منتديات الحوار الجامعية السياسية

الوقائع و الأحداث التاريخية
By سعود الخيال 704
#69703
الموضوع العاشر : انقسام كوريا
سنة 1907 اجبرت اليابان ملك كوريا “كو جونغ” على التخلي عن عرشه, فحكمت شبه الجزيرة وصار الكوريون من اتباع الامبراطور الياباني بالاكراه, ولم يعد يحق لهم تأسيس اي تجمع سياسي. هذا ما دفعهم مراراً الى الاحتجاج بالاضراب والتظاهر مطالبين بالاستقلال.
ومع اندلاع الحرب بين اليابان والصين, أدخلت اليابان الكوريين في الخدمة العسكرية الالزامية بعد أن أجهضت تحركاتهم الاستقلالية. وصار على كوريا ان تنتج من الارز ما يكفي لسد حاجة اليابان, وأجبر رجال الاعمال الكوريون على دفع 25% من ارباحهم لصالح اليابان, وصودرت اراضي المزارعين, فتناثروا ما بين الصين واقليم منشوريا بحثا عن أراضٍ يستثمرونها ويعتاشون منها.
هكذا, وشيئا فشيئا, بدأت شبه الجزيرة الكورية تخرج الى العالم, وراح التأثير الغربي يظهر فيها ليحل محل التأثير البوذي القديم. ثم جاء دور الفكر الاشتراكي (بفضل الصين), لكن, ومن جهة اخرى فقد إشتد التأثير الياباني الاكراهي على شبه الجزيرة, وصارت اللغة اليابانية الزامية في المدارس الكورية, ثم جرى العمل على اقفال الصحف الناطقة بالكورية, لصالح صحف جديدة تنطق باللغة اليابانية.
ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية في 8 آب 1945 فتح الإتحاد السوفياتي حرباً على اليابان في كوريا ومنشوريا. ومع سقوط اليابان تحت ثقل السلاح النووي المدمر في هيروشيما وناغازاكي, دخل السوفيات شبه الجزيرة الكورية, ما اعتبر محطة أساسية في صنع التاريخ الحديث لشبه الجزيرة. وفي مؤتمر يالطا في شباط 1945 تقرر وضع كوريا تحت الوصاية الدولية, وكان بوسع الاتحاد السوفياتي يومها أن يحتل شبه الجزيرة بكاملها ليضع كوريا تحت وصاية موسكو التامة, الا ان الرئيس الاميركي هاري ترومان اقنع الزعيم السوفياتي ستالين بتقسيم كوريا الى جزأين, وذلك ابتداء من 15 آب 1945. وبموجب ذلك اجتمع وزراء خارجية الدول المتحالفة في موسكو, في 7 كانون الاول من العام نفسه, وقرروا إنشاء اتفاق تعاون لمدة خمس سنوات, ينص على اعطاء الحكومة الكورية المؤقتة, مهمة التحضير للاستقلال, كما جرى الاتفاق على تعيين لجنة اميركية¬سوفياتية مهمتها الإشراف على تشكيل حكومة كورية ديموقراطية مؤقتة.
وجاء الرفض لهذه الفكرة من قبل كوريا نفسها, ومن اليمين الكوري بالتحديد ممثلاً بأحد الزعماء وهو “سنغمان ري” الذي استغل المسألة لتعزيز شعبيته. ومن جهتهم فقد رفض الشيوعيون الكوريون هذا الاتفاق بدايةً لكنهم ما لبثوا ان عادوا عن رفضهم تحت تأثير الضغط السوفياتي. وفي آذار 1946 باشرت اللجنة اجتماعاتها في سيول, لتتوقف بشكل نهائي في تشرين الاول من العام التالي, متأثرةً بتباين وجهات النظر الاميركية¬السوفياتية حول هوية القوى والاحزاب التي ينبغي تمثيلها في الحكومة الكورية المزمع تشكيلها.

الحرب الكورية

مرحلة الاحتلال الاميركي للجزء الكوري الذي عرف في ما بعد بكوريا الجنوبية, اتصفت بالفوضى والإرتباك, لان واشنطن لم تحدد لنفسها سياسة معينة لإدارة شؤون المنطقة التي تحتلها, اضافةً الى حدة المواجهة التي كانت تخوضها مع الاتحاد السوفياتي وتوسعها. وقد دامت هذه المرحلة اقل من أربع سنوات (من 1945 حتى 1948). ورغم ان واشنطن هي التي كانت رسّمت الحدود بين الكوريتين, الا انها على ما بدا لم تدرك مبكراً القيمة الستراتيجية الحقيقية لتلك المنطقة. وما ان انفرط عقد اللجنة الثنائية الاميركية¬السوفياتية حتى راحت واشنطن تبذل الجهود مع الدول الحليفة, بما فيها الصين, لايجاد صيغة ما لإستقلال كوريا. لكن هذه الجهود لم تكن جدية من جهة, كما ان الاتحاد السوفياتي أحسن ترسيخ نفوذه في كوريا الشمالية, فيما راح يتداعى في الصين حكم “شيانغكاي¬تشك”. ومن الملاحظ ان كوريا الجنوبية كانت آنذاك الاقليم الوحيد الخارج عن سلطات موسكو في تلك المنطقة, وكان على الجنرال “جون هودج” المعين على رأس القوى الاميركية في اوروبا, أن يعمل بكل قواه في ظل ظروف محبطة, للمحافظة على الأمن والنظام, تنفيذاً لمهمته الهادفة الى تعزيز مقومات انشاء بلد مستقل في كوريا بحسب الرغبات الاميركية المعلنة. وقد اضطر لمواجهة تجمعات سياسية معادية كثيرة تمثلت في هيئات شبه رسمية انشأتها “جمهورية كوريا الشعبية” في المنفى, وتحديداً في الصين, بينما كانت الولايات المتحدة ترفض بإصرار الاعتراف بأي من هذه الهيئات. وفي ختام المطاف فرضت الولايات المتحدة قوانين مباشرة وعيّنت موظفين عسكريين من مختلف الرتب وفي مختلف المناصب لادارة بلاد “كانوا يجهلون التكلم بلغة اهلها ولا يعرفون الكثير عن نمط حياتهم الاجتماعي”. وفي هذا الوقت استطاع الحزب الشيوعي الكوري إستقطاب طبقة العمال والطلاب, المزارعين, ليقف في مواجهة مباشرة مع الحكومة العسكرية المعينة من قبل الاميركيين.
وتفاقم الوضع على اثر القرار بوضع البلاد تحت الوصاية الاجنبية, واعتبر الاستقلاليون الكوريون هذا القرار مذلاً.
وهكذا انقسم الذين منهم تحت الوصاية الاميركية, على انفسهم الى فريقين, واندلعت بينهما المواجهات, ولم تكن ظروف الزعماء الشيوعيين الكوريين افضل حالا, ولا سيما اثر اكتشاف عملية تزوير عملة كان يديرها الحزب الشيوعي (1946) واذ اقدمت الحكومة العسكرية على تشكيل مجلس للنواب في كانون الاول من السنة نفسها, فقد تجاهلته الاحزاب اليسارية ورفضت التشريعات الاصلاحية التي سنّها, بينما نجح الشيوعيون في كوريا الشمالية ببناء هيكلية سياسية وعسكرية متفوقة, وبلغ عديد قواتهم العسكرية حوالي 200 الف رجل تحت السلاح, جرى تدريبهم وتسليحهم بفضل الإتحاد السوفياتي.
وهكذا نضجت ظروف المواجهة مع وصول الجميع في كوريا وكل من واشنطن وموسكو الى الجدار المسدود, فاندلعت الحرب بين الكوريتين في حزيران 1950.
واذ تفوقت كوريا الشمالية على خصمها الجنوبي واحتلت العاصمة سيول خلال ثلاثة ايام, امر الرئيس الاميركي ترومان السلاحين الجوي والبحري الاميركيين, بالتدخل لصالح الجنوبيين, كما اهاب بالقوى الدولية التدخل لحفظ الامن, وجرى تعيين “دوغلاس ماك ارثر” قائدا للقوات الدولية في كوريا, فاتخذت الحرب الدائرة منحى مختلفاً في ظل مساعدة الاتحاد السوفياتي والصين لكوريا الشمالية ومدّها بالسلاح.
وكانت نتيجة الحرب الكورية ما هو متوقع من حرب من هذا النوع: الدمار الكبير في الجنوب كما في الشمال والقضاء على آخر امل في اعادة توحيد “ارض الآباء والاجداد”.
وفي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حافظت الاوضاع في كوريا الجنوبية على اضطرابها, وفي كوريا الشمالية على إنغلاقها معتصمة بالراية الشيوعية, وتواصلت الفوضى في القسم الجنوبي من شبه الجزيرة حتى اندلعت ثورة الطلاب الدموية التي سقط فيها 142 طالبا برصاص الشرطة. وانتهت المرحلة بانتخاب رئيس جديد للبلد هو “بارك شونغ¬هي” فصار الى إنشاء “مجلس اعلى” لادارة البلاد, وجرى “تطهير الادارة من الفاسدين” وتم انشاء وكالة الاستخبارات المركزية الكورية (KCIA) بهدف احباط اي محاولة انقلابية يمكن ان تقوم.. وانتهى ذلك بان اغتيل بارك في تشرين الاول
(1979) فتعرضت كوريا الجنوبية لتجاذبات هائلة وصراعات على الحكم وثورات طلابية وعمليات قمع دموية, ثم جرى انتخاب رئيس جديد هو “شوي كيو¬ها” في كانون الاول (1979) فألغى تدابير الطوارئ واطلق سراح المئات من المساجين السياسيين وعمل على وضع دستور جديد. لكن ضغط العسكريين في البلاد اعاق تطبيق الدستور الجديد فاندلعت تظاهرات طلابية ضخمة, وأقفل المشهد المضطرب على انقلاب عسكري في ايار 1980.

مبادرات

بينما كان الهم الاساسي في الماضي يتركز على محاولة إعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية وجمع الشمل سياسياً في دولة كورية واحدة لا بد ان يحسب لها الحساب الكبير لو قامت, فان الإضطراباتوالإنقلابات والحروب والدماء والاخطار, غيّبت هذا الامر عن الواجهة, لتجعل الهم الاساسي مقتصراً على نزع فتيل الحرب بين الكوريتين. ولئن كان هذا النوع من الحروب (المحدودة اصلاً) مطلوباً كوسيلة صراعية بين جباري الامس (موسكو وواشنطن) فإن إنقضاء مرحلة الحرب الباردة بزوال الاتحاد السوفياتي ساهم الى حد كبير في إخراج شبه الجزيرة الكورية من دورها التاريخي كميدان صراع للقوتين الاعظم. إلا ان عقوداً من الكراهية والحروب بين الكوريتين أقامت انماطاً من الظروف والمصالح والقوى السياسية والاقتصادية لا تعيش وتستمر إلا على ارضية انقسام شبه الجزيرة إلى دولتين, وتتغذى من هذا الانقسام -العداوة, كما وتعمل على تغذيته ليبقى ويستمر, فيرعى وجودها واستمرارها.
لذلك, وإن لم تكن وحدة شبه الجزيرة مطروحة, ولا حتى كهدف مستقبلي واقعي, لأي من الكوريتين, فان العداوة التي صنعتها الأحداث بينهما, يمكن ان ترسو على شاطىءهادىء, ليس املاً في توحيد أرض الاجداد, بل تخفيفاً للخسائر وافساحاً لتنمية كل من الدولتين في معزل عن الحرب وخسائرها.
وهذا ما عبّر عنه كواقع راهن, “سونغهيو¬كيونغ” نائب رئيس لجنة السلام في آسيا والمحيط الهادىء (APPC) والمنبثقة من كوريا الشمالية, الذي كان في زيارة رسمية الى العاصمة الكورية الجنوبية, سيول, لتقديم التعازي بوفاة “شونغجو¬يونغ” مؤسس شركة “هيونداي”. وقد حمل هذا الموفد الشمالي رسالة خاصة من الرئيس الكوري الشمالي “كيم جونغ¬ايل” الى الرئيس الكوري الجنوبي. وكان للزيارة اثر بالغ الايجابية على العلاقات بين الكوريتين, وفي ميدان تقريب وجهات النظر بينهما.
والواقع ان هذه البادرة لم تكن يتيمة. فقد أرسلت كوريا الشمالية مؤخراً العديد من الرسائل والاشارات الإيجابية في مختلف المجالات, من صيد الاسماك وصولا إلى رياضة التايكواندو.
ويعتقد بعض الأخصام التقليديين لكوريا الشمالية في الدوائر الغربية ان هذا المشهد الايجابي الذي ترسمه كوريا الشمالية بسلوكها السلمي الودي, ليس الا فصلاً من مراوغة, مقدمة الدلائل على ما تزعمه وتذهب اليه, سواء بالإشارة الى أن المحادثات الثنائية على المستوى الوزاري بين الكوريتين صارت فصلية بعد ان كانت تعقد شهرياً, او بالتذكير بأن كوريا الشمالية كانت السبّاقة في القضاء على هذه المحادثات حين امتنعت عن حضور الاجتماع الذي كان يفترض حصوله في آذار الماضي. وحتى على الصعيد التجاري, والكلام دائما للجهات الغربية نفسها, فان الصفقات التي جرى تبادلها لم تشكل بوابات عبور الى صفقات تالية. الى ذلك فان مسألة الامن في شبه الجزيرة الكورية لم تزل من دون حلّ, فضلا عن التشدد الرسمي الاميركي الذي استجد بعد احداث 11 ايلول الدموية في اميركا, إذ اعلن الرئيس بوش كوريا الشمالية عدواً رئيسياً لبلاده وطرفاً اصيلاً في ما سمّاه “محور الشر”.
وليس من المستغرب تفاقم العلاقات وتلبد الغيوم مجدداً بين الكوريتين في ظل التشدد الاميركي الذي لا بد أن يتبعه تشدد من قبل كوريا الجنوبية, خصوصاً بعد اثارة مسألة حقوق الانسان غير المحفوظة في كوريا الشمالية, والتذكير بوجود 85 الف كوري جنوبي محتجزين في كوريا الشمالية منذ الحرب الكورية, حيث قامت في سيول مجموعة من الناشطين تعيد رفع هذه القضية الى العلن, مدافعة عن حقوق المحتجزين ومطالبة بإطلاق سراحهم وإعادتهم الى وطنهم كوريا الجنوبية.
وبالطبع فان التشدد الاميركي حيال كوريا الشمالية لا بد ان يتسبب بتسعير العداوة بين الكوريتين, اللهم الا اذا استطاعت زيارة كيم جونغ¬ايل الى سيول, والمفترض ان تتم قريبا أن ترطب الأجواء وتعيد حصان الوئام الى موقع مناسب امام عربة الوفاق بين الكوريتين.