منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
By خالد رزيقي 30,32
#68074
الثقافة السياسية هي مجموعة القيم والمعايير السلوكية المتعلقة بالأفراد في علاقاتهم مع ‏السلطة السياسية. والثقافة السياسية هي جزء من الثقافة العامة للمجتمع. وهى تختلف من بلد لآخر حتى لو كان شعباه ينتهجان نفس الأساليب الحياتية، وينتميان إلى نفس الحضارة، ويتقاسمان الاهتمامات والولاءات. ويقصد بالثقافة السياسية مجموعة المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شئون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة. وتعنى أيضاً منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور، والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم. ومعنى ذلك أن الثقافة السياسية تتمحور حول قيم واتجاهات وقناعات طويلة الأمد بخصوص الظواهر السياسية، وينقل كل مجتمع مجموعة رموزه وقيمه وأعرافه الأساسية إلى أفراد شعبه، ويشكل الأفراد مجموعة من القناعات بخصوص أدوار النظام السياسى بشتى مؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وحقوقهم وواجباتهم نحو ذلك النظام السياسى. ولما كانت الثقافة السياسية للمجتمع جزءاً من ثقافته العامة، فهى تتكون بدورها من عدة ثقافات فرعية، وتشمل تلك الثقافات الفرعية : ثقافة الشباب، والنخبة الحاكمة ،والعمال، والفلاحين، والمرأة.. الخ. وبذلك تكون الثقافة السياسية هي مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التي تعطى نظاماً ومعنى للعملية السياسية، وتقدم القواعد المستقرة التي تحكم تصرفات الأفراد داخل النظام السياسى، وبذلك فهى تنصب على المثل والمعايير السياسية التي يلتزم بها أعضاء المجتمع السياسى، والتي تحدد الإطار الذي يحدث التصرف السياسى في نطاقه.
عناصر مفهوم الثقافة السياسية :
أى أن الثقافة السياسية تدور حول ما يسود المجتمع من قيم ومعتقدات تؤثر في السلوك السياسى لأعضائه حكاماً ومحكومين. وعلى ذلك يمكن تحديد عناصر مفهوم الثقافة السياسية على النحو التالى :
• تمثل الثقافة السياسية مجموعة القيم والاتجاهات والسلوكيات والمعارف السياسية لأفراد المجتمع.
• الثقافة السياسية ثقافة فرعية. فهى جزء من الثقافة العامة للمجتمع تؤثر فيه وتتأثر به، ولكنها لا تستطيع أن تشذ عن ذلك الإطار العام لثقافة المجتمع.
• تتميز الثقافة السياسية بأنها متغيرة. فهى لا تعرف الثبات المطلق، ويتوقف حجم ومدى التغير على عدة عوامل من بينها : مدى ومعدل التغير في الأبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودرجة اهتمام النخبة الحاكمة بقضية التغير الثقافى، وحجم الاهتمام الذي توليه وتخصصه الدولة لإحداث هذا التغيير في ثقافة المجتمع، ومدى رسوخ هذه القيم في نفوس الأفراد.
• تختلف الثقافة السياسية بين مجتمع وآخر كما تختلف من فرد لآخر داخل المجتمع. هذا الاختلاف تفرضه عوامل معينة كالأصل ومحل الاقامة والمهنة والمستوى الاقتصادى والحالة التعليمية


ما هي الثقافة السياسية :
دور الأحزاب مرتبط بالنظام السياسي والأنظمة الانتخابية هل من إمكان لتشكّل نظام حزبي فاعل في لبنان؟
المقصود بالنظام الحزبي مجموع الأحزاب التي تتفاعل في ما بينها ضمن نظام سياسي في بلد محدد، وقد تكون علاقاتها تنافسية حيناً وتعاونية حيناً آخر (Lipset, Stein، 1967). هذه العلاقات تتأثر وتؤثر في الوقت ذاته بالنظام السياسي القائم وبهيكله، وبالمنظومة القانونية قيد التطبيق، وتحديداً تلك التي لها وقع مباشر على الأحزاب، كالقوانين الانتخابية وقوانين الأحزاب. على سبيل المثال، أظهرت التجارب أن النظام الانتخابي النسبي يساهم عموماً في بروز نظام ذي تعددية حزبية صلبة، تتمتع فيه الأحزاب باستقلالية وبثبات. والنظام الانتخابي الأكثري على دورتين يعطي نظاماً ذا تعددية حزبية مرنة، تخضع فيه الأحزاب لبعضها بعضاً مع ثبات نسبي. ويساعد النظام الأكثري على دورة واحدة في بروز ثنائية حزبية مع تناوب على السلطة بين الحزبين الأقويين (Duverger، 1976). كما تجدر الإشارة إلى وجود أنظمة سياسية غير حزبية، أي لا وجود للأحزاب السياسية في داخلها، وذلك عائد إلى حظر تأسيس الأحزاب من السلطة السياسية، وهي غالباً ما تكون سلطة تقليدية قائمة على أسس قبلية أو عشائرية.
عرف لبنان وعاش منذ أكثر من قرن من الزمن التعددية الحزبية، لكن رغم ذلك لم يعرف حتى اليوم نظاماً حزبياً فعلياً. فإذا حللنا هذه المسألة من وجهة نظر تتعلق بالأنظمة الانتخابية نجد أنه في لبنان لم تساهم مختلف الأنظمة الانتخابية التي طبقت منذ الاستقلال وحتى اليوم في قيام نظام حزبي فعلي، تكون فيه الأحزاب الأداة الأساسية التي تؤطر أكثرية الناخبين وتمثلهم. وذلك رغم الطابع التنافسي للانتخابات والنسبة المقبولة لعدد المقترعين، ومشاركة الأحزاب الدائمة في كل أنواع العمليات الانتخابية وتمثيلها وتمثلها في المجالس النيابية المختلفة، والحكومية، والمجالس البلدية، والهيئات النقابية، والطالبية... الخ.
رغم ذلك كله، لا نستطيع التحدث عن نظام حزبي في لبنان، والقول إن الأحزاب هي الناظم الأول والأساسي للحياة السياسية فيه. فلا الانقسامات السياسية داخل مجالس النواب المتعاقبة في لبنان تمت على أسس حزبية، ولا تشكيل الحكومات قام على التمثيل الحزبي الناتج من أكثرية نيابية (الخازن، 2002). واليوم يأتي اعتماد قانون انتخابات جديد على أساس الدوائر الصغرى (القضاء) وفقاً للنظام الفردي الأكثري على دورة واحدة (المعروف بقانون العام 1960)، ليكرس هذا الواقع وليقوِّض من جديد الحياة الحزبية في لبنان. ورغم الاستقطاب السياسي القائم منذ العام 2006، لم يساهم أي من الأحزاب المتمثلة في مجلس النواب في إصلاح النظام الانتخابي، وفي اعتماد قانون انتخابات عصري يفعّل الحياة الحزبية ويطورها. والقول إن قانون عام 1960 الانتخابي يؤمن تمثيلا طائفيا أدق، هو تشخيص مجتزأ وغير دقيق للمشاكل البنيوية التي يعانيها النظام السياسي اللبناني والأنظمة الانتخابية التي طبقت منذ الاستقلال في لبنان.
أسباب صعوبة تشكّل نظام حزبي إذ إن صعوبة تشكل نظام حزبي فاعل ناتجة في الدرجة الأولى من تأثير كل من النظامين السياسي والانتخابي على النظام الحزبي والحد من دوره والحؤول دون تطوره، وذلك للأسباب الآتية:
• أولاً، إن الغاية الأساسية لمختلف الأنظمة الانتخابية التي طبقت في لبنان هي تأمين التمثيل الطائفي داخل مجلس النواب النيابي انطلاقاً من توزيع طائفي ومذهبي ومناطقي للمقاعد محدد مسبقاً في الدستور (المادة 8 من وثيقة الوفاق الوطني، والمادة 24 من الدستور بتعديلاتها كلها)، وذلك التزاماً بنظام الطائفية السياسية. وعليه يكون القانون قد حدد مسبقاً طبيعة التمثيل السياسي وهوية المتنافسين على المقاعد النيابية. لأن التنافس السياسي هو بطبيعته ومن خلال الدستور والقوانين والمؤسسات تنافس طائفي بين الطوائف وداخل كل طائفة، ومعه لم تستطع الأحزاب أن تشكل نظاماً حزبياً مستقلاً وقائماً على أسس التنافس الحزبي وعلى مبادئ وقيم ومصالح عامة أبعد من أن تكون مجرد انعكاس لمصالح الطوائف الخاصة. وأصبح بالتالي المجتمع السياسي امتداداً مباشراً للمصالح الطائفية على حساب المصالح السياسية والاقتصادية والانقسامات المجتمعية التي تحملها الأحزاب وتتشكل على أساسها. فاستطاعت الطوائف، متمتعةً بحصريتها للتمثيل السياسي وبالامتيازات التي أعطاها إياها النظام داخل المؤسسات الوطنية، أن تتقدم على الأحزاب حتى في التعبير عن الانقسامات المجتمعية والتفاوتات الاقتصادية وفي تأطير المواطنين ودمجهم من خلال مؤسساتها الخاصة المتعددة الاختصاص والمجال، من الثقافة والتربية والصحة مروراً بالاقتصاد والتجارة وصولاً إلى السياسة، لكن من دون أن تتحول معظم المؤسسات السياسية التابعة للطوائف مؤسسات حزبية طائفية حديثة، مما خلق لدى بعض الطوائف نوعا من المنافسة بين المؤسسات الطائفية والمؤسسات "المدنية والسياسية". وعليه أصبحت معظم الأحزاب في لبنان تعبر تعبيراً صادقا عن ازدواجية هذا النظام الطائفي السياسي، وهي تالياً أحزاب هجينة طائفية - سياسية.
• ثانياً، هذا التوزيع المسبق للمقاعد في مجلس النواب، طائفياً ومذهبياً ومناطقياً، حصر المنافسة الانتخابية بين النخب داخل الطائفة الواحدة والمنطقة الواحدة، وتحديداً بين أبناء العائلات السياسية. فسمحت طبيعة النظام الانتخابي لهذه الأطر التقليدية بأن تستمر وتتجدد وبأن تحتفظ بموقع متقدم على الأحزاب السياسية في العملية الانتخابية. واستطاعت هذه النخب تأطير الناخبين وتحفيزهم على المشاركة على أساس الولاءات الزعاماتية والعائلية، مما أضعف الدور الانتخابي التنافسي للأحزاب المبني على البرامج السياسية، وحال دون التجديد الفعلي للنخب السياسية، فشكلت النخب الطائفية الأكثرية النيابية في كل المجالس على الدوام (عصام سليمان" الانتخابات النيابية في لبنان 2000 - 2002)، وحالت بالتالي دون تغيير النظام الانتخابي وإصلاحه، لأن بقاءها في المجلس واحتكارها للتمثيل السياسي هو من بقاء النظام الانتخابي على ما هو عليه، فأصبحت تدور حول نفسها وتتبادل المواقع والمراكز في ما بينها ضمن نظام شبه مغلق.
• ثالثاً، شكلت معظم القوانين الانتخابية التي طبقت في لبنان، إن من حيث حجم الدوائر أو من حيث النظام الانتخابي الفردي الأكثري على دورة واحدة، عائقاً أمام وصول الأحزاب التي تحمل برنامجاً وخطاباً سياسياً معاكساً للنظام السائد وللحالة الطائفية، وأمام وصول الأحزاب التي تتمتع بقواعد شعبية عابرة للمناطق وللطوائف، إلى البرلمان. ضمن نظام كهذا يكون من السهل أن يفوز مرشحو الأحزاب ذات القاعدة والخطاب الطائفيين ببعض المقاعد النيابية أو بأغلبية المقاعد في بعض الدوائر. فالقوانين الانتخابية تُفصّل فيها الدوائر على قياس مصالح قوى السلطة، أو بالأصح السلطات والزعامات الموالية لها، فهي ذات أحجام متفاوتة وعدد مقاعد مختلف لا يساوي بين الناخبين ولا بين المرشحين، ولا بين النساء والرجال، ولا بين المواطنين المقيمين والمواطنين المهاجرين. وبوجود أنظمة انتخابية لا تضع سقفاً للانفاق الانتخابي، ولا تراقب الإعلام والإعلان الانتخابيين، ولا تفرض الترشح والاقتراع على أساس اللوائح، ولا تسمح للشباب الذين هم دون الـ 21 عاماً في المشاركة في الانتخابات،... الخ، مع هذه الأنظمة يصبح الحظ الأوفر للفوز بالانتخابات لمن يملك المال والإعلام، سواء كان فرداً أو حزباً. وهذا منافٍ أصلاً للديموقراطية ولمبدأ العدالة والمساواة.
• رابعاً، ساهمت الآلية التوافقية التي ارتكز عليها نظام الطائفية السياسية من خلال تطبيقها ليس فقط في تكريس النظام، بل تحديداً في تعطيل قيام سلطة تنفيذية منبثقة من أكثرية سياسية برلمانية وممثلةَ لها. وذلك رغم أن هذا النظام وضع أساساً ليكون مرحلياً وليشكل أداة انتقال نحو نظام سياسي لاطائفي، كما نص عليه كل من بيان حكومة الاستقلال الأولى عام 1943 واتفاق الطائف ووثيقة الوفاق الوطني عام 1989. فمن خلال العرف والممارسة، واستناداً إلى تفسير بعض مواد الدستور، وتحديداً الفقرة (ي) من وثيقة الوفاق الوطني التي تنص على أن "لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك"، لم يعد في إمكان أي أكثرية نيابية أن تحكم في السلطة التنفيذية منفردة وبمعزل عن إشراك القوى السياسية الأساسية الممثلة الطوائف الأخرى في الحكم. وأصبحت بالتالي التحالفات الحزبية، ضمن النظام الطائفي - التوافقي، مجرد تحالفات انتخابية فقط غير مبنية على برامج حكم متكاملة، التي يفترض بها أن تتخطى العناوين والشعارات الانتخابية العامة، ومكرسةً مبدأ يقوم على أن لا إصلاح أو حكم إلاّ بالتوافق. فيتراجع اهتمام الأحزاب بالمشاريع الإصلاحية ويطغى على هدف وصولها إلى السلطة المفهوم الفردي المشخصن، ويتراجع بالتالي دور الأحزاب عموما وعلى الصعد المختلفة.

مظاهر الأزمة السياسية :
ينتج من النظامين السياسي والانتخابي أزمة سياسية شاملة، من أبرز مظاهرها:
• أولاً، أزمة تمثيل سياسي لدى النواب، بحيث أضحى النائب في الوقت ذاته ممثلا لمذهب طائفي محدد وممثلا لمنطقة جغرافية محددة وممثلا للأمة جمعاء، مما يخلق لدى النواب نوعا من الانفصام في التمثيل يلغي من شرعيتهم التمثيلية البعد السياسي والحزبي؛
• ثانياً، أزمة تشريع وأزمة حكم، من خلال محدودية الدور التشريعي للنواب، ومن عدم قدرة السلطة التشريعية على مر العقود في التقرير في الاستحقاقات الأساسية والأمور المصيرية التي تواجه لبنان، فكانت حاجة السلطة التشريعية الدائمة إلى قرار من قبل "الناخبين والمقررين الكبار"، أي ممثلي الطوائف والفاعلين السياسيين الإقليميين والدوليين. وهذا ما تظهره على سبيل المثال معظم الانتخابات الرئاسية التي جرت في لبنان منذ الاستقلال حتى فصول الانتخابات الرئاسية عام 2007-2008، حيث اقتصر دور مجلس النواب في معظمها على التصديق على ما يقرره "الناخبون والمقررون الكبار" في ما بينهم، إن من حيث اختيار الرؤساء أو اعتماد التسويات السياسية والتعديلات الدستورية؛
• ثالثاً، طغيان الدور الخدماتي على مجمل نشاطات النواب على حساب الدور التشريعي، وقيامهم في مواضيع ومجالات كثيرة مقام السلطات المحلية، معطلين دورها وحائلين دون إصلاح اللامركزية الإدارية، وذلك للحفاظ على العلاقة الزبائنية التي تربطهم بقواعدهم الانتخابية المحلية، وعلى عدم توفر سلطات محلية بديلة ومنافسة تلبي حاجات المواطنين من حيث أنها حق مكتسب لهم. فيقتصر دور أكثرية النواب داخل البرلمان على المطالبة بأمور خدماتية لمناطقهم وطوائفهم معتبرين ذلك، بفهم ملتبس، عملاً تشريعياً ومساهمة منهم في صناعة السياسات العامة.
الإصلاح الانتخابي :
• اعتماد نظام انتخابي نسبي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، يتضمن كل الجوانب الإصلاحية التي تؤمن صحة العملية الانتخابية وعدالتها وديموقراطيتها. وهذا النظام يعطي للأحزاب دوراً أساسياً في تشكيل اللوائح المختلطة على أساس البرامج السياسية المشتركة، ويؤمّن قيام سلطة تنفيذية منبثقة من أكثرية نيابية حزبية، تحكم من خلال برنامجها، وتحاسب على أساسه، وتقابلها معارضة سياسية تعارض على أساس برنامج حكم بديل. ونظام انتخابي كهذا يحوّل مجلس النواب خلايا عمل سياسية، تحد من شخصنة العمل الحزبي واستئثار رؤساء الكتل النيابية بكل بالحراك والعمل السياسي؛
النظر إلى موضوع الإصلاح الانتخابي من ضمن مقاربة متكاملة للإصلاح، تعالج المواضيع ذات الصلة والقطاعات ذات التأثير المتبادل. من هنا لا يمكن أن يستقيم إصلاح النظام الانتخابي ما لم يشمل، في الوقت ذاته، إقرار اللامركزية الإدارية، من خلال توسيع صلاحيات السلطات المحلية المنتخبة التقريرية والتنفيذية والمالية، وما لم يتم الشروع في تطبيق مشروع إلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس للشيوخ، مما يحرر عمل المشرّع في مجلس النواب من همِّ تأمين الخدمات على المستوى المناطقي والمحلي، ومن هاجس التمثيل الطائفي.

مكونات الثقافة السياسية :
يمكن الحديث عن مجموعة من العناصر أو المكونات للثقافة السياسية سواء تلك التيتتبناها الدولة (ثقافة الحكام) أو الثقافة الرسمية وتلك السائدة لدى أفراد المجتمع (المحكومين) والتي تسمى الثقافة غير الرسمية ومن هذه المكونات :
المرجعية :
وهى تعنى الإطار الفكرى الفلسفى المتكامل، أو المرجع الأساسي للعمل السياسى، فهو يفسر التاريخ، ويحدد الأهداف والرؤى، ويبرر المواقف والممارسات، ويكسب النظام الشرعية. وغالباً ما يتحقق الاستقرار بإجماع أعضاء المجتمع على الرضا عن مرجعية الدولة، ووجود قناعات بأهميتها وتعبيرها عن أهدافهم وقيمهم. وعندما يحدث الاختلاف بين عناصر النظام حول المرجعية، تحدث الانقسامات وتبدأ الأزمات التي تهدد شرعية النظام وبقائه واستقراره. ومن أمثلة المرجعيات الديمقراطية، والاشتراكية، والرأسمالية، والعلمانية.. الخ وأغلب الظن أنه لا يوجد أثر محسوس للاختلاف بين عناصر المجتمع في الديمقراطيات الغربية، إذ أن هناك اتفاقا عاما على الصيغ المناسبة لشكل النظام السياسى والاجتماعى والاقتصادى، أما في الدول النامية فالمسائل المتعلقة بشكل نظام الحكم وطبيعة النظام الاقتصادى وحدود العلاقة بين الدين والدولة لم تحسم بعد ولا تزال مثار خلاف وصراع.
التوجه نحو العمل العام :
هناك فرق بين التوجه الفردى الذي يميل إلى الاعلاء من شأن الفرد وتغليب مصلحته الشخصية، وبين التوجه العام أو الجماعى الذي يعنى الايمان بأهمية العمل التعاونى المشترك في المجالين الاجتماعى والسياسى. والتوجه نحو العمل العام والاحساس بالمسئولية الاجتماعية تجاه المجتمع وقضاياه من أهم مكونات الثقافة السياسية، ذلك أن هذا الشعور بالمسئولية يدفع المواطن إلى الإيجابية في التعامل مع القضايا والموضوعات في ظل ثقافة متشابهة مؤداها الاحساس بالولاء للجماعة.
التوجه نحو النظام السياسى :
الاتجاه نحو النظام السياسى والايمان بضرورة الولاء له والتعلق به من ضرورات الاحساس بالمواطنة وما ترتبه من حقوق والتزامات. فكل ثقافة سياسية عليها أن تحدد النطاق العام المعقول للعمل السياسى والحدود المشروعة بين الحياة العامة والحياة الخاصة. ويتضمن هذا النطاق تحديد الأفراد المسموح لهم بالمشاركة في العملية السياسية ووظائف المؤسسات السياسية كل على حدة. كما تفرض الثقافة السياسية معرفة حدود المشاركة في هذا النظام مثل السن والجنس والمكانة الاجتماعية والوضع العائلى. بالإضافة إلى أن بعض الثقافات السياسية تحرص على تحديد الأبنية والوظائف السياسية في الدولة، وكذلك الأجهزة المنوطة بتحقيق الأهداف التيتحددها الدولة. فالثقافة السياسية هي التي تدعم النظام، وتحدد أطره، وتغذيه بالمعلومات المستمدة من واقع البيئة وخصوصيتها، وتحافظ عليه وتضمن بقاءه.
الاحساس بالهوية :
يعتبر البعض أن الاحساس بالانتماء من أهم المعتقدات السياسية، ذلك أن شعور الأفراد بالولاء للنظام السياسى يساعد على اضفاء الشرعية على النظام، كما يساعد على بقاء النظام وتخطيه الأزمات والمصاعب التي تواجهه. فضلاً عن أن الاحساس بالولاء والانتماء للوطن يساعد على بلورة وتنمية الشعور بالواجب الوطني وتقبل الالتزامات، كما يمكن من فهم الحقوق والمشاركة الفاعلة في العمليات السياسية من خلال التعاون مع الجهاز الحكومى والمؤسسات السياسية، وتقبل قرارات السلطة السياسية والايمان بالدور الفاعل لها في كافة مجالات الحياة.

أثر الثقافة السياسية على النظام السياسى :
يحتاج أى نظام سياسى إلى وجود ثقافة سياسية تغذيه وتحافظ عليه. فالحكم الفردى توائمه ثقافة سياسية تتمحور عناصرها في الخوف من السلطة والإذعان لها، وضعف الميل إلى المشاركة، وفتور الايمان بكرامة وذاتية الإنسان، وعدم اتاحة الفرص لظهور المعارضة. أما الحكم الديمقراطى فيتطلب ثقافة تؤمن بحقوق الإنسان، وتقتنع بضرورة حماية الإنسان وكرامته في مواجهة أى اعتداء على هذه الحريات، حتى لو كان من قبل السلطة نفسها، كما يشترط لاستمرار النظام والحفاظ على بقائه توافر شعور متبادل بالثقة بالآخرين في ظل مناخ اجتماعى وثقافى يعد الإنسان لتقبل فكرة وجود الرأى والرأى الآخر، ويسمح بوجود قدر من المعارضة في إطار قواعد وأطر سياسية موضوعة بدقة لكى تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع السياسى. وتساهم الثقافة السياسية السائدة في المجتمع إلى حد كبير في بلدان كثيرة في تحديد شكل نظام الحكم، بل انها قد تساهم في تحديد عناصر القيادة السياسية. فقد تكون القيادة السياسية حكرا على عائلة معينة أو على مجموعة صغيرة ذات وضعية خاصة دينية أو مذهبية أو عرقية أو تعليمية. وحيث يقدر المجتمع كبار السن ويعلى الذكور على الإناث، يغلب أن تجئ القيادة من صفوف المسنين الذكور. وفى كثير من الأنظمة السياسية ينظر إلى فئة معينة على أنها الأجدر بالسيطرة على المستويات العليا للسلطة. هذه الفئة قد تكون رجال الدين أو العسكريين أو المحامين.. الخ. وفى مثل هذه الحالة يتوقع أن تعكس السياسة العامة مصالحهم في المقام الأول. وتؤثر الثقافة السياسية كذلك على علاقة الفرد بالعملية السياسية، فبعض المجتمعات تتميز بقوة الشعور بالولاء الوطني والمواطنة المسئولة، وهنا يتوقع ان يشارك الفرد في الحياة العامة، وأن يسهم طواعية في النهوض بالمجتمع الذي ينتمى إليه. وفى دول أخرى يتسم الافراد باللامبالاة والاغتراب وعدم الشعور بالمسئولية تجاه أى شخص خارج محيط الأسرة. وفى بعض الأحيان ينظر المواطن إلى النظام السياسى على أنه أبوى يتعهده من المهد إلى اللحد ويتولى كل شيء نيابة عنه ويعمل على ضمان رفاهية الجماعة. وفى المقابل قد يتشكك الفرد في السلطة السياسية ويعتبرها مجرد أداة لتحقيق مصالح القائمين عليها ليس إلا. لذلك يمكن القول أن الاستقرار السياسى يعتمد على الثقافة السياسية. فالتجانس الثقافى والتوافق بين ثقافة النخبة والجماهير يساعدان على الاستقرار. أما التجزئة الثقافية والاختلاف بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير، فإنه يشكل مصدر تهديد لاستقرار النظام السياسى.