منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#69675
الهجرة «غير القانونية» مشكلة دولية وليست خاصة بالمملكة
د. رشود الخريف

الهجرة ظاهرة اجتماعية ـــــ جغرافية وُجدت منذ أن وجد الإنسان على سطح الأرض، ولا تقتصر الهجرة على الإنسان، بل تهاجر الطيور والحيوانات في مواسم معينة ولأسباب متعددة، كالتكاثر بالنسبة للطيور، وطلب الرزق أو العلم أو الهروب من مناطق التوتر والتمييز العنصري والكوارث. الهجرة في أساسها ثراء للمجتمعات المستقبلة وإضافة إيجابية من النواحي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، خاصة إذا كانت تتدفق بأعداد تتناسب مع قدرة المجتمعات ''المستقبلة'' على الاستيعاب، وبصفة نظامية، ولكنها خلال العقود الأخيرة أصبحت مصدر قلق أمني وسبب لعدم الاستقرار في المجتمعات المستقبلة أو دول العبور كاليمن والجزائر، كونها ''غير نظامية'' يصاحبها تزايد في العنف والإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات وارتكاب الجريمة. وتزداد خطورة الهجرة ''غير النظامية'' عندما تكون وسائل الضبط ضعيفة وغير مؤسسية، خاصة أن بعض هؤلاء المهاجرين ''غير النظاميين'' يضطرون لممارسة بعض الأعمال غير الأخلاقية، كالدعارة، والاتجار بالبشر، خاصة من النساء والقصر، أو تهريب المخدرات، أو ممارسة العنف، أو الاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة. ولم تُعد الهجرة ''غير النظامية'' عفوية وفردية، بل أصبحت في معظم الأحيان تُدار من قبل شبكات دولية تقوم على استغلال المهاجرين المحتاجين للعمل.

والهجرة ''غير النظامية'' يُطلق عليها أحياناً الهجرة ''غير الشرعية'' أو ''غير القانونية''، وأحياناً ''الهجرة السرية (الحرقة)''، كما تُسمى في المغرب العربي، أي إحراق الوثائق كجواز السفر وغيره، التي تربطه أو تثبت انتماءه لبلده الأصلي، ويسلك طرقاً وعرة وسرية وغير معتادة للوصول من دولة المنشأ إلى دولة المقصد. ولا تزال مشكلة دولية تعانيها العديد من الدول، وخاصة في أوروبا وأمريكا وأستراليا ومنطقة الخليج العربي على وجه الخصوص. تستقبل الولايات المتحدة مئات الآلاف سنوياً من المتسللين عبر الحدود الجنوبية، كما تعاني أوروبا تدفق المهاجرين من شمال إفريقيا وتركيا.

وتتعامل الدول المستقبلة للهجرة ''غير الشرعية'' بطرق متعددة وأساليب متفاوتة. على سبيل المثال، تعاني الولايات المتحدة معاناة كبيرة، إذ يُوجد بها أكثر من 12 مليون مهاجر يقيم بها بصفة غير نظامية، وكثيراً ما تقوم الولايات المتحدة بضبط وإعادة المهاجرين إلى حيث أتوا عند ضبطهم على الحدود، ولكنها لا تتمكن في كل الأحوال، مما يجعل مسألة التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين مجالاً للجدل في ''الكونجرس'' والهيئات السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة قامت بترحيل 1.8 مليون عام 2000، ونحو 981 ألف مهاجر غير نظامي عام 2009، ونحو 863 ألف في عام 2010.

ويُقدر عدد المهاجرين في بريطانيا بصفة غير نظامية ما بين نحو 600 ألف إلى 800 ألف شخص في الوقت الحاضر. لذا أصدرت نظاماً يُلزم أصحاب العقارات، وكذلك الأطباء بالتأكد من حالة الهجرة قبل التأجير أو تقديم الخدمات الطبية، مما يزيد من الصعوبة في الحصول على رخصة قيادة سيارة أو فتح حساب بنكي. وتقدِّر الحكومة البريطانية أن تصل تكلفة المهاجرين غير الشرعيين سنوياً إلى أكثر من 500 مليون جنيه استرليني.

كذلك قامت فرنسا بترحيل ''الغجر'' إلى رومانيا في 2010، وفي 2012 رحَّلت 33 ألف مهاجر ''غير نظامي'' إلى دولهم. ومن جانب آخر، تقوم تركيا بترحيل من يدخلون بصفة ''غير قانونية، وتعيدهم من حيث أتوا، عند ضبطهم على حدودها مع سورية أو إيران. وفي عام 2012 قامت سنغافورة بترحيل عمال صينيين قاموا بالإضراب عن العمل.

وعلى الرغم من أن الجزائر دولة عبور ومصدر للهجرة غير النظامية المتجهة لأوروبا، فإنها تعاني الهجرة ''غير النظامية'' التي تتدفق إليها من دول إفريقيا جنوب الصحراء وكذلك من الصين وبعض الدول الآسيوية. وتُعد الهجرة ''السرية'' جريمة يعاقب عليها القانون الجزائري. ولشعور الجزائر بخطورة الهجرة غير الشرعية أنشأت ''الديوان الوطني لمكافحة الهجرة غير الشرعية''.

وبالمثل تعاني السعودية الهجرة ''غير النظامية''سواء من خلال التخلف بعد أداء الحج أو العمرة، أو من خلال التسلسل عبر الحدود الجنوبية على وجه الخصوص. وتشير الإحصاءات لعام 1431هـ إلى أن عدد المتسللين المقبوض عليهم في منطقة جازان يصل إلى 174 ألفا، منهم 1228 إثيوبياً، ويصل عدد المقبوض عليهم في منطقة عسير نحو تسعة آلاف منهم نحو 600 إثيوبي، في حين يبلغ عدد المقبوض عليهم على الحدود في منطقة نجران 21800 منهم 417 إثيوبياً. ومن المؤكد أن هذه الأعداد ازدادت كثيراً خلال عامي 1433هـ و1434هـ. وقد تفاقمت مشكلة الهجرة ''غير النظامية'' نتيجة عدم التنسيق الفاعل مع دول العبور، خاصة اليمن، والتراخي لمدة طويلة دون معالجة المشكلة من منطلقات إنسانية، وكذلك عدم الاهتمام بإجراء دراسات جادة، كما أن المواطنين ''أفراداً ومؤسسات'' أسهموا إسهاماً كبيراً في تفاقم المشكلة وتزايد الأعداد، نتيجة تشغيلهم العمالة المتسللة بصفة ''غير نظامية'' في أعمال مهنية وزراعية، بل إن بعض الشركات المعروفة كانت تستخدم العمالة ''غير النظامية'' الموجودة في حي منفوحة خلال الشهور الماضية، مما شجع تسلل المزيد!

بوجه عام، فإن القضايا الاجتماعية ومنها ''الهجرة غير النظامية'' لا تحظى بالاهتمام في الوقت المناسب الذي يسمح بإجراء دراسات علمية جادة، وإنما يبدأ الاهتمام والمعالجة عندما تتفاقم المشاكل ويتطلب الأمر حلاً عاجلاً، لذلك فمن الضروري أن تُدرس المشكلة دراسة سكانية للتعرف على أماكن تركزهم وخصائصهم الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية للمساعدة في رسم سياسة مناسبة وآليات قابلة للتنفيذ. بالتحديد ينبغي التركيز على الأمور التالية: 1) الطرق التي تسلكها الهجرة غير الشرعية سواء كانت برية أو بحرية. 2) التعرف على شبكات الهجرة غير النظامية التي تقوم بتهريب المهاجرين أو مساعدتهم في التسلل. 3) الكشف عن الشركاء المحليين الذين يسهلون وصول المهاجرين، إن وجدوا. 4) تحديد أماكن تركز واستقرار المهاجرين بصفة غير نظامية والتعرف على خصائصهم. 5) دعم حرس الحدود بالتقنيات الحديثة وتطوير الجهاز لكي يكون أكثر فاعلية للتصدي للهجرة غير النظامية. 6) تحديث تقنيات وآليات الكشف عن تزوير الوثائق. 7) الاستفادة من الخبراء المحليين ومراكز البحوث المتخصصة في الجامعات. 8) استخدام ''البصمة'' عند الدخول للحج والعمرة أو عند توقيف المهاجرين غير النظاميين للكشف عن هوياتهم عند تكرار الدخول غير النظامي. 9) في حالات استثنائية يمكن إصدار بطاقات إقامة ''مؤقتة'' تسمح بالعمل في مهن محددة يتطلبها الاقتصاد.

في الختام، لا يُعد ترحيل العمالة ''غير النظامية'' من قبل دولة ''الوصول'' أمراً جديداً، بل يكاد يكون نهجاً معتاداً من قبل الدول المستقبلة، بدءاً بتركيا، والجزائر، وفرنسا، وأمريكا، وإيطاليا، وكندا وغيرها. لذلك ينبغي عدم المزايدة على المملكة في حرصها على التعامل الإنساني وحفظ كرامة أي إنسان يطأ أراضيها، وهذا النهج ليس جديداً، بل معتاد على امتداد الزمن، فالمملكة تستقبل ملايين المسلمين سنوياً لأداء الحج والعمرة، وتسعى دائماً لتحسين خدماتها وتعاملها مع القادمين إلى أراضيها، وتحرص على الالتزام بالتعامل الإنساني الذي يحفظ كرامة العاملين بها والمتسللين إليها حتى بصفة غير نظامية، لذلك فإن ما يتم تداوله هي ممارسات فردية ونادرة، ينبغي عدم تعميمها، مع ضرورة الاهتمام بها والتحقق من صحتها ومعاقبة مرتكبيها.