منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية

المشرف: رجاء الرشيد

By احمد المالكي1
#63126
لقد حدد أفلاطون موت سقراط بمعنيين : سقراط انحنى أمام القرار الذي أدانه بالموت، رفض الهرب عندما جاءته الفرصة وذلك بسبب طاعته وواجب احترامه لقوانين المدينة. من هنا إنه يظهر للجميع أن الفيلسوف هو مواطن صالح بامتياز، وأن وفاءه تجاه المدينة يصل إلى حد التضحية بحياته مقابل قرار ظالم. ولكن من خلال موقفه إنه يقول شيئا آخرا: " إنه يجسد عظمة الحياة الفلسفية، إنه يشهد بالرقي و السمو الأخلاقي". إن عظمة الموت عند سقراط أعطت للإنسان هيبته التي بقيت واستمرت عبر العصور.
لقد علمنا سقراط أن السياسة فن مُضاء بالفلسفة، منظم و مرتب باتجاه غايات و نهايات عقلية أو أخلاقية، يقاد بواسطة فضيلة التعقل و الحكمة. و يعلمنا أيضا أن الخير في السياسة يعتمد أولا على ناس خيّّرين و أنه لا يوجد أي نظام يمكن أن يسمح بتجاوز الفضيلة بالنسبة للقائمين عليه. بعد هذا المفهوم السقراطي سيأتي المسيحيون و يغيرون هذا الفهم، ثم يأتي المحدثون و يقومون بعكسه.
ولكن،كل التغيرات في فهم السياسة و علومها بعد المسيحية تقودنا لطرح مجموعة من الأسئلة كانت قد طرحت بأشكال متعددة منذ حدوث هذه التغيرات التاريخية: ما هي الطريقة الأفضل للتفكير بالسياسة ؟ هل نستند إلى " الكلام السماوي" ؟ هل نبحث عن السياسة من باب الفضيلة فقط أم نطبق عليها كل تقنيات العلوم ؟ هل على العقل النظري إدارة و قيادة العملي؟ وهل يمكن أن يكون الله حاضرا دائما في السياسة؟

من أثينا إلى مكة مرورا بالقدس، مصادر " علم السياسة " تختلف بطبيعتها : فالمصدر الأساسي ليس أبدا أو دائما داخل العقل ولكنه أيضا داخل الوحي. فالأفكار لا تأتي دائما أو نهائيا من الإنسان الباحث عن اكتشاف العالم، إنها تأتي من الله " الواحد" وهو صاحب السيادة و الذي يرسل للناس ويبقى محاطا بالغموض و الألغاز. العقل اليوناني ارتفع و ارتقى باتجاه السماوي الإلهي ( من الأرض باتجاه السماء)، أما العقيدة اليهودية، المسيحية و الإسلامية تنتمي " لكلام" ينزل من الله ( من السماء إلى الأرض ).
يقول سقراط، بداية الفلسفة هي الحيرة و الدهشة والاستغراب التي تعطي الاهتزاز و الحراك للعقل، أما هي في الإنجيل و التوراة Ecritures saints أساس الإيمان أو الاعتقاد و بالتالي هي ابتعاد عما يدركه العقل أو يمكن أن يدركه إذا هي"فعل ثقة".فالنبي إبراهيم يجسد إنسان الإيمان لأنه يخضع من غير تذمر لأوامر الله، هذا الله الذي لا يفهمه إبراهيم رغم محاولاته.أما التوراة فإنه يعلم و يبشر بمشاعر غريبة بالنسبة لليونان، إنها مشاعر الخضوع: فمن أنت، إنسان، في مواجهة أزلية و أبدية الله !!

هناك تغير أو انقلاب في الرؤى. حيث سان بول في Epitre aux corinthiens يعارض الحكمة داخل هذا العالم و خاصة التأمل أو التفكير اليوناني، فالحكمة الحقيقية، هي الحكمة الغامضة و الخفية لله. حيث سان بول يرتبط و بشكل مبكر بما هو قلب التعليم المسيحي : العمل الخارق لتجسد المسيح Incarnation،أي حكمة الله تجسدت في شخص المسيح المصلوب. مع ذلك المسيحية قامت و بسرعة باستقبال الفلسفة اليونانية و البحث الفلسفي. فالعصر الوسيط المسيحي عرف بحثا مكثفا للفلسفة و لكن تحت الرقابة، رقابة الكنيسة. والعقل احتفظ بمكانة ثانية أو مساعدة ولكنه مع ذلك بدأ يربح أهميته و استقلاليته.

في القرن الثامن عشر سان توماس حاول أن يعيد الكثير إلى الإيمان و العقيدة و إلى التعليم من خلال الوحي، وإلى الجزء الشرعي من العقل. لذلك حاول " تصحيح" أرسطو وفق الإيمان المسيحي هذا الإيمان الذي رأته المسيحية الممثل بامتياز للحقيقة. ولكن كيف يمكن شرح هذا التغير أو التطور؟ يمكن أن نعيد هذا لسببين رئيسين يعودان إلى المنطق الداخلي في العقيدة المسيحية ( أو على الأقل للمسيحية التي شُرحت داخل الكنيسة الرومانية ). الأول: يتعلق بالوحي Révélation حيث الوحي لا يلغي العقل أو يقصيه، ثانيا: كما أن ما هو فوق طبيعي لا يلغي الطبيعي وحيث أن خالق ما فوق طبيعي هو من خلق الطبيعي. هناك معرفة عقلانية للأشياء ما فوق طبيعية وللحقائق الروحية الداخلية في الوحي. كل هذا " التقليد" يؤكد إمكانية معرفة أكيدة و طبيعية لله و في نفس الوقت وجود قانون أخلاقي و روحي طبيعي في داخل كل إنسان. إذا يوجد حقائق عقلانية خالصة : و الباب مفتوح أمام الفلسفة. و يوجد أيضا و بالتحديد حقائق منزلة أو موحى بها و التي يسمح للعقل أن يعمقها، لاسيما باستخدام أدوات الفلسفة اليونانية.

هذه الحقوق للعقل تُفهم أو توَّضح من جهة ثانية كما يلي: بالاختلاف عن الديانة اليهودية أو عن الإسلام، المسيحية ليست دين من الأحكام، الشرائع و القوانين. فاليهود و المسلمون هم ملزمون بالخضوع و الالتزام إلى مجموعة من الأحكام المنزلة سماويا أو إلهيا، أو إلى تشريع ديني و الذي له طابع شامل يدير الحياة العامة و الخاصة على حساب المساحة الممنوحة لاستقلالية العقل. " العهد الجديد" Nouveau Testament أو الإنجيل لا يصدر قانونا مدني، ولا قانونا جزائيا، ولا حتى قانونا دستوريا. في النتيجة، المسيحية التاريخية جوبهت بهذه المشكلة الأساسية: الوحي يسجل ثورة روحية ولكن المؤسسة الكنسية كمؤسسة أو جماعة من المؤمنين تعيش في الزمني، المسيحيون ينتمون إلى مجتمعات تاريخية و سياسية. أي موقف إذا يمكن اتخاذه تجاه النظام الزمني، التاريخ لا يتوقف، كيف يمكن الفصل بين النظام الزمني و بين النظام الروحي ؟

جيَّش العقل اللاهوتي نفسه حتى يفكر بمعنى التاريخ و العلاقات بين الكنيسة و السلطة السياسية، انطلق العقل الفلسفي ليعالج النظام الطبيعي و المستقل عن السياسة. في كل الأحوال، ظهر توتر جوهري داخل المسيحية: بين الروحي و الزمني، بين فكرة العمل من أجل الخلاص وبين فن السياسة.

ومن المعروف أن المسيحية لم توجد أو تؤسس على الأفكار، إنها أُسست على الأحداث. فالمافوق طبيعي surnaturel تم تسجيله في التاريخ، والله ظهر حتى في الحياة الأرضية الدنيوية التي يعيشها الإنسان. هذا التاريخ المقدس سيصل إلى ذروته مع الأحداث التي رافقت حياة السيد المسيح. إذا العقيدة أو الإيمان المسيحي تم تعليقه أو اعتماده كليا على صدق وصحة الأحداث التاريخية. بشكل خاص ما جرى تاريخيا ليلة " القيامة" Pâques " عيد القيامة عند المسيحيين"، هذا الحدث الذي يقود كل ما تبقى من المسيحية:"إذا المسيح لم يبعث أو يحيا، كتب سان بول، إذا فإن تبشيرنا بديننا عبث وبلا جدوى، وعقيدتنا هي عبث أيضا " ( I، Corinthiens،14،15 ).
لكن حياة المسيح ذاتها ليس إلا بلوغ مغامرة طويلة، هي تخليص الإنسانية و الشعب المختار، مغامرة صيغت بفعل الحب ومن عدم الوفاء الذي وجد و استودع في " العهد القديم" Ancien Testament.و من وجهة نظر المسيحية، إن العهدين القديم و الجديد يعودان لتاريخ واحد متشابه حيث تنتشر عناية و تعاليم الله، الوحي يتقدم، يكتمل ويتحقق مع فعل التجسد Incarnation. ماذا يقول هذا الوحي و الذي تم تجذيره في التاريخ؟ التوراة أو الكتاب المقدس (الكتاب المقدس عند المسيحيين لا يطابق الكتاب المقدس عند اليهود، حيث الكتاب المسيحي يضم زيادة على الآخر سبعة وعشرين جزءا ضمن " العهد الجديد". معنى النص ليس بالتأكيد هو ذاته في كلتا الحالتين، إنه أيضا مختلف بالنسبة للمؤمنين أو الأديان الأخرى أو عند الذين لا يؤمنون لا عن طريق قناعة أو عن طريق دراسة. النقد التاريخي ساهم بتقدم المعرفة ولكنه ترك السؤال مفتوحا : هذه الكتابات هل هي موحى بها أم لا؟ من وجهة نظر مسيحية خالصة، قراءة النصوص مرتبطة بإظهار أن العهد القديم و العهد الجديد يشكلان وحدة عضوية. لهذا السبب، الآباء الكنسيون طبقوا شرحا هو بشكل جوهري رمزيا allégorique، المفسرون في العصر الحديث يصرون على التعليم الإلهي وتقدم الوحي..)، أو كما يسمى " كتاب الكتب" هو الكتاب أو المؤلف المتنازع فيه بامتياز، و الدراسات و الملاحظات التي كرست له تشكل مكتبة ضخمة لوحدها. وفق الكنيسة الكاثوليكية، الأناجيل يجب أن تكون متناولة ضمن نطاق "الرواية" أو الحديث Tradition الذي جاء من الرسل Apôtres. و في الواقع، الكاثوليكية ليس دين في كتاب مقدس Livre ولكنها دين من الكلام المقدس Parole.

صعوبات التفسير والشرح متفق عليها، لكنها أصبحت أقل :" التوراة، يقول الأب Lagrange مؤسس المدرسة التوراتية في القدس،هو بحر من النور و أيضا من الظلام". هذه الكتابات حيث توضح خبرة دينية تنتقل من جيل إلى آخر خلال ألف وخمسمائة عام، هي شهادة وفق الكاثوليكية على أن : الله أرسل للبشر من خلال كلامه و أفعاله، لقد ذهب للقائهم، دعاهم للارتباط به من جديد. إنه عرض تحالفه وجدد عهده، ولكن ماذا يعني هذا العهد؟ لقد أخذ أشكالا متعاقبة فهو يترجم تطورا روحيا و أخلاقيا، أو بمصطلح مسيحي، هو تقدم للوحي. المسيح يقدَّم كرسول لتحالف جديد. في كلام ساطع ولكن أيضا غامض، إنه يعلن" الخبر الجيد الجديد": وصول مملكة الله. طبيعة هذه المملكة هي في المعنى التالي: هي ليست مملكة زمنية، بل يجب أن تكتمل في العالم الآخر. بالمقابل، في هذه اللحظة ووفق شكل قدموها، المسيح يقدم خطابين. من جهة، حكم الله هو مملكة ستأتي و إنها ستأتي قريبا " توبوا لأن مملكة الله هي قريبة" ( إنجيل متى، الرابع، 17) و ستكتمل بالعودة المجيدة للمسيح في نهاية الزمان. ومن جهة أخرى، إنها مملكة موجودة مسبقا داخل هذا العالم " إنها موجودة بينكم أو في داخلكم" ( إنجيل لوقا،17، 21) على شكل بذرة وضعت في قلب الإنسان.
المسيح لا يتكلم ولا يتصرف كنبي عادي وفق الكاثوليكية. إنه يشيّد بشخصه ملك الله. ووفق الوصف الإنجيلي،المسيح لا يتحدث نهائيا عن نفسه، بل هناك طابع غامض ومستتر للحديث.التفسير الكاثوليكي يراه ظهورا لإرادة تعليمية: المسيح لا يستطيع التحدث بوضوح قبل أن تتم القيامة أو الإعادة.مهما كان، علم اللاهوت الذي جاء به سان بول سيعمل من المسيح نفسه، متحدا مع الله، مخلصا للبشر، إنه مركز الوحي الإنجيلي : المسيح في شخصه هو دعوة إلى الله. في قلب الوحي المسيحي،إذا هناك اقتصاد في الخلاص أو اقتصاد الخلاص،أو يمكن أن نسميه مخطط الله على البشر: الله يدعو جميع البشر إلى الحياة السعيدة،إنها مملكة القدس الإلهية.مرسلا كذلك إلى البشر، الله يكشف عن نفسه ويكشف أعماله.إن شرح جميع هذا الكلام المقدس الموحى تم تثبيته من قبل الكنيسة بعد مناقشات متعددة وتمزقات حوله.هذا التثبيت هو علاقة قطيعة عميقة جدا مع الفكر القديم. الله،العالم،الإنسان، الحياة كلها تتغير في وضعها ومعناها:

الله، العالم، الإنسان، الحياة كلها تتغير في وضعها ومعناها: إله التوراة هو جديد بشكل جذري وفي سموه المطلق.ليس فقط إله واحد،إنه خالق،خارج عن العالم الذي أراده وشكله بنفسه.إنه مطلق أبدي. لا شيء يوجد إلا ويتبع له ويعتمد عليه. هذا الله لا شريك له و لا يشترك بشيء مع آلهة الميثولوجيا القديمة،إنه يختلف عن إله الفلاسفة اليونان الذي هو جزء من الطبيعة أو الكون Cosmos ويُدرَك كأبدي. اليهودية و المسيحية بعد هذا التغير قدمتا العالم و كأنه العمل المجاني لله.الله في الكتاب المقدس التوراتي إنه شيء آخر،إنه فوق البشر و العقل البشري لن نستطيع إدراكه ولا فهمه، إنه إله كله ألغاز وغموض لأنه مختف ولا يمكن الوصول إليه.أما الله في المسيحية هو " رب يحبنا حبا لا ينتهي، أراد الموت من أجلنا "، أي بعكس الديانات الأخرى وخاصة الإسلام حيث نحن الضحية و نموت في سبيل الله. هنا يبقى الله شيئا آخر لكنه يصبح أكثر قربا من كما تقدمه المسيحية.إنه شيء آخر بهذا القرب نفسه حيث تنتشر قداسة لا يمكن إدراكها، فالله في المسيحية لغز من المحبة.
العالم إذا تغير في حالته.إنه ليس طبيعيا أو سماويا، إنه عمل أو إنجاز لإرادة فوق طبيعية.إنه ليس أبدي،لديه الآن تاريخ.اليونان رأوا في الكون Cosmos نظاما مرتبا،متناغما، حيث الله نفسه هو جزء من هذا التناغم و الإنسان لا يشغل فيه إلا مكانا تابعا. الرؤية المسيحية هي بشكل جذري مختلفة: الترتيب و التناسق الجميل،السمو و الرقي الهندسي لهؤلاء الذين ليسوا إلا أشياء مخلوقة، وسيكون لها بداية ونهاية.العالم هو غير مقدس ويخضع للتاريخ. إذا اليهودية والمسيحية تدخلان مفهوما خطيا للزمن، على النقيض antipode من المفهوم الدائري عند اليونان.فكرة العودة الأبدية هي " لا يمكن احتمالها" في الفكر المسيحي،وفق كلمة سان أوكستان، لأن "المسيح قد مات مرة واحدة من أجل خطايانا، وسيبعث بين الأموات،ولن يموت نهائيا" ( من كتاب La cité de Dieu، XII،17 ). إذا يوجد قبل وبعد، زمن له معنى، ماض ينطلق من الخلق إلى النهاية، ومن النهاية إلى الخلاص، ومستقبل ينطلق من الخلاص Rédemption إلى نهاية الأزمان. وفق المسيحية كل مخلوق بشري هو كائن محبوب من الله، المسيحية تعطي الإنسان شرفا ومجدا جديدا كان مجهول في العالم القديم، إلى التساوي في الخلق بين الجميع، إنها المساواة بين أطفال الله.الحالة المثالية اليونانية للحياة الفلسفية كانت محفوظة للبعض فقط، بينما الخلاص المسيحي هو مفتوح أمام الجميع. هذه النظرة المسيحية الكونية هي علاقة قطيعة مع الماضي. الحياة الدنيوية هي إذا مرتبة ومنظمة إلى نهاية تتجاوزها. الانجذاب المسيحي إلى مملكة الله يتناقض مع الحالة المثالية الوثنية القديمة، كما يتناقض مع الرؤية المثالية للحياة الفلسفية. ونعود هنا لطرح مسألة الزمني والروحي. فالروحي في المسيحية في جزء منه هو مرتبط مع الزمني.

2ـ بين الله والقيصر

في الإنجيل لا يوجد برنامج سياسي كما أنه لا يوجد في الكتب المقدسة الأخرى " القرآن مثلا "، ولا يوجد برنامج للإصلاح الاجتماعي و الاقتصادي. فالمسيح يدعو إلى تغيير القلوب، وليس للقوانين أو المؤسسات. كما أنه "نهائيا" لم يتطرق إلى مسألة النظام أو المشاكل الأخلاقية و السياسية للحروب. الإنجيل يعتني بشكل كبير بإزالة الصورة المتعلقة بالمسيح كما عرفت في السابق. فرغم التطور الروحي الذي تشهد به النصوص التوراتية وكل كلام القديسين، الفكرة القديمة عن مسيح منتصر تبقى الأقوى في داخل المجتمع اليهودي: "المسيح سيأتي ليقوم أو يكمل مهمة سياسية " إقامة المملكة الدنيوية لإسرائيل " إذا وفق ظروف الزمن، سيضع نهاية للاحتلال الروماني. ولكن هذه المهمة ليست نهائيا في شيء مما حاول المسيح إكماله.
الأناجيل تبين ذلك مع محاولات جاهدة وحذرة لتحاشي عدم الإسراف أو التشتت: المسيح لم يقبل إلا في نهاية حياته أن يحيا " كمسيح ". لقد أفشل المسيح الفخ الذي وضع له من قبل الفريسيين pharisiens،مميزا مجال عمل القيصر عن عمل الله، لقد ردَّ على الاتهامات السياسية معلنا أن مملكته "ليست من هذا العالم".إذا المسيح يبتعد عن السياسة و بشكل عام عن جميع الشؤون الزمنية الخالصة. فإذا تحدث عن الفقر، و إذا حذر الأغنياء، هذا لأن الفقر يذهب إلى الأسوأ في مرحلة " الطفولة الروحية".

النقد هنا ليس نقدا اجتماعيا، بل يتم النقد لأن العالم أصبح خاضعا لحكم المعلمين المزيفين و الكاذبين و بسبب البؤس الروحي. ولكن هل الإنجيل ضمن هذا المعنى هو مخرَّب أو مدمَّر من الناحية السياسة ؟

الدين في الإنجيل، كتب جان جاك روسو: " بعيد عن ربط قلوب المواطنين بالدولة (....)، إنه يفصلهم كبقية الأشياء الموجودة على الأرض. لم أعرف شيئا أكثر منه معارضة للروح الاجتماعية ". ( من كتاب " العقد الاجتماعي"، الفصل الرابع، 8 ). مع ذلك يوجد وجه آخر للتعليم الإنجيلي. المسيح لا يرفض المدينة الدنيوية. بشكل عام، موقفه لم يكن غنوصيا رافضا للعالم: إنه يحاول شفاء المرضى، يتحدث عن جمال الخلق création، إنه يتحدث في كل كلامه عن الحياة و العمل في كل الأيام...،يدعو ويقول إن محبة الله هي محبة لمن حولنا جميعا أيضا. في النهاية إنه لا ينكر السياسة.
التعليم الأكثر خاصية أو الأكثر مباشرة من الناحية السياسية للإنجيل يعود إلى جملة حيث يعترف فيها بالمجال و الحقل الخاص للقيصر. الأناجيل تروي أن الفريسيين الراغبين بتعريض المسيح للخطر أرسلوا له تلامذتهم ليسألوه إذا كان مسموحا بدفع الضرائب أم لا للإمبراطور. أجاب السيد المسيح إجابة طبعت و بعمق كل التاريخ السياسي للغرب: ففي إنجيل ( متى، الجزء 22، 18 ـ 22 ) تدور القصة التالية:

" المسيح يعرف أنهم منافقون، فيرد عليهم قائلا: لماذا تضعون لي هذا الفخ ؟ دعوني أرى أموال الضريبة، ثم قدموا له درهما أو فلسا، فقال لهم: " لمن هذا النقد الذي عليه صورة " ؟ فقالوا: " إنه للقيصر". وقتها قال لهم: " إذا أعطوا للقيصر ما هو لقيصر ولله ما هو لله ".
" أعطوا للقيصر..."، بمعنى أولي، هذه الجملة كانت انقلابا أو ثورة. إنها تطرح مبدأ غريبا على العالم اليوناني/الروماني كما أيضا على العالم اليهودي: الدين و السياسة لهما مجالات مختلفة. القاعدة الجديدة تتعارض مع كل النظام السياسي/الديني ومع كل الحكم الثيوقراطي، إنها تكسر الوحدة التقليدية للسلطة. وبمعنى آخر هذه الجملة ليست قطيعة، بل إنها تعترف بالجزء الشرعي للسياسة. هذا الشكل ربما يفتح الباب أمام صعوبات في التفسير و الشرح ولكنه يعني بوضوح أن: المسيح لا يدعو إلى التخلي عن السياسة.وفق التعليم القاسي و المتشدد للإنجيل، يرى سان بول: " بالنسبة لنا، مدينتنا تتواجد داخل السموات، ولكن منتظرين عودة المسيح، على المسيحيين ألا يتواجدوا على هامش المدينة الزمنية".
إذا يمكن القول أن السياسة تنتمي إلى عالم الإنسان المسيحي، وأن السلطة هي في خدمة خير لا يستطيع أن يكون هنا إلا خيرا طبيعيا. السلطة لها غايات خاصة، إنها تندرج ضمن نظام طبيعي للسياسة المرادة من قبل الله. اللاهوت السياسي الذي جاء به سان بول سيفتح الطريق أمام الفلسفة السياسية.

وفق رؤية الرسول سان بول، هذه القضايا تبقى رغم كل شيء ثانوية بالنسبة للقضايا الجوهرية: الأمل و الرجاء بما هو فوق طبيعي وعلى الأرض هو تكوين وتطوير تجمع أتباع وتلامذة المسيح كتجمع روحي. ويبقى أن المسيحي في هذا العالم هو جزء يستحوذ في نفس الوقت على المدينة الروحية و على المدينة الزمنية. علم اللاهوت لدى سان بول أظهر تفوقه ونجاحه، ولكن الصعوبات في الشرح و التفسير ازدادت مع متابعة الزمن التاريخي وتغيرات و تحولات السياق و الصيرورة الدينية، أو بمعنى آخر انتصار المسيحية على الوثنية. وهذا ما سيقود إلى طرح أسئلة في غاية الأهمية: كيف نرى هذا الانتماء الثنائي أو هذه المواطنة الثنائية في عالم أصبح رسميا مسيحي ؟ كيف يُنظَّم تاريخ المدينة الزمنية و تاريخها الروحي؟ المدينة الزمنية أو ( مجال عمل القيصر ) لديها استقلاليتها، ولكن تشارك بالنظام الطبيعي الذي أراده الله.فما هو هذا النظام الطبيعي وكيف يمكن ترتيبه وتنظيمه مع النظام ما فوق الطبيعي؟

هل الكنيسة مكلفة بمتطلبات الخلاص، وهل تدافع عن النظام الطبيعي، كيف تُنظَّم السلطة الكنسية والسلطة السياسية ؟ هذه الأسئلة تتقاطع، وتاريخية الإجابة التي أعطيت عليها هي معقدة جدا. ولكن هناك عملان مسيطران، واللذان كان في أصل و أساس تقليدين داخل الكنيسة، عمل سان أوغستان و عمل سان توماس.
فيما يتعلق بالممارسة في الميدان السياسي، هذه الممارسة حصلت على حريات مع مبدأ التمييز بين الأنظمة وهذا ظل حتى ردة الفعل الحديثة.أي منذ صعود Ascension المسيح و بانتظار عودته .هنا كيف تُرجِم مخطط الله في تاريخ البشر؟ المسيحيون الأوائل، على ما يظهر، كانوا في معظمهم مقتنعين يوشك نهاية الزمن. مع ذلك كان هناك أمل عند سان بول، لكنه أمل حذر: لا أحد يعرف تاريخ العودة لا في اليوم ولا في الساعة. لذلك دعا إلى حياة منظمة وبعيدة عن الفوضى، كل فرد فيها يملأ واجباته الاجتماعية. منتظرين عودة المسيح Parousie، التاريخ سيستمر. هذه المتابعة للتاريخ الإنساني تستدعي تفسيرا أو شرحا لاهوتيا. فالتاريخ المقدس هو في حركة سير دائم، ولكن بأي شكل؟

إذا تم تبسيط المسألة، نستطيع أن نميز أو نحدد إجابتين: من جانب، نموذج من التفسير جاء قبل سان أوغستان،يطور هذا التفسير لاهوتا زمنيا للتاريخ. العناية الإلهية تصبح واضحة ومفهومة عبر التاريخ المرئي للبشر، إنها تتجسد أو يجب أن تتجسد في تلك المدينة الدنيوية. ومن جانب آخر،التفسير الذي له تأثير وسلطة داخل الكنيسة الكاثوليكية و الذي أعطي من قبل سان أوغستان في القرن الخامس. حيث التاريخ المقدس هو ذاك المصير أو القدر الروحي للإنسانية، إنه غير مرئي. في النتيجة، الكنيسة ليست مرتبطة بأي شكل تاريخي.

إن علم اللاهوت الزمني للتاريخ أخذ أشكالا متعددة. شكله الأساسي يرتكز على رؤيا القديس يوحنا Apocalypse de Saint Jean، وهي " الألفية" Millénarisme ( وهي نظرية عند بعض المسيحيين تقول بأن المسيح سيملك الأرض لفترة زمنية قدرها ألف سنة قبل يوم قيامة الأموات ). نص يوحنا في العهد الجديد هو وصف متوقد، متوهج و مليء برموز نهاية الأزمان وهو يدور حول النظرية الألفية. هذه النظرية رفضت من قبل كبار اللاهوتيين المسيحيين، بشكل خاص سان أوغستان و الذي يقول:" إن وصف سان جان أو " يوحنا " يجب أن يقرأ كمجاز أو استعارة روحية، انتظار " الألفية" هو من غير هدف لأن ولادة المسيح هي التي لها علامة البداية".

تفسير آخر يظهر أنه أكثر " اعتدالا" فيما يتعلق بعلم اللاهوت الزمني للتاريخ وقد تم تطعيمه بتاريخ المسيحية نفسها. ماذا تقول حقيقة هذا التاريخ المرئي؟ إنها تروي نجاحات التنصيرchristianisation. فالإمبراطورية الرومانية كانت خاضعة للدين الذي اضطهدته. هذا التاريخ ظهر كتيار في الفكر المسيحي، كظهور لإرادة الله. التقليد الشرقي رأى فيما حصل بهذه الإمبراطورية وكأنه عناية إلهية. المسيحية ارتبطت بشكل سياسي ( تحالف دائم في الشرق والذي سيحدث التحالف بين القيصر و أتباع البابوية papisme في الإمبراطورية البيزنطية).

سان أوغستان ( 354 ـ 430) رفض كل هذه التفسيرات لأنها من غير أساس حقيقي في الكتاب المقدس وتخالف تعليماته. إنه يتعارض مع نظرية " الألفية "، ثم يفصل قدر الإمبراطورية عن قدر ومصير الكنيسة، إنه يرفض الفكرة القائلة بأن الشرور ستختفي مع الزمن. باختصار، المسيحية الأوغستينية تتمرد على كل طوباوية،فالكمال ليس من هذا العالم. " مدينة الله " ( 427 ـ 415 ) واحد من أهم المؤلفات التي سيطرت على الفكر في الغرب المسيحي.المؤلَّف أخذ اتساعا كبيرا، عظيم في بلاغته وبيانه، لا يشكل وحدة منظمة كليا. من جانب هو كتاب لظروف وحالات، ومن جانب آخر هو توسط أو وساطة حول قدر الإنسانية على ضوء الوحي. أما الظروف و الحالات فهي: في عام 410،القوطيون Wisigoth استولوا على " المدينة الخالدة الأبدية" ونهبوها. النتائج كانت كبيرة: إنها نهاية عالم كان يبدو غير قابل للتدمير.

فالمؤمنون بالدين الروماني القديم يتهمون المسيحيين بكونهم مسؤولين عن هذه الكارثة التي حصلت في الإمبراطورية. سان أوغستان يمسك بريشته للرد عليهم: إنه يشير إلى ضعف روما الوثنية،ثم يتحدث عن قيم الفضائل المدنية المسيحية. في الجانب الآخر من هذا الحديث و الاختلاف، إنه يفصل قدر الإمبراطورية التي هي في خطر عن قدر الكنيسة.

بلا شك لقد كان هو أيضا مواطنا وفيا لإمبراطوريته، ولكن كمسيحي أراد أن يقول: الدين الحقيقي لا يخضع أو لا يتضامن مع السياسة بأي شكل أو أي وقت. التعمق في تأمله وتفكيره سيقود إلى علم لاهوت عام للتاريخ. علم اللاهوت الأوغستيني " للمدينتين "، الدنيوية و الإلهية، يبين العديد من الصعوبات في التفسير ويمكن أن يفهم خطأ. سان أوغستان يستخدم تارة صيغا دقيقة، وتارة أخرى صيغا ليست كذلك، ثم يأخذ أو يعتمد كلمة "المدينة " في معان متعددة و مختلفة. بشكل جوهري كما يظهر، إنه كمن يستخدم لوحتي مفاتيح. اللوحة الرئيسة هي القدر الروحي للإنسانية:" هناك نوعين من الحب، يكتب الأسقف Hippone في فقرة مشهورة جدا، الحبان يبنيان مدينتين. حب الذات حتى أو لدرجة ازدراء الله في المدينة الدنيوية. وحب الله لدرجة ازدراء الذات في المدنية السماوية". الحد الذي يفصل بين المدينتين هو حد غير مرئي، هو من نظام و ترتيب الوحي. المدينة الدنيوية أو الأرضية لا تختلط مع الحقيقة الزمنية للمدينة الإنسانية، إنها الجزء الفاسد من الإنسانية. " مدينة الله " ليست الكنيسة المرئية، إنها تضم هؤلاء الذين اختاروا الجزء الأفضل، هؤلاء الذين، هم داخل الكنيسة ولكن أيضا من هم خارج الكنيسة يكرَّسون للحقيقة و الفضيلة. هاتان المدينتان مختلطتان بشكل كبير في هذه الحياة، كما هو حال البذرة الجيدة و الأخرى الفاسدة كما تقول الحكمة أنه لا يمكن الفصل بينهما إلا في وقت الحصاد.
أما اللوحة الثانية هي العلاقة بين المدينة الإنسانية و الكنيسة. هنا المدينة الدنيوية الأرضية تختلط مع المجتمع السياسي و المدينة الإلهية ( بشكل أكثر أو أقل ) أيضا مع الكنيسة، أي بمعنى آخر مع مجتمع المسيحيين. بهذه المعاني، المسيحي هو عضو في المدينتين. إذا كيف يمكن تنظيم ثنائية المواطنة هذه ؟
إن موقع مبدأ أوغستان واضح جدا: إنه يميز وبقوة النظام الروحي و النظام الزمني، بين مجال السلطة الكهنوتية الكنسية ومجال السلطة السياسية. لكنه يعالج هذه القضايا بشكل عام ولم يعط أية نظرية دقيقة للعلاقات بين الكنيسة والدولة. بالتأكيد هو يتمنى أن المدينة السياسية تلقَّح بالمسيحية لكنه لا يرى أية ضمانة أن هذا الحل سيطبق أو سيستمر. في النهاية سان أوغستان لا يهتم إلا بشكل بسيط بالسياسة.
يتبع في الأجزاء القادمة.
3 ـ الطبيعة و الإنسان.

في عام 430، عندما مات سان أوغستان، عالم بأكمله كان في حالة تغير، إنه عالم الإمبراطورية الرومانية ومعها عصر الهرطقة الذي لم يكن قد انتهى أيضا. ثمانية قرون فيما بعد، عندما أخذ سان توماس الأكويني ( 1225 ـ 1274 ) ريشته للكتابة ، كانت المسيحية في القرون الوسطى قد وصلت الذروة. بالإضافة لذلك ومن الجانب الآخر للأحداث: النجاح التاريخي للمسيحية الرومانية تم تأكيده وتقويته في الغرب. رغم ذلك، القرن السابع عشر كان مسرحا لأزمة فكرية لم يسبق لها مثيل. حتى هذه اللحظة، الفلسفة كانت قد أصبحت مدجنة في بعضها : فبعد " آباء الكنيسة "، أفلاطون ومن أتى بعده اعتُبروا روادا أو سباقين وعليهم العقيدة اعتمدت ولهم افتقدت. مصير وقدر الفلسفة كان التنازل عن استقلالها " داخل معرفة وحيدة مطلقة منظمة و مرتبة بواسطة الوحي Révélation. ترجمة أرسطو و شارحيه و مفسريه العرب في القرن الثاني عشر زعزعت هذا اليقين أو هذا الوهم. هنا انبثقت و انتشرت كرائحة البارود فلسفة جديدة وثنية، هددت بالاستيلاء على العقل و على الفكر المسيحي. حيث يظهر أن العقل تم توجيهه في مقابل أو مواجهة العقيدة.
هل كان من الواجب تقليص العقل في مواجهة أسلحة العقيدة؟ جرأة سان توماس الأكويني قامت باختيار فعل معاكس ومعارض : في خدمة العقيدة، و بالاعتماد أيضا على العقل. الأكويني يميز ما بين الأنظمة. إنه في البداية عالم باللاهوت لكنه يدرك أيضا الفلسفة. القاعدة هي سهلة و أساسية: يجب متابعة العقل و السير وراءه إلى أكبر بعد ممكن. توماس الأكويني سيعيد التفكير بالقضايا اللاهوتية مستعينا بالعقل الفلسفي وبشكل خاص بالأدوات التي حصل عليها من أرسطو. نظرتان أو اتجاهان هما مرتبطان: هذا يعني، مع احترام الاستقلالية، أن يكون هناك عمل على الاثنين، العقل والعقيدة.

الأكويني يتقدم خطوة مريحة : بين عقل يأتي من الله ووحي يأتي أيضا من الله، التوافق لا بد أن يتم بالضرورة. لم يتردد بتعنيف الوعي الديني في زمنه لأجل طيّه أو إخضاعه لمتطلبات الفكر الفلسفي.
الأكوينية، في داخل الفكر الكاثوليكي، هي المحاولة التحديثية الوحيدة التي لم تنجح أبداً كما يقول Etienne Gilson. حجر الزاوية في مشروع الأكويني هي الحكمة التي يعيدها إلى ( somme théologique): "النعمة أو الفضل لا يدمران الطبيعية و لكن يجعلانها أكثر كمالاً، أو يحملانها إلى الكمال". النعمة، العفو، الفضل لا تتعارض مع الطبيعة لأنه، إذا " العالم" هو سيئ، فالخلق هو جيد. الحقيقة التي أوجدت بواسطة الله لها استقلاليتها وحقيقتها، ولها أيضا قيمها الخاصة. طبيعة الإنسان، سيطرته على أفعاله، كل هذا يجعل منه شريكا بجزء من الله. التقليل أو التصغير بالمخلوق هو ازدراء للخالق، أو أن الخالق هو مخطئ. كما نرى علم اللاهوت الأكويني حول الخلق يؤسس منذ ذلك التاريخ الطويل " إنسانية مسيحية" أو نظرية مسيحية في حقوق الإنسان.

ماذا تقول الطبيعة بالنسبة للأكويني؟ من أجل معرفة ذلك، إنه يعود لمدرسة أرسطو و التي هي الممثل بامتياز للعقل الطبيعي. الأرسطية Aristotélisme ظهرت كتهديد، و الأكويني أسكنها ووضعها في داخل الفكر المسيحي. ربما سيكون من الزيادة هنا أن نقول : إن الأكويني قام بتنصير " أو أدخل إلى المسحية" أرسطو. دون شك توماس الأكويني أخذ الكثير من أرسطو و الذي يدعوه " الفيلسوف"، ولكن أيضا قام بتصحيحه أو عدَّل بعض الأشياء من أجل أن يدخله في تركيب synthèse مذهبي doctrinal ( ليس بمعنى طائفي ). الأكويني يتفق مع أرسطو من أجل اعتبار كل من ينقطع عن المدينة هو خارج الإنسانية المشتركة. لكن احترامه الكبير لأرسطو لم يمنعه من كتابة : " لا يوجد أي فيلسوف قبل مجيء المسيح، ورغم كل جهوده، استطاع أن يعرف الكثير عن الله".
إن الفكر السياسي عند توماس الأكويني هو جزء صغير من عمله الضخم. ونستطيع أن نصنفه كفكر كلاسيكي/ مسيحي لأنه هنا كما في مكان آخر، " القديس توماس " ينظر إلى تنظيم و في تركيب واحد: الطبيعي و ما فوق الطبيعي. من جهة إنه يستند بشكل واسع على التقليد الكلاسيكي وبشكل خاص على أرسطو: السياسة فن، ينضم في نظام طبيعي. ومن جهة أخرى إنه ينفصل عنها لأسباب تتعلق بالعقيدة: السياسة تتركز بشكل نهائي في نظام ما فوق طبيعي.