منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#53361
سياسة الملك عبدالله الخارجية
د.عبدالله إبراهيم العسكر

أزعم أنني متابع جيد لسياسة الملك عبدالله الخارجية، أقرأ كل ما يُنشر عنها باللغتين العربية والإنجليزية. أدون كل فكرة، وأناقش من ألتقي من المختصين والإعلاميين العرب وغيرهم. وأهتبل سفرات الملك عبدالله الخارجية لأتابع ما تنشره الصحافة الغربية أو ما تنشره مراكز العصف الذهني. لهذا تكونت لدي حصيلة لا بأس بها، ولهذا فإني اصدر عن معرفة ومتابعة.




تتصف سياسة الملك عبدالله بصفات كثيرة يأتي على رأسها: الصدق والإخلاص والتفاني. وهي الصفات نفسها التي كانت سمة سياسة والده الملك عبدالعزيز.



وما يعجبني نجاحات الملك عبدالله غير المسبوقة في اختراق مفاصل السياسة الغربية والأمريكية على وجه الخصوص. تعاطي السياسة من منظور الملك عبدالله يختلف عن كل ما نعرفه في تخصص السياسة وأدبياتها التراكمية. لا أستطيع أن اصف منهجه السياسي. خطابه السياسي خليط متنوع من نظريات ومدارس متعددة، لكنها لاتبدو في الوهلة الأولى أنها كذلك، لأن شخصية الملك عبدالله بسيطة ومريحة، أو كما وصفها كاتب أمريكي لا يحضرني اسمه بأنها شخصية مسترخية relaxing لهذا استطاع أن تكون سياسته ذات تأثير واسع على المسرح الدولي كما جاء في مقال نشرته جريدة (الهل) الأمريكية.

تتصف سياسة الملك عبدالله بصفات كثيرة يأتي على رأسها: الصدق والإخلاص والتفاني. وهي الصفات نفسها التي كانت سمة سياسة والده الملك عبدالعزيز. ولعل التاريخ يعيد نفسه. فقد تابعت لقاء الملك عبدالله في واشنطن مع الرئيس باراك أوباما. ورأيت مقدار الاسترخاء والهدوء، ورأيت مدى الصدق والعزيمة والصراحة، ورأيت الارتياح الشخصي بين الزعيمين الكبيرين، فتذكرت على الفور لقاء الملك عبدالعزيز بالرئيس روزفلت في يوم 14 فبراير 1945م على ظهر البارجة "يو إس إس كويني. مما يعني أنه بعد 65 عاماً من اللقاء الكبير، يحدث لقاء كبير آخر. على أن ما يشد المتابع هو إدارة الملك عبدالله للاجتماع الانفرادي. أنا أقرأ ما تقوله الصورة التي بثها البيت الأبيض. فإن جاءت قراءتي مخالفة للواقع، فلا تثريب علي لأنني أنقل عن صورة لا عن شهود.

في لقاء واشنطن أرسل الزعيمان رسالة واضحة ضد المتطرفين في كل مكان، رسالة عن عزمهما على مواصلة التصدي للإرهاب والإرهابيين. وفي الخلاصة التي قدمها البيت الأبيض ورد أن الرئيس باراك أوباما معجب ومؤيد وداعم لمبادرات الملك عبدالله الثلاث: المبادرة العربية، والمصالحة العربية، وحوار الأديان والثقافات. هذا يعني أن الملك عبدالله يدير دفة الحديث لصالح المملكة والعرب والعالم الحر. وتقول الأخبار إن الملك عبدالله أدار اللقاء الكبير لينتزع من الرئيس الأمريكي موافقة الولايات المتحدة أن تكون المملكة محوراً رئيساً في أية قرارات أمريكية أو دولية تخص منطقة الشرق الأوسط.

ثم أتفاجأ بأن الصحافة الأمريكية في اليوم الثاني للزيارة تقول وتزيد بأن الرئيس الأمريكي تعهد للملك عبدالله بشراكة إستراتيجية تشمل كافة الملفات الشرق أوسطية. هل ما قرأته في الصحافة في واشنطن صحيح؟ أنا لا أريد أن أنقل من البيان الختامي. البيان الختامي عادة لا ينقل كل شيء. لكن علينا أن نتذكر أن الملك عبدالله يملك من الشجاعة والصدق والشفافية والتفاني ما يجعل محاوره في موقع لا يملك إلاّ التسليم والموافقة على سياسته.

في لقاء واشنطن الأخير نقف عند بعض النقاط المهمة: اتفق الطرفان على أهمية نصائح الملك عبدالله بخصوص القضية الفلسطينية. يقول الملك والرئيس ما معناه إن القضية الفلسطينية تقع في صميم المصلحة القومية العربية والأمريكية. ويقول الملك إن انتظار العرب طال، ولابد من ضغط ملموس على القيادة الإسرائيلية لصالح حل الدولتين. وتحدث الوفدان بلغة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على الجانب الإسرائيلي.

وتحدث الوفدان عن الحلول الممكنة للمشكلات في أفغانستان والعراق وإيران. وتحدث الوفدان على أهمية الالتزام بقرارات الأمم المتحدة، لكن الوفد السعودي أشار إلى أهمية التزام دول المنطقة بما سيتمخض عنه مؤتمر 2012 وهو مؤتمر إقليمي دعت إليه الأمم المتحدة من أجل خلو منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل بما فيه السلاح النووي.

ما أعجبني كيف انتزع الملك عبدالله من أمريكا موافقتها على حقيقة يتجاهلها معظم دول المنطقة عن جهل أو حسد وهي أن المملكة هي المحور العربي الرابع مع تركيا وإيران وإسرائيل. لا يمكن تجاهل هذا المحور الذي يقف وراءه مكانة سياسية واقتصادية ودينية وشخصية ضخمة، ويقف وراءه مليار مسلم ومائتا مليون عربي.

وتحاول إسرائيل وإيران تجاهل هذا المحور بعد أن تراجع دور مصر والعراق لكن المجتمع الدولي لا يقر للمتجاهلين برغباتهم. استطاع الملك عبدالله في هذه الزيارة الناجحة أن يضع العلاقات السعودية - الأمريكية على قاعدة صلبة من: الاستشارة المشتركة، والاستماع إلى حكمة الملك عبدالله، والاستماع إلى نظرة الملك عبدالله الدولية والإقليمية. ألا يصح أن نقول إنه بإمكان الملك عبدالله لو أراد أن يبرم مع واشنطن صفقة إستراتيجية طويلة الأمد؟

يصح هذا، لكن الملك عبدالله ينطلق بسياسته الخارجية دون الحاجة لصفقات من هذا النوع. ذلك أن واشنطن تقول باستطاعة الملك عبدالله أن يؤدي وبجدارة دوراً لا يقل أهمية عن دور روسيا والصين، وأن دوره سيختلف عن أدوار كل من: الرئيس باراك أوباما أو الرئيس الروسي ميدفيدف أو الرئيس الصيني هيو جيتاو فالملك عبدالله يتمتع بتأثير أكبر من تأثير الصين أو روسيا أو حتى أمريكا في الفضاء العربي والإسلامي. لقد وضع الملك عبدالله دولته في مصاف الدول الكبرى.

أنا فخور بسياسة الملك عبدالله ومعجب بها