منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية

المشرف: رجاء الرشيد

#63127
يعيد التأريخ للفكر السياسي الإسلامي منذ نشأته ليسأله عن مواطن أزمته وليفسر مألاته التي انتهى إليها في الزمن الراهن، معتبراً أن المتغير الرئيسي في مجال الفكر الإسلامي كان ولايزال تزعزع مفهوم الأمة في الفكر الإسلامي الحديث وبالتالي تغير مفهوم الشريعة ووظائفها. ذلك أنه ومنذ زوال الخلافة والمفكرون المسلمون يبحثون عن نموذج سياسي، مما اتجه بهم ليس إلى اعتبار مبدأ سيادة الأمة بديلاً عن مؤسسة الخلافة كما يجب أن يكون ذلك وإنما إلى إزاحة لاهوت الخلافة كما يسميه رضوان السيد لمصلحة لاهوت آخر ينتصر للمقدس كما جسده خطاب حسن البنا في قوله: ((القرآن دستورنا)). والقرآن المتحول إلى دستور هنا كان المقصود به الحلول محل دستور عام 1923، وهكذا أعيد إنتاج الخلافة بخطاب فكري جديد لايتأسس على الأمة التي غابت وإنما يتأسس على الشريعة التي اختصرت في رؤية إيديولوجية محددة هي رؤية الحاكمية كما صكها أبو الأعلى المودودي وتبعه فيها سيد قطب. هذه الرؤية التي أذنت بالافتراق بين الشريعة والجماعة أو بين الدين بوصفه مثالاً وبين الأمة بوصفها جماعة مؤمنة به. وبذلك صارت هذه الأيديولوجيا هي المعيار لإيمان الجماعة أو انعدامه وما عادت توجد حلول وسط. يحدد رضوان السيد أزمة الفكر السياسي الإسلامي بأنها غياب لمفهوم الأمة لحساب حضور مفهوم الشريعة وما تبع ذلك من تأسيس لرؤية الحاكمية القائمة على اختزال محدد للشريعة ينحصر وفقها العمل في النضال من أدل الدولة الإسلامية، وإذا كان هذا العمل انحرف إلى العنف فإن السيد لايرى أن الإسلاميين هم وحدهم من سلك سبيل العنف من أجل التغيير بل هم حاكوا في طريقهم هذه النخب القومية المتحولة إلى اليسار. وما فعله الإسلاميون ليس سوى تقليد تحليلات وحلول تلك النخب مع إعطائها عناوين وشعارات إسلامية، فالجهاد المحول باتجاه الداخل الجاهلي هو نفسه الصراع الطبقي. وحرب الشعب الطويلة الأمد وحتمية الحل الاشتراكي هي نفسها حتمية الحل الإسلامي.

أما عبد الإله بلقزيز فلا يحاول تتبع أزمة الفكر السياسي العربي من تكوينه وحتى زمنه الراهن , وإنما يتتبع الصراع الإيديولوجي بين التيارات، فيرى أن المسألة السياسية كانت حاضرة بقوة في خطاب جميع هذه التيارات منذ النهضويين الأوائل، مع فارق جوهري قائم على أساس أن الفكر الإصلاحي الأول اكتشف الدولة في دياره كاستعمار وجيش وإدارة في حين تعرف الفكر السياسي الحديث عليها كتنظيم اجتماعي واقتصادي ومدني. هكذا تتشكل القطيعة بين الفكر السياسي الإسلامي الوسيط المؤسس على الآداب السلطانية، وترث التيارات العربية الرئيسية الفكر الإصلاحي وتعيد توظيفه في سياقها الخاص، فاللحظة الماركسية تعيد إنتاجه وفق نظرية سياسية حركية لاتهتم كثيراً بتأصيله في التراث العربي الإسلامي، مما جعل خطابها يبدو دائماً غريباً في الأرض العربية الإسلامية وغير متوافق مع أسسها التراثية. أما اللحظة الإسلامية فتنتهي مع البنا وقطب إلى إنتاج خطاب تمايزي مؤسس على النفي. وتحدث قطيعة تاريخية بين الخطاب الإصلاحي وبين الخطاب الإسلامي الحركي. أما اللحظة القومية فترث الفكر الإصلاحي وفق صيغتها الخاصة. . إلى ذلك، قامت هذه التيارات الفكرية جميعها على فكرة الحتمية. وجوهر هذه العقيدة كما يرى بلقزيز هو جوهر فلسفي (مضمر أو معلن) يقوم على الإيمان بالحتمية بوصفها التعبير المطلق عن فعل قانون الموضوعية. ولقد كان هذا الإيمان الأعمى بها هو المسؤول عن سقوط الخطابين الليبرالي والماركسي في نزعة علموية فاضحة. فالدولة الليبرالية على النمط الأوروبي تمثل قدراً محتوماً في رأي الليبراليين العرب. أما الدولة الاشتراكية فهي حتمية تاريخية لا غبار عليها في منطوق الاشتراكيين العرب، وهو لذلك ينتهي إلى عدد من النتائج يشترك فيها الفكر السياسي العربي إذن انتهى إلى أن يصبح فكراً دوغماتياً، محكوماً بقطيعات نهائية وبداهات غير قابلة للنظر، فيمنع نفسه من تجديد نفسه ومن إثراء موضوعاته وفرضيات التفكير لديه، ويفقد مضمونه المعرفي والنظري متحولاً إلى أدبيات سياسية من طبيعة دعوية بحيث لايعود في مكنته غير أداء وظيفة تحشيدية وتعبوية ليست من هواجس الكتابة المعرفية والنظرية.

إذا كان السيد تمكن من كشف الإشكالية والعائق في الفكر السياسي الإسلامي فإن بلقزيز لم يتجاوز مستوى تحليل الخطابات السياسية. فغابت الإشكالية في بحثه وتحول إلى مجرد قراءة في تطور الخطاب السياسي العربي المعاصر. بينما انتهى السيد في وظيفته كمؤرخ إلى اكتشاف الإشكالية من دون أن يغادر وظيفته لبحث مصائر الخطاب السياسي وآليات الخروج من تكويناته الشائهة. فلم يقترح أو يقدم لنا حلولاً بعكس بلقزيز الذي كان سخياً في طرح الحلول والبدائل التي وجدها في قيام خطاب فكري عربي تركيبي جديد.