منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بإبداعات الأعضاء

المشرف: حمد القباني

By سليمان الفراج 3332
#66564
لم يكن النقد التشكيلي العراقي بعيدا عن منجز التشكيل منذ بداياته وحتى الان . ليس مما يفهم من سياقه تخصصا . بل مرادفا معرفيا بحدود نشأته المتزامنة وحداثة التشكيل نفسه . (محمود صبري) و (جبرا ابراهيم جبرا) وحتى (جواد سليم)، هم بشكل من الاشكال نقادا، كما افرزتهم ظروف التأسيس. لكل منهم نضج فني وثقافي بحدود التفسير والتنظير الموازي لفترة التأسيس، رغم اختلاف مصادرهم الثقافية والذوقية. و لم يكن التشكيلي في العراق بعيدا بشكل مطلق عن رصد نتاجه الفني بما يوازي دور النقد، رغم خطابية معظم تنظيراتهم والتي ساهمت فترة ما ببروز هذ النبرة الخطابية. مثلما توزع النقد نفسه مساحة ما بين (سهيل سامي نادر) و (شاكر حسن ال سعيد). مع ما للصحافة من مساحة من النقد الذي لم يكن كله بريئا، مع ذلك فان ملامح ابرز التجارب التشكيلية العراقية لم يغيبها النقد ولم تستطع السياسة الهوجاء في اتعس اوقاتها ان تغيب معظمها. وما يشيع من خطاب جديد (اظنه طارئا) يتجاوز او يلغي حصيلة النقد التشكيلي العراقي (الداخل) لعقود مضت، او يحاول تأسيس خطاب نقدي متهافت لا يخلو من هاجس الوصاية في زمن يرفضها. خطاب كهذا اظنه لا يتجاوز نواياه المعلنة الا بما توفره النوايا من مساحة ضيقة لا تتناسب وسعة تجارب تشكيليينا
رغم ان معظم تشكيليينا المهاجرين تشكلت رؤيتهم داخل العراق ( بالذات الهجرات المتأخرة ) بقي غالبيتهم يحاور منطقة ابداعه ذاتها, الا ان هذا لا يعني انهم حافظوا على حيادية وسط حاضنهم الجديد, دون التفاعل وتجارب تشكيلية تتناسل باستمرار. تجارب لا تعفي بعض من غرابتها البحث عن علاقتها بزمنها وبيئتها بحدود تتجاوز المألوف احيانا لهذه العلاقة . لم يعد الفنان صانع لوحات جميلةK في زمن باتت الصناعة تطول كل شيئ حتى الحلم. شساعة منطقة الابتكار والادراك لم تبقى حكرا على فئة دون اخرى. فكيف بـ(اعادة تركيب التشكيل العراقي، الداخل والخارج( 1 ). وهل يعني الامر الغاء مكتسبات الخارج لصالح الداخل ام العكس . ام الاكتفاء بذائقة محلية . ام استرجاع او محاورة ارث زمن هو الاصلح لذلك ( الزمن الغابر ) . ما قدمته تجارب مغتربة (روسية ولاتينية ورومانية .. وغيرها وحتى عراقية في تجربة محمود صبري الاخيرة ( واقعية الكم ) يتعدى المحلية الى خطاب عالمي النزعة. هل هي وصاية لتحجيم بحث الفنان العراقي المغترب في بلد اغترابه , بما ان الطرح هكذا ( رفع الحدود بين التجريد والتشخيص واعادة الكرامة للوحة بعد تخمتها من الوسائل الغربية الممسوخة (1 ) ) مثلا , ومن ( الاستعارات الغربية العنيفة الغاضبة التي ساهمت في اختناق الروحي والوطني ) . كأن التجريد بشكل عام طاريئ على التشكيل العراقي , ان لم يكن جزأ من منجزه ومنذ الستينات من القرن المنصرم . مثلما استغلت مساحته لخيرة اعمال ( البعد الواحد ) على امتداد رقعة الاوطان العربية , تقنية وتنظيرا لا يخلو من مرجعيات صوفية اسلامية ( ولم تكن تجريدية كاندنسكي الغربية وغيره بعيدة هي الاخرى عن مرجعياتهم الصوفية ) . لم تكن ثمة حدود يتوجب رفعها بين التجريد والتشخيص , بالوقت التي باتت مدارس الفن ( الاساليب ) تتبادل وتتنافذ بشكل مدهش الان . البحث الفني التشكيلي مشاع بحدود استيعاب الفنان وضمان حريته الادائية , وما ينتجه لا يأتي من فراغ , بل تتظافر فيه مكوناته الشخصية بكل ابعادها, ومحيطه وبيئته . ليس في النيات ( الروحية والوطنية ) المبتسرة . تاريخ الفن معظمه تاريخ اشخاص على امتداد زمنه , وما البحث الجماعي الا في حدود ردم الفجوات .
خلط المفاهيم اعتقده منافيا لجوهر الفعل التشكيلي ( تقاليد علينا بالحرص عليها ذات امتداد في المدى الأجتماعي والبيئي ( 1 ) ) ان كان القصد تقاليد جماعة ( الرواد ) في الخمسينات . ( الخروج الى الطبيعة بشكل جماعي للطبيعة ) , فان الأمر يتناسب ومدارك تلك الفترة التي اعتمدت التسمية ( البدائية ) وكان الفضل لجواد سليم ومحمود صبري في الالتفات الى المدينة بقضاياها المحيطية والسياسية التي واكبت فترة التحرر الوطني . ومع ذلك بقية التجربة بحدودها الشخصي . صحيح ان هناك امتداد في اعمال بعض التشكيليين العراقيين , لكنها لم تؤسس لتقاليد واضحة ولا تزال في حدود الأرشفة . اما التقاليد الموروثة ( الاثرية , بشقيها القديم والاسلامي الوسيط ) فهي في حدود استعادة مؤثراتها بما يتناسب ومساحة الحرية الممنوحة للفنان الان , وبما يعزز منجزه المعاصر وليس تثبيتا لمفهوميتها الأثرية التي كرست لزمنها الغابر . هي ضمن هذه المساحة مشاعة مثلها مثل بقية ارث العالم .
الاشكال الاخر ( ردم الفجوة بين المتلقي والعمل الفني ) . العمل الفني ( التشكيلي ) هنا هو الصورة المعاينة , المجسمة , المجمعة والمركبة , اداء الجسد , الفكرة ولغزها .. الخ . اي بمعنى ما : تستوعب تقنيات التشكيل الان كل المواد الاولية , المصنعة وغير المصنعة , التقليدية وغير التقليدية , الثابتة والزائلة , تستوعب الفضاء المقنن المحدود والفضاء الخارجي الغير محدود . كما يستوعب الفن الواقع والخيال والفنتازيا . بعض اعمال الفن كما اراد لها ( ماتيس ) في وقت من الاوقات كرسي مريح , بعضها الاخر مشاكس لتواريخه الصعبة . بعضها معقد بتفاصيله , البعض الاخر مختزل للحد الذي لا يبين عن شيئ واضح . كل منها يحمل بصمة بيئة الفنان ونظام محيطه الحياتي والثقافي . بدون اغفال سطوة مؤسسات معينة على الذائقة التشكيلية العالمية ( الغرب اميركية ) والتي لا تعني مطلقا مصادرة النتاج العالمي ككل لصالحها , الا بالقدر الذي يوفره نفوذها على مفاصل معينة وفرضها ( كاريزما ) تتناسب وسياساتها الاعلامية . .. الفجوة بين المتلقي والعمل الفني التشكيلي تردم بما يتوفر للمتلقي من ضرف حياتي حضاري يوفر له فسحة من التأمل والاستمتاع في النتاج التشكيلي , وليس بمصادرة العديد من منافذ التشكيل بحجة غموض مكوناتها , اوغرابة مناطقها الادائية . ولنا عبرة في تجارب سابقة حاولت تقنين الفعل الفني باديولوجيات محددة .