منتديات الحوار الجامعية السياسية

الوقائع و الأحداث التاريخية
#68042
فترة ما بين الحربين العالميتبن
نشوء الديكتاتوريات، الأزمة العالمية، ظهور قوة الولايات المتحدة الأمريكية ومدارس وكشوفات جديدة
كان للحرب العالمية الأولى آثار على مستويات مختلفة سواء على القارة الأوربية أو الأمريكية أو باقي العالم، فضلا عن الأعداد المرتفعة للقتلى والمعطوبين والمنكوبين والمتشردين وللدمار المهول للعمران والمنشآت، فقد ترتب عن ذلك مخلفات اجتماعية وسياسية واقتصادية وفكرية وثقافية وأيضا فنية وعلمية وتقنية كان لهذه المخلفات امتداد وإفراز لأحداث أخرى طبعت ما تبقى من القرن العشرين
. كما أن نتائج مؤتمر فرساي التي كانت مخزية لألمانيا على الخصوص تركت ردود فعل قوية سواء من قبل ألمانيا أو من قبل الدول التي لم تستفد من الغنائم أو تضررت بفعل الحرب مثل إيطاليا. وكان التضرر الذي شهدته فئات عريضة من شعوب مختلفة الأقطار قد أدى بهذه الفئات إلى السير وراء نداءات الأحزاب الوطنية المتطرفة يمينيا والنقابات العمالية والهيئات السياسية والاجتماعية المتكونة بسبب سوء الأوضاع الاجتماعية كما أن عاملا آخر كان له حضوره المتميز والمنسجم مع نوعية الظروف هو المنظمات والجماعات والجمعيات اليسارية سواء الاشتراكية أو الشيوعية ذات الطابع السياسي أو النقابي التي تأثرت بالفكر الماركسي الرائج في أوروبا وبنجاح الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917م والتي كانت العالمية من أهدافها وفق خطابات لينين وتحركات ترو تسكي وحماس الرواد المزهوين بنجاح ثورة أكتوبر. صارت موسكو عاصمة أول دولة شيوعية في العالم وقبلة لجميع الشيوعيين وفيها انعقد أول ملتقى رسمي لهم. كان الجو العام المتأثر بنتائج الحرب مناسبا في أوروبا على الخصوص، وقد عقدت الجماهير آمالها لأجل الخلاص على التأطيرات السياسية والنقابية ذات التوجه الغاضب والمتطرف سواء اليميني أو اليساري. كما أن هذه التوجهات قد وجدت في الجماهير الغاضبة وقودا لإضرامه على الأنظمة التقليدية التي فشلت في إيجاد حلول للأزمات الكاسحة. وهكذا دخلت معظم الدول إلى عهد الأنظمة الامتدادية أو الديكتاتوريات . وفي طليعة هذه الوضعيات روسيا التي تخلصت من الحكم القيصري سنة 1917م وانسحبت من الحرب العالمية وأعدمت فيها أسرة روما نوف الحاكمة مع حاشيتها من الأمراء والوزراء والأعيان ورجال الدين والأعوان، ثم اقتصر الحكم على البلاشفة (الأغلبية) بعد أن أقصيت الفئات الأخرى من الثوار ومن ضمنهم المناشفة (الأقلية) ودانت البلاد كلينين ورفاقه إلى حين وفاته في يناير من سنة 1924م، فصارت مقاليد الحكم إلى صديقه جوز يف دوغاشفيلي الملقب بستالين أي الفولاذي الذي حول السلطة في روسيا من ديكتاتورية الثوار إلى ديكتاتورية الشيوعيين الماركسيين إلى أن صارت ديكتاتورية فردية كليانية في قبضة ستالين وحده وقد عانى الكل من جبروت ستالين حتى رفاقه المقربون من لينين بالأمس فقد أقصى كل من لا يسير على مزاجه بالقتل أو بالحبس أو بالنفي الداخلي أو بالنفي الخارجي أو بالتهميش أو بالتشريد فقتل بوخارين وزينوفييف من كبار رموز الثورة ودعاة تطبيق مبادئها وسياسة لينين وطرد ترو تسكي من الحزب ثم من البلاد حيث استقر بالمكسيك التي اغتيل فيها فيما بعد سنة 1940م أما من هم هؤلاء من المعارضين أو المتخلفين عن تنفيذ أو أمر ستالين فقد عوقبوا وهم ألوف إما إعداما أو حبسا أو نفيا إلى سيبريا وغيرها أو إلى الخارج ولم ينج إلا من أذعن إذعانا كليا لإرادة ستالين ومن هؤلاء الكبار مالنكوف وبيريا وخر وتشوف
وبود غورني ثم بريجنيف و اوستينوف وغريتشكو وغروميكو وكوسيغين وأندروبوف وتسرنينكو … الذين أتقنوا فن المداهنة وسياسة المسايرة بالرغم من أنهم كانوا يكيدون لبعضهم البعض فقد أقصي بعضهم في عهد ستالين، ومنهم من قتل بعد وفاته مباشرة. وقد توسعت روسيا على عهد ستالين لتصبح إمبراطورية مترامية الأطراف على القارتين الآسيوية والأوربية تضم خمسة عشرة جمهورية كبرى تكون الاتحاد السوفياتي عدا ثمانية عشرة جمهورية تكون اتحاد روسيا. وقد خضعت معظم شعوب هذه الجمهوريات للاتحاد بالإكراه والغزو والحروب والمعاهدات على حساب الإمبراطورية العثمانية و إيران والصين والدول الضعيفة في شرق أوروبا واليابان. كما كانت هذه الشعوب البطش الستاليني وسياسته من أ جل الهيمنة ، في نقل الشعوب والقوميات من منطقة إلى أخرى حتى يسهل التمكن في الإمبراطورية كما فعل بالأرمن الذين نقل جزءا منهم إلى قره باغ في أذربيجان ، وبالأ بخاز في جيورجيا ، وباليهود في الخزر وقد نكل بالأديان و الثقافات فصادر الإسلام والمسيحية واليهودية ، ودمر المساجد والكنائس والمعابد ، وحظر تعليم القران وتداول المصحف والسفر للحج . ودمر المعالم الإسلامية في مناطق تواجد المسلمين –وهي كثيرة فطمس دور معالم سمرقند وبخارى وخوار زم وسوخومي… لكنه مع اشتداد طغيانه الكلخوزات المنافي لصميم الاشتراكية على حساب نظام السفخوزات الذي يقدس دور الدولة وتجاوز سياسة لينين والروح الخالصة للماركسية ولمبادئ الثورة، إلى انتهاج السياسة الاقتصادية الجديدة، فأحدث النظام الاقتصادي للمخططات الخماسية الذي استمر من 1928م إلى 1942م حيث انبثقت دولة قوية على المستوى الدولي تنافس أكبر الدول آنئذ فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة. فوقع تجميع الأراضي لحساب الدولة أو نظام الكلخوزات وتطوير الإنتاج ونظام المواصلات والصناعة الاستهلاكية والكيميائية ونظم الطاقة، وتكوين جيش كبير قوي مسلح ومجهز تجهيز في معظمه محلي ومدرب.
وقد تحولت إيطاليا أيضا إلى النظام الاستبدادي عند استيلاء الغاشيين على السلطة بزعامة بينيتو موسو ليني بعد استباق مع الشيوعيين وبالرغم من وجود الملك فكتورعمانو ئيل فإن الدوتشي موسو ليني قد غير الأوضاع بالبلاد وعلاقات إيطاليا بالخارج، ودعا إلى استعادة مجد روما وتسخير كل المقدرات من أجل بناء دولة عظيمة. وقد ركز لأجل ذلك على العنف في الداخل وفي الخارج وفي الخارج وفي تسابق مع الدول الاستعمارية غزا ليبيا والصومال، ثم غزا الحبشة والبانيان وتحول من حلف" ستريزا" مع إنجلترا وفرنسا إلى التحالف مع ألمانيا واليابان، فكان ذلك من أسباب قيام لحرب العالمية الثانية. وكانت ألمانيا أكثر تأثرا من غيرها بالحرب العالمية الأولى ونتائج قمة فرساي حيث تذمر المجتمع وانحسرت التنمية وشل الاقتصاد وعجز الحاكمون، فكان كل ذلك موعز اليسار المتطرف في شخص الشيوعيين، واليمين المتطرف في شخص الوطنين (النازيين) في تأطير وتوتير الغضب الشعبي، وقد استطاع أدولف هتلر زعيم النازيين أن يصل إلى منصب المستشارية بتكليف من الرئيس هندنبرغ سنة 1930م ثم عبر الانتخابات سنة 1933م. وعلى إثر وفاة الرئيس هندنبرغ سنة 1934 م جمع هتلر بين منصبي المستشار ورئيس الدولة ثم تحول إلى الزعيم الوطني الأعظم "الفوهرر" وقضى على كل معارضة بالبلاد.
وقد تضمن كتابه " كفاحي"مختلف رؤاه للسياسة والدين والدولة والمجتمع والقومية والوطنية، مثلما ألف موسو ليني كتابه "حياتي" وقد كان هتلر معجبا بشخصية موسوليني غير أن هذا الأخير كان يرى في الدولة هدفا رئيسيا للسياسة الفاشية، بينما يرى هتلر في الدولة وسيلة أساسية لتحقيق السياسة النازية. وفي الوقت الذي كان فيه هتلر تلميذا تابعا لموسوليني فقد صار فيما بعد موسوليني تلميذا تابعا لهتلر. كان هتلر يرى في الشيوعيين عقبة أمام الوصول إلى السلطة وتحقيق الدولة، لأجل ذلك عمل على تنحيتهم من الطريق بمختلف الوسائل، من ذلك إحراق البرلمان الذي لفقه إليهم وتابعهم به. كما كان يرى في اليهود عنصرا مفسدا للمجتمع والاقتصاد الألماني ولا يمكن لألمانيا أن تتحرر حقيقة وتتطور بدون التخلص من هذا العنصر. وقد استطاع هتلر بمنطق القوة أن ينقل ألمانيا خلال سنوات إلى دولة قوية ثقيلة الوزن على المستوى الدولي، لكن أحلامه المغالية وغروره وعنصريته ومغامراته وبطانته وشعب ألمانيا وحلفاءه والعالم معه..كل ذلك جره إلى حرب شرسة دفع الكل ثمنها باهظا ودفع هتلر حياته ثمنا ومع ذلك فقد أفرزت النازية والحربان الضر وسان دولة ألمانية قوية جد متطورة.
وفي إسبانيا مثلما في إيطاليا فرض العسكر سلطته على هرم الحكم بالرغم من وجود الملك فأصبح الجنرال يفيرا رجل الدولة الأول، أقام بها حكما استبداديا يضاهي فاشية إيطاليا ونازية ألمانيا لكن صراع الطبقات الاجتماعية بالبلاد وتضاد الملكيين والجمهوريين وانقسام العسكر فجر الحرب الأهلية في إسبانيا سنة 1936م فكانت عاصفة مهولة على الشعب الإسباني أتت على الأخضر واليابس وشاقت كل الإسبان، ثم انقشعت سنة 1938م عن صعود الضابط الجنوبي فرنسيسكو فرانكو من جزر الكناري إلى هرم السلطة بدعم من الضباط والعساكر المغاربة وقد وضع فرانكو حدا للفوضى بالبلاد وألغى الملكية مؤقتا وساير مخطط هتلر وموسوليني من غير حلف مباشر.
أما أهم ديكتاتورية شهدها العالم الإسلامي والعالم الثالث في تزامن مع هذه الأنظمة فهي ديكتاتورية الضابط التركي الغازي مصطفى كمال أتاتورك الذي حول الانقلاب الدستوري لجمعية الاتحاد والترقي إلى سلطة فردانية، وتحت ذريعة نقل تركيا إلى دولة حديثة متطورة ملحقة بأوروبا، ألغى الشريعة الإسلامية ومعها الخلافة الإسلامية وحارب كل ما يتصل بالإسلام فحد من عدد المساجد والمدارس الإسلامية والفقهاء والدعاة وأقر صيغة الأذان بالتركية وفرض كتابة اللغة التركية بالحروف اللاتينية، ومنع المظاهر الإسلامية والشرقية والتقليدية، وأحل محلها الأوروبية، وأقر العلمانية واللبرالية ومكن للجيش.
شهدت الصين هي الأخرى ديكتاتورية عسكرية تمثلت في اللواء تشانغ كاي شيك" الذي أصبح رجل الصين الأول بعد وفاة الزعيم الوطني "صن يات صن" وأمام مطالب الوطنيين وتنامي الخطر الياباني وتأثير المد الشيوعي الوافد من روسيا المجاورة وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد فقد وجد "تشانغ كاي شيك" في الولايات المتحدة الأمريكية داعما أساسيا له. لكن راحته لم تدم طويلا مع غزو اليابان لمنشوريا وتصاعد قوتها الضاربة بالمنطقة ومع ظهور الزعيم الشيوعي الثائر "ماووتسي تونغ " الذي استطاع أن يؤطر عددا كبيرا من مختلف الفئات الشعبية بالبلاد مستفيدا من كل الأوضاع ومن زهو الشيوعية المتألقة
ليست هذه الديكتاتوريات وحدها التي شهدتها فترة ما بين الحربين العالميتين، بل شهدت أقطار أوروبية أخرى أنظمة لا تقل استبدادا كحكم الكونت بيتهلين في المجر سنة 1920م، وحكم زانكوف في بلغارية لا بدءا من عام 1923م، ونظام الجنرال سالا زار في البرتغال الذي استمر عقود منذ عام 1926م، وحكم المستشار دولفوس في النمسا ابتداء من 1932م، ونظام ستويادينوفيك في يوغسلافيا ابتداء من سنة 1935م، وحكم الجنرال ميتاكساس في اليونان ابتداء من سنة 1936م...كما قامت ثورات شيوعية في عدد من بلدان أوروبا الشرقية تحولت بعدها النخبة الماركسية المنتصرة إلى حكم كلياني استبدادي غالبا ما يتركز في شخص واحد كما هو الحال في ألبانيا رومانيا ثم يوغسلافيا.
وقد شهدت أقطار أمريكا اللاتينية أنظمة استبدادية معظمها عسكري تدعمه عصابات التهريب والمخدرات والشركات الكبرى وتجار الذهب والألماس والأسلحة والمخابرات الأمريكية، بعض هذه الأنظمة كان ماركسيا وغالبيتها عسكرية محظة.كما بدأت الأنظمة الديكتاتورية تنتشر في أقطار العالم الإسلامي والعالم الثالث الفتية تحت ذرائع أخرى. من ذلك نظام رضا بهلوي في إيران الذي أتى على أعقاب حكم القاجار بدعم من الإنجليزي والذي خلفه على العرش ابنه محمد رضا بهلولي بانقلاب إنجليزي وإشراف أمريكي على نفس المنوال سارت كوريا المتحررة من اليابان، وكانت أنظمة أخرى وأشخاص يستعدون لدول قطرية سينتجها الاستعمار.
لقد كانت الديكتاتوريات في العالم الغربي على الخصوص ومعه روسيا نتاجا على المستوى السياسي من مخلفات الحرب العالمية الأولى، كما وجد الفكر الماركسي واليساري والعمل النقابي بسبب ذلك مجالا للتوسع والتطور. وقد خلفت الحرب على المستوى الاقتصادي نتائج عسيرة طالت دول أوروبا فانسحبت على مستعمراتها. غير أن روسيا كانت تعيش فترة التخلص من العهد القيصري ونفوذ البورجوازية به و"الكولاك" والأعيان والنبلاء ورجال الكنيسة وضباط الجيش والأحزاب الحكومية المكونة من منتخبي هؤلاء وقد كان المد الثوري للبلاشفة عاملا على انتشالها من وهدة التخلف حيث أنتهج لينين سياسة الإصلاح الجديدة، وجاء ستالين ليضع خططا أخرى جديدة للتطور ثم شرع عمليا في تطبيق المخططات الخماسية ما بين 1928 و1942م لتدخل روسيا الحرب العالمية الثانية بشكل قوي والخروج منها كذلك. أما أقطار أوروبا فقد تفاقمت أزماتها الاقتصادية واستفحل فيها التضخم النقدي ثم وصلت إلى التضخم الجامح. فأصبح الأمل في كثير منها معقود على أحزاب التطرف بعد الفشل الذريع للأحزاب التقليدية. غير أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تعيش فترة انتقال حضاري إلى دولة تأخذ طريقها نحو طليعة العالم، خصوصا أنها بعيدة عن مجالات الحرب والتوترات. وكانت قد استكملت وحدتها بعد أكثر من قرن من الصراعات مع بريطانيا وإسبانيا وفرنسا وهولندا و المكسيك، حيث تطور الصراع لينبثق عنه اتحاد في القرن العشرين لخمسين ولاية محتوية على كل مقومات القوة من مقدرات طبيعة تشمل الفلاحة والماء والمعادن والسهول والأنهار والبحار والبحيرات والجبال والصحاري..كما شهدت البلاد هجرات متدفقة للطاقات البشرية النوعية من مختلف جهات العالم لظروف مختلفة وهكذا تطورت الاختراعات والتقنيات والابتكارات الحضارية بالبلاد، وأصبحت الرأسمالية واقعا جد متطور على ما هو عليه الحال بالأقطار الكبرى لأوروبا الغربية، فقد نشط إنتاج الطاقة ولم يعد مقتصرا على الفحم الحجري بل شمل قطع الكهرباء ثم ظهر النفط ليوسع ميدان الصناعة والطاقة، فانتشرت مصانع الكيماويات والصيدلة والمطاط الاصطناعي وأدوات الاستعمال المنزلي وأجهزة الاتصال والآلات والسيارات، وآلات الفلاحة والملاحة البحرية والترفيه كما أصبحت السينما مجالا صناعيا واتخذت هوليود بضاحية لوس أنجلوس ميدانا لهذا الغرض، وقد نشطت مؤسسات "تايلور"و"فورد"و"كريزلر"و"جنرال موتورز"كما نشطت المؤسسات التي أصبح لها نفوذ في الخارج أيضا، غير أن هذا التطور الفاحش المتوحش للرأسمالية بأمريكا لم يكن يسري على كل قطاعات المجتمع الأمريكي الذي كان يشهد التباينات الحادة في تركيبته. لم يكن مضبوطا من طرف نظام متمكن للدولة ولم تكن هذه القطاعات الرأسمالية المهووسة بدافع الربح والسبق، تشهد ديمقراطية تضبط سلامة مسارها وتخول للكل المشاركة والاستفادة. لأجل ذلك فإن الوضع ما لبث أن تحول إلى أزمة اقتصادية مفاجئة في سنة 1929م عقب الانهيار المفاجئ لأسعار الأسهم فيما سمي ب "الخميس الأسود" في 24 أكتوبر من هذه السنة. وقد استفحل الأمر وأنهار الاقتصاد تضررت مختلف المؤسسات وانتقل الضرر إلى مختلف الفئات الاجتماعية بالبلاد، وقد استشرى ذلك في باقي العالم حيث أن الدول الأخرى كانت تستفيد من المساعدات الأمريكية وترتبط بالاقتصاد الأمريكي فيما عدا الاتحاد السوفياتي الذي شق طريقا مستقلا عن الرأسمالية الغربية معتمدا على ثورته الاشتراكية وإمكاناته الذاتية أما الفئة التي استفادت جيدا من أزمة 1929م الأمريكية والعالمية فهم اليهود الذين يتعايشون بشكل متميز في كل مجتمع بخلفية الأقلية المنبوذة والمضطهدة والمهددة في كل حيث فقد دفعت وضعية "اللاسامية" في أوروبا عديدا منهم إلى الهجرة إلى العالم الجديد وقد كانوا متناصرين في كل مشاريعهم هناك حيث أبدعوا في تجارة الذهب وامتلاك أساليب التجارة وإبداع نظام الأبناك والتعامل الربوي الذي توارثوه وطوروه منذ عهد المؤسسات القار ونية، وقد استثمروا الثورة الفرنسية والثورة البلشفية والحرب العالمية لصالحهم، كما كانوا فطنين لحدوث الأزمة الاقتصادية فسارعوا إلى بيع الأسهم قبل استفحال الأزمة، ثم عادوا لشرائها تدني أسعارها بشكل ذريع. وقد أدى واقع الأزمة بالحكومة الفيدرالية بالولايات المتحدة إلى نهج سياسة تقتضي تدخل الدولة في توجيهات اقتصاد البلاد، وقد اتهمت حكومة روزفلت الديمقراطية الحكومات الجمهورية السابقة للرؤساء وهاردينغ و كوليدج وهوفر بالتورط والمسؤولية عن الأزمة. وشرع روزفلت في تطبيق خطته الجديدة بين سنة 1932م و 1940م القاضية بالانتقال بالرأسمالية الأمريكية من الوضعية الليبرالية إلى الوضعية الموجهة وفعلا فقد استعاد الاقتصاد الأمريكي انتعاشه واختفت مظاهر الأزمة لتنتشر التنمية بالبلاد ولتظهر قوة الولايات المتحدة من جديد، وقد خول هذا النجاح لفرانكلين روزفلت ثلاث فترات رئاسية متوالية إلى أن هلك وهو في الرئاسة سنة 1944م.وهي أول سابقة في الرئاسات الأمريكية وقد أصبح للولايات المتحدة مركز كبير في الخارج وتأثير قوي في القرارات الدولية.وأصبحت تحل محل انجلترا وفرنسا في تدبير شؤون المستعمرات والعالم المتخلف ومواجهة المد الشيوعي.ومع ظهور النفط في العالم الإسلامي والعربي على الخصوص فقد أصبح للولايات المتحدة نفوذ أكثر من إنجلترا صاحبة أول هيمنة عالمية، وعلى الدول النفطية كإندونيسيا وإيران ومنطقة الخليج العربي، كما تولت الولايات المتحدة احتواء الكيان الصهيوني الناشئ بفلسطين وعملت على تحويله إلى دولة يعترف بها المنتظم الدولي سنة 1948م. كما حلت الولايات المتحدة محل فرنسا في دول الهند الصينية ومحل اليابان في كوريا وعموم جنوب شرق آسيا. وتولت الولايات المتحدة الإشراف على عصبة الأمم وتسييرها بعد أن كانت أساسا وراء تسييرها، وهي آلية جديدة من آليات النفوذ وتمرير القرارات المختلفة الخاصة بسياستها الخارجية وتطبيقها اعتمادا على الدول الحليفة المشاركة في هذه العصبة أما على المستويات الثقافية فقد شهد العالم الغربي بعد الحرب العالمية ظهور أساليب جديدة متأثرة بالأجواء المختلفة التي خلقتها الحرب من جملة ذلك النزعة السريالية( أو ما فوق الواقع) التي انتهج أصحابها سبيلا يقضي بالبعد عن هذا الوقع بالنسبة للفنان والمثقف اللذان يختلفان عن السياسي والاقتصادي بروحيهما ونفسيتهما وفكرهما بحكم أن ذلك قد يؤدي بهما للهث وراء المنصب أو المادة بافتعال أكبر الحروب وارتكاب ابشع الجرائم...وهكذا ...فصدر "البيان السريالي" لصاحبه "بريتون" ورفاقه كتأصيل للاتجاه. ونبغ في هذا الاتجاه فلاسفة ومفكرون وفنانون وأدباء من أشهرهم "سلفادور دالي" و "لويس اراغون" وقد نشطت الفلسفة الوجودية في هذه الفترة، وكان من نوابغها "ألبيركامو" و "جون بول سارتر" و "سيمون دوبوفوار" و "هايدغر" وقد انتقلت هذه الأفكار إلى العالم العربي عبر المدرسة العلمية وأدب المهجر كما ظهرت على الساحة مدارس فنية بإبداعات جديدة كالمدرسة الانطباعية والمدرسة التكعيبية والتجريدية مثل ذلك على القمة غويا وبيكاسو من أسبانيا شهد الفن السينمائي في الولايات المتحدة تطورا مذهلا على مستوى الصناعة والإخراج والإنتاج والأساليب فانتشرت أفلام "رعاة البقر" والأفلام البوليسية والخيال العلمي والحروب والدعاية والإشهار. تميزت الفترة باكتشاف "البنسلين" من طرف الإنجليزي "ألكسندر فيلمينغ" واختراع المجهر الإلكتروني وتطور علم الوراثة والجينات وعلم الإلكتورنيك وبوادر اختراع الحاسوب، والله المهيمن على كل شيء
المراجع:- مقرر التاريخ السنة الثالثة ثانوي (المغرب)