منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بإبداعات الأعضاء

المشرف: حمد القباني

By عبدالله الهويدي36336
#64107
يروي الجاحظ في كتابه «الحيوان»: «أن أبا أيوب المورياني، وزير المنصور، بينا هو جالس في أمره ونهيه إذ أتاه رسول أبي جعفر المنصور، فامتقع لونه وطارت عصافير رأسه، وذُعر ذعراً نقض حبوته واستطار فؤاده، فتعجبنا من حاله، وقلنا له: إنك قريب المنزلة، فلمَ ذهب بك الذعر واستفزعك الوجل؟ قال سأضرب لكم مثلاً من أمثال الناس». يمضي بعدها الجاحظ فيروي عنه قصة «البازي والديك»، فيتهمُ الأولُ الديكَ أنه قليل الوفاء، فبعد احتضان بيضته وإطعامه من الأكف صار لا يدنو منه أحد إلا وارتعب وطار يميناً وشمالاً، أما البازي فهو يقنص الصيد من الجو فيُحضره لسيده. قال الديك: ولكنك هل لاحظت أن من يشوى على السفافيد هم الديكة وليسوا الصقور (إنك لو رأيت من البزاة في سفافيدهم ما رأيت من الديوك لكنت أنفر مني).
يلتفت الوزير المورياني إلى الجاحظ وأصحابه معقباً: «لو علمتم ما أعلم لم تتعجبوا من خوفي مع ما ترون من تمكن حالي».
كانت نهاية الوزير بحد السيف، ولم يكن مصيره استثناءً، فقد تتابع مسلسل قتل الوزراء بشكل درامي في العصر العباسي، فكل من وزراء السفاح والمنصور والمهدي والرشيد والمأمون انتهت حياتهم بحد السيف قتلاً، بدءاً من أبو سلمة الخلال وانتهاءً بالفضل بن سهل.
ويروي التنوخي قصة الوزير والقرد والقرَّاد على شكل مضحك، فقد اجتمع الناس في شارع ببغداد والقرَّاد يقول للقرد: هل تريد أن تكون برازاً؟ فيومئ القرد برأسه نعم، فيكرر القراد هل تريد أن تكون عطاراً؟ فيرد برأسه نعم، فما زال يكرر عليه طرفاً من الصنائع وهو يهز برأسه نعم، حتى إذا ذكر الوزير انجفل فقال: لا. ويصيح ويعدو بين يدي القراد فيضحك الناس.
من المفيد للمرء التشبع بالوعي التاريخي، وأن يحاول تصور الجو الذي عاش فيه الناس، فسوء الأوضاع لم تلد من رحم التاريخ من لا شيء.
إن قصة «المورياني» هي عينة من ذلك الجو الذي عاشه الناس في العصر العباسي الذي دشنه إبراهيم الإمام بتوجيه تعليماته لأبي مسلم الخراساني على الشكل التالي: «إن استطعت ألا تدع بخراسان أحداً يتكلم العربية إلا قتلته فافعل، وأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله، وعليك بمضر فإنهم العدو القريب الدار فأبد خضراءهم ولا تدع على الأرض منهم دياراً».