منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية

المشرف: رجاء الرشيد

#62900
بينما ينشغل الكثيرون هذه الأيام في الحديث عن المفاوضات ومتطلبات استئنافها، وبين تواتر التصريحات الأمريكية بشأن التزام الرئيس الأمريكي أوباما بحل الدولتين ووعوده بأن يتم ذلك قبل نهاية العام القادم، وبينما يقع العرب في حيرة من أمرهم لا يستطيعون أن يرفعوا الظلم الواقع على إخوانهم الفلسطينيين لا بأيديهم ولا بألسنتهم ولا حتى بقلوبهم، وبينما تدرك القيادة الفلسطينية حجم الخطر الذي يتجهمها والذي يوشك أن يذهب بكل الاحتلام التي منت النفس بها.
بينما يجري كل ذلك وغيره، هناك حرب شرسة تدور رحاها على الأرض بين طرفين غير متكافئين، الأول هو المستوطنون الذين يتوفر لديهم السلاح والمال والجيش الذي يحميهم فيزيدهم إمعانًا في الظلم والغطرسة والاعتداء، والثاني هو الشعب الفلسطيني الأعزل الذي تنكر له الجميع فهو لا يملك السلاح ليدافع عن نفسه ولا المال أو الجيش الذي يحميه فيقيه شر الظلم والظالمين. .
هذه الحرب التي يشنها المستوطنون تدور رحاها في كافة أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة من كفر ثلث إلى بورين إلى حوّاره إلى اللبن الشرقي إلى المغير مرورًا بالقدس وأحيائها في سلوان والشيخ جراح والبلدة القديمة ورأس العامود والعيسوية إلى النعمان والولجة وبيت فجار وخليل الرحمن وريفها وقراها.
قوام هذه الحرب هو استباحة الدم الفلسطيني وطرد الفلسطينيين من أراضيهم والاستيلاء على هذه الأراضي وضمها للمستوطنات ومن أجل ذلك يتم قطع أشجار الزيتون والأشجار المثمرة أو إحراقها أو رشها بالمواد السامة كما حدث أمس الأول في قرية المغير شمال شرق رام الله والذي يعيد إلى الأذهان أحداثًا مماثلة جرت في أواخر السبعينات وما تزال تتكرر.
هناك اليوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة حوالي نصف مليون مستوطن يتمتعون بميزانيات ودعم حكومي وغير حكومي، يتكاثرون بسرعة، يتسللون لاحتلال مراتب قيادية وتنفيذية في الجيش وقوى الأمن الإسرائيلية، ومن بينهم وزراء وأعضاء في الكنيست الإسرائيلي، وتربطهم بإسرائيل بنية تحتية تجعلهم جزءًا من البنية التحتية القطرية وتسهل عليهم العمل داخل إسرائيل والعيش في مستوطنات الضفة.
الذي يعتقد أنه ستكون هناك في إسرائيل حكومة تجرؤ على إخلاء هؤلاء المستوطنين أو جزء منهم إنما هو إنسان مغرق في الحلم والوهم معًا. والذي يعتقد أن بالإمكان العيش أو التعايش مع هذا التطرف العنصري المتزايد هو أيضًا حالم وواهم.
واضح تماما أن العرب عاجزين عن تغيير الظلم الواقع ضد الشعب الفلسطيني، أما الدولة التي يتحدث عنها الرئيس أوباما والتي يريدها أن تكون ديمقراطية ذات سيادة تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل فهي أيضا وهم وحلم اللهم إلا إذا كان الرئيس أوباما يتحدث عن دولة في مكان ما ناء ومدحور في جزء رمزي من الضفة الغربية لم يستسغه المستوطنون ولا يريدونه. .
مثل هذه الدولة التي يستطيع أوباما أن يقدمها للشعب الفلسطيني ليست هي الدولة التي اضطررنا كفلسطينيين القبول بها في حدود الرابع من حزيران 1967 وتنازلنا بذلك عن أكثر من 78% من أرض فلسطين. مثل هذه الدولة لن تجد فلسطينيا واحدا يقبل بها.
وفي المقابل، فإن أسلوب الإغراء والدلال وإغراق إسرائيل بأحدث التقنيات العسكرية والمساعدات الاقتصادية لن يزيد إسرائيل إلا إمعانا في طلب المزيد بحجة الحفاظ على تفوقها العسكري كدعامة وضمانة وحيدة للحفاظ على أمنها واستقرار المنطقة. ومثل هذا الأسلوب لن يؤدي إلى دعم أية قيادة معتدلة في إسرائيل بل على العكس فانه سيشجع التطرف والغطرسة التي أصبحت من السمات الرئيسية للمجتمع والحكم الإسرائيلي.
إزاء هذا الوضع فإننا بحاجة أولا وقبل كل شيء إلى حماية دولية تحمي شعبنا الأعزل من اعتداءات المستوطنين الذين يعتدون على الأملاك والأرض والمزروعات ويقتلون الفلسطينيين بالرصاص وتحت عجلات السيارات. نحن بحاجة إلى هذه الحماية الدولية التي تشكل مشاركة المتطوعين الدوليين المتظاهرين ضد الاحتلال وممارساته أولى براعمها، ولكننا بحاجة إلى ماسَّة لهذه الحماية الدولية وإعطائها أنيابا وأسنانا لتستطيع الوقوف أمام المعتدين وسلوكياتهم.
ونحن بحاجة أيضا إلى إعادة النظر بكل الطروحات والشعارات التي رفعناها أو ما نزال نرفعها، ونقرر ما إذا كنا نعيش داخل هذا العصر والتطورات التي يشهدها أم أننا نعيش في الماضي نرفع شعارات لم تعد قابلة للتنفيذ أو التداول وفي مقدمة ذلك حل الدولتين.
نحن بحاجة إلى أن نتفحص ما حولنا ونقر إستراتيجية جديدة عملية وقابلة للتنفيذ حتى لو كانت طويلة المدى، أو كانت تخرج عن المألوف في التداول السياسي الفلسطيني الحالي.