منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
By فيصل العثيمين 51704
#68251
منذ قامت الثورات العربية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، وكذلك في سوريا، يتصاعد الحديث حول تأثير هذه الثورات على المشهد السياسي العربي بصفة عامة، وعلى العلاقات العربية - العربية، وهل ستؤدي المتغيرات السياسية الداخلية التي ستشهدها تلك الدول إلى إصلاحات في بقية الدول؟ وهل أدت إلى تغيير في بنية المشهد السياسي العربي بصفة عامة؟
تسعى هذه الدراسة إلى استكشاف تأثير هذه الثورات على التوجهات الخارجية لدولها، وعلى إطار العلاقات البينية بين الدول العربية في محاولة للوقوف على الملامح المستقبلية للمشهد العربي القادم. ولا شك أن تلك المحاولة تقتضي الإشارة إلى المشهد العربي والعلاقات البينية بين الدول العربية قبل هذه الثورات، والمشهد العربي الراهن للوقوف على تأثير هذه الثورات على هذا المستوى.
أولاً: سياسة المحاور ومساراتها قبل الثورات:
اتسم المشهد العربي قبل ثورات الربيع بوضوح الانقسام ما بين محورين:
الأول: محور الاعتدال الذي ضم كلا من مصر والسعودية، ومعها باقي دول الخليج باستثناء قطر، بالإضافة إلي الأردن واليمن.
الثاني: محور الممانعة: وقادته سوريا ومعها حزب الله الذي فرض نفوذه علي لبنان، وكذلك فصائل المقاومة الفلسطينية، واقتربت منهما قطر.
ورغم أن تبلور المحورين ارتبطا بالدرجة الأولي، بالموقف من الصراع العربي الاسرائيلي، إلا أن سياسة المحورين فرضا توجهاتهما علي المشهد والسياسة العربية بصفة عامة، وهوما انعكس على المسارات التالية:
المسار الأول:
تصاعد التنسيق والتفاهم المصري السعودي، المدعوم من باقي دول الخليج والأردن واليمن سياسياً واقتصادياً، وتعامل القوي الدولية المعنية بالمنطقة وقضاياها معه كمحور محرك للأحداث في المنطقة، وانعكس ذلك التنسيق في مختلف مجالات التعاون، ومثل هذا المحور كتلة متوافقة في مواجهة المحور الآخر، وفي مواجهة السياسة الايرانية الداعمة لذلك المحور.
المسار الثاني:
تزايد التحالف السوري القطري مع فصائل المقاومة وخاصة حماس وحزب الله، وتصاعد الخلافات مع المحور الأول وانعكاس ذلك علي العلاقات الثنائية بين دول المحورين.
المسار الثالث:
عدم قدرة أي من المحورين علي فرض وجهة نظره، فيما يتعلق بإيجاد حل للقضايا العربية المثارة وانعكاس ذلك علي العمل العربي الجماعي والمشترك بصورة كبيرة.
المسار الرابع:
انشغال دول المغرب العربي بقضاياها الذاتية، وتوجهها الاستراتيجي لدعم علاقاتها مع الدول الأوربية وهو ما اتضح خاصة في تونس والمغرب، وتبلور توجهات لعلاقات جزائرية وليبية مع دول إفريقية مع تباين سياسة الدولتين علي هذا المستوي.
ورغم هذا الاستقطاب بين الدول العربية، إلا أن التعاون فيما بين الدول العربية في المجال الأمني وبصفة خاصة في مواجهة الأنشطة الارهابية والمتطرفة، كان المجال الوحيد للتعاون الايجابي فيما بينها، ولعل الاجتماعات الدورية لوزراء الداخلية العرب كانت الاجتماعات الوزارية الوحيدة التي تخرج منها الدول العربية باتفاقيات واجراءات ومتابعة للتنفيذ.
هكذا كان المشهد العربي قبل ثورات الربيع العربي احتقانا واستقطابا ومزايدات، دون بلورة أية حلول للقضية المركزية العربية، وهي الصراع العربي الاسرائيلي، كما انعكس ذلك علي المصالحة الفلسطينية بصورة كبيرة، وانفتاح المشهد الإقليمي علي حضور متزايد للقوي الاقليمية خاصة إيران وتركيا.
ثانياً: متغيرات عميقة ما بعد الثورات:
تدخل المنطقة العربية في الفترة الحالية مرحلة تحول كبير، وحراك سياسي غير مسبوق، أفرز تغيرات سياسية متلاحقة شملت ولا تزال كافة الدول العربية، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، ما بين ثورات أسقطت نظماً سياسية سادت لسنوات طويلة، وثورات لا تزال تناضل ضد نظم سياسية تستعصى –حتى الآن –على السقوط.
وتخرج مبادرات من دول أخرى حاولت أن تسبق الحراك الثوري بإصلاحات اقتصادية وسياسية، لا تزال في مراحلها الأولى، وهو ما يكشف في النهاية عن مشهد عربي تتغير ملامحه وتفاوت متغيراته، وإن كانت تؤكد على أن المنطقة تدخل تدريجياً في عملية تحول تاريخي عميق سوف تغير من المكونات الأساسية للمشهد العربي لتعيد تشكيله على أسس جديدة، تركز على مشاركة أوسع للرأي العام الداخلي، واحترام حقوق الإنسان والمواطنة ومساحة أوسع للمشاركة والتعددية السياسية، ورفض التبعية والاختراق الدولي للمنطقة.
وقد أدت المتغيرات التي شهدتها دول الحراك أو الثورات العربية إلي تغيرات عميقة في السياسة الخارجية لتلك الدول، أو علاقاتها بالدول العربية الأخرى، وكذلك علي مستوي العلاقات الثنائية فيما بينها.
ويعتبر وصول تيار الاسلام السياسي للسلطة في تلك الدول متغيراً كبيراً، ورغم أنه كان من المتوقع أن اكتساب هذا التيار للنفوذ والسلطة في كل من مصر وتونس وليبيا، بصفة خاصة سوف يعزز تحالفات بين النظم الحاكمة فيها ويؤدي إلي بلورة محور جديد علي الساحة العربية، إلا أن انشغال تلك الدول بعملية البناء الداخلي ومحاولة استعادة الامن والاستقرار الداخلي، ومواجهة بعضها لأزمات اقتصادية حادة، لم يسمح بتحقيق ذلك حتي الآن، كما لم تعبر النظم السياسية في تلك الدول عن رؤية استراتيجية واضحة المعالم بخصوص سياساتها العربية والخارجية بصفة عامة، وبالتالي فإنه من الصعب تصور بلورة محور يضم هذه الدول ويتحرك علي مستوي المنطقة خلال الفترة القادمة[1].
ومن ناحية أخرى لا تزال اليمن تواصل المرحلة الانتقالية، طبقاً للمبادرة الخليجية، من خلال انتقال سلمى للسلطة وإعادة هيكلة القوات المسلحة وأجهزة الأمن في انشغال واضح بالداخل على حساب أيه سياسات إقليمية أو خارجية بصفة عامة، كما أن تصاعد الحديث عن مطالب انفصالية في الجنوب والشمال سوف يحد من اي مشاركة يمنية فيما يتعلق بقضايا المنطقة أو أية تحالفات داخلها.
حول الدعوة لتنشيط الاتحاد المغاربي:
تأثرت منطقة المغرب العربي بالمتغيرات الجديدة بصورة كبيرة، ويمثل وصول الإسلاميين للحكم في تونس وليبيا تحدياً للدول المغاربية، ينعكس سلبياً على علاقاتها الأوروبية، التي تتخذ موقف الترقب تجاه النظم الإسلامية وتوجهاتها، وترجع أهمية ذلك إلى أن الاتحاد الأوروبي يعتبر الشريك الاقتصادي والتجاري الأول مع تلك الدول التي تتسع علاقاتها الثنائية والمتعددة مستندة على اتفاقيات متعددة تنظم هذه العلاقات[2].
ورغم الدعوات المتكررة خلال العام الأخير حول ضرورة إعادة تنشيط الاتحاد المغاربي إلا أن التحديات الأمنية التي أفرزتها المتغيرات في تونس وليبيا على وجه الخصوص، لم تسمح باتخاذ أيه خطوات أو اتجاهات لتحقيق ذلك، فقد عرفت المنطقة تدهوراً أمنياً متصاعداً إثر سقوط النظام الليبي واندماج بعض ميلشيات تنظيمات متطرفة في أجهزة الأمن الليبية وتزايد انتشار الأسلحة دون ضوابط، وعمليات تهريب الأسلحة عبر حدود بعض الدول المغربية وإلى مناطق الجوار الإفريقي وإلى مصر.
ورغم إدراك الدول المغاربية لحجم المخاطر والتهديدات الأمنية التي تشهدها المنطقة، إلا أن تباين وجهات النظر بين دول المنطقة، واستمرار الخلاف الجزائري المغربي، وعدم تقبل الجزائر ـ حتى الآن ـ لطبيعة المتغيرات التي تشهدها ليبيا، أدى إلى تراجع الحديث عن إعادة تنشيط الاتحاد المغاربي والتركيز على التعاون الثنائي لمواجهه التداعيات الأمنية والتهديدات الإرهابية والجريمة المنظمة، وهو ما يحظى بدعم أمريكي وأوروبي، وهو الأمر الذى يسمح بعلاقات بين دول من المنطقة ودول جوار أفريقي مع تنسيق أوروبي وأمريكي على حساب أي تعاون جماعي مغاربي.
وهو الأمر الذى يرجح أن يكون التعاون الأمني المرتبط بالتطورات الليبية بصفة خاصة وتزايد الحضور السلفي الجهادى المتشدد مجال التعاون المرجح بين الدول المغاربية وعلى حساب أيه مجالات للتعاون السياسي أو الاقتصادي أو الاهتمام بالقضايا العربية أو العلاقات.
العلاقات مع دول الخليج العربي:
منذ انطلاق ثورات الربيع العربي، سعت دول مجلس التعاون إلى التكيف مع متطلبات التغيير بعد تصاعد المطالب الشعبية وبذلت جهودًا مضنية لوقف أي حراك شعبي يطالب بالتغيير.
وأكدت الدول الخليجية من حين لآخر على مناعتها من تداعيات هذه الثورات، التي انعكست بدرجات وأشكال متباينة على تفاعلات دول المجلس وخياراته في علاقاته مع القوى الإقليمية والدولية التي تأثرت مصالحها بفعل هذه الثورات وتداعياتها.
كانت الثورات العربية بمثابة اختبار لدول الخليج للتعاطي مع الثورات العربية، والتي تراوحت بين الحماية، وكبح الثورات أو الانتفاضات، ومحاولة التقرب من المتظاهرين، وكانت دول مجلس التعاون الخليجي- لا سيما قطر والسعودية والإمارات- في الواجهة لدعم التغيير في الدول الديكتاتورية، إلى درجة أنه بعد حدوث الثورات في منطقة شمال إفريقيا قامت دول المجلس بتوظيف كافة وسائل التعاون السياسي والاقتصادي مع النظم الجديدة في تونس ومصر وليبيا. وقامت هي الأخرى بدعم الأحزاب السياسية المختلفة والتي بدت أنها الرابحة من التغيير الحاصل في البيئة السياسية المتحولة[3].
وكانت أهم مخاوف دول الخليج في المنطقة من المتغيرات الجديدة تتمثل في صعود الإخوان في المنطقة، وخاصة الإخوان المسلمين في مصر، وكذلك الخوف من تصدير الثورة من هذه الدول الي منطقة الخليج، وكذلك مخاوف أن يصبح الإخوان مصدر إلهام ودافع لتحريك ودعم الجماعات الإسلامية الأخرى في الدول الخليجية لا سيما بعد تمكن التيارالإخواني من الوصول إلي الحكم خلال الانتخابات، وهذا التيارالذي يمتد في شمال إفريقيا، وبدأت ارهاصاته تظهر في الكويت، وله دعم من قطر بصفة خاصة، وتختلف مواقف الدول الخليجية في التعامل مع هذا التيار من دولة لأخرى.
وبصفة عامة يمكن القول أن العلاقات المصرية الخليجية ما زالت قيد التشكل، لأن تطوير العلاقة مع مصر ما زال يعتمد على ترابط مواقف جميع دول الخليج، وعلى كل الأحوال تتبنى الدول الخليجية سياسة تعتمد على الترقب والإنتظار، والمحافظة على الحد الأدنى من العلاقات كاستراتيجية محورية في إدارة هذه العلاقات، لأن قطع العلاقة مع فصيل يحكم مصر من شأنه أن يدفع مصر للتوجه نحو إيران.
الأوضاع اٌقتصادية فى دول الثورات

على الرغم من المكاسب السياسية والاجتماعية التي تحققت من الثورات في كل من مصر وليبيا واليمن وتونس، الا ان هذه الدول دفعت فاتورة باهظة الثمن حتي الآن علي المستوي الاقتصادي، حيث وصلت قيمة الخسائر الاقتصادية الي مائة مليار دولار[4].
ويحذر الخبراء من تحديات اقتصادية مهمة في الوطن العربي تستدعي الوقوف عندها ومعالجتها بجدية وسرعة، ومنها ارتفاع معدل البطالة الذي تجاوز 18%، وهو ما يعني وجود ما يزيد علي 17 مليون عاطل عن العمل، ما يحتم ضخ 70 مليار دولار، لاستثمارها في مشاريع توفر فرص عمل جديدة، في حين تستضيف الدول العربية أكثر من 15 مليون عامل أجنبي، وفي الوقت نفسه هناك هجرة مستمرة للكفاءات العربية إلي الخارج بسبب نقص فرص العمل، فنحو 20% من خريجي الجامعات العربية يهاجرون إلي الخارج سنويا[5].
وتشير البيانات الواردة في أحدث التقارير الاقتصادية العربية والدولية الصادرة عن جامعة الدول العربية وصندوق النقد العربي ومنظمة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها من المؤسسات الدولية إلي تأثر الوضع المالي والسياسات المالية للدول العربية بدءا من عام 2011، كما تسببت الأزمة في تباطؤ الإيرادات العامة، حيث تعاني دول الثورات من أزمات اقتصادية حادة، وقد تزايدت انتقادات صندوق النقد الدولي للحكومات الجديدة في تلك الدول بسبب عجزها عن تنفيذ اصلاحات مالية واقتصادية وهو ما زاد من تأثير حجم الأزمات الاقتصادية التي تعانيها وأصبح يهدد السياسة المالية لتلك الدول.
وتشير تقارير تلك المؤسسات التي صدرت مؤخراً إلى أن هذه الدول التي كانت تعتبر من المناطق الديناميكية، اقتصادياً وتنموياً ومؤهلة لتكون اقتصاديات صاعدة أصبحت تتخبط في أزمات متعددة الجوانب، وهو ما يرجح – طبقاً لهذه التقارير – عجز تلك الدول على معالجة مشاكل البطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية وهي الشعارات الرئيسية التي رفعتها قوى الثورة[6].
ومن الواضح أن بعض دول الثورات أصبحت قريبة جداً من قبول شروط أو توصيات صندوق النقد الدولي، وسوف يزداد هذا القبول مع حاجتها المتزايدة لتوفير مصادر التمويل الضرورية.
ولا شك أن التحفظات والتراجع الحالي في علاقات بعض دول الثورات مع عدد من دول الخليج قد زاد من الصعوبات الاقتصادية، التي تواجهها تلك الدول وخاصة مصر رغم المبادرات القطرية بهذا الخصوص، فقد كانت دول الخليج خاصة السعودية والامارات والكويت الداعم الرئيسي للاقتصاد المصري على سبيل المثال، إلا أنه في أعقاب الثورة المصرية وتصدر التيار الاسلام السياسي للحياة السياسية في مصر تراجعت هذه العلاقات بصورة كبيرة.
وقد كشف تقرير اقتصادي أعدته الأمانة العامة لاتحاد غرف مجلس التعاون الخليجي أن التجارة العربية البينية ما زالت تعاني ضعفاً على الرغم من إبرام الدول العربية اتفاقيات للتجارة الحرة وتيسير التبادل، حيث لم تتجاوز نسبة التجارة البينية في الدول العربية 10 في المائة وفق آخر إحصائية، في الوقت الذي توجد مبادلات تجارية متزايدة مع بقية دول العالم الأخرى[7].
تحديات العلاقات الفاترة.. التدخل والأزمة السورية:
بصفة عامة فأن المشهد العربي الراهن يكشف عن عدد من التحديات التي تبلورت في العامين الأخيرين، نسردها فيما يلي:.
أولا: بين الهواجس والتدخل في شئون الدول الأخرى:
حيث تشهد انقساما يشمل نصف النظام القديم (المتوجس) والنصف الجديد (المضطرب)، فقد قسّمت الثورات العالم العربي إلى شطرين، الأول هو دول الملكيات المستقرة، وفي القلب منها دول مجلس التعاون الخليجي، وهذه الدول من المفترض أنها تحرص على بقاء النظام العربي بعد الثورات على غرار النظام السابق: لا يتدخل في الشؤون الداخلية، وتحكمه العلاقات الرسمية.
-هناك جامعة عربية تعمل على الحفاظ على الأمر الواقع، وتسعى دول المجلس إلى ذلك على الرغم من أن ظروف وأوضاع العالم العربي في ظل الثورات فرضت عليها أن تكون البادئة بتغيير هذه القواعد، وتأييد العمل العسكري في كل من سورية وليببا.
فيما يبدو فإن التدخل في الشؤون الداخلية كقاعدة جديدة في العمل العربي المشترك يتوقع أن يدخل العالم العربي، في مرحلة من الاضطراب والخلافات، وهناك عدد من المظاهر التي توحي بذلك؛ فلم يكن خطاب الرئيس مرسي في القمة العربية في الدوحة في أبريل سنة 2013 والذي توعد فيه من يتدخل في مصر إلا مؤشرا واضحا على خلافات لا تزال تحكم العلاقات العربية في الفترة الحالية.
وقد جاء تصريح الرئيس محمد مرسي مرتبطا بتوافر قناعات لديه حول تدخلات بعض الدول العربية في الشأن المصري، وإلى الآن لا يبدو أن هذه الخلافات قد استحكمت او تصاعدت بصورة كبيرة، الا انه من الواضح ان العلاقات العربية لا تزال عند الحد الأدنى للفتور، ولكن يتوقع أنه كلما ازداد الاضطراب والقلق أو الفشل الداخلي في دول الثورات، أن يمتد تأثير ذلك إلى الدول الأخرى.
كما يتوقع أيضا أن تقف بعض دول الربيع، أو مجموعات داخلية بها، في انتظار أي توتر داخلي بدول مجلس التعاون الخليجى لاستثماره، ومن ثم فإن تصور استمرار أو بقاء الأمر الواقع لم يعد هو الاحتمال الاكثر ترجيحا.
وفي التقدير أنه في هذه الحالة من المتوقع أن يؤدي ذلك الي أن يواجه النظام العربي حالة تعارض بين مركز القيادة الجديد (دول مجلس التعاون الخليجي)، ومركز القيادة العائد(مصر)، الذي يحتاج إلى الطرف الاول للمساعدة في حل وإنهاء آثار المرحلة الانتقالية التي تركت بصمات داخلة، وبالتالي فان مستقبل العلاقات المصرية مع دول مجلس التعاون الخليجي سوف يبقي عاملا حاكما في مسار العلاقات العربية العربية، والمشهد العربي بصفة عامة.
ثانياً: الأزمة السورية والتباين العربي:
هو كيفية التعايش مع احتمال استمرار الازمة في سورية دون حسم، فمن المؤكد أن مصير الثورة في سورية لن يتوقف عليه فقط مستقبل سورية، وإنما سيتحدد وفقا له وبصورة أساسية مستقبل النظام العربي وطبيعة العلاقات بين وحداته.
من شأن بقاء الوضع الراهن مدة أطول أن يكرس قضية أخرى مركزية في قلب العالم العربي تستوجب الاهتمام العربي وتمثل اشغالا لوحداته لفترة قادمة، ربما يتجاوز تركيزها واهتمامها بقضية فلسطين. ومهما كانت النهاية التي يكون عليها الوضع في سورية، فإنه من المتوقع أن تستمر حالة الارتباك في الموقف العربي بخصوصها، خاصة وان الجامعة العربية طرف رئيسي في الأزمة حيث تبنت موقفا محايدا في العلاقة بين النظام والمعارضة وسرعان ما ألقت بثقلها الكامل خلف قوى الثورة وضد للنظام، وكانت قراراتها الأخيرة في قمة الدوحة إعلانا كاملا عن ذلك بقرارها منح المعارضة مقعد سورية بالجامعة، والسماح لمن يرغب من الدول العربية بالدعم العسكري للثوار.
وبغض النظر عما تسفر عنه المعركة في سورية، فإنها ستظل قضية مركزية للنظام العربي لفترة طويلة مقبلة. فلو استمر النظام لفترة أو قررت روسيا والصين وإيران دعمه حتى النهاية، ولو ظل الموقف الغربي كما هو متردد في التدخل العسكري، فسوف تستمر حالة العجز العربي عن تغيير الحقائق على الأرض، أما إذا انتهت الأوضاع بسقوط النظام، فسوف تشهد المنطقة العربية تدخلات أوسع في الشأن السوري وهو ما سيزيد من حجم الخلافات العربية العربية خاصة مع ما هو منتظر من تداعيات علي دول الجوار( لبنان والاردن والعراق).
كما يواجه النظام العربي معضلات اساسية تتمثل في كيفية إرساء قواعد لنظام عربي جديد، والاستثمار في المرحلة الانتقالية في الوصول لقواعد عربية جديدة وابتكار آليات عمل عربية مختلفة.
ملامح جديدة في الواقع العربي:
بصفة عامة فان الواقع العربي الراهن يشهد ملامح جديدة تمثلت فيما يلي:
-دول أكملت ثوراتها وبدأت في التغيير، ولكنها متعثرة، وتشمل: تونس ومصر وليبيا واليمن، بعضها يشهد بروز تيارات إسلامية سلفية وإخوانية وسلفية جهادية وقاعدية. ودول لا تزال في الوضع الثوري المضطرب، ويتوقع أن تطول أزمتها، ولا تزال الاحتمالات المستقبلية لانعكاسات الصراع داخلها إقليميا غير معروفة بدقة (سورية)، ودول لا تزال تشهد قدرا من التماسك، ولكنها هي الأخرى تشهد أوضاع اضطراب، وتتعامل مع الثورات بمنطق كرة اللهب التي تلقيها على غيرها بسرعة كلما اقتربت منها.
-تولي نخب جديدة غير قادرة على استعادة رمزية الدولة، وعاجزة عن تحقيق التوافق السياسي الداخلي أو التوافق على الدستور، في ضوء التحديات الهائلة التي لا تتيح لها فرصة كافية لمواجهتها، وهذه الدول من الممكن أن تشهد اضطرابات مجتمعية عنيفة وتدخل في دوامة عنف داخلي طويلة.
-العجز عن إدارة التحول الديمقراطي: فعلى الرغم من أن المبادئ التي حركت الثورات العربية هي حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية والتصدي للاستبداد، إلا أن عددا من الدول العربية يشهد ابتعادا واضحا عن هذه المباديء، وذلك مع تزايد وتبلور مشهد الصراع الداخلي بين التيار الإسلامي (الإخواني والسلفي بكل أطيافه)، والتيار المدني العلماني الليبرالي، ومع اعتقاد كل طرف أنها فرصته التاريخية في بناء الدولة التي يريد.[8]
وفي النهاية يمكن القول أن الواقع العربي الحالي لا يسمح بوجود رؤية موحدة للمخاطر والتهديدات التي تواجهها المنطقة وبمعني أخر لا توجد رؤية موحدة للدول العربية يتضمن تقييماً متفقا عليه بخصوص سياسات الدول الكبرى والإقليمية ذات الاهتمام بالمنطقة، ولا يوجد اتفاق علي إيجابية أو سلبية تلك السياسات وتأثيرها علي الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل وأبعاده المختلفة وهو ما يجعل من الصعب تبلور منظومة للأمن القومي العربي أكثر إيجابية خلال المرحلة الحالية، بل إنه من المرجح أن تشهد منظومة الأمن القومي العربي المزيد من التراجع انتظاراً لما تسفر عنه الثورات العربية من تطورات وحصيلة التغيير السياسي علي اتساع العالم العربي وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من مناخ إيجابي يمكن أن يغير من واقع بيئة الأمن القومي العربي الحالي[9].
كما يمكن القول أن مجمل ما شهدته المنطقة العربية من حراك سياسي وتغييرات دستورية، لم تسفر حتي الان علي آثار ايجابية، علي مسار العلاقات العربية العربية بل أن الارجح أن تستمر مرحلة القلق وتحكم هذا المسار لفترة قادمة في ظل ما يشهده المشهد العربي من فراغ سياسي واستراتيجي.
كما أن المشهد العربي الراهن يطرح احتمالات قوية حول استمرار المرحلة الانتقالية في دول الثورات العربية، واستمرار الأزمات الاقتصادية والأمنية بصورة أكثر تهديداً للاستقرار في تلك الدول، ولعله من المفيد أن تدرك باقي الدول العربية أن عدم استقرار الأوضاع واستمرار الأزمات في تلك الدول، سوف تنسحب تداعياته على الاستقرار والأمن في باقي المنطقة ودول الإقليم، وأن مناخ التوتر والأزمات يمكن أن يهيئ المناخ لحضور العنف وتنامي تيارات التطرف العابرة للدول المهدد للاستقرار في المنطقة بصفة عامة، وأن مصلحة كافة الدول في المنطقة أن تدرك أن استمرار هذا المناخ سوف يمس الأمن القومي لدول الإقليم كافة، وأن تجاوز الدول التي تعاني من أزمات حالياً، سوف يعمق في النهاية مكاسب للجميع، ويحصن المنطقة من الاختراقات الخارجية قدر الإمكان.