منتديات الحوار الجامعية السياسية

الوقائع و الأحداث التاريخية
#69449
‑النظام العالمي الجديد ومستقبل الامم المتحدة.. هل دقت امريكا آخر مسمار في نعش المنظمة الدولية







عبدالسلام محمد البخيتي




ماهية النظام العالمي الجديد يدل مصطلح النظام العالمي الجديد على مفهوم جديد في عالم السياسة والتفكير الاستراتيجي وقد ظهر هذا المصطلح من اجل اعادة صياغة وتركيب النظام السياسي الدولي في ضوء التحديات والحقائق التي استجدت على الساحة السياسية الدولية في حقبة التسعينات من القرن الماضي والبدايات الاولى لظهور هذا المصطلح تعود الى فترة الرئيس الامريكية الاسبق جورج بوش الأب الذي يعد اول من تكلم عن مفهوم النظام العالمي الجديد اضافة الى مستشاره لشؤون الامن القومي «برينت سكو كروفت» وكان ذلك في اغسطس 0991م بعد الانتهاء من اجازة على المحيط الاطلسي وذلك عقب الغزو العراقي للكويت، حيث كان المقصود من اطلاق هذا المفهوم التأكيد على حرية اختيار امريكا في التعامل مع ازمة الخليج دون اعتبار لأية معارضة قد تحدث باعتبار أن هذا الغزو والرد عليه هو اولاً واخيراً امر يقع في نطاق الاختصاصات الامريكية وحدها حيث قال بوش بالحرف «النظام العالمي الجديد يصف بشكل حقيقي وحسب رأي الولايات المتحدة مسؤولية جديدة ملقاة على عاتقنا وهي تدل على طرق جديدة للعمل مع الامم الاخرى» ومع ظهور هذا المصطلح وتداوله كواقع سياسي جديد فرضته المتغيرات والظروف الدولية المستجدة تناثرت هنا وهناك العديد من الافكار والنظريات المختلفة التي حاولت تحديد ماهية الطرق الجديدة التي قصدها بوش للتعامل مع الامم الاخرى وفي الدول الغربية بالذات اعطيت نظرية النظام العالمي الجديد اهمية كبرى وترجمات مختلفة، الترجمة الاولى كانت مثالية نوعاً ما، حيث رأت ان الرئيس الامريكي ربما قصد بكلامه عن النظام العالمي الجديد تكوين نظام حقيقي للأمن الجماعي تحت رأية الامم المتحدة أو ربما تكوين نظام عالمي جديد يصبح قوة عظمى مشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أما الترجمة الاخرى وهي ترجمة واقعية، فقد اعتبرت ان الرئيس الامريكي بكلامه عن النظام العالمي الجديد انما يمهد فعلياً لمرحلة دولية جديدة ستكون الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة المسيطرة فيها والتي ستجبر الاخرين على تشكيل الامن الجماعي وفقاً لمصالحها أو اطماعها وبدعم من حلفائها وبمباركة هيئة الامم المتحدة التي ستستخدمها كأداة طيعة تضفي الشرعية الدولية على تصرفاتها اللاشرعية في العالم، وهذا بالفعل ماحدث بعد ذلك خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة وسياسة الاحلاف العسكرية وعجز روسيا عن استعادة المكانة السابقة للاتحاد السوفيتي، حيث تهيأت الظروف تماماً للولايات المتحدة كي تمارس سيطرتها وهيمنتها على العالم باعتبارها وفي ظل هذا النظام العالمي الجديد القوة العظمى الوحيدة التي لامنازع لها وفي ظل وضع كهذا ظهرت على السطح العديد من التساؤلات حول طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه منظمة الامم المتحدة والمستقبل المجهول الذي ينتظرها.





الامم المتحدة.. البداية والنهاية


تعود البداية الاولى للتنظيم الدولي الى يناير 9191م، حيث تم تشكيل ما يسمى بعصبة الامم وهي المنظمة التي شكل قيامها عهداً جديداً في العلاقات الدولية كونها اول منظمة عالمية في التاريخ تعطي صلاحية ضمان السلم والامن الدوليين وتقوم بتوثيق التعاون بين الأمم وقد تعهدت الدول التي وقعت على عهد العصبة وعددها 23 دولة بالإلتزام بعدم اللجؤ الى القوة كحل مشاكلها واحترام القانون الدولي والاحترام المتبادل بين الدول على اساس العدل والشرف غير ان جهود العصبة باءت بالفشل الذريع في صيانة السلم والامن الدوليين لأسباب مختلفة كان من اهمها تخلي الدول الكبرى عن تأييدها كالولايات المتحدة وانسحاب دول اخرى كالمانيا واليابان وايطاليا وتنامي النزاعات بين الدول الاوروبية الكبرى التي طغت عليها عقلية المنافسة الاستعمارية وروح التوسع والهيمنة والاعتماد على القوة في العلاقات الدولية الامر الذي ادى الى اندلاع الحرب العالمية الثانية وانهيار العصبة عام 9391م وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وماصاحبها من بشاعات ومآسي بشرية توجهت الجهود لاقامة منظمة الأمم المتحدة لمعالجة نقاط الضعف في عصبة الامم وقد ظهرت الخطوة الاولى في انشاءهذه المنظمة في الوثيقة الشهيرة التي وقعها كلاً من تشرشل وروزفلت والتي عرفت بميثاق الاطلسي والتي نصت على «ايجاد نظام عالمي للأمن قائم على قواعد اوسع» وقد تكللت الجهود الدولية لانشاء هذه المنظمة بالنجاح في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 5491م الذي حضره ممثلو 15 دولة وتم فيه اقرار ميثاق منظمة الامم المتحدة في 62/6/5491م رغم بعض المعارضة التي ابدتها الدول الصغرى للامتيازات التي اعطتها الدول الكبرى لنفسها وخاصة حق العضوية الدائمة في مجلس الامن والتمتع بحق الفيتو.


وباستعراض مسيرة هذه المنظمة منذ ميلادها وحتى اليوم سنرى ان تاريخ هذه المنظمة قد حفل بالقليل من النجاحات والكثير من الاخفاقات وبالرغم من انها قد استطاعت ان تثبت وجودها في بعض النزاعات والازمات الدولية كأزمة السويس 6591 والكونغو 0691م وقبرص 4691م والدومنيكان 5691م الا انها في المقابل فشلت فشلاً ذريعاً وسجلت الكثير من الاخفاقات ووقفت موقف المتفرج امام الكثير من الحروب والصراعات الدولية التي عمت ارجاء مختلفة من العالم حيث لم تستطع ان تفعل شيئاً امام الوحشية «الاسرائيلية» في فلسطين بسبب الاستخدام المفرط لحق النقض الفيتو من قبل الولايات المتحدة الراعية الاولى للارهاب الصهيوني والذي وصل الى 73 مرة ووقفت عاجزة الايدي امام المذابح التي تعرض لها المسلمون في البوسنة والهرسك وفي كشمير والشيشان ولم تفعل شيئاً لايقاف الحرب الاهلية في الصومال ورواندا وبروندى... الخ وكان للصراعات بين الدول الكبرى الاثر السلبي الذي عطل قدرات هذه المنظمة وحد من فعاليتها ومنذ انشائها وطوال الحرب الباردة كانت الامم المتحدة ميدان صراع وتنافس بين الدولتين الاعظم ولم تستطع هذه الهيئة ان تنفذ قراراتها الا فيما ندر من الأزمات ومنذ انتهاء الحرب الباردة وظهور مايسمى بالنظام العالمي الجديد ازدادت مشاكل المنظمة الدولية وتشعبت وبدا عجزها واضحاً للعيان حيث فشلت في تحقيق الاهداف التي أنشئت من اجلها وظهر للجميع حقيقة الضعف والوهن الذي تعاني منه هذه المنظمةالتي استخدمتها الولايات المتحدة طوال الاثنى عشر عاماً الماضية من عمر النظام العالمي الجديد كأداة طيعة لتنفيذ سياساتها واطماعها التوسعية في حكم العالم والسيطرة عليه والاستئثار بموارده مما حدى بالكثير الى الاحتجاج والمطالبة بالقيام باصلاحات جذرية تؤدي الى استقلالية هذه المنظمة وتساعدها على تحقيق اهدافها ومبادئها المتعلقة بحفظ الامن والسلم الدوليين واخراجها من دائرة النفوذ الامريكي والصهيوني الذي لم يعد يطاق من قبل المجتمع الدولي وفي اوساط النخبة الفكرية في العالم بدأ الادراك يتزايد لوجوب ادخال تغييرات نوعية وبنيوية اساسية داخل المنظمة الدولية وذلك كي تتحمل مسؤولياتها في مجابهة التحديات التي قد تبرز نتيجة التطورات المستقبلية في النظام الدولي وظهرت الى السطح العديد من الاطروحات والافكار التي حاولت ان تطور من عمل المنظمة وتنتشلها من براثن الاخفاق والسلبية، وذلك من قبل علماء وسياسيين بارزين من مختلف دول العالم وتزايدات الدعوات لمنح الامين العام سلطات اوسع وموقف اقوى يمكنه من اطلاق مبادرات المنظمة والعمل السريع عند نشوء ازمة دولية ومنح قدرة افضل للامم المتحدة كي تمنع وقوع الصراعات الدولية وبدأت الكثير من الدول في المطالبة بتوسيع العضوية الدائمة في مجلس الامن وضم دول اخرى الى جانب الدول الخمس الدائمة العضوية حتى لايترك لهذه الدول حرية التصرف في المجتمع الدولي كيفما تشأ من خلال استخدامها لحق النقض الفيتو وفي مؤتمر الالفية الثالثة الذي عقد في نيويورك في مقرالامم المتحدة في الفترة من 6-8 سبتمبر 0002م وهو المؤتمر الذي حضرته وفود اكثر من 061 دولة من بينهم 741 رئيس دولة وحكومة من بين 191هم عدد اعضاء الامم المتحدة بدى للجميع مدى الرغبةالدولية المتعاظمةفي عمل شيء لانقاذ هذه المنظمة من الحالة المزريةالتي وصلت اليها والتي تهددها بنفس المصير الذي آلت اليه عصبة الامم السابقة حيث تصدر موضوع اصلاح هيئة الامم المتحدة وكيفية استعادة هيبتها ومكانتها ودورها في حفظ موازين العدل والسلام العالمي اهتمام المشاركين بالمؤتمر مما يوضح مدى الرغبة العالميةالعارمة في تفعيل دور هذه المنظمة لكن وعلى مايبدو ان رغبة المجتمع الدولي هذه لم ترق للولايات المتحدة راعية النظام الدولي الجديد التي بلغت الديون المستحقة عليها للمنظمة اكثر من مليار ونصف المليار دولار والتي تقف ضد تفعيل عمل هذه المنظمة وتبذل قصارى جهدها من اجل ابقائها على ماهي عليه من ضعف وعجزحتى تظل مجرد أداة طيعة لتنفيذ سياساتها واطماعها ورغبتها في التحكم والسيطرة على الاخرين ولاننسى هنا مطالبة كوندوليزار ايس مستشارة الامن القومي الامريكي بأن تعود الامم المتحدة الى زمن كانت تهتم فيه بصحة الاطفال في الدول الفقيرة وغير ذلك من تلك الحالات بدلاً من لعب دور سياسي قد يزعج امريكا وامام هذا التعنت والاصرار الامريكي على استمرار تعطيل قدرات هذه المنظمة و شل حركتها السياسية فشلت كل الجهود والمحاولات الدولية الرامية الى تطوير واصلاح هذه المنظمة وتدهور وضعها اكثر واكثر واصبحت غير قادرة على تحقيق اياً من الاهداف التي أنشئت من اجلها وفي ظل هذه الاوضاع المزرية التي وصلت اليها هذه المنظمة جاء العدوان الانجلو امريكي الاخير على العراق الشقيق ليدق على ما يبدو آخر مسمار في نعش هذه المنظمة حيث وضعها هذا العدوان في مأزق خطير واظهر للعالم مدى هشاشتها وعجزها واثار الكثير من التساؤلات حول مدى قدرتها على البقاء والاستمرار.





فالولايات المتحدة راعية النظام العالمي الجديد وبلد الديمقراطية الاول في العالم كما تزعم وتدعي والتي استخدمت حق النقض الفيتو كيفما تشاء ولأكثر من 67 مرة معظمها كان من اجل عدم ادانة الجرائم الصهيونية ضد اهلنا في فلسطين ثارت ثائرتها واقامت الدنيا ولم تقعدها عندما هددت فرنسا باستخدام الفيتو ضد أي قرار قد يجيز العدوان الامريكي على العراق فعمدت الى احتقار مجلس الأمن وقراراته ومضت غير آبهة في تنفيذ عدوانها وحربها الاجرامية القذرة ضد اشقائنا في العراق في تحد سافر لارادة المجتمع الدولي ضاربة عرض الحائط بكل قرارات مجلس الامن والشرعية الدولية ومظهرة للعالم عدم احترامها لهذه المنظمة التي عجزت عن كبح جماح الولايات المتحدة ومنعها من تحدي قراراتها بل وصل الامر بهذه المنظمة وعبر امينها العام الذي تميز بمواقفه السلبية تجاه مايجري في العراق الى استجداء الولايات المتحدة للقبول بلعب دور ما حتى ولو كان رمزيا في عراق مابعد الحرب بدلاً من التنديد بتصرفات الولايات المتحدة وامتهانها لقرارات المنظمةالامر الذي يجعلنا نعتقد أنه لم يعد هناك من سبيل لاصلاح حال هذه المنظمةالتي استنفدت على ما يبدو اغراض وجودها ولم يعد هناك اي مبرر لبقائها ليس لعجزها عن تنفيذ قراراتها فقط بل لان الاساس الذي قامت عليه هذه المنظمةهو اساس ظالم وغير عادل، حيث اعطى الحق لخمس دول فقط من بين 191 دولة هم عدد اعضاء المنظمة حالياً حق الاعتراض على اي قرار يصدر منها بينما حرم الاعضاء الآخرين من هذا الحق مما اتاح لهذه الدول الخمس وعلى رأسها الولايات المتحدة ان تتصرف كيفما تشاء في علاقاتها وازماتها الدولية مادامت قد ضمنت استحالة صدور اي قرار من مجلس الامن ضدها واكبر مثال على هذا الظلم مايجري الآن في العراق فبالرغم من استنكار الغالبية العظمى من دول العالم للعدوان الهمجي الاجرامي الذي قامت به الولايات المتحدة ضد العراق الا ان هذه الدول لاتستطيع ان تصدر اي قرار من مجلس الامن يدين هذا الاجرام والارهاب الامريكي لان الولايات المتحدة ستستخدم حقها في نقض اي قرار يصدر ضدها لذلك فانه وفي ظل هذا العجز والضعف الذي يقيد عمل هذه المنظمة ويحد من قدرتها وفي ظل تزايد المشاكل والقضايا التي تهدد المجتمع الدولي كقضايا الفقر والحروب والمخدرات وزيادة التسلح ومشاكل الحدود وتزايد الهوة بين دول الشمال الغني والجنوب الفقير فإن الوقت قد حان للبحث عن بديل آخر لهذه المنظمة من أجل تفعيل عمل الدبلوماسية الدولية ومنح الدول الضعيفة والمغلوبة على امرها القدرة على التحرك والمطالبة بحقوقها المشروعة وبالفعل فقد بدأت الاصوات تتعالى هنا وهناك للمطالبة بانشاء منظمة بديلة يكون اعضاؤها من دول العالم الاسلامي ودول عدم الانحياز وباقي دول العالم المحبة للخير والعدل والسلام بحيث تكون لهذه المنظمة الجديدة القدرة على تنفيذ واتخاذ القرارات التي تعمل على صيانة السلم والامن الدوليين بدون تمييز بين اعضائها او الخضوع للتهديدات الامريكية ومصالح الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن فهل يتحقق هذا الامل ذلك ماتتمناه كل الشعوب الخيرة في العالم والتي لم تعد تطيق الهيمنة الامريكية على هذه المنظمة وتسخيرها من اجل تحقيق اهدافها ومطامعها.