ويشكلون حوالي خمس السكان.[82]
• 62 رجل دين، يؤدون خدمات الفاتيكان المختلفة، وغالبًا ما يكونون من الدرجات الكهنوتية الصغرى، كالرهبان والشمامسة ومنشدو الترانيم.
• 246 شخص يعمل داخل الفاتيكان، دون أن يملك الجنسية، 80% منهم رجال دين، غالبًا ما يضطلعون بمهام أخرى في الفاتيكان كإعداد الاحتفالات الطقسية.
• 43 شخص عادي، يحملون الجنسية الفاتيكانية.

القضاء
يوجد في الفاتيكان ثلاث محاكم تعتبر جزءًا من الكوريّا الرومانية، تضطلع المحاكم الفاتيكانية لا بمهمة حل المشاكل والقضايا الإدارية بل الدينية، أول هذه المحاكم وأحدثها هي محكمة التوبة الرسولية المولجة بدراسة قضايا سر التوبة والضمير ولها صلاحية "الحل من الخطايا المحفوظة" و"تبديل الوعود الباطنية" و"تصحيح أخطاء المؤمنين" و"العفو بالتعويض"،[103] أقدم من هذه المحكمة هناك محكمة الإمضاء الرسولي التي تأسست عام 1493، وهي بمثابة المحكمة العليا في سائر الدول، إذ من واجباتها الإشراف على صوابية القرارات المتخذة واحترام تطبيق أحكام القوانين والدساتير الرسولية، أما أقدم المحاكم ترقى لعام 1331 وهي محكمة الرّوتا، التي تعتبر أعلى محكمة استئناف في الكنيسة الكاثوليكية برمتها، وتختص بشؤون بطلان الزواج وفسخه وإعلان الطلاق إلى جانب احترام حقوق الكرسي الرسولي حول العالم.[104]
العلاقات الخارجية
يدير وزير الخارجية في الكرسي الرسولي علاقات الفاتيكان مع دول العالم المختلفة، عن طريق السفارات والبعثات الديبلوماسية، ويبلغ عدد دول العالم التي تتبادل التمثيل الديبلوماسي والفاتيكان 178 دولة،[105] إضافة إلى عدد من المنظمات والجمعيات العالمية كجمعية فرسان مالطا والاتحاد الأوروبي ومنظمة التحرير الفلسطينية وثمانية وثلاثين منظمة عالمية أخرى، ويعلن الفاتيكان أن انضمامه للمنظمات الدولية يأتِ "تعزيزًا للفكر السلمي الذي يدافع عنه الفاتيكان"؛ أيضًا فإن الفاتيكان يعتبر عضو مراقب في منظمة الأمم المتحدة؛[106] ومن الدول المعترف فيها عالميًا يوجد 16 دولة فقط لا تتبادل التمثيل الديبلوماسي مع الفاتيكان، تسعة دول منها إسلامية وأربعة شيوعية ودولتان بوذيتان ودولة توفالو؛ أما أحدث دول افتتحت علاقات مع الفاتيكان فهي الإمارات العربية المتحدة عام 2007 وبوتسوانا عام 2009؛ ورغم أن تاريخ اعتماد السفارات الرسمي بدأ مع معاهدة لاتران العام 1929 إلا أنّ عددًا كبيرًا من الدول تبادلت البعثات الديبلوماسية مع الفاتيكان قبل ذلك التاريخ بوقت طويل، فالسفارة البابوية في دمشق مثلاً افتتحت عام 1724.[107] تعتبر السفارات البابوية مقر إقامة البابا خلال زيارته لإحدى البلدان؛ في حين تنتشر سفارات دول العالم لدى الفاتيكان في مدينة روما نظرًا لضيق مساحة الفاتيكان.