منتديات الحوار الجامعية السياسية

الوقائع و الأحداث التاريخية
By مشعل الطويرقي 3
#48479
** معـاهـدات الصــلـح **

" الصداقة و العداء علاقة وقت ; فصديق اليوم هو عدو الغد , وعدو اليوم هو بالاحتمال
صديق الغد ,,, ففى علم السياسة لا صداقة دائمة و لا عداء دائم ...و انما مصالح دائمة "

- عندما أنتهت الحرب العالمية الاولى و أعلنت الهدنة بعد شهرين من القتال , أتخذ الحلفاء باريس مقراً
للمؤتمر , و بدأ ممثلوا الدول يصلون الى باريس فى مطلع عام 1919 , و قد حرم الحلفاء روسيا من
ارسال مندوبين عنها فى المؤتمر , فقد سبق ان عقدت صلحاً منفرداً مع العدو فى مارس 1918
(برست ليتوفسك) و بسبب سوء العلاقات مع حلفائها اثر قيام الثورة البلشفية فى روسيا .
- و الواقع ان مؤتمر الصلح لم ينعقد للتفاوض مع الاعداء على شروط الصلح , و لكن لفرض الشروط
عليهم إذ لم يكن من حق المهزوم ان يشارك فى وضع ترتيبات ما بعد الحرب .
- و اجتمع ممثلو الدول المشاركة فى المؤتمر على ان يتراوح عدد ممثلى كل دولة بين(1-5) أعضاء
و أقتصرت ميزة الخمس الكبار على هذا الشرط , وهكذا لم تشترك فى المؤتمر اشتراكاً فعلياً إلا الدول
الكبرى المتحالفة( الولايات المتحدة - بريطانيا - فرنسا - إيطاليا - اليابان ) .
- أما الدول المغلوبة فلم تمثل فى المؤتمر الا حين دعيت لتسمع بالحكم عليها , و قد أدى حرمان هذه
الدول و الدول المحايدة و روسيا من الاشتراك فى اعمال المؤتمر الى الانتقاص من صفته الدولية
و جعله أداة عقاب و أنتقام .
* و كانت السلطة فى يد مجلس يتكون من عشرة مندوبين تمثل الدول الخمس الكبرى ,
فقد كان ولسن العقل المحرك للمؤتمر , و كانت تسيطر عليه فكرتان : حق تقرير المصير , و التعاون
الدولى المنظم بين الامم الحرة لتسوية المنازعات بالطرق السلمية , إلا أنه لم يكن على إلمام
بالمشكلات الاوروبية و تعقيداتها ولم يستطع ان يدافع عن مبادئه الاربعة عشر ، نظراً لضعف
دبلوماسيته و لم يقنع الدول الاستعمارية بحق الشعوب فى تقرير مصيرها .
وكان كليمنصو متمكناً من إدارة المؤتمر و رئاسته لكونه خبيراً فى الشؤون الأوروبية و يجيد اللغات
(الانجليزية - الفرنسية - الايطالية ) لذا استطاع ان يسيطر على المؤتمر و يقوده الى ما يمكن ان
يمثل مصالح فرنسا , و ان يستغل مشاعر العداء العالمية نحو ألمانيا فى ذلك الوقت , وأسترجاع
ما أنتزعته منها المانيا فى حرب السبعين .
أما لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا كان ذكياً و مرناً , فقد رغب فى تخفيض قوة ألمانيا الحربية على
شرط ان لا يؤدى هذا التخفيض الى تفوق فرنسا الحربى فى أوروبا , لذلك حاول ان ينص على تجريد
المانيا الاجبارى من السلاح و تجريد الدول الاخرى من السلاح عن رغبة و اقتناع .(1)
- و هكذا فقد كان الصلح قد وضعه و صاغه المنتصرون , و فرضوا الشروط على الدول المنهزمة من
خلال عدة معاهدات كان من اظهرها :

*معاهدة فرساى :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعد معاهدة فرساى التى وضعها الحلفاء على ألمانيا من أهم تسويات مؤتمر الصلح بعد انتهاء الحرب ,
نظراً للآثار الخطيرة التى ترتبت عليها و الشروط التى وضعتها على الألمان , والتى قبلوها على مضض
و لم ينظر الشعب الألمانى الى المعاهدة على إنها تسوية نهائية بل هدنة مؤقتة على أمل الانتقام
فى المستقبل .(2)
-فقد عقد هذا المؤتمر بقصر فرساى و هو ذات القصر الذى كان الامبراطور البروسى فيلهلم الاول قد
نصب فيه إمبراطوراً على المانيا الموحدة عام 1871 .
وقد بدأ المؤتمر أعماله فى( 18 يناير 1919) و خلاله عاملت الدول المنتصرة الألمان معاملة ملؤها المهانة
و قد تم التوقيع على معاهدة فرساى فى ( 28 يونيو 1919 ) أى فى العيد الخامس لحادث سراييفو .(3)
- و كان اشد شروط معاهدة فرساى قسوة على الالمان هو اجبارهم على الاعتراف بقرار الحلفاء بأن ألمانيا
هى المسؤولة عن اندلاع الحرب و آثارها , و ما ترتب عليه من فرض شروط تأديبية نصت عليها
المعاهدة من أظهرها ما يلى :
1- التنازل عن أجزاء من إقليمها الاصلى أظهرها الألزاس و اللورين اللتان انتزعتهما فرنسا .
2- أعطيت لفرنسا حقوق أسغلال مناجم الفحم فى وادى (السار) لمدة 15 عاماً
3- فرضت على ألمانيا تعويضات قدرت بـ 132 مليار مارك ذهب .
4- تقليص قوة ألمانيا من خلال تحجيم عدد أفراد جيشها بما لا يزيد عن 100 ألف عسكرى , و ألغاء
التجنيد الاجبارى , وأجبار الجيش الالمانى على عدم إمتلاك سلاح طيران و لا أسلحة ثقيلة .
5- احتلال الحلفاء منطقة غرب الراين و مناطق فى شرقه لمدة 15 عاماً ضماناً لتنفيذ الالمان لالتزاماتهم ,
6- نزع سلاح الضفة اليسرى لنهر الراين و كذا منطقة أخرى تمتد على الضفة اليمنى بطول 50 كيلو متراً
تأميناً لسلامة فرنسا و بلجيكا .(4)
- فقد رسم المؤتمرون خريطة أوروبا الجديدة على أساس تقليم أظافر ألمانيا و أعلنوا ان هدفهم هو
تغليب العامل القومى فى رسم هذه الخريطة , وعلى أساس وحدة اللغة و رغم ذلك لم يتبعوا
هذه الخطة فى حالة الالزاس و اللورين.
حيث أخذ الحلفاء من ألمانيا أكثر من 25 ألف ميل مربع من أراضيها و 6 ملايين من سكانها و مواردها .
* يبقى أن نشير الى أن معاهدة فرساى كانت بمثابة وثيقة ميلاد عصبة الأمم و هى المنظمة التى
قد نادى بإنشائها الامريكى ولسن من خلال نقاطه الاربع عشر . (5)
* معاهدة سان جرمان :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد أن تم توقيع معاهدة فرساى مع ألمانيا , وتكون مجلس أعلى من خمسة أعضاء على رأسهم
كليمنصو لمواصلة عقد المعاهدات مع دول الوسط الأخرى ظل هذا المجلس يعمل حتى 21 يناير 1920
حيث استقال كليمنصو فحل مجلس السفراء محل المجلس الأعلى لأكمال العمل , وكانت أول معاهدة
وقعها هذا المجلس :
معاهدة سان جرمان مع النمسا فى(سبتمبر 1919 )
وكان الحلفاء قد عزموا على محو تلك الامبراطورية كوحدة سياسية من خريطة اوروبا,وبعد أن
أنفصلت النمسا عن المجر عمل الحلفاء على أن تصبح كل منهما دولة صغيرة داخلية ليس لها منفذ
على البحر فاقتطعوا مساحات كبيرة من حدودها القديمة .(6)
فالنمسا التى كانت السبب الاول فى ايقاد نار الحرب قد كانت أعظم الدول خسائر نتيجة لاندحارها فيها
فقد طوحت عاصفة الهزيمة الهوجاء بالاسرة المالكة و الجيش و الامبراطورية , ولم يبق من أمبراطورية
الهابسبرج سوى جمهورية النمسا الصغيرة التى بلغ سكانها وقتذاك ستة ملايين نسمة , واقتطاعزهاء
ثلاثة أرباع الامبراطورية النمساوية لحساب عدة دول جديدة (يوغسلافيا- تشيكوسلوفاكيا- بولندا)
و أخرى قديمة (رومانيا- إيطاليا ) .
وفضلا عما تقدم فقد منعت الجمهوريةالنمساوية الصغيرة بمقتضى معاهدة سان جرمان من الاتحاد مع
ألمانيا إلا إذا صدقت عصبة الأمم بالاجماع على هذا الاتحاد .
و كان ذلك هو مآل إمبراطورية الهابسبرج ,تلك الامبراطورية التى حكمت دهراً طويلاً خمسة عشر
جنساً و بسطت رواق الامن , وفرضت سطوة القانون على وسط أوروبا .(7)

**معاهدة تريانون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدأت المفاوضات مع المجر فى الوقت الذى بدأت فيه مع النمسا , ولكن لم يتم توقيع معاهدة تريانون
مع المجر إلا فى 4 يونيو 1920 , وذلك بسبب ما حدث فى تلك البلاد من الاضطرابات السياسية
الداخلية التى عطلت تكوين حكومة مستقرة ,يعترف بها مجلس الصلح فى باريس .
و بموجب المعاهدة فقدت المجر حدودها القديمة ,والتى وزعت على يوغسلافيا و رومانيا و
تشيكوسلوفاكيا و أنضم جزء منها الى النمسا نفسها , وحرمت المجر من المنفذ الذى كانت تعتز به
على البحر (ميناء فيوم)(8)
- كذلك فقد سلخت بمقتضى ذات المعاهدة ولاية كرواتيا عن المجر , حيث أضحت جزءاً من مملكة
يوغسلافيا و هى المملكة الجديدة التى ظهرت بمقتضى تسويات ما بعد الحرب العالمية الاولى ,
وضمت كلاً من الصرب و الكروات و السلوفانيين .
و هكذا فقد ظهرت دول جديدة فى البلقان كما تغيرت خرائط الدول البلقانية الاخرى كنتيجة لتفتت
كل من الامبراطورية النمساوية المجرية و الامبراطورية العثمانية , بذلك ظهر الى حيز الوجود اصطلاح
البلقنة ليعبر عن تفتت الامبراطوريات الكبرى الى مجموعة من الوحدات السياسية الصغيرة .(9)

**معاهدة ناييى :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم تسلم بلغاريا من قبضة الحلفاء فبموجب معاهدة ناييى فى 27 نوفمبر 1919 قد أقتطعت منها أجزاء
ولكن بشكل أقل من الدول الاخرى , ففقدت تراقيا الغربية التى كانت انتزعتها من تركيا فى حروب1913
ومنفذها الوحيد على بحر أيجة , فقد أضطرت الى تسليمها للحلفاء الذين منحوها لليونان ,
و أضطرت ايضاً الى تسليم ثلاث مناطق صغيرة فى حدودها الغربية الى يوغسلافيا لتستطيع الاخيرة
أن تسيطر على الممرات الجبلية .(10)

** معاهدة سيفر :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقعت معاهدة سيفر فى 10 أغسطس 1920 و بمقتضاها أجبرت تركيا على ما يلى :
1- التنازل عن سيادتها على الشعوب غير التركية التى كانت خاضعة لسيطرتها , والاعتراف بالدول
الجديدة الناشئة فى ولاياتها السابقة و التى هى مصر و السودان و قبرص .
2- الاعتراف بالحماية الفرنسية على المغرب و تونس .
3- التنازل عن بعض جزر بحر إيجة لليونان .
4- التعهد بتقديم تعويضات مالية لرعاياها السابقين من غير الترك .
و هكذا فإن الترك أبعدوا من ضفة قناة السويس , وطردوا من العراق و فلسطين و سوريا , وألقى
الاسطول البريطانى مراسيه فى الدردنيل .(11)
فقدكانت معاهدة سيفر مع الدولة العثمانية آخر معاهدات الصلح التى وضعها الحلفاء فى باريس على
الدول المنهزمة , وهى المعاهدة الوحيدة التى كان لها صدى سريع وواسع , فقد انتفض العثمانيون من
كبتهم و ثارت الحمية التركية القومية , وبدأت مقاومتهم للشروط المجحفة التى فرضت عليهم , فضلاً
عن قيام حكومتين فى أسطنبول , الأولى ثائرة على المعاهدة مقرها أنقرة و الثانية حكومة السلطان
محمد وحيد فى القسطنطينية ,وهى الحكومة التى وقعت المعاهدة و قبلت شروطها .(12)
الامر الذى جعلهم يمتشقون الحسام دفاعاً عن كرامتهم القومية التى أمتهنت من جراء تلك المعاهدة,
و قد تزعم النضال التركى وقتذاك أحد العسكريين و يدعى مصطفى كمال أتاتورك , والذى سرعان ماأعد
جيشاً لا يستهان به وراح يشن حرباً شعواء على اليونان رافعاً شعار (تركيا للترك) .
و فى 26 أغسطس 1922 كان مصطفى كمال قد طرد اليونانيين من أزمير شر طردة , و دخلت جيوشه
المدينة وأشعلت فيها النار و ذبحت كل من صادفها من اليونانيين .
وفى أول نوفمبر 1922 راح مصطفى كمال يعلن الغاء الخلافة العثمانية , و راح يقيم الدولة الجديدة على
أسس غربية فألزم النساء برفع النقاب , وترجم القرآن الكريم الى التركية , وألغى تعدد الزوجات ,وأدخل
الحروف اللاتينية فى الكتابة التركية .....
و هكذا فقد سقط حكم آل عثمان فى تركيا , وبانتصار مصطفى كمال أتاتورك على اليونان و أمتلاكه
مقاليد الامور فى تركيا , راح يعقد مع الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الاولى معاهدة جديدة جبت
معاهدة سيفر الا و هى :
* معاهدة لوزان لعام 1923 *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و هى المعاهدة التى بمقتضاها أضحت تركيا دولة مستقلة تتمتع بكامل حدودها و ذلك بعدإلغاءالحلفاء الامتيازات الاجنبية فى تركيا و إعادة أوروفة و تراقيا و أزمير و أضاليا الى تركيا , ووضع اتفاق خاص بشأن
تبادل السكان بين ترك اليونان و يونان الاناضول . (13)

** هكذا و كما أشرنا أنه فى العلاقات السياسية الدولية فى النسق الدولى متعدد الاقطاب
أن الصداقة و العداء علاقة وقت ; فصديق اليوم هو عدو الغد , وعدو اليوم هو بالاحتمال
صديق الغد ,,, ففى علم السياسة لا صداقة دائمة و لا عداء دائم ...و انما مصالح دائمة "