منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By محمد الحربي32
#68236
الجيوبولتيك والجيواستراتيجيا ,,, نحو مناهج القرن


عند النظر الى أهم وابرز المتغيرات والتحولات المتسارعة التي تشهدها الساحة السياسية الدولية ‏اليوم , وعلى وجه الخصوص في مناهج التفكير السياسي , وطرق تخطيط الحكومات للسعي نحو ‏التفوق والتقدم على الأرض وفي السماء , وتحديدا خلال القرن العشرين وبدايات القرن الحادي ‏والعشرين , نلحظ بشكل واضح ومشاهد ذلك الاتجاه المتزايد نحو غلبة النزعة الأيديولوجية ‏الاستشرافية في التخطيط السياسي , او الفكر السياسي المبرمج الذي يرتقي لمستوى العقيدة ‏السياسية المنظمة , وذلك بهدف بناء منهج استراتيجي متكامل للتخطيط السياسي المستقبلي , بحيث ‏لا يترك أي فرصة بقدر المستطاع للعشوائية في التخطيط والبناء السياسي للدول والحكومات , أو ‏مجالا للصدفة في رسم سيناريو المستقبل السياسي لها , راجع لنا مقالي : التخطيط لصناعة ‏المستقبل , ومقال عملية صناعة القرار 0‏
‏ وبالطبع فإننا هنا لا نشير الى تميز فكري او إيديولوجيا استثنائية في التخطيط السياسي , ‏تفرد بها القرنين المذكورين سابقا , بقدر ما نؤكد على ان اغلب الدول والحكومات الناضجة قد ‏أصبحت اليوم تعتمد بشكل اكبر من حيث الكم والكيف على مناهج التخطيط السياسي ألاستشرافي ‏المبني على الواقع الجغرافي والتاريخي للبنية السياسية الدولية , وذلك لرسم وإعداد سيناريوهات ‏البقاء والتفوق المستقبلي , - انظر مقالنا : صناعة المؤامرات أم ثقافة الاستراتيجيات , مع ملاحظة ‏ارتقاء بعض العلوم السياسية والجغرافية وطرق التفكير والتخطيط المنهجي ألاستشرافي السياسي ‏‏, على غيرها خلال هذه المرحلة الزمنية تحديدا , وهو ما سنحاول التطرق إليه من خلال هذا ‏الطرح المختصر 0 ‏
‏ وبداية لابد ان نؤكد على ضرورة وأهمية الارتقاء بالمناهج التعليمية والأكاديمية في ‏المدارس والكليات والجامعات العربية لمستوى مواكبة التغيرات والتحولات الجذرية المتسارعة ‏التي تشهدها الساحة العالمية , وتحديدا في مجالات السياسة والاقتصاد والتخصصات المرتبطة بها ‏كالجغرافيا والتاريخ , وذلك من خلال دخول مناهج وطرق تدريس العلوم السياسية والجغرافية ‏بمختلف فروعها ومجالاتها وتخصصاتها في مراحل التعليم الأساسي والجامعي بالدول العربية ‏التي لا يوجد بها بعد هذه التخصصات الأكاديمية والمناهج الدراسية , مع ضرورة التركيز على ‏رفع مستوى الاهتمام والارتقاء بفروع ذلك العلم ومناهجه التخصصية والمستقلة والفروع ‏المرتبطة به , لدى مدارس وجامعات الدول العربية التي تدرس هذه العلوم من السابق , وذلك من ‏خلال الاهتمام بفروع وتخصصات دراسية سياسية وجغرافية بعينها , كما نؤكد على أهميتها ‏ودورها المستقبلي خلال المرحلة القادمة من التاريخ السياسي للبشرية 0‏
‏ وبشكل أكثر دقة في تناول هذا الطرح , نشير الى ان هناك توجهات أكاديمية عالمية , ‏وسياسات دولية رسمية , تهدف اليوم الى التركيز على فروع مستقلة بعينها في العلوم السياسية ‏والجغرافية الحديثة والعلوم الأخرى المستقلة المرتبطة بها بشكل مباشر , وذلك لما لها من أهمية ‏متزايدة أحدثتها تلك المتغيرات السياسية التي راجت خلال القرن الماضي والقرن الذي نعيشه اليوم ‏‏, كالعولمة وظاهرة الإرهاب والعنف وحروب الطاقة والماء ومصادرها , والصراعات المرتبطة ‏بالأعراق والحدود والإطماع القومية , ومن أهم تلك المجالات والتخصصات الأكاديمية السياسية ‏والجغرافية علمي الجغرافيا الاستراتيجية او " الجيواستراتيجيا " و الجغرافيا السياسية او ‏‏" الجيوبوليتكا "0‏
‏ وقبل الحديث عن أهميتهما المستقبلية لرفع كفاءة مستوى التخطيط السياسي الاستراتيجي ‏للحكومات الناضجة , وبناء منظومة علمية دقيقة لصناعة المستقبل السياسي لتلك الدول , كان ‏لزاما التطرق الى التعريف العلمي لهما , وذكر الأهداف والمقاصد الأكاديمية المرتبطة بهما , ‏فالجغرافيا الإستراتيجية : هي العلم الذي يسعى إلى جمع وتحليل ودراسة وتفسير المعلومات ‏الجغرافية الأساسية للدولة لاستخدامها في إعداد الخطط الإستراتيجية في مختلف المجالات ‏وخصوصا تلك المعنية بالحروب , وفي معنى آخر تعرف بأنها : ( فن استخدام القوة العسكرية ‏لكسب أهداف الحرب , غير ان مفهومها قد تطور واكتسب قاعدة علمية شمولية , وأصبحت تعني ‏الاستخدام الأمثل للمعطيات السياسية والاقتصادية والعسكرية ) وهي أكثر شمولا وتوسعا من ‏الجغرافيا السياسية او الجيوبولتيك0 ‏
‏ أما الجغرافيا‎ ‎السياسية‎ ‎والتي تعرف باسم الجيوبوليتكا او علم سياسة الأرض فهي ذلك ‏العلم الذي يتعرض بالبحث والدراسة للعلاقات التي تربط الدول بعضها ببعض , ومدى ارتباط ذلك ‏بمعطيات الموقع الطبيعي‎ ‎وقوانينه , ( ويعد‎ ‎رودلف كلين أول من استخدم مصطلح الجيوبوليتكا , ‏وعرفها بأنها البيئة الطبيعية للدولة والسلوك السياسي , في حين عرفها كارل هوسهوفر بأنها ‏دراسة علاقات الأرض ذات المغزى السياسي , إذ ترسم المظاهر الطبيعية لسطح الأرض الإطار ‏للجيوبولتيكا الذي تتحرك فيه الأحداث السياسية ) , ويعد أرسطو 383 - 322 ق.م , أول من ‏تحدث عن قوة الدولة المستمدة من توازن ثرواتها مع عدد ساكنيها , كما كان للمسلمين دور بارز ‏ومهم في هذا الشأن , وذلك من خلال كتابات ابن خلدون 1342-1405م , والتي ظهرت في ‏مقدمته الشهيرة 0 ‏
‏ وتختلف الجغرافيا السياسية في أهدافها ومقاصدها عن الجغرافيا الاستراتيجية , إلا أنهما ‏تعدان جزء لا يتجزأ من الآخر , - أي – ان كل منهما متلازم ومكمل للآخر , - وبمعنى آخر – ان ‏الجغرافية السياسية يجب ان تتزامن وتتساوق مع الجغرافية الاستراتيجية في منهج البحث العلمي ‏والدراسة الاستشرافية والتحليلية المستقبلية للدولة وقراراتها وأهدافها , وحديثا ( ظل تقييم دور ‏العوامل المكانية - الجغرافية - في تاريخ ومستقبل الدولة السياسي بدون صياغة متكاملة حتى ‏ظهرت في المجتمع الألماني أفكار فردريك راتزل 1844-1904م والذي يرجع إليه الفضل في ‏كتابة “الجغرافيا السياسية” في عام 1897 م ) 0 ‏
‏ وكما قال نابليون : ان معرفة جغرافية الدولة تعني معرفة سياستها الخارجية , ويعد ‏النموذج الألماني والسوفيتي واليوغسلافي والاميريكي خلال القرنين العشرون والحادي والعشرون ‏‏, من أهم النماذج الحديثة وأوضحها على ترابط متلازمة الجيوبولتيك والجيواستراتيجيا سعيا ‏لتحقيق مقاصد الدولة وأهدافها المستقبلية الاستعمارية او القومية , – انظر مقالنا : الحتمية ‏التاريخية للصراع الجيواستراتيجي على العالم , ومن – وجهة نظرنا الشخصية – فان الحرب ‏الروسية على جورجيا تعد من ابرز النماذج الحديثة على تلك الصلة التي تربط ما بين ممارسة ‏النزاعات السياسية والسيطرة على الأرض , وفي هذا السياق يقول زبغينيو بريجينيسكي بان ‏‏( الدوافع المتعلقة بالأرض كانت الحافز الرئيسي الموجه للسلوك العدواني للدول القومية ‏والإمبراطوريات ) عبر التاريخ , وهو ما دفع بالحكومة السوفيتية في وقت ما , من منع تدريس ‏مناهج الجيواستراتيجيا والجيوبولتيك في الجامعات الشيوعية 0 ‏
‏ وانطلاقا مما سبق ذكره والإشارة إليه في سياق هذا الطرح من أهمية دراسة وتطوير ‏بعض العلوم الاجتماعية والإنسانية , وعلى رأسها العلوم السياسية والجغرافية بوجه عام , ‏وخصوصا الجغرافيا السياسية والجيواستراتيجية , والتي نتصور بأنها ستلعب دورا خطيرا وبارزا ‏في صناعة مستقبل الدول والشعوب ومكانتها خلال المرحلة التاريخية القادمة من القرن الحادي ‏والعشرون , وتحديدا في ظل الأوضاع والتحولات المتسارعة التي باتت تعصف بكل دول العالم ‏دون استثناء , فإننا نلفت الانتباه الى التالي : ضرورة توفير مراكز دعم القرار الوطني ومراكز ‏الدراسات السياسية والاستراتيجية والتحليلية المحايدة وتوفير الدعم المادي والكوادر المتخصصة ‏لها , - انظر لنا في هذا الشأن المقالات التالية : أهمية مراكز الدراسات السياسية في مواجهة ‏التحديات المستقبلية , و مركز وطني لدعم القرار والدراسات المستقبلية , كما أننا نشير الى أهمية ‏وضرورة الإسراع بتوفير الكليات والجامعات التخصصية التي تقوم بتدريس العلوم السياسية ‏والجغرافية بمختلف فروعها التخصصية ومناهجها الأكاديمية , وتحديدا الجيوبولتيك ‏والجيواستراتيجيا في جامعاتنا الرسمية والخاصة , والتي باتت تفرض نفسها بشكل اكبر على ‏الساحة الدولية 0