منتديات الحوار الجامعية السياسية

الوقائع و الأحداث التاريخية
#69439
21‏/1‏/2011
















العالم بعد 2010.. إسقاطات جيوسياسية مستقبلية








أ. محمد سعيد الفطيسي*




عندما ولد القرن العشرين- كتب زبغنيو بريجنسكي في كتابه الفوضى، الاضطراب العالمي عند مشارف القرن الحادي والعشرين- كان ثمة أمل يساور البشرية بوضع شبه مستقر في مختلف أرجاء العالم، فقد عاشت القوى الكبرى فترة طويلة نسبيا من السلام، ولم تعكر صفو الهدوء الذي خيم على العالم في أعقاب حرب فيينا عام 1815م إلا حرب القرم التي اندلعت في الفترة من عام 1853- 1856م، وكذلك الحرب الفرنسية البروسية في الفترة من 1870- 1871م .




وإذا كنا لا نختلف مع بريجنسكي في أن العالم وقتها كان يتأمل من القرن التاسع عشر أن يكون قرنا للأمل والاستقرار والهدوء كما جاء في كتابه، إلا أننا نختلف معه كثيرا في مقولة أن البشرية في القرن التاسع عشر لم يعكر صفوها بعد حرب فيينا عام 1815م سوى حربين فقط...




والحقيقة أننا نستطيع أن نقول بأن هناك أحداثا أخرى شهدها القرن الـ19، كانت لا تقل شراسة وفوضوية عما تطرق إليه بريجنسكي في كتابه سالف الذكر، وهي بالطبع جزء من كل ما شكل الصورة الحقيقة لصراع الأنظمة والقوى السياسية خلال تلك الفترة التاريخية التي لا يمكن أن ندعي بأنها مستقرة سياسيا، ومن أبرزها : النزاع بين روسيا والنمسا في الفترة من 1849- 1850م، وتدخل الروس في المجر، هذا بالإضافة إلى نزاع بلغراد ومقاطعات الدانوب، والحرب الإيطالية ونسف تسوية فيينا في الفترة من 1858م- 1861م، والأزمة البولونية ونهاية الوفاق الفرنسي الروسي في الفترة من 1861- 1863م، هذا بالإضافة إلى عزل فرنسا أوروبيا ونهاية تفوقها الذي أعقبته الحرب الفرنسية البروسية في الفترة من 1870- 1871م .




وكذلك الأزمة الشرقية الكبرى في الفترة من 1875- 1878م، والحرب الروسية- التركية وقيام عصبة الأباطرة الثلاثة، والاحتلال الألماني لشبه جزيرة كايو تشو، وانتفاضة البوكسر والحرب الصينية- اليابانية، والتدخل الأوربي ضد اليابان، والإعلان الفرنسي- الروسي حول الصين، والحرب الروسية- اليابانية، وربما كانت حرب البوير هي الأخيرة في حروب وصراعات ذلك القرن، حيث نشبت في أكتوبر من العام 1899م. كذلك ومما يجب عدم تغافله عربيا من أحداث جسام خلال تلك الفترة هو ما هز دول المغرب والتحكم الانجليزي- الفرنسي في مصر، ومن ثم التدخل البريطاني فيها..




وبالرجوع إلى التاريخ فإننا نستطيع أن نؤكد أن جل الصراعات والحروب الكبرى كانت تدور على الخارطة الأوروبية خلال القرنين الـ18 و19 مع ولوج مؤثر إلى الخارطة الآسيوية بالطبع، إنما لا نستطيع أن نقول بأن قارة آسيا كانت هي المحرك الأساسي للتاريخ السياسي حينها، كما ستكون لاحقا خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين.




المهم في الأمر بأنه ومع إطلالة اليوم الأول من العام 1900م- وكما يقول بريجنسكي- "كان التفاؤل يسود اغلب العواصم الكبرى، فقد بدت البنية الكونية مستقرة، فيما كان الأمن والفكر خصلتين جليتين للإمبراطوريات المتواجدة آنئذ"، والحقيقة أن ذلك لم يكن صحيحا إلى حد كبير، فعهود الاستقرار كانت قد انتهت وولت إلى غير رجعة مع العام الذي سبق بداية القرن العشرين، وإذا كانت هناك حروب أو صراعات أو تحالفات قارية يمكن أن تتشكل لترسم ملامح القرن الجديد، فإن أكتوبر من العام 1899 بدا هو الوقت المناسب لذلك- يقول ذلك أستاذ التاريخ الأوروبي، أ.ج.ب.تايلور في كتابه الصراع على سيادة أوروبا.




وهو ما أكد عليه بريجنسيكي لاحقا بقوله : لقد أمسى القرن العشرون على نقيض ما تأمل منه، فقد أصبح القرن الأكثر دموية وكراهية في تاريخ الإنسانية، فالأبعاد الفريدة لإراقة الدماء في هذا القرن إنما هي نتاج نضالات وجودية مركزية هيمنت عليه وحددت هويته، وهي نضالات قد أفضت بدورها الى اشد انتهاكين جماعيين وأخلاقيين في عصرنا، نقلا قرن الأمل الى واحد ميزته الجنون المنتظم، فقد شمل الانتهاك الأول عن حرب طويلة ومدمرة، ليس فقط بضحاياها من العسكر، بل من المدنيين أيضا، إنها الحربان العالميتان، وما لا يقل عن ثلاثين حربا دولية كبرى أخرى أو أهلية " .




وبالرجوع لاستقراء ابرز واهم الشرارات التي أشعلت تلك الصراعات سالفة الذكر والتي أشار إليها بريجينسكي- وهي- الحربين العالميتين الأولى والثانية وثلاثين حربا أخرى، نستطيع ان نلخص أهما في التالي : الشراكة الفرنسية الألمانية التي أوقفت اليابان عند حدها في العام 1895م، وعصيان البوكسر في العام 1900م، وإقصاء ايطاليا من الحلف الثلاثي، والإعلان الفرنسي- الروسي حول الصين في 20 / 3 / 1902م، وإخفاق المفاوضات الفرنسية مع اسبانيا، وإخفاق بريطانيا في إحياء الوفاق المتوسطي- يمكن الرجوع لمزيد من الاطلاع على هذه الفترة الى المراجع التالية : بيبليوغرافيا التاريخ الأوربي لجي راغتز، والتواريخ العامة للعلاقات الدولية لدبيدور، وغيرها الكثير من الأبحاث والدراسات التي تتناول تلك الفترة التاريخية تحديدا .




المهم في الأمر ان أول حروب القرن العشرون لم تتأخر كثيرا، حيث وقعت بعد 4 سنوات تقريبا- ونقصد - الحرب الروسية اليابانية في العام 1904- 1905م، تلاها إخفاق التحالف الروسي الألماني، ثم الاتفاق الفرنسي الألماني حول المغرب، فالوفاق الانجليزي الروسي، كذلك ضم البوسنة والهرسك في 1908م، والدعم الألماني للنمسا والمجر، وهزيمة روسيا في الأزمة البوسنية، ثم الاحتلال الفرنسي لفأس، والأزمة الانجليزية الألمانية، كذلك الهجوم الايطالي على تركيا ثم حروب البلقان في الفترة من 1912- 1914، وهي الفترة والأحداث التي شكلت عوامل الحرب العالمية الأولى في أوربا في العام 1914م .




ولو قمنا بمحاولة إسقاط التاريخ الى الأمام، أو الى الوراء، وتحديدا على العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فإننا سنشاهد تشابها بين صراعات وأحداث تلك الفترتين التاريخيتين 1900- 1910م والفترة من 2000م- 2010م، مع اختلاف اللاعبين والسيناريوهات بالطبع، إنما تبقى الحروب والصراعات والأطماع هي المرافق الدائم للتاريخ السياسي .




فقد شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001م وبدون الرجوع الى أسبابها السياسية والأيديولوجية الشرارة الرئيسية لأهم الأحداث السياسية التي شكلت ملامح العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهي : غزو أفغانستان بعد تلك الأحداث مباشرة، ومن ثم غزو العراق في العام 2003م، والحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006م، وغزو روسيا لجورجيا في العام 2008م، والحرب التي شنتها اليمن والسعودية ضد الحوثيين في اليمن مع نهاية العام 2009م.




هذا بالطبع بخلاف أحداث العنف والتفجيرات الدموية التي هزت العديد مدن أوربا واسيا، نتيجة استفحال ظاهرة الإرهاب وانتشار العنف والطائفية والقومية، كما لا يجب ان نتناسى بعض تلك الظواهر والأحداث التي برزت على مائدة الأحداث خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كعودة ظاهرة القرصنة البحرية، والانقلابات السياسية، ووصول سعر النفط الى أكثر من 100 دولار للبرميل، وانتخاب أول رئيس للولايات المتحدة الاميركية من أصل أفريقي .




خلاصة الأمر وكما سلف وأكدنا، ان الحروب والصراعات هي المرافق الدائم للتاريخ السياسي والتحولات العالمية خلال اغلب القرون الماضية، وبالتالي فإننا لا نتصور- شخصيا- بان عقدا من العقود الإنسانية يمكن ان يمر بسلام دون ان تضع الحروب والصراعات بصمتها عليه، ومن هذا المنطلق وقياسا على هذا المبدأ فإننا سنحاول تشريح وتفكيك الملفات الساخنة التي يمكن ان تتسبب بإشعال فتيل الحروب والصراعات خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.




ومن ابرز الملفات العالمية الساخنة- وهي على المدى القريب، والتي يمكن ان نقول بأنها قابلة للاشتعال خلال السنوات العشر القادمة هي :

" 1 " الملف النووي الإيراني، والذي يمكن ان يتسبب بحرب عالمية في الشرق الأوسط، ويمكن ان تمتدا الى أوربا والولايات المتحدة الاميركية .




" 2 " الملف الكوري الشمالي، والذي يمكن ان يتسبب بحرب عالمية في شبه الجزيرة الكورية، ولن تستثني منه الولايات المتحدة الاميركية والصين وروسيا واليابان .

" 3 " ملف الصراع على المياه في أفريقيا.




" 4 " ملف الفراغ الاوراسي الممتد من القرم في البحر الأسود الى الشرق مباشرة على امتداد الحدود الجنوبية لروسيا وصولا الى مقاطعة زيانجينغ الصينية، هذا مع الاحتمال الكبير لعودة الصراع بين روسيا والدول المتمردة على البيت السوفيتي القديم .




" 5 " ملف التدخلات الإنسانية، بدخول الولايات المتحدة الاميركية والصين وروسيا في نزاعات لا يستبعد ان تدور رحاها في القارة الأفريقية وبحر قزوين على المصالح والهيمنة تحت مظلة التدخلات الإنسانية وحماية الديموقراطية .

وبالطبع فان هناك ملفات إقليمية توشك ان تتسبب بإطلاق شرارات صراعات وحروب عالمية مفتوحة وموسعة لا تقل مأساوية وفتك بالبشرية عن تلك الملفات سالفة الذكر، ومن أبرزها :

" 1 " ملف تقسيم السودان وانعكاساته على المنطقة.




" 2 " الحروب الطائفية والقومية والأثينية والأهلية والتي ستشكل ما يقارب من الـ 70 % على اقل تقدير من أسباب الصراعات والحروب التي ستشتعل خلال القرن الحادي والعشرين، وستنال أفريقيا نصيب الأسد منها، ولن تكون دول الخليج العربي والدول العربية بمعزل عنها تحديدا .




وبتصوري - وكما ان العقد الثاني من القرن العشرون قد شهد حربا عالمية هي حرب العالمية الأولى والتي قامت في أوروبا ثم امتدت لباقي دول العالم خلال أعوام ما بين 1914 و1918م، فليس هناك من مستبعد ان يشهد العالم خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين حربه العالمية الخاصة، باعتبار ان الحروب الواقعة بين الحرب العالمية الثانية والعام 2010م لم تكن صراعات عالمية بالمعنى السياسي المتعارف عليه، كما انه لا يستبعد كذلك ان يشهد العالم حروبا قارية وإقليمية خلال هذه المرحلة، ومن المرجح من - وجهة نظري الشخصية- ان جل تلك الحروب ستدور رحاها فوق القارتين الأسيوية والأفريقية .




وبالرغم من ان الملامح السياسية والجيوسياسية الدولية التي سترافق العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين لا تدفع نحو هذا التوجه والتوقع المأساوي الكارثي، - واقصد- حرب كونية ينقسم فيها العالم الى أكثر من قيادة مركزية أو حلف أو تكتل، إلا ان ذلك لا يعني قطعا دليلا على استمرارية ذلك، فمثل هذه الصراعات والحروب لا تحتاج لأكثر من عود كبريت ورجل مجنون ومقامرين دوليين لإشعال فتيلها الكوني، ولا اتقد ان عالمنا اليوم يخلوا من هذه الجوقة المريضة.