منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#69469
غلت التغيرات السياسية في منطقة الشرق الأوسط اهتمام الأكاديميين ودوائر صنع القرار الصيني، خاصة بعد نجاح ثورات الربيع العربي في كل من: تونس، مصر، ليبيا، واليمن، فضلاً عن الدور الصيني في الأزمة السورية الراهنة. فهل تشهد السياسة الخارجية الصينية تجاه المنطقة تحولاً استراتيجياً، أم أن ما حدث هو مجرد تحولات تكتيكية؟.

وفي هذا السياق ، تأتي أهمية دراسة الباحث الصيني "لي وي تيان" التي تحلل السياسة الخارجية لبكين تجاه الشرق الأوسط بعد الثورات، وذلك في مؤتمر نظمه معهد شنغهاي خلال العام 2012، حول "التحولات السياسية والدبلوماسية في منطقة الشرق الأوسط"، كما اهتم بعض الكتاب في بكين بتطور العلاقات المصرية – الصينية بعد زيارة الرئيس مرسي ، كنموذج للتوجهات الصينية الجديدة في المنطقة.

تغيرات في المعادلات الإقليمية

تتناول دراسة الباحث "لي وي تيان" التغيرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط منذ أكثر من عامين، إذ ترى أن اندلاع الاضطرابات في المنطقة وإسقاط أنظمة استبدادية ظلت لعقود طويلة، يعمل على إعادة تشكيل الأدوار الإقليمية في المنطقة. من هنا، تواجه الصين هذا الوضع الجديد في منطقة الشرق الأوسط، لتطوير دبلوماسيتها إزاء التغيرات الراهنة في منطقة الشرق الأوسط، والتركيز على المستقبل، وأخذ زمام المبادرة لخلق بيئة مواتية لتعزيز النفوذ السياسي للصين في منطقة الشرق الأوسط.

وعلى النقيض من الباحثين الغربيين والعرب، فإن غالبية الباحثين الصينيين لديهم وجهة نظر أكثر تحفظاً في استخدام مصطلحات " الثورة " والربيع العربي، حيث يميلون لمفردات "الاضطرابات" و"التغييرات" للتعبير عن آرائهم بشأن الوضع في الشرق الأوسط.

ويرى "لي وي تيان" أن التوازن السياسي في منطقة الشرق الأوسط بعد ثورات الربيع العربي يتخذ ثلاثة أشكال هي كالآتي:

أولاً- الصراع بين التيارات الدينية والعلمانية في الشرق الأوسط ، والذي ينعكس بوضوح في عملية الانتقال السياسي داخل المنطقة، وصعود القوى والتيارات الإسلامية في نهاية المطاف إلى سدة الحكم في عدد من بلدان الثورات العربية.

ثانياً- التناقضات الطائفية في منطقة الشرق الأوسط، فاللعبة الطائفية ، خاصة بين السنة والشيعة أصبحت تتركز بشكل متزايد في الوضع المتغير في الشرق الأوسط. وأشار الباحثون الصينيون إلى احتمال نشوب نزاع طائفي في المنطقة سيكون له تأثيرات على الأدوار الإقليمية ، خاصة في ظل حالة المنافسة على الهيمنة الإقليمية بين السعودية وإيران.

ثالثاً- الصراع بين عدد من البلدان المتنافسة في المنطقة على النفوذ الجيوسياسي، بما في ذلك استخدام المال وغيرها من الوسائل لممارسة النفوذ على البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية، وكذلك لدعم المعارضة في الأزمة السورية. وفي هذا الإطار تبرز قطر وتركيا ، ودول مجلس التعاون الخليجي التي يرى الباحثون الصينيون أن دورها سيكون مؤثراً، وقد تصبح القوة المهيمنة في المنطقة مستقبلياً.

نحو سياسة خارجية صينية جديدة في الشرق الأوسط :

في هذا الإطار ، ترى الدراسة أن الحديث عن سياسة خارجية صينية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، بعد التغييرات السياسية الواسعة التي شهدتها هذه المنطقة، هي محل اهتمام صيني. فالدبلوماسية الصينية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط ستقوم في إطار التعاون مع جميع الفاعلين الجدد ، بما يحقق المصالح المتبادلة بين مختلف الأطراف الفاعلة في المنطقة والصين، مع البحث عن آليات أخرى للتعاون مع البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية في المنطقة.

وهنا، ستتخذ الصين – وفقاً لرؤى لي وي تيان - عدة آليات للدفاع عن مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، بعد نجاح ثورات الربيع العربي، وهي كالآتي:

أولا: الأخذ بزمام المبادرة:

فالصين أضحت في حاجة ملحة لاستكمال التحول من قوة إقليمية آسيوية إلى قوة عالمية، وهنا ينبغي أن تلعب الدبلوماسية الصينية دوراً لأخذ زمام المبادرة لتشكيل نمط سياسي ودبلوماسي جديد يكفل الانتقال من الاستجابة السلبية الدبلوماسية، وسياسة الانتظار في منطقة الشرق الأوسط، إلى استجابة أكثر إيجابية، مما يستلزم القيام ببعض التفكير، وتعديل السياسات.

وتقترح الدراسة ضرورة تغيير نمط "الخطاب الصيني" السائد، وبناء توجه وخطاب صيني جديد، خاصة في التعامل مع بلدان المرحلة الانتقالية في منطقة الشرق الأوسط، بحيث يخرج من نطاق السلبية، التي كانت مبدأ صينياً ثابتاً لفترة طويلة في التعامل مع سياق الهيمنة الغربية.

ثانيا: القوة الصينية الناعمة:

ترى الدراسة أنه لكي تلعب الصين دوراً رائداً في مستقبل الشرق الأوسط، فعليها توسيع أفكارها، وهنا يأتي دور القوة الصينية الناعمة كوسائل الإعلام والنواحي الثقافية، وغيرها كجزء مهم للدفاع عن المصالح الوطنية للصين في بلدان المنطقة.

ثالثا: التكيف مع التغيير وتحسين السياسات:

فقد أضحى من المهم للصين أن تأخذ في الحسبان العديد من التغييرات في الشرق الأوسط لتطوير سياسة مختلفة. لذا، فإنه يتعين عليها فتح الباب أمام دول أخرى في الشرق الأوسط، وذلك لمواجهة الوضع الجيوسياسي الجديد، ثم تنقيح السياسات الصينية وتكييفها، وفقاً للظروف المختلفة في كل بلد.

رابعا: انتهاز الفرصة لتوسيع مجال الاستثمارات:

فمع تغير الوضع في المنطقة، فإنه يتعين على الصين التركيز في مستقبل علاقاتها الخارجية مع دول الشرق الأوسط، على إعادة بناء الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي في هذه الدول، ومساعدة شعوب هذه المنطقة في التعرف على تجربة التنمية في الصين وقوتها الاقتصادية الهائلة.

السياسة الصينية تجاه مصر بعد الثورة

بتطبيق التوجهات الصينية الجديدة على دولة كمصر، فإن بكين تولي اهتماما كبيرا للتكيف مع التغيرات التي حدثت في مصر بعد ثورة 25 يناير، وفي هذا تأتي أهمية زيارة الرئيس محمد مرسي إلى بكين ، في إشارة لإمكان أن تستفيد الصين من رغبة القيادات الجديدة في المنطقة لصياغة توازن في علاقاتها الدولية وتقليص التبعية للولايات المتحدة الأمريكية.

وفي هذا السياق ، كتب "وو بينغ بينغ"، نائب مدير قسم اللغة العربية بجامعة بكين مقالا عقب زيارة مرسي إلى الصين تحت عنوان: "مصر بعد الثورة تحتاج للصين أكثر". أوضح الكاتب أن زيارة الرئيس مرسي للصين مع بداية حكمه وليس الولايات المتحدة ، تعكس حقبة مختلفة عن أفكار الرئيس السابق "مبارك"، كما أشار إلى الأهمية الرمزية لزيارة الرئيس المصري إلى "إيران" بعد بكين، خاصة بعد قطع علاقاتهما الدبلوماسية منذ عام 1979.

ولفت الكاتب الصيني إلى صمود الرئيس مرسي أمام الضغوط الهائلة بشأن السفر إلى إيران، معتبرا أن ذلك يشير إلى أن مصر بعد الثورة أضحت ترغب في دور إقليمي وعالمي أكثر استقلالا ، فضلا عن الرغبة في التعلم من تجارب التنمية في أسيا. وأشار إلى خطورة المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر اقتصادياً واجتماعياً، لذا، ينبغي عليها أن تتطلع إلى الإفادة من تجربة صعود الصين للعمل على إعادة تشكيل نمط علاقات القوى الكبرى في الشرق الأوسط.

واعتبر الكاتب أن التهديد الرئيسي للمصالح الصينية في الشرق الأوسط ، هي هيمنة الولايات المتحدة على المنطقة ، لذا يتعين على الصين لمواجهة هذا التهديد، تعزيز الاتجاه نحو تعدد الأقطاب في الشرق الأوسط. وهنا، تأتي أهمية مصر في هذا الصدد. كما أن استقلال الدور المصري – بحسب الكاتب - يمكن أن يساعد الصين استراتيجياً في الشرق الأوسط، كي تلعب دوراً موازناً وفريداً لمجابهة هيمنة القطب الواحد في الشرق الأوسط.

بينما جاءت مقالة الكاتب الصيني "لي تشي" في أخبار الصين بتاريخ 30 أغسطس تحت عنوان: زيارة الرئيس المصري مرسي للصين هي "خطوة استثنائية"، ويطرح المقال عدة تساؤلات، يمكن إبرازها كالآتي: ما هي الأولوية لزيارة الصين؟، بل ما هي الاعتبارات لمثل هذه الزيارة؟ وما إذا كان مثل هذا الترتيب يؤدي إلى معرفة التخطيط الاستراتيجي الجديد لمصر، وإعادة تخطيط الدبلوماسية المصرية في المستقبل أم لا؟ ، وهل يمكن أن تكون تجربة الصين في التنمية الاقتصادية علاجاً شافياً للخروج من المأزق الاقتصادي في مصر؟.

ويستعرض المقال آراء المؤيدين والمعارضين لبدء الرئيس مرسي زيارته للصين دون الولايات المتحدة، حيث جاءت آراء المؤيدين، كي تعكس أن زيارة الرئيس مرسي للصين في أولى جولاته الخارجية هي خطوة غير عادية، إذ تفتح بابا جديدا لمصر، وترسي مبدأ مهما في العلاقات الدولية الجديدة مضمونه "يجب علينا ألا نخاف من أحد"، وهو ما أدركته مصر بعد ثورة 25 يناير.

ويرى الكاتب الصيني أن بكين الوحيدة القادرة على حل مشكلة نقص الأموال لدى مصر، وعلى مصر أن تتعلم من تجربة الصين الناجحة في السوق المصرية المفتوحة للاستثمار، بما لا يضر العلاقات مع الولايات المتحدة، لأن الولايات المتحدة ومصر لديهما العديد من اتفاقيات التعاون.

واعتبر المقال أن زيارة الرئيس مرسي للصين ستؤثر في العلاقات بين مصر والولايات المتحدة، حيث قد تفرض واشنطن على مصر بعض الضغوط السياسية، ولكن مع تأكيد أن الظروف الإقليمية والدولية قد تغيرت تماماً. وينهي الكاتب مقاله "الآن، لدينا الفرصة لفتح الباب لعلاقات مفتوحة مع مصر ومساعدتها في عملية التنمية".

إن اختيار الرئيس مرسي للصين، كأول دولة كبرى يزورها خارج المنطقة العربية والإفريقية، يأتي في إطار دعم استقلالية سياسة مصر الخارجية، وعدم الخضوع إلى جهة أو دول معينة. في المقابل ، فإن الصين تشهد تجديدا في توجهاتها تجاه الشرق الأوسط للتكيف مع المتغيرات الجديدة ، لكن المعضلة أن مرحلة عدم اليقين وتشكل المعادلات الإقليمية لا يزال قيد التبلور في الشرق الأوسط ، بما يصعب على بكين خطواتها تجاه المنطقة