By فهد القحطاني13 - الثلاثاء يونيو 18, 2013 8:33 pm
- الثلاثاء يونيو 18, 2013 8:33 pm
#63459
إن الإسلام ليس أمرا اعتقاديا فحسب، فأمور الدنيا التي شرعها ووضعها ونظمها هذا الدين هي جزء منه أيضا. فليس لمسلم على سبيل المثال أن يلغي ما فرضه الله من المواريث، أو أن يلغي أو ان يعطل شيئا من الحدود، أو يحلل ما حرم الله ويحرم ما حلل.
ولتطبيق ذلك النظام والتشاريع الإسلامية كان ضروريا من وجود الحكومة الإسلامية لتطبيع شرع الله في الأرض. بحيث تتحمل هذه الحكومة مسؤولية كل من هو داخل الدولة من جماعات وأفراد وهذه المسؤولية ذات شقين هما :[1]
1-تقديم كل ما يخص الإسلام وتعاليمه وأي شيء متصل بالإسلام إلى المسلمين الجدد. 2-وجوب وجود هيئة تطبق أحكام الإسلام وتلزم المسلمين بتلك الأحكام وإنزال العقوبة بكل من يخالف تلك الأحكام بالحكم الذي حدده الشرع من العقوبات.
إن نظام الحكم جزء من دين الإسلام وقد أجمعت عليه مصادره وعلى سبيل المثال: قول الله: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) سورة الحج الآية 41. وأيضا يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ) سورة النساء الآية : 59. وأيضا هناك إجماع من السنة أيضا : ففي الحديث : (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)[2]. ومن أقوال السلف الصالح في إطار الموضوع :
-قال أبو بكر عقب وفاة الرسول :... إن محمدا مضى بسبيله، ولا بد لهذا الدين من يقوم به. -وقول عمر بن الخطاب : لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمارة. ولا إمارة إلا بطاعة. -قول الماوردي في الأحكام السلطانية... عقد الإمامة لن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع. -ويقول ابن تميمة : (يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيمة للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالإجماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حين قال النبي : إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا احدهم، وجاء في مسند أحمد أن النبي قال : لا يحل لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدا، فأوجب الرسول تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع...)
قواعد النظام الإسلامي [عدل]
إن النظام الإسلامي في الحكم نظام متميز بكل المقاييس عن باقي الأنظمة الأخرى لوجود خصائص مميزة فيه تجعله فوق كل الأنظمة وتلك الخصائص نلخصها في قواعد النظام الإسلامي التالية:[3]
القاعدة الأولى : الحاكمية لله تعالى [عدل]
وهذه القاعدة تعني أن تكون شريعة الله هي المنفذة في كل الأقطار وليس أي شريعة أخرى، وتلك الشريعة تحكم الناس وتنظم حياتهم. قال تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) سورة يوسف الآية : 40.
القاعدة الثانية: العدل والمساواة [عدل]
يقوم مفهوم العدل في الإسلام من خلال البعد عن الهوى. فالواقع أن الهوى والنزوات والشهوات أعدى أعداء إقامة العدل. وقد امتدح الله المؤمنين حقا وعد من صفاتهم العدل واتباع الحق والابتعاد عن الهوى فالعدل يحقق المساواة في المجتمع فالإسلام لا يقبل شيئا كالمحسوبية أو ما يسمى بالواسطة، والمحسوبية تحدث للأشخاص المهمين والكبار، مما يجعل الناس العاديين في المجتمع ضعفاء أمام الكبار منهم، فلولا وجود العدل لحدثت أضرار كبيرة في المجتمع، فبسبب عدم توفر العدل سوف تسود الجرائم في المجتمع وتفرق شمل المجتمع مما يؤدي إلى تخلف وتراجع في ذلك المجتمع وأيضا يعمل على توليد الكراهية فيه، فلأجل ذلك فرض الإسلام العدل والمساواة، وفرضه الإسلام في كل أمور الحياة، ويهدد الله كل حاكم ومسؤول من أن يظلم الناس ولا يعمل بالمساواة ودليل على ذلك قول الرسول : (أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام جائر).
إن الإسلام ينظر إلى أن كل الناس على أنهم متساوون أمام القانون, لا فرق بين غني وفقير ولا حاكم ولا محكوم. والإسلام فرض على الأمة الإسلامية أن تقيم العدل فيها, في الأسرة والمجتمع والدولة. وقد فتح الإسلام الباب على مصراعيه لكل مظلوم ليرفع ظلامته إلى من ينصفه ويأخذ له بحقه، وألغى كل وسيلة من شأنها أن تعيق الناس عن الوصول إلى حقوقهم أو تمنعهم منها.
القاعدة الثالثة: الطاعة [عدل]
إن الإسلام يعتبر الطاعة من الرعية إلى ولاة الأمور فرضا من الفروض. وقاعدة من قواعد الحكم في الإسلام، لا تستقيم الحياة السياسية إلا بها. ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ) سورة النساء الآية : 59.
صحيح أن الإسلام فرض طاعة أولياء الأمور ولكن وضع للطاعة حدودا وشروطا يجب إتباعها وإذا تحققت الشروط فالإتباع هنا يكون مفروضا وإذا لم تتحقق سوف يصبح في الإتباع حرمة والشروط هي:
1-أن يكون ولي الأمر مطبقا للشريعة الإسلامية. 2-أن يحكم بالعدل بين الناس. 3-أن لا يأمر ولي الأمر بمعصية الله.
القاعدة الرابعة: الشورى [عدل]
إن للشورى أهمية كبرى في أي تنظيم كان, أو أي جماعة من الجماعات. وترتكز عليها كل دولة تنشد لرعاياها الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار, وذلك لأنهها الطريق السليم الذي يتوصل بها إلى أحسن الآراء وأجودها لتحقيق مصالح الأفراد والجماعات والدول.
فلا عجب إذن أن نرى الإسلام قد اهتم كثيرا بمبدأ الشورى، فهناك سورة في القرآن اسمها الشورى، وتتحدث هذه السورة عن صفات المؤمنين، وهناك من بين تلك الصفات أن حياة المؤمنين كاملة معتمدة على الشورى بينهم، مما يدل على المعنى والفائدة العظيمة للمسلمين إذا نفذوا مبدأ الشورى. ومن أكبر الأمثلة على الشورى هو أن الرسول كان أكثر الناس عملا بهذا المبدأ، فقد كان يستشير أصحابه في الكثير من الأمور، فقد استشار في شأن القتال في بدر الكبرى بقوله :أشيروا علي أيها الناس، وكرر ذلك أكثر من مرة ويشير عليه الصحابي الحباب بن منذر في ذلك الموقف بتغيير موقع العسكر إلى آبار بدر لمنع الماء عن المشركين، وأيضا استشار الرسول أصحابه يوم الخندق وقد كان يوما صعبا جدا على المسلمين فقد كانت أعداد الكفار هائلة مقارنة بأعداد المسلمين القليلة فأشار الصحابي سلمان الفارسي بحفر الخندق وحفره الرسول مع أصحابه وساعد ذلك الخندق في فوز المسلمين يومها.
والشورى توزيع للمسؤولية، فلا تقع نتيجتها مهما كانت على كاهل واحد فقط بل يتقاسمها الجميع فلا يتلاوم الناس ويتنافرون ويتشاجرون إن كانت نتيجتها سيئة لأن الكل اشترك في اتخاذ القرار فيقع اللوم على الجميع ساعتها وليس على شخص واحد فقط. كما أن الشورى أفضل وسيلة للكشف عن الكفاءات والقدرات، وهي تدريب للمستشار في الحكم والإدارة.
والشورى من الأمور التي تكاد الأمة تجمع على وجوبها، وتمارس الشورى في المجتمع الإسلامي من خلال مجلسين :
1-مجلس منتخب انتخابا مباشرا من قبل الشعب. 2-مجلس آخر معين من قبل الحاكم, يضم العلماء والفنيين والمختصين ويكون عمل المجلس تقديم المشورة الفنية للمجلس الشعبي دون أن تكون له صفة الإلزام, أو التدخل في شؤون الدولة.
أهل الشورى هم أهل الحل والعقد، هم أصحاب الرأي وقادة الفكر، وأرباب السياسة وأمراء الجيوش، وهم أصحاب الاختصاص والخبرة في كل فن من الفنون، كالزراعة والصناعة والتجارة والاقتصاد وشؤون الحرب وتنحصر اختصاصات أهل الشورى فيما يلي :
1-اختيار رئيس الدولة وترشيحه : يقوم أهل الشورى في الدولة الإسلامية باختيار رئيس الدولة اختيارا أوليا، ويبايعونه البيعة الخاصة، ثم يعرض الأمر على الأمة فتبايعه البيعة العامة. 2-مساعدة رئيس الدولة في إدارة شؤون البلاد، وعلاج القضايا العامة، كإعلان الحرب وعقد المعاهدات وتقنين القوانين الاجتهادية وكيفية تنفيذ الأحكام الشرعية. 3-محاسبة رئيس الدولة وغيره من كبار الموظفين كالأمراء والوزراء والولاة. 4-عزل رئيس الدولة أو أي موظف يختاره مجلس الشورى. إذ أنه إذا أخل رئيس الدولة بواجباته، يتقدم أهل الشورى بإسداء نصيحة له، فإذا اتعظ بها ورجع إلى دوره ووظيفته وأدائه السليم يبقونه في موقعه، أما إذا لم يرد على النصيحة وتجاهلها واستمر في تقاعسه أزالوه من منصبه، ويعلنون ذلك للأمة.
رئاسة الدولة الإسلامية [عدل]
الدولة الإسلامية ضرورية لتطبيق شرع الله في الأرض, ولا بد لهذه الدولة من رئيس يتولى إدارة دفتها وتسيير أمورها وتنفيذ الواجبات الموكلة إليها. ورئيس الدولة الإسلامية هو أحد أفراد المسلمين لا يتمتع شخصيا بأي امتياز. وهو بحكم سلطته السياسية يعلن الجهاد عندما تدعو الحاجة للجهاد، ويري الحاكم أهل الشورى، وهو يدير شؤون الجند ويجمع الخراج ويقيم الحدود. وهو في كل هذا غير مستبد ولا يعبر عن نفسه بل عن رأي الأمة وينفذ ما يراه أهل الشورى.
الشروط التي يجب توفرها في رئيس الدولة[4] [عدل]
رئيس الدولة من المناصب المهمة جدا في الدولة الإسلامية فهو يؤثر على مسيرتها وعلى تقدمها وعلى سيادتها وهو منصب حساس جدا إذ لا ينبغي لأي أحد أن يأخذه، فالذي يجب أن يستلم هذا المنصب شخص يستحقه وللتأكد من أن الشخص يستحقه يجب توافر الشروط التالية فيه :[5]
1-التكليف : أي أن يكون مسلما بالغا عاقلا. 2-الحرية : فلا يجوز إعطاء المنصب إلى عبد. 3-الذكورة. 4-العدالة : أي أن يكون قائما بالفرائض والأركان، مجتنبا الكبائر من الآثام، غير مصر على صغيرة، لا يتحكم به هواه، فهو يؤتمن في كل وقت سواء راضيا أم غاضبا، وبعيد عن مواطن الريب...... 5-الكفاءة : أن يكون كفؤ لهذا المنصب، فيكون جريئا في إقامة الحدود واقتحام الحروب بصيرا بها، كفيلا بحمل الناس عليها. ويجب أن يكون لديه رأي سديد وحنكة سياسية ويقظة واعية بعيدا عن الغفلة. 6-أن لا يطلب المنصب لقوله : (إنا والله لا نولي هذا الأمر أحدا سال هذا الأمر ولا حرص عليه). 7-المواطنة : بمعنى أن يكون رئيس الدولة من سكان الدولة الإسلامية المستقرين فيها. 8-سلامة الحواس والأعضاء : والمقصود هو سلامة الحواس والأعضاء التي يؤثر فقدانها على قيام رئيس الدولة الإسلامية بالواجبات الموكلة إليه.
وليس هناك ثمة ما يمنع من اشتراط شروط أخرى إذ اقتضتها المصلحة العامة. فيجوز مثلا اشتراط أن يكون رئيس الدولة قد بلغ سنا معينا ويجوز الاشتراط فيه أن يكون حاصلا على درجات علمية معينة، ويجوز أن يشترط فيه أي شرط آخر دعت لذلك الشرط المصلحة العامة أو اقتضته ظروف الحياة.
واجبات رئيس الدولة وحقوقه [عدل]
الواجبات:[6]
1-حفظ الدين وإقامته على وجهه الصحيح. 2-إقامة العدل. 3-نشر الأمن في الداخل. 4-تنفيذ عقوبات جرائم الحدود والقصاص والتعزير. 5-حماية الأمن الخارجي بالاستعداد حتى لا يهاجم الأعداء في حين غرة. 6-جهاد أعداء الإسلام. 7-جباية الفيء والصدقات. 8-تقدير العطاء لمن يستحقه من بيت المال. 9-تعيين الموظفين والولاة. 10-أن يباشر بنفسه الأمور وتفقد الأحوال.
وله في مقابل ذلك حقان هما :[7]
1-حق على الناس بطاعته بالمعروف وفي حدود ما أنزل الله. 2-حق له في مال المسلمين نظرا لتفرغه.
السلطات في الدولة الإسلامية[8] [عدل]
كل دولة تحتاج إلى مجموعة من السلطات لإدارة شؤون البلاد لأنه لا يمكن لشخص أو جهة أو سلطة واحدة تولي أمر البلاد وحدها فكل سلطة تقوم بعملها الخاص وبذلك جزأنا الإدارة وسهلنا العمل فيها على الدولة الإسلامية, والسلطات في الدولة الإسلامية هي :
السلطة التنفيذية [عدل]
يقوم عليها رئيس الدولة، ويختص بها وحده. فمن واجبه القيام بكل الأعمال التنفيذية لإقامة الإسلام وإدارة شؤون الدولة في حدود الإسلام. وله بالاستعانة بالوزراء في القيام على شؤون الدولة وتوجيه أمورها.
السلطة التشريعية [عدل]
لم تأت التشريعات بنصوص تفصيلية تغطي كل احتياجات الحياة وإنما اكتفت بأغلب الأحوال بإيراد الأحكام الكلية والمبادئ العامة. ولقد تركت الشريعة لأولي الأمر والرأي في الأمة أن يتمموا بناء التشريع على هذه القواعد، على أن يكون ما يضعونه من التشريعات متفقا مع نصوص الشريعة ومبادئها العامة وروحها التشريعية. وينحصر حقهم في التشريع في النوعين التاليين :
1-تشريعات تنفيذية : وقصد بها ضمان تنفيذ نصوص الشريعة الإسلامية. 2-تشريعات تنظيمية : ويقصد بها تنظيم الأمة وحمايتها وسد حاجتها على أساس مبادئ الشريعة العامة.
السلطة القضائية [عدل]
مهمتها الحكم في المنازعات والخصومات والجرائم والمظالم وإرجاع الحقوق إلى أصحابها، وأيضا من مهماتها الولاية على فاقدي الأهلية والسفهاء والمفلسين، والنظر في الأوقاف أموالها إلى غير ذلك مما يعرض على القضاء.
السلطة المالية [عدل]
وتختص في الأموال التي تحصل من الصدقات والخراج والجزية والفيء والغنيمة, والقائمون على السلطة المالية مستقلون في عملهم ليس لأحد عليهم سلطان إلا ما جاء به القرآن والسنة.
سلطة المراقبة والتقويم [عدل]
وهذه هي سلطة الأمة جمعاء في مراقبة الحكام وتقويمهم وينوب عن الأمة في القيام بها أهل الشورى والعلماء والفقهاء. ولقد ولي أبو بكر الحكم بعد محمد فكان أول ما تفوه به هو اعترافه بسلطان الأمة وحقها في تقويم اعوجاجه. خطب أول خطبة له بعد المبايعة فقال فيها : (أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني).
وهذه السلطة مقررة للأمة من وجهين :
1-أن الأمة يجب عليها مراقبة الحكام وتقويمهم بما أوجب الله على الأمة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) سورة آل عمران الآية : 110. 2-أن الأمة هي مصدر سلطان الحكام باعتبارهم نوابا عنها ويلز م الله الحكام بالرجوع إلى الأمة واستشارتها في كل أمور الحكم والتزام ما يراه ممثلوها وعلى ذلك فللأمة أن تراقب الحكام في أعمالهم وأن تردهم إلى الصواب كلما أخطأوا، ويقومهم كلما اعوجوا.
ولتطبيق ذلك النظام والتشاريع الإسلامية كان ضروريا من وجود الحكومة الإسلامية لتطبيع شرع الله في الأرض. بحيث تتحمل هذه الحكومة مسؤولية كل من هو داخل الدولة من جماعات وأفراد وهذه المسؤولية ذات شقين هما :[1]
1-تقديم كل ما يخص الإسلام وتعاليمه وأي شيء متصل بالإسلام إلى المسلمين الجدد. 2-وجوب وجود هيئة تطبق أحكام الإسلام وتلزم المسلمين بتلك الأحكام وإنزال العقوبة بكل من يخالف تلك الأحكام بالحكم الذي حدده الشرع من العقوبات.
إن نظام الحكم جزء من دين الإسلام وقد أجمعت عليه مصادره وعلى سبيل المثال: قول الله: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) سورة الحج الآية 41. وأيضا يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ) سورة النساء الآية : 59. وأيضا هناك إجماع من السنة أيضا : ففي الحديث : (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)[2]. ومن أقوال السلف الصالح في إطار الموضوع :
-قال أبو بكر عقب وفاة الرسول :... إن محمدا مضى بسبيله، ولا بد لهذا الدين من يقوم به. -وقول عمر بن الخطاب : لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمارة. ولا إمارة إلا بطاعة. -قول الماوردي في الأحكام السلطانية... عقد الإمامة لن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع. -ويقول ابن تميمة : (يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيمة للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالإجماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حين قال النبي : إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا احدهم، وجاء في مسند أحمد أن النبي قال : لا يحل لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدا، فأوجب الرسول تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع...)
قواعد النظام الإسلامي [عدل]
إن النظام الإسلامي في الحكم نظام متميز بكل المقاييس عن باقي الأنظمة الأخرى لوجود خصائص مميزة فيه تجعله فوق كل الأنظمة وتلك الخصائص نلخصها في قواعد النظام الإسلامي التالية:[3]
القاعدة الأولى : الحاكمية لله تعالى [عدل]
وهذه القاعدة تعني أن تكون شريعة الله هي المنفذة في كل الأقطار وليس أي شريعة أخرى، وتلك الشريعة تحكم الناس وتنظم حياتهم. قال تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) سورة يوسف الآية : 40.
القاعدة الثانية: العدل والمساواة [عدل]
يقوم مفهوم العدل في الإسلام من خلال البعد عن الهوى. فالواقع أن الهوى والنزوات والشهوات أعدى أعداء إقامة العدل. وقد امتدح الله المؤمنين حقا وعد من صفاتهم العدل واتباع الحق والابتعاد عن الهوى فالعدل يحقق المساواة في المجتمع فالإسلام لا يقبل شيئا كالمحسوبية أو ما يسمى بالواسطة، والمحسوبية تحدث للأشخاص المهمين والكبار، مما يجعل الناس العاديين في المجتمع ضعفاء أمام الكبار منهم، فلولا وجود العدل لحدثت أضرار كبيرة في المجتمع، فبسبب عدم توفر العدل سوف تسود الجرائم في المجتمع وتفرق شمل المجتمع مما يؤدي إلى تخلف وتراجع في ذلك المجتمع وأيضا يعمل على توليد الكراهية فيه، فلأجل ذلك فرض الإسلام العدل والمساواة، وفرضه الإسلام في كل أمور الحياة، ويهدد الله كل حاكم ومسؤول من أن يظلم الناس ولا يعمل بالمساواة ودليل على ذلك قول الرسول : (أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام جائر).
إن الإسلام ينظر إلى أن كل الناس على أنهم متساوون أمام القانون, لا فرق بين غني وفقير ولا حاكم ولا محكوم. والإسلام فرض على الأمة الإسلامية أن تقيم العدل فيها, في الأسرة والمجتمع والدولة. وقد فتح الإسلام الباب على مصراعيه لكل مظلوم ليرفع ظلامته إلى من ينصفه ويأخذ له بحقه، وألغى كل وسيلة من شأنها أن تعيق الناس عن الوصول إلى حقوقهم أو تمنعهم منها.
القاعدة الثالثة: الطاعة [عدل]
إن الإسلام يعتبر الطاعة من الرعية إلى ولاة الأمور فرضا من الفروض. وقاعدة من قواعد الحكم في الإسلام، لا تستقيم الحياة السياسية إلا بها. ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ) سورة النساء الآية : 59.
صحيح أن الإسلام فرض طاعة أولياء الأمور ولكن وضع للطاعة حدودا وشروطا يجب إتباعها وإذا تحققت الشروط فالإتباع هنا يكون مفروضا وإذا لم تتحقق سوف يصبح في الإتباع حرمة والشروط هي:
1-أن يكون ولي الأمر مطبقا للشريعة الإسلامية. 2-أن يحكم بالعدل بين الناس. 3-أن لا يأمر ولي الأمر بمعصية الله.
القاعدة الرابعة: الشورى [عدل]
إن للشورى أهمية كبرى في أي تنظيم كان, أو أي جماعة من الجماعات. وترتكز عليها كل دولة تنشد لرعاياها الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار, وذلك لأنهها الطريق السليم الذي يتوصل بها إلى أحسن الآراء وأجودها لتحقيق مصالح الأفراد والجماعات والدول.
فلا عجب إذن أن نرى الإسلام قد اهتم كثيرا بمبدأ الشورى، فهناك سورة في القرآن اسمها الشورى، وتتحدث هذه السورة عن صفات المؤمنين، وهناك من بين تلك الصفات أن حياة المؤمنين كاملة معتمدة على الشورى بينهم، مما يدل على المعنى والفائدة العظيمة للمسلمين إذا نفذوا مبدأ الشورى. ومن أكبر الأمثلة على الشورى هو أن الرسول كان أكثر الناس عملا بهذا المبدأ، فقد كان يستشير أصحابه في الكثير من الأمور، فقد استشار في شأن القتال في بدر الكبرى بقوله :أشيروا علي أيها الناس، وكرر ذلك أكثر من مرة ويشير عليه الصحابي الحباب بن منذر في ذلك الموقف بتغيير موقع العسكر إلى آبار بدر لمنع الماء عن المشركين، وأيضا استشار الرسول أصحابه يوم الخندق وقد كان يوما صعبا جدا على المسلمين فقد كانت أعداد الكفار هائلة مقارنة بأعداد المسلمين القليلة فأشار الصحابي سلمان الفارسي بحفر الخندق وحفره الرسول مع أصحابه وساعد ذلك الخندق في فوز المسلمين يومها.
والشورى توزيع للمسؤولية، فلا تقع نتيجتها مهما كانت على كاهل واحد فقط بل يتقاسمها الجميع فلا يتلاوم الناس ويتنافرون ويتشاجرون إن كانت نتيجتها سيئة لأن الكل اشترك في اتخاذ القرار فيقع اللوم على الجميع ساعتها وليس على شخص واحد فقط. كما أن الشورى أفضل وسيلة للكشف عن الكفاءات والقدرات، وهي تدريب للمستشار في الحكم والإدارة.
والشورى من الأمور التي تكاد الأمة تجمع على وجوبها، وتمارس الشورى في المجتمع الإسلامي من خلال مجلسين :
1-مجلس منتخب انتخابا مباشرا من قبل الشعب. 2-مجلس آخر معين من قبل الحاكم, يضم العلماء والفنيين والمختصين ويكون عمل المجلس تقديم المشورة الفنية للمجلس الشعبي دون أن تكون له صفة الإلزام, أو التدخل في شؤون الدولة.
أهل الشورى هم أهل الحل والعقد، هم أصحاب الرأي وقادة الفكر، وأرباب السياسة وأمراء الجيوش، وهم أصحاب الاختصاص والخبرة في كل فن من الفنون، كالزراعة والصناعة والتجارة والاقتصاد وشؤون الحرب وتنحصر اختصاصات أهل الشورى فيما يلي :
1-اختيار رئيس الدولة وترشيحه : يقوم أهل الشورى في الدولة الإسلامية باختيار رئيس الدولة اختيارا أوليا، ويبايعونه البيعة الخاصة، ثم يعرض الأمر على الأمة فتبايعه البيعة العامة. 2-مساعدة رئيس الدولة في إدارة شؤون البلاد، وعلاج القضايا العامة، كإعلان الحرب وعقد المعاهدات وتقنين القوانين الاجتهادية وكيفية تنفيذ الأحكام الشرعية. 3-محاسبة رئيس الدولة وغيره من كبار الموظفين كالأمراء والوزراء والولاة. 4-عزل رئيس الدولة أو أي موظف يختاره مجلس الشورى. إذ أنه إذا أخل رئيس الدولة بواجباته، يتقدم أهل الشورى بإسداء نصيحة له، فإذا اتعظ بها ورجع إلى دوره ووظيفته وأدائه السليم يبقونه في موقعه، أما إذا لم يرد على النصيحة وتجاهلها واستمر في تقاعسه أزالوه من منصبه، ويعلنون ذلك للأمة.
رئاسة الدولة الإسلامية [عدل]
الدولة الإسلامية ضرورية لتطبيق شرع الله في الأرض, ولا بد لهذه الدولة من رئيس يتولى إدارة دفتها وتسيير أمورها وتنفيذ الواجبات الموكلة إليها. ورئيس الدولة الإسلامية هو أحد أفراد المسلمين لا يتمتع شخصيا بأي امتياز. وهو بحكم سلطته السياسية يعلن الجهاد عندما تدعو الحاجة للجهاد، ويري الحاكم أهل الشورى، وهو يدير شؤون الجند ويجمع الخراج ويقيم الحدود. وهو في كل هذا غير مستبد ولا يعبر عن نفسه بل عن رأي الأمة وينفذ ما يراه أهل الشورى.
الشروط التي يجب توفرها في رئيس الدولة[4] [عدل]
رئيس الدولة من المناصب المهمة جدا في الدولة الإسلامية فهو يؤثر على مسيرتها وعلى تقدمها وعلى سيادتها وهو منصب حساس جدا إذ لا ينبغي لأي أحد أن يأخذه، فالذي يجب أن يستلم هذا المنصب شخص يستحقه وللتأكد من أن الشخص يستحقه يجب توافر الشروط التالية فيه :[5]
1-التكليف : أي أن يكون مسلما بالغا عاقلا. 2-الحرية : فلا يجوز إعطاء المنصب إلى عبد. 3-الذكورة. 4-العدالة : أي أن يكون قائما بالفرائض والأركان، مجتنبا الكبائر من الآثام، غير مصر على صغيرة، لا يتحكم به هواه، فهو يؤتمن في كل وقت سواء راضيا أم غاضبا، وبعيد عن مواطن الريب...... 5-الكفاءة : أن يكون كفؤ لهذا المنصب، فيكون جريئا في إقامة الحدود واقتحام الحروب بصيرا بها، كفيلا بحمل الناس عليها. ويجب أن يكون لديه رأي سديد وحنكة سياسية ويقظة واعية بعيدا عن الغفلة. 6-أن لا يطلب المنصب لقوله : (إنا والله لا نولي هذا الأمر أحدا سال هذا الأمر ولا حرص عليه). 7-المواطنة : بمعنى أن يكون رئيس الدولة من سكان الدولة الإسلامية المستقرين فيها. 8-سلامة الحواس والأعضاء : والمقصود هو سلامة الحواس والأعضاء التي يؤثر فقدانها على قيام رئيس الدولة الإسلامية بالواجبات الموكلة إليه.
وليس هناك ثمة ما يمنع من اشتراط شروط أخرى إذ اقتضتها المصلحة العامة. فيجوز مثلا اشتراط أن يكون رئيس الدولة قد بلغ سنا معينا ويجوز الاشتراط فيه أن يكون حاصلا على درجات علمية معينة، ويجوز أن يشترط فيه أي شرط آخر دعت لذلك الشرط المصلحة العامة أو اقتضته ظروف الحياة.
واجبات رئيس الدولة وحقوقه [عدل]
الواجبات:[6]
1-حفظ الدين وإقامته على وجهه الصحيح. 2-إقامة العدل. 3-نشر الأمن في الداخل. 4-تنفيذ عقوبات جرائم الحدود والقصاص والتعزير. 5-حماية الأمن الخارجي بالاستعداد حتى لا يهاجم الأعداء في حين غرة. 6-جهاد أعداء الإسلام. 7-جباية الفيء والصدقات. 8-تقدير العطاء لمن يستحقه من بيت المال. 9-تعيين الموظفين والولاة. 10-أن يباشر بنفسه الأمور وتفقد الأحوال.
وله في مقابل ذلك حقان هما :[7]
1-حق على الناس بطاعته بالمعروف وفي حدود ما أنزل الله. 2-حق له في مال المسلمين نظرا لتفرغه.
السلطات في الدولة الإسلامية[8] [عدل]
كل دولة تحتاج إلى مجموعة من السلطات لإدارة شؤون البلاد لأنه لا يمكن لشخص أو جهة أو سلطة واحدة تولي أمر البلاد وحدها فكل سلطة تقوم بعملها الخاص وبذلك جزأنا الإدارة وسهلنا العمل فيها على الدولة الإسلامية, والسلطات في الدولة الإسلامية هي :
السلطة التنفيذية [عدل]
يقوم عليها رئيس الدولة، ويختص بها وحده. فمن واجبه القيام بكل الأعمال التنفيذية لإقامة الإسلام وإدارة شؤون الدولة في حدود الإسلام. وله بالاستعانة بالوزراء في القيام على شؤون الدولة وتوجيه أمورها.
السلطة التشريعية [عدل]
لم تأت التشريعات بنصوص تفصيلية تغطي كل احتياجات الحياة وإنما اكتفت بأغلب الأحوال بإيراد الأحكام الكلية والمبادئ العامة. ولقد تركت الشريعة لأولي الأمر والرأي في الأمة أن يتمموا بناء التشريع على هذه القواعد، على أن يكون ما يضعونه من التشريعات متفقا مع نصوص الشريعة ومبادئها العامة وروحها التشريعية. وينحصر حقهم في التشريع في النوعين التاليين :
1-تشريعات تنفيذية : وقصد بها ضمان تنفيذ نصوص الشريعة الإسلامية. 2-تشريعات تنظيمية : ويقصد بها تنظيم الأمة وحمايتها وسد حاجتها على أساس مبادئ الشريعة العامة.
السلطة القضائية [عدل]
مهمتها الحكم في المنازعات والخصومات والجرائم والمظالم وإرجاع الحقوق إلى أصحابها، وأيضا من مهماتها الولاية على فاقدي الأهلية والسفهاء والمفلسين، والنظر في الأوقاف أموالها إلى غير ذلك مما يعرض على القضاء.
السلطة المالية [عدل]
وتختص في الأموال التي تحصل من الصدقات والخراج والجزية والفيء والغنيمة, والقائمون على السلطة المالية مستقلون في عملهم ليس لأحد عليهم سلطان إلا ما جاء به القرآن والسنة.
سلطة المراقبة والتقويم [عدل]
وهذه هي سلطة الأمة جمعاء في مراقبة الحكام وتقويمهم وينوب عن الأمة في القيام بها أهل الشورى والعلماء والفقهاء. ولقد ولي أبو بكر الحكم بعد محمد فكان أول ما تفوه به هو اعترافه بسلطان الأمة وحقها في تقويم اعوجاجه. خطب أول خطبة له بعد المبايعة فقال فيها : (أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني).
وهذه السلطة مقررة للأمة من وجهين :
1-أن الأمة يجب عليها مراقبة الحكام وتقويمهم بما أوجب الله على الأمة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) سورة آل عمران الآية : 110. 2-أن الأمة هي مصدر سلطان الحكام باعتبارهم نوابا عنها ويلز م الله الحكام بالرجوع إلى الأمة واستشارتها في كل أمور الحكم والتزام ما يراه ممثلوها وعلى ذلك فللأمة أن تراقب الحكام في أعمالهم وأن تردهم إلى الصواب كلما أخطأوا، ويقومهم كلما اعوجوا.