منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#66639
كان هناك ثمة اعتقاداً راسخاً لدي جميع الأطراف الإقليمية والدولية المتداخلة والمعنية بالمشكلة الكورية المزمنة، أن لا أحد يريد اندلاع حرب جديدة في القارة الآسيوية، ويكفيها عناء حربي العراق وأفغانستان، والتوترات الأزلية في مناطق الصراع القديمة مثل كشمير وشبه جزيرة ميندناو في الفلبين، وفطاني جنوبي تايلاند، ومنطقة القبائل في باكستان، وعلي الرغم من التاريخ الطويل للأزمة الكورية، والسجل الحافل بالتوترات بين كوريا الشمالية والجنوبية، إلا أن حدة هذه التوترات مهما ارتفعت درجتها، ومهما تصاعدت لغة التهديد المتبادلة بين الجانبين، فثمة اتفاق ضمني، علي ألا عودة لحرب سنة 1950، والتي استمرت ثلاث سنوات، وأعادت رسم خريطة التحالفات والولاءات في القارة الآسيوية، وكانت فاتحة حقبة الحرب الباردة التي استمرت لعقود بين قطبي العالم الحديث؛ أمريكا والاتحاد السوفيتي، وعلي الرغم من أن البلدين ما زالا في حالة حرب من الناحية السياسية ووفق الأعراف الدولية، ذلك أن حرب سنة 1950، قد توقفت سنة 1953 بموجب اتفاق هدنة لوقف إطلاق النار، وليس بموجب اتفاقية سلام نهائية، إلا أنه لا أحد يريد العودة للمربع رقم صفر مهما كانت الأفعال وردوها.
وحتى في الفترات التي أقدمت فيها القوات العسكرية لكوريا الشمالية المشهورة بالاعتزاز وأحيانا التهور، علي بعض الأعمال العنيفة مثلما حدث في يناير سنة 1968 عندما أقدمت وحدة كورية شمالية قوامها 32 عنصراً علي شن هجوم على مقر الرئاسة بسول في محاولة لاغتيال الرئيس الكوري الجنوبي بارك شونغ وتم قتل أو أسر جميع المهاجمين، ثم ما وقع في أغسطس 1974 عندما قام عميل كوري شمالي بإطلاق النار على الرئيس الجنوبي بارك شونغ خلال إلقائه خطاب لكنه أخطأ المرمى وأصاب العيار الناري زوجة الرئيس مما أدى لوفاتها، ثم الضربة العنيفة التي سددها عملاء كوريون شماليون في أكتوبر سنة 1983، عندما قاموا بتفجير مجمع تجاري في ميانمار قبل أن يزوره الرئيس الجنوبي شون هو هوان بفترة وجيزة, والحادث يودي بحياة 20 شخصا منهم 4 وزراء كوريون جنوبيون.
كل هذه الاستفزازات العنيفة وما تلاها من أعمال استفزازية أخرى، والتي كانت تستدعي شن حرب عند أضعف دولة، مارست معها كوريا الجنوبية أقصي درجات ضبط النفس، وتم تجاوز تلك الأزمات كلها، وكان للدور الأمريكي الراغب في تهدئة الأوضاع وبقائها في خانة التوترات فقط، دور كبير في الموقف الكوري الجنوبي المتخاذل علي حد وصف كثير من المراقبين للأوضاع في شبه الجزيرة الكورية.
الدور الأمريكي ومتغيراته:
أمريكا ومنذ نشأة القضية الكورية وهي حريصة علي موقف سياسي يؤيد فكرة تجميد الأوضاع هناك، ومنع نشوب أي حروب كبيرة تفتح المجال لتدخلات إقليمية من دول الجوار، وهي دول كبري لها ثقلها الدولي والسياسي والعسكري، ولا تستطيع أمريكا العبث معها أو فرض إرادتها عليها، وهي دول أيضاً لا تقايض بمصالحها الوطنية، ولا تبالي بمزاج الناخب الأمريكي، أو غصبه أو رضاه، لذلك حرصت أمريكا علي تجميد المشكلة الكورية، كما أن أمريكا كانت تعلم يقيناً أن وجود ثلاثين ألف مقاتل من جنودها علي خط الأزمة، لن يكون لهم دور عسكري يذكر إذا اندلعت حرب شاملة، خاصة بعد دخول كوريا الشمالية نادي القوي النووية، كما أنها لن تجازف بإغضاب قوي عالمية ذات علاقات إستراتيجية مع كوريا الشمالية مثل الصين وروسيا.
كما أن أمريكا قد أخذت في تبني سياسة التوبيخ والعقوبات الاقتصادية علي كوريا الشمالية، في مواجهة استفزازاتها المتتالية لجارتها الجنوبية، فأمريكا تعلم أن أي تحرك أمريكي عقابي عسكري ضد بيونج يانج عبر المنظمة الدولية أو خارجها، يستوجب توافقاً دولياً بين القوى الكبرى، لاسيما تلك الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو ما يبدو من المتعذر تحصيله مع تنامي احتمالات ممانعة دول مثل روسيا والصين.
وفي حين كانت كوريا الشمالية تعمل علي تنمية جوانبها العسكرية وتقوية ترسانتها القتالية علي حساب النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بحيث أخذت تعاني من أزمات متتالية في الوقود والطاقة والغذاء، حتى أصبح المواطن الشمالي لا يجد وجبة الأرز اليومية التي تكفيه، كانت جارتها الجنوبية تخطو خطوات اقتصادية وتقنية وعلمية واسعة، مكتفية بالالتزام الأمريكي بحماية أمنها والدفاع عنها ضد التهديدات الخارجية، حتى غدت كوريا الجنوبية عملاق اقتصادي وتقني كبير له حضوره ونصيبه من السوق الدولية، وهذه المعادلة المقلوبة جعلت من كوريا الشمالية شبحاً لا يخيف أحداً، كما أن كوريا الشمالية بحكم إمكاناتها المادية والديمغرافية المتواضعة وطبيعة نظامها السياسي لا تستطيع أن تلعب دور المحرض ولا القدوة للقوى الكبرى المحيطة بها، فلا روسيا ولا الصين في حاجة لكوريا نووية للاستقواء بها في مواجهة الغرب، كما أن الولايات المتحدة لا تخشى من تأثير أيدلوجية كوريا الشمالية الشيوعية على الشعوب المجاورة، فمثل هذه الأيدلوجية لم تعد تثير مخاوف الغرب حتى عندما تتبناها قوة عظمى مثل الصين، فما بالك أن يتبناها نظام كيم إل سونج العاجز عن توفير وجبة الأرز اليومية لمواطنيه، لهذا فان كوريا الشمالية نووية كانت أو غير نووية لا تصلح قدوة ولا مثلاً لجيرانها.
أسرار انقلاب المعادلة
المعادلة الكورية كما أوضحنا تقوم علي ضغوط غير عنيفة علي كوريا الشمالية، في الوقت الذي تضمن فيه كوريا الجنوبية سلامة وأمن حدودها، وغض الطرف عن الطموحات النووية لكوريا الشمالية طالما أنها لن تؤثر علي منظومة التوازن العسكري في المنطقة، وظلت هذه المعادلة قائمة حتى كانت تطورات الأحداث الأخيرة، والتي دفعت بالمنطقة لحافة حرب وشيكة تتورط فيها سائر الأطراف الإقليمية.
فما السر وراء التغير المفاجئ ؟، بدأت أولي علامات تغير معادلة التوازن الكوري والتي حرصت أمريكا علي إبقائها متزنة لفترة طويلة، منذ أوائل العام الحالي وتحديدا في 26 مارس 2010 عندما أدي انفجار مجهول الأسباب لشطر السفينة الحربية الكورية الجنوبية "شيونان" بالبحر الأصفر إلى نصفين مما أدي إلي مقتل 46 من بحارتها، وعندها اضطربت الأوضاع الإقليمية بشدة وضغطت أمريكا علي كوريا الجنوبية من أجل قبول تحقيق دولي يؤدي إلي عقوبات متوقعة علي الشمالية، وفي 20 مايو 2010 خلصت التحقيقات الدولية والتي أشرفت عليها كوريا الجنوبية نفسها إلي أن إصابة السفينة الحربية الكورية الجنوبية ناجمة عن إصابتها بطوربيد أطلقته غواصة كورية شمالية وبيونج يانج تنفي علاقتها بالحادث بمنتهي الشدة، وفي 24 مايو 2010 تعلن كوريا الجنوبية عن قطع العلاقات التجارية مع جارتها الشمالية ومنع السفن الشمالية من دخول مياهها.
وبرغم التهدئة وانخفاض تداعيات ملف إغراق السفينة الحربية الكورية الجنوبية شيونان، فقد برزت على أرض الواقع المزيد من المعطيات والمعلومات الجديدة التي تشير إلى أن تحالف واشنطن – سيول، يسعى بشكل حثيث باتجاه المزيد من التصعيد في مواجهة بيونج يانج, وفي ذلك بجرجرة كوريا الشمالية لحرب محدودة بدأت بالقصف المدفعي العنيف الذي أقدمت عليه القوات الشمالية يوم الثلاثاء 23 نوفمبر 2010.
بدأت أولي خطوات الاستدراج الأمريكي عندما قامت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بزيارة كوريا الجنوبية, وأعلنت عن سلسلة عقوبات أمريكية جديدة على كوريا الشمالية، ثم قامت وبرفقتها وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس بزيارة المنطقة العازلة المنزوعة السلاح بين الكوريتين, وخلال تواجدهما في هذه المنطقة أعلنت كلينتون عن المزيد من التصريحات الساخنة التي حملت طابع التهديد والوعيد لكوريا الشمالية.
بعدها تم الإعلان عن انعقاد فعاليات لقاء آسيا – الباسفيك الأمني الذي سوف تستضيفه فيتنام, وسيركز اللقاء هذه المرة على قضايا الأمن والنزاعات في منطقة آسيا – الباسفيك, وكانت التوقعات كلها تشير إلى وجود نوايا مبيتة من جانب أمريكا وكوريا الجنوبية, وحلفاؤهما لجهة دفع فعاليات اللقاء باتجاه إدانة كوريا الشمالية والسعي نحو فرض المزيد من الضغوط الآسيوية والدولية ضدها، وقد استبقت كوريا الشمالية قمة الباسفيك بتبادل للقصف بين الجانبين يؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى وفرار المدنيين إثر قصف مدفعي كوري شمالي على جزيرة جنوبية على الحدود، ثم جاء الإعلان عن المناورات الأمريكية الكورية المشتركة بحذاء خط الهدنة الفاصل بين الكوريتين لتطلق كل المخاوف الشمالية من عمل عسكري ما تخطط له واشنطن وسيول.
فزع أمريكي من القدرات النووية لكوريا شمالية
غير أن السر الحقيقي وراء استدراج أمريكا لكوريا الشمالية كان رغبة الأمريكان في التعرف علي حقيقة القدرات النووية والعسكرية لبيونج يانج، فقد كشفت آخر التسريبات بأن الأجهزة الأمريكية والكورية الجنوبية تعاني من فجوة المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالقدرات الحقيقية لكوريا الشمالية، فقد ظلت التخمينات الأمريكية تتحدث عن وجود "28" منشأة نووية كورية شمالية تعمل في مجالات معالجة اليورانيوم الخام وتخصيبه, والماء الثقيل والماء الخفيف, وما شابه ذلك من المنشآت النووية، ولكن مصداقية تلك المعلومات قد تعرضت لصدمة كبري عندما برز تقرير مخابراتي كوري جنوبي تحدث عن وجود حوالي "100" منشأة نووية كورية شمالية على الأقل، ثم جاءت الصدمة الثانية في مجال تخمين القدرات القتالية للصواريخ الكورية، فقد ظلت التقارير الأمريكية تتحدث عن القدرات الصاروخية الكورية الشمالية على أساس اعتبارات عدم قدرتها الوصول إلى داخل العمق الأمريكي, إضافة إلى عدم قدرتها على حمل الرؤوس الحربية الثقيلة الوزن, وأيضاً عدم الدقة في إصابة الهدف, ولكن تبين لاحقاً أن القدرات الصاروخية الباليستية الكورية الشمالية تتميز بالمدى الطويل وبحمل الرؤوس الحربية الثقيلة وبالدقة المعقولة لجهة إصابة الهدف، وإضافة لذلك فقد تبين أن كوريا الشمالية تملك عدداً من الصواريخ يتجاوز أضعاف التقديرات الأمريكية والكورية الجنوبية.
وأمريكا في استدراجها لكوريا الشمالية في حرب لن ترضي أحداً من الأطراف الإقليمية، وهذا ظاهر من التنديد الروسي بالهجوم الشمالي، تتحرك بحسابات دقيقة ولأغراض استخباراتية محضة، ولن تجعل الحرب تخرج عن حجمها المخطط له سلفاً، وهذا ما لم تدركه العسكرية الشمالية المدفوعة باستفزازات أمريكية، وستحاول أن تستعرض قوتها بصورة تتمناها المخابرات الأمريكية.

محطات توتر بين الكوريتين:
21 يناير 1968: كومندوس كوري شمالي قوامه 32 عنصرا يشن هجوما على مقر الرئاسة بسول في محاولة لاغتيال الرئيس الكوري الجنوبي بارك شونغ هي وتم قتل أو أسر جميع المهاجمين.
15 أغسطس 1974: قام عميل كوري شمالي بإطلاق النار على الرئيس الجنوبي بارك شونغ هي خلال إلقائه خطابا لكنه أخطأ المرمى وأصاب العيار الناري زوجة الرئيس مما أدى لوفاتها.
9 أكتوبر 1983: عملاء كوريون شماليون يقومون بتفجير مجمع تجاري في ميانمار قبل أن يزوره الرئيس الجنوبي شون هو هوان بفترة وجيزة, والحادث يودي بحياة 20 شخصا منهم 4 وزراء كوريون جنوبيون.
29 نوفمبر 1987: انفجار قنبلة وضعت على متن طائرة كورية جنوبية مما أدى إلى مقتل 115 شخصا كانوا على متنها وسول تتهم بيونغ يانغ بتدبير الحادث.
سبتمبر 1996: غواصة شمالية تنزل فريقا كوماندوز على شواطئ كوريا الجنوبية, والجنوبيون يطاردونهم مما أدى إلى مقتل 24 من عناصر الكوماندوز وأسر واحد وفقدان آخر.
15 يونيو 1999: مواجهة بحرية تندلع بين الجانبين على الحدود في البحر الأصفر هي الأولى من نوعها منذ انتهاء الحرب, والعملية تسفر عن غرق سفينة حربية شمالية على متنها 20 بحارا.
29 يونيو 2002: مواجهة ثانية بين الجانبين على الحدود في البحر الأصفر تسفر عن غرق سفينة حربية كورية شمالية ومقتل 13 شماليا في حادث جد خلال استضافة سول لمونديال كرة القدم بالاشتراك مع اليابان.
10 نوفمبر 2009: اشتباك جديد على الحدود بالحر الأصفر تبادل خلاله الجانبان إطلاق النار تؤدي إلى اندلاع النيران بسفينة حربية شمالية.
26 مارس 2010: انفجار مجهول الأسباب يهز السفينة الحربية الكورية الجنوبية "شيونان" بالبحر الأصفر يؤدي إلى انشطارها ومقتل 46 من بحارتها.
20 مايو 2010: التحقيقات الدولية تقول إن إصابة السفينة الحربية الكورية الجنوبية ناجمة عن إصابتها بطوربيد أطلقته غواصة كورية شمالية وبيونغ يانغ تنفي علاقتها بالحادث.
24 مايو 2010: كوريا الجنوبية تعلن قطع العلاقات التجارية مع جارتها الشمالية ومنع السفن الشمالية من دخول مياهها.
29 أكتوبر 2010: التوتر يطغى مجددا قبيل انعقاد قمة مجموعة العشرين بسيول إثر تبادل لإطلاق النار على الحدود بين البلدين بين عناصر من الجيش.
23 نوفمبر2010 : تبادل للقصف بين الجانبين يؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى وفرار المدنيين إثر قصف مدفعي كوري شمالي على جزيرة جنوبية على الحدود.