منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بإبداعات الأعضاء

المشرف: حمد القباني

By خلف حمود الخلف (704)
#69400
الشيخ علي الطنطاوي:

(23 جمادى الأولى 1327 هـ 12 يونيو 1909م - 18 يونيو عام 1999م الموافق 4 ربيع الأول 1420 هـ) هو فقيه وأديب وقاض سوري، ويُعتبر من كبار أعلام الدعوة الإسلامية والأدب العربي في القرن العشرين.

نشأته المبكرة :

ولد الشيخ علي الطنطاوي في دمشق بسوريا في 23 جمادى الأولى 1327 هـ (12 حزيران/يونيو 1909)م لأسرة عُرف أبناؤها بالعلم، فقد كان أبوه، الشيخ مصطفى الطنطاوي، من العلماء المعدودين في الشام وانتهت إليه أمانة الفتوى في دمشق. وأسرة أمه أيضاً (الخطيب) من الأسر العلمية في الشام وكثير من أفرادها من العلماء المعدودين ولهم تراجم في كتب الرجال، وخاله، أخو أمه، هو محب الدين الخطيب الذي استوطن مصر وأنشأ فيها صحيفتَي "الفتح" و"الزهراء" وكان له أثر في الدعوة فيها في مطلع القرن العشرين.
كان علي الطنطاوي من أوائل الذين جمعوا في الدراسة بين طريقي التلقي على المشايخ والدراسة في المدارس النظامية؛ فقد تعلم في هذه المدارس إلى آخر مراحلها، وحين توفي أبوه -وعمره ست عشرة سنة- صار عليه أن ينهض بأعباء أسرة فيها أمٌّ وخمسة من الإخوة والأخوات هو أكبرهم، ومن أجل ذلك فكر في ترك الدراسة واتجه إلى التجارة، ولكن الله صرفه عن هذا الطريق فعاد إلى الدراسة ليكمل طريقه فيها.
دراسته[عدل]

تنقل علي الطنطاوي في طفولته بين عدة مدارس ابتدائية، فدرس في "المدرسة التجارية"، ثم في "المدرسة السلطانية الثانية"، ثم في "المدرسة الجقمقية"، ثم في "أنموذج المهاجرين". أما المرحلة الثانوية فقد أمضاها في "مكتب عنبر" الذي كان الثانوية الكاملة الوحيدة في دمشق حينذاك، ومنه نال البكالوريا (الثانوية العامة) سنة 1928م.
بعد ذلك ذهب إلى مصر ودخل دار العلوم العليا، وكان أولَ طالب من الشام يؤم مصر للدراسة العالية، ولكنه لم يتم السنة الأولى وعاد إلى دمشق في السنة التالية (1929م) فدرس الحقوق في جامعتها إلى ان نال الليسانس (البكالوريوس) سنة 1933م. وقد رأى -لمّا كان في مصر في زيارته تلك لها- لجاناً للطلبة لها مشاركة في العمل الشعبي والنضالي، فلما عاد إلى الشام دعا إلى تأليف لجان على تلك الصورة، فأُلفت لجنةٌ للطلبة سُميت "اللجنة العليا لطلاب سوريا" وانتُخب رئيساً لها وقادها نحواً من ثلاث سنين. وكانت لجنة الطلبة هذه بمثابة اللجنة التنفيذية للكتلة الوطنية التي كانت تقود النضال ضد الاستعمار الفرنسي للشام، وهي (أي اللجنة العليا للطلبة) التي كانت تنظم المظاهرات والإضرابات، وهي التي تولت إبطال الانتخابات المزورة سنة 1931م.

في الصحافة :

نشر علي الطنطاوي أول مقالة له في جريدة عامة (وهي "المقتبس") في عام 1926، وكان في السابعة عشرة من عمره. بعد هذه المقالة لم ينقطع عن الصحافة قط، فعمل بها في كل فترات حياته ونشر في كثير من الصحف؛ شارك في تحرير مجلتي خاله محب الدين الخطيب، "الفتح" و"الزهراء"، حين زار مصر سنة 1926، ولما عاد إلى الشام في السنة التالية عمل في جريدة "فتى العرب" مع الأديب الكبير معروف الأرناؤوط، ثم في "ألِف باء" مع شيخ الصحافة السورية يوسف العيسى، ثم كان مدير تحرير جريدة "الأيام" التي أصدرتها الكتلة الوطنية سنة 1931م ورأس تحريرها الأستاذ عارف النكدي، وله فيها كتابات وطنية كثيرة.
خلال ذلك كان يكتب في "الناقد" و"الشعب" وسواهما من الصحف. وفي سنة 1933م أنشأ الزيات المجلة الكبرى، "الرسالة"، فكان الطنطاوي واحداً من كتّابها واستمر فيها عشرين سنة إلى أن احتجبت سنة 1953. وكتب -بالإضافة إلى كل ذلك- سنوات في مجلة "المسلمون"، وفي جريدتي "الأيام و"النصر"، وحين انتقل إلى المملكة نشر في مجلة "الحج" في مكة وفي جريدة "المدينة"، وأخيراً نشر ذكرياته في "الشرق الأوسط" على مدى نحو من خمس سنين. وله مقالات متناثرة في عشرات من الصحف والمجلات التي كان يعجز -هو نفسه- عن حصرها وتذكر أسمائها.

في التعليم :

بدأ علي الطنطاوي بالتعليم ولمّا يَزَلْ طالباً في المرحلة الثانوية، حيث درّس في بعض المدارس الأهلية بالشام وهو في السابعة عشرة من عمره (في عام 1345 هجرية)، وقد طُبعت محاضراته التي ألقاها على طلبة الكلية العلمية الوطنية في دروس الأدب العربي عن "بشار بن برد" في كتاب صغير صدر عام 1930م (أي حين كان في الحادية والعشرين من العمر).
بعد ذلك صار معلماً ابتدائياً في مدارس الحكومة سنة 1931م حين أغلقت السلطات جريدة "الأيام" التي كان يعمل مديراً لتحريرها، وبقي في التعليم الابتدائي إلى سنة 1935م. وكانت حياته في تلك الفترة سلسلة من المشكلات بسبب مواقفه الوطنية وجرأته في مقاومة الفرنسيين وأعوانهم في الحكومة، فما زال يُنقَل من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية، حتى طوّف بأرجاء سوريا جميعاً: من أطراف جبل الشيخ جنوباً إلى دير الزور في أقصى الشمال.
ثم انتقل إلى العراق في عام 1936م ليعمل مدرّساً في الثانوية المركزية في بغداد، ثم في ثانويتها الغربية ودار العلوم الشرعية في الأعظمية (التي صارت كلية الشريعة)، ولكن روحه الوثّابة (التي لم يتركها وراءه حين قدم العراق) وجرأته في الحق (ذلك الطبع الذي لم يفارقه قط) فعلا به في العراق ما فعلاه به في الشام، فما لبث أن نُقل مرة بعد مرة، فعلّم في كركوك في أقصى الشمال وفي البصرة في أقصى الجنوب. وقد تركَتْ تلك الفترة في نفسه ذكريات لم ينسَها، وأحب "بغداد" حتى ألّف فيها كتاباً ضم ذكرياته ومشاهداته فيها.
بقي علي الطنطاوي يدرّس في العراق حتى عام 1939م، لم ينقطع عنه غير سنة واحدة أمضاها في بيروت مدرّساً في الكلية الشرعية فيها عام 1937م، ثم رجع إلى دمشق فعُيِّن أستاذاً معاوناً في مكتب عنبر (الذي صار يُدعى "مدرسة التجهيز"، وهي الثانوية الرسمية حينئذ بالشام)، ولكنه لم يكفَّ عن شغبه ومواقفه التي تسبب له المتاعب، وكان واحدٌ من هذه المواقف في احتفال أُقيم بذكرى المولد، فما لبث أن جاء الأمر بنقله إلى دير الزور! وهكذا صار معلماً في الدير سنة 1940م، وكان يمكن أن تمضي الأمور على ذلك لولا أنه مضى في سنّته ومنهجه في الجرأة والجهر بالحق. وكانت باريس قد سقطت في أيدي الألمان والاضطرابات قد عادت إلى الشام، فألقى في الدير خطبة جمعة نارية كان لها أثر كبير في نفوس الناس، قال فيها: "لا تخافوا الفرنسيين فإن أفئدتهم هواء وبطولتهم ادّعاء، إن نارهم لا تحرق ورصاصهم لا يقتل، ولو كان فيهم خير ما وطئت عاصمتَهم نِعالُ الألمان"! فكان عاقبة ذلك صرفه عن التدريس ومنحه إجازة "قسرية" في أواخر سنة 1940م.

شيخوخته ووفاته :

آثر علي الطنطاوي ترك الإذاعة والتلفزيون حينما بلغ الثمانين. وكان قبل ذلك قد لبث نحو خمس سنين ينشر ذكرياته في الصحف، حلقةً كل يوم خميس، فلما صار كذلك وقَفَ نشرَها (وكانت قد قاربت مئتين وخمسين حلقة) وودّع القرّاء فقال: "لقد عزمتُ على أن أطوي أوراقي، وأمسح قلمي، وآوي إلى عزلة فكرية كالعزلة المادية التي أعيشها من سنين، فلا أكاد أخرج من بيتي، ولا أكاد ألقى أحداً من رفاقي وصحبي".
ثم أغلق عليه باب بيته واعتزل الناس إلا قليلاً من المقربين يأتونه في معظم الليالي زائرين، فصار ذلك له مجلساً يطل من خلاله على الدنيا، وصار منتدى أدبياً وعلمياً تُبحث فيه مسائل العلم والفقه واللغة والأدب والتاريخ، وأكرمه الله فحفظ عليه توقّد ذهنه ووعاء ذاكرته حتى آخر يوم في حياته، حتى إنه كان قادراً على استرجاع المسائل والأحكام بأحسن مما يستطيعه كثير من الشبان، وكانت - حتى في الشهر الذي توفي في ه- تُفتتح بين يديه القصيدة لم يرَها من عشر سنين أو عشرين فيُتمّ أبياتَها ويبين غامضها، ويُذكَر العَلَم فيُترجم له، وربما اختُلف في ضبط مفردة من مفردات اللغة أو في معناها فيقول: هي كذلك، فيُفتَح القاموس المحيط (وكان إلى جواره حتى آخر يوم في حياته) فإذا هي كما قال!
ثم ضعف قلبه في آخر عمره فأُدخل المستشفى مرات، وكانت الأزمات متباعدة في أول الأمر ثم تقاربت، حتى إذا جاءت السنة الأخيرة تكاثرت حتى بات كثيرَ التنقل بين البيت والمستشفى. ثم توفي بعد عشاء يوم الجمعة، 18 حزيران عام 1999م الموافق 4 ربيع الأول 1420 هـ، في قسم العناية المركزة في مستشفى الملك فهد بجدة، ودُفن في مكة المكرمة في اليوم التالي بعدما صُلّي عليه في الحرم المكي الشريف.