منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية

المشرف: رجاء الرشيد

#62587
بعيد انتشار الدين الاسلامى في أفريقيا السمراء قامت العديد من الممالك الإسلامية مثل سلطنة مقديشووسلطنة"كلوة"ومملكة "شوة الإسلاميَّة" ومملكة "أرابيني"، وبالي و داوارو وزنجبارو ممبسة بشرق القارة .وأصبح الإسلام الدين الرسمي لأغلبية سكان إقليم غرب إفريقيا بنسبة55%، ويضم الإقليم ست عشرة دولة هي: السنغال، جامبيا، الجابون، غينيا بيساو، غينيا (كوناكري)، سيراليون، ليبيريا، ساحل العاج (كوت ديفوار)،غانا، توجو، بنين، نيجيريا، بوركينا فاسو، مالي، موريتانيا.
عملت هذه الممالك على نشر الحضارة الإسلامية و قيمها في الحكم والإدارة بأسلوب لم تشهده أفريقيا قبل دخول الإسلام إليها، يقول توماس آرنولد في كتابه الدعوة الإسلامية: (... أن مجرد الدخول في الإسلام يدل ضمنياً على الترقي في الحضارة )
بالرغم من أهمية هذه المرحلة (الممالك الإسلامية) في تاريخ أفريقيا الحضاري والسياسي، إلا أنها نالها تهميش مقصود؛ لإخفاء معالم الحكم والسياسة والحضارة الإسلامية فيها، وقد حرص الاستعمار بعد فرض هيمنته في أفريقيا على طمس تلك المعالم، وإن معظم ما قدم من أطروحات نظرية لتفسير قضايا الحكم والسياسة في أفريقيا بعد الاستقلال تعمدت عدم تقديم الفهم الصحيح لأفريقيا ،وأظهرت تحيزا ًواضحاً في قراءة وتدوين التاريخ وتحليله وتفسيره، كما تعرضت (...المعلومات والبيانات والإحصاءات المتعلقة بإفريقية في أحيان كثيرة لعوامل التشويه والتزوير خدمة لأغراض معينة، وإثباتاً لسياسات خاصة، وأكثر من قام بذلك الدول الاستعمارية، وذوو الأغراض الخبيثة ممن سار على نهجهم وسياساتهم )
بعد الحرب العالمية الثانية أخذت الدول الاستعمارية في تسليم السلطة السياسية إلى النخب السياسية وحركات التحرر الوطني التي تحولت إلى أحزاب سياسية، وقامت بنقل تجربة مؤسسات أنظمتها الحكومية إلى مستعمراتها مع الإبقاء على بعض أشكال التعبير التقليدية، وسارت الدولة الوطنية على النظام السياسي المعتمد في البلد الأوربي الذي كان يستعمرها. من ذلك ما حصل في البلاد التي كانت تستعمرها فرنسا، كتجربة الأحزاب في السنغال، والغابون، وفي غيرهما. لم يكن الاستقلال الذي أعلن استقلالاً حقيقياً لأفريقيا؛ فكيانها المعنوي، وسيادتها الفكرية كانا لايزالان رهن الاحتلال والاحتواء، وهيمنة النظم التعليمية الأوروبية في الأقطار الإفريقية لم تكن تساعد على تخريج جيل يعي مشكلات أمته الإسلامية، أويهتم بها ويسعى إلى حلها، يذهب نزنجولا نتالاجا ( إلى أن الناس العاديين في إقليم كويلو في زائير الشرقية بدوا غير مقتنعين بالاستقلال الاسمي الذي تم ويري أن الدولة الأفريقية الحديثة، ما هي إلا صناعة استعمارية شكلها وصاغها الاستعمار وفقاً لرؤيته ومصالحه . وهي من خلال نخبها السياسية الحاكمة الذين هم بدورهم صناعة استعمارية قد سارت على ذات الدرب .)
تجربة الديمقراطية التي أقامها الاستعمار في الدول الأفريقية كانت تحمل عوامل الفشل في داخلها؛ ولذلك لم تنجح في تنظيم السلوك السياسي لشعوبها، أو تحقيق الممارسة السياسية الرشيدة لحكامها، وتولد عما أفرزته من توجهات وممارسات سلبية نموذجان للحكم في إفريقيا سادا في فترة ما بعد الاستعمارـ ولا يزالان ـ ، هما: الحكم السلطوي للحزب الواحد، والدكتاتورية العسكرية.
صنفت الأحزاب الأفريقية، وخاصة الجيل الأول منها الذي أفرزته حركات التحرر الوطني تحت مسمى:( الحزب الواحد المتسلط )؛ فهي لم تتبن آيدلوجيات معينة؛ فلا تعد من الأحزاب الشمولية، وقد أصبحت الظاهرة الغالبة للنظم الحزبية في أفريقيا عقب استقلال دولها .
من السمات الواضحة التى امتازت بها الأحزاب التي تولدت عن الحركات الوطنية افتقاد خطة منهجية واضحة للحكم و جمود المؤسسة الحزبية ووجود الصراعات والتحالفات الداخلية اضافة الى عدم الشفافية وضعف الرقابة والمحاسبة وعدم تنمية القيادات ووجود الميلشيات القبلية فى ظل دعم الخارجي وسط انقسامات المتكررة والغاء التعددية التى ادت الى قيام الانقلابات العسكرية التى بلغت خلال الفترة من الستينات وحتى عام 1980م رقماً قياسياً؛ حيث وصل عددها إلى 120 انقلاباً ، من بينها 79 عملية إطاحة بحكومات على نحو غير دستوري، كما فقد 25 من رؤساء الدول والحكومات الإفريقية حياتهم بسبب النزاعات السياسية منذ فترة الستينات، وكانت السودان وتوجو وغانا من أولى الدول التي شهدت الانقلابات العسكرية بعد الاستعمار، وحظيت نيجيريا ب 6 انقلابات عسكرية منذ استقلالها. وهاهي الظاهرة ـ بعد أن هدأت لفترة خلت ـ تعود ثانية لتجتاح جزر القمر، وسيراليون، والنيجر، وبنين
لقد فشلت تجربة الحزب الواحد المتسلط في أفريقيا لانها نشأت وليدة ظروف استثنائية قهرية طارئة على البيئة الأفريقية، ولم تكن نتاجاً لتطور طبيعي لنظم الحكم والسياسة فيها، بجانب كونها استنساخاً للنمط الاستعماري في صورة أفريقية، وتجربة مستوردة من العالم الغربي ونظمه، تعبر عن فلسفات وقيم و آليات تحكمها لا تناسب خصوصية الأفريقيين في تكويناتهم النفسية والثقافية والاجتماعية.
وحقيقة احتفظت دولة الحزب الواحد ما بعد الاستعمار في أفريقيا بكثير من ملامح الفترة الاستعمارية، ولا سيما سياسات القمع والإكراه المادي، وعزلت غالبية الشعب ممن تمت تعبئتهم ضد الاستعمار عن المشاركة السياسية الحقيقية، كما أن مؤسسات المجتمع المدني المتمثلة في الأحزاب والنقابات والمنظمات الشعبية قد حرمت من فرص التعبير عن نفسها، أو تم إدماجها في مؤسسات وهياكل الدولة نفسها، أما قيادات المعارضة فقد تم التخلص منها. لقد أسهم نظام الحزب المتسلط في إيجاد مناخ سياسي سلبي قاد إلى فشل تجربة الحكم وعدم الاستقرار وفقدان الأمن في معظم الدول الأفريقية، ونتيجة للصراعات الداخلية سادت الفوضى أحياناً، حتى في داخل النظام السياسي ومراكزه السياسية الحساسة، ولم يكن بالإمكان حلها داخل الهياكل والمؤسسات الرسمية (تنفيذية - تشريعية - حزبية.. الخ ).
التحول إلى التعددية الحزبية ( نظام الانتخابات والتمثيل السياسي والمجالس البرلمانية) نمط آخر من الاستعمار، وأسلوب فرض على أفريقيا كشرط للمساعدات الاقتصادية والإعانات والقروض والهبات، وتحت ضغوط العزل والحصار والتهميش، فأصبحت أفريقيا نتيجة تطبيقاته أمام تحديات تهدد أمنها الاجتماعي والاقتصادي، وويلات عنف وصراع بين أحزاب مختلفة، وحروب بين قبائل كانت متعايشة متجاورة ؛ حيث اتسعت دائرة رفض نتائج الانتخابات ـ وإن كانت نزيهة ـ مع إثارة الفوضى والتمرد والإطاحة بالقيادات المنتخبة قبل إتمام مهامها الدستورية.اجتاحت الظاهرة معظم الدول الأفريقية التي قامت فيها انتخابات وفق التعددية الحزبية، مثلما حدث في بورندي والكنغو الديمقراطية والكنغو برازفيل وكينيا وزيمبابوي، وكذلك اندلاع أعمال العنف والصراع الداخلي في سيراليون، والسودان، والصومال وأنجولا، وهكذا الحال في موزامبيق، وليبيريا، وموريتانيا الخ. كل الدول الإفريقية التي شهدت انتخابات برلمانية ورئاسية بحضور مراقبين أمميين ودوليين لم تنتج فيها الانتخابات غير الاتهامات المتبادلة بالتدليس والتزوير، وفتحت الباب على مصراعيه أمام التدخلات الأجنبية، كما حدث، ويجري الآن في الصومال (قوات أممية وأفريقية، وأمريكية، وأثيوبية...)، وروندا، وتشاد ، والسودان . علقت صحيفة الشعب الصينية على الديمقراطية الليبرالية وتطبيقاتها في أفريقيا، " ...إن العنف في كينيا الذي حصد أكثر من 1000 شخص ما هو إلا دليل على أن الديمقراطية على النمط الغربي لا تناسب الظروف الإفريقية ولكنها تحمل معها جذور الكارثة.
تلك كانت النتائج، لقد فشلت تطبيقات الديمقراطية الليبرالية والتعددية السياسية في أفريقيا، والديمقراطيات المزيفة التي أنتجت العنف وجعلته ملازماً لأي عملية انتخابية، ومن قبلها تجربة نظام الحزب المتسلط ، فهل ثمة من بوارق أمل في إصلاح؟!
تبقى حقيقة الإصلاح السياسي وضرورته، وشروطه وأدواته ووسائله مسائل شائكة ومعقدة لاتصالها بتقاطعات مصالح الداخل والخارج ومطالبهما ، وفي غياب نظرية متكاملة ذات رؤية تحليلية كلية، تشخص الواقع السياسي والاجتماعي الأفريقي وتنظمه، تبقى أفريقيا مغلوبة على أمرها حائرة في مآلها. إن هذا الواقع الذي أنتجته تجربة النظام الحزبي، كما أنه يمثل عقبة في طريق التنمية الاقتصادية فهو عقبة كذلك في طريق التنمية السياسية .
إن الإصلاح السياسي في أفريقيا في حاجة إلى منظومة متكاملة من النظم المتجانسة ضمن إطار شمولي يجد فيه الفرد والقبيلة والمجتمع ما يوحد الغاية والوسيلة والسلوك فهل يملك نظام سياسي غير الإسلام أن يحقق ذلك، بعدما أخفت تجربة الحزبية الديمقراطية في شتى صورها ( نظام الحزب الواحد التسلطي ، ونظام التعددية الحزبية )هل يمكن أن يطرح الإسلام بوصفه حلاً شاملاً ، وقد كانت له بالأمس تجارب حققت الأمن والاستقرار لأفريقيا في عهد الممالك الإسلامية التي قامت في شرق أفريقيا وغربها ؟