منتديات الحوار الجامعية السياسية

قسم مختص باستقبال أسئلة الطلاب
#37744
قوة القانون وقانون القوة في العلاقات الدولية الراهنة


لاشك في أن الولايات المتحدة الأميركية قد دشنت مطلع القرن الحادي والعشرين من خلال إجهاض تطور القانون الدولي والانساني نظاماً دولياً جديداً أعاد نظام العلاقات الدولية إلى عهد قانون الغاب فاحتلال أفغانستان عام 2001 واحتلال العراق عام 2003 خارج الشرعية والإجماع الدولي مضافا لذلك حملات التدخل السافر الحالية في الشؤون الداخلية لسيادة الدول إنما يعطي صورة جلية عن قناعة وسلوك السياسة الخارجية الأميركية على تبني قانون القوة كبديل من قوة القانون الدولي الذي دأبت عليه العلاقات بين الدول منذ تأسيس هذا النظام قبل قرون، ويعطي في الوقت نفسه رسائل واضحة عن ولوج المجتمع الدولي لعهد جديد من الاستعمار القديم ولكن بوجوه جديدة وذرائع مبتكرة عنوانها الوهمي حرية الشعوب ولكنها في الحقيقة ممزوجة برائحة البترول ومخضبة بدماء الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها.
لقد عبرت كل مرحلة من مراحل تطور النظام السياسي الدولي عن صيغة لهيكلية سياسية تدير من خلالها وحدات هذا النظام خلافاتها وتنافسها من خلال مواثيق وعهود لتفادي مغامرات وحماقات التنافس الاستعماري البشع الذي سبق أن قاد إلى نشوب حربين عالميتين تكبدت الإنسانية جراءها عشرات الملايين من الضحايا ومآسي لا تزال كثير من الشعوب تئن تحت وطأتها.
فكانت عصبة الأمم المتحدة وعهدها الذي جاء ليعبر عن نظام متعدد القطبية ساد فيه توازن القوة وتلتها هيئة الأمم المتحدة التي اتخذت من ميثاقها شرعة للقانون الدولي الذي ينظم جميع شؤون العلاقات الدولية، ورغم أن هذه المنظمة وميثاقها تمثل قانون المنتصرين في الحرب وضمنت لهم حق النقض «الفيتو» إلا أن ديباجة ونصوص ومواد هذا الميثاق تشير إلى تساوي جميع الدول قانونا تحت ظل الميثاق وخاصة في الفصول الخاصة بالعدوان والسيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
لقد دفع تبدل موازين القوة في هرم النظام السياسي الدولي لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية كقوة مهيمنة منفردة بمقدرات العالم بعد انهيار القطب السوفييتي المكافئ، إلى تبني الإدارة الأميركية منهج إهمال وتجاهل الهياكل الدولية ومواثيقها التي حكمت حقبة الحرب الباردة واعتبارها هياكل بالية لم تعد تنسجم مع تطورات واقع قانون القوة الذي بات يمثل جوهر السياسة الخارجية الأميركية في كيفية إدارة ملفات الشأن الدولي، ولعل هذه الخلفية تفسر تلك الوقاحة والمعايير المزدوجة في تكرار طلب رئيس الولايات المتحدة من رئيس هذه الدولة أو تلك بضرورة التنحي عن منصبه دون أدنى شعور بتنافي ذلك مع أبسط شروط التساوي في السيادة التي تفرضها قوانين الأمم المتحدة التي لم تعد سوى مكتب ملحق بوزارة الخارجية الأميركية.
من جهة أخرى فإن هذا الواقع الجديد الذي تفرضه بكل غطرسة قوى الاستعمار الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة وبعض وكلائها المحليين في المنطقة يرتب على الشعوب المتحررة وحركات التحرر الوطني في منطقتنا العربية وهي المنطقة المستهدفة الاولى، أن تطور إستراتيجية جديدة في أساليب مقاومتها بالمعنى الواسع سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية والثقافية والدبلوماسية تنسجم مع واقع قانون القوة الجديد في العلاقات الدولية ومحاولة إعادة تفكيك وتركيب علاقاتها الخارجية طبقا لهذه الإستراتيجية.