منتديات الحوار الجامعية السياسية

تعريف بدول العالم المعاصر
By لطيفه المنيع
#23101

أسست دولة الدروز في 1 مايو، 1921 على أراضي العثمانية السابقة، في حين تم تأسيس دويلات أجزاء أخرى من الأراضي الواقع تحت الانتداب الفرنسي على سوريا مثل دولة العلويين في اللاذقية. وضمت دولة جبل الدروز حوالي 50.000 من الدروز العرب. وكانت هذه المرة الأولى التي يتأسس فيها كيان مستقل يحكمه الدروز العرب. بدأت الثورة السورية عام 1925 في جبل الدروز تحت قيادة سلطان الأطرش، وسرعان ما انتشرت في دمشق والمناطق الأخرى خارج جبل الدروز. وكانت الاحتجاجات على تقسيم سوريا إلى دويلات هي الموضوع الأساسي أثناء الكفاح ضد إالإستعمارية الوطنية، والذي انتصر بانتهاء الانتداب الفرنسي على سوريا فيما عدا لبنان (والذي نال استقلاله) والإسكندرونة، والتي تم ضمها إلى سوريا تحت اسم محافظة هتاي. ونتيجة للضغط الوطني، تم توقيع المعاهدة الفرنسية السورية في عام 1936، ولم يعد جبل الدورز كيان مستقل وتم ضمه إلى سوريا.




عملت اسرائيل منذ نشوئها على مبدأ «فرق تسد»، وقد حاولت على مدى حكوماتها
المتعاقبة ‏على تفكيك الدول المجاورة لتبقي سيطرتها على المنطقة بكاملها. ومن
خلال دراستها للطوائف ‏وانتشارها في الدول تبين لها ان الطائفة الدرزية تمثل
الاقلية وبالتالي لا يمـكن ان تكون ‏خطرا على دولة اسرائيل، ومن هذا المنطلق،
كانت لدى اسرائيل استراتيجية دائمة باتجاه ‏اقامة دولة درزية تكون وفق
المخطط الاسرائيلي في المنطقة، وكان دائماً المعطل لهذا المخطط ‏الاسرائيلي هو
عروبة طائفة الموحدين.‏
مشروع الدولة الدرزية :‏
‏1ـ حدود الدولة الدرزية: تمتد هذه الدولة من جبل الدروز الى الشاطئ
اللبناني محيطة ‏باسرائيل. وتشمل: القنيطرة، وقضاء قطنا، وضواحي دمشق (بعض
قرى الغوطة الدرزية)، ‏فقضاءي بلدة الشويفات.‏
‏2ـ عاصمة الدولة الدرزية: ومن المقرر ان تكون السويداء او بعقلين عاصمة
هذه الدولة. ‏وذلك حسب ايّ من دروز لبنان او سوريا يكونون اكثر تعاونا مع
اسرائيل.‏
‏3ـ عَلَم الدولة: هو العلم ذات الالوان الخمسة الذي وضعتْه فرنسا للدولة
الدرزية بعد ‏تقسيمها لسوريا.‏
‏4ـ السكان: يكون المسلمون السنيّون والشيعة في لبنان الجنوبي وكذلك في حوران
والبقاع ‏الغربي مخيّرين بين البقاء كأقلية لا شأن لها ضمن الدولة الدرزّية او
الرحيل. اما ‏المسيحيون فلا ضير من بقائهم. ويمكن اشراكهم في الحكم كأقلية.‏
‏5ـ المقومات الاقتصادية: هي مضمونة من قبل اسرائيل، بتعهدات اميركية. يصبح
ميناء صور ـ ‏بعد تطويره ـ الميناء التجاري للدولة، ويبقى ميناء صيدا
لتصدير النفط.‏
ورصدت اميركا 30 مليون دولار للبدء بتهيئة الاجواء للتنفيذ.‏
طريقة التنفيذ:‏
‏1- تحت ستار مقاتلة الفدائيين الفلسطينيين تقوم القوات الاسرائيلية باقتحام
واحتلال ‏المناطق التي يتواجد فيها الفدائيون. ثم تقوم قوات اخرى باحتلال
جنوبي لبنان حتى صيدا. ‏وتتوجه في الوقت ذاته قوات مدرعة اسرائيلية خارقة
الجبهة السورية على محور درعا - أزرع ‏‏- السويداء، وعلى محور القرى المتاخمة
للحدود السورية الاردنية.‏
‏2- تقوم حركات «سلبية» ضد الجيش الاسرائيلي المحتل، فيشجعها اليهود سرّاً ولا
يقمعونها ‏بعنف، الى ان تبلغ من القوة ما يكفي ظاهريا لنشوب معارك بين
الفريقين، يكون النصر فيها ‏للدروز المحتلة مناطقهم.‏
‏3- في تلك الاثناء يكون الاتفاق قد تمّ مع عدد من زعماء الدروز على الصمود في
مناطقهم ‏والمحافظة عليها، كي لا تعاد الى سوريا ولبنان، تمهيدا لانشاء كيان
سياسي مؤلّف من هذه ‏المناطق «المحرّرة» يتمتّع باستقلال تام.‏
‏4- تتكفّل أميركا بحماية هذا الكيان عن طريق اسرائيل، كما تتكفّل اميركا
بالاعتراف فورا ‏بهذا الكيان السياسي، وبأن تدفع الامم المتحدة والدول الغربية
السائرة في فلكها للاعتراف ‏به. وتكون اسرائيل بذلك قد كسبت «حزاما واقيا
لها» (حسب تعبير يعقوب)، يقيها شرّ ‏الاعتداءات العربية، ان من الجيوش
النظامية او الفدائيين.‏
‏5- بعد انشاء الدولة الدرزية تقوم أميركا بالعمل لجعل لبنان وطنا قوميا
مسيحيا، وتقيم ‏دولة علوية في اللاذقية، ودولة كردية في شمال سوريا تتعاطف
فيما بعد مع حركة البرزاني، ‏فتقلص الجمهورية العربية السورية الى سوريا
الداخلية وتشل قدراتها.‏
ونفذ كمال ابو لطيف المهمة، فتم ابلاغ كمال جنبلاط وشوكت شقير والسلطات
اللبنانية ‏والسورية. ونقلت المعلومات الى الجمهورية العربية المتحدة (الى عبد
الناصر مباشرة)، وكلف ‏عبد الناصر الضابطين : اكرم صفدي وهيثم الايوبي بنقل
هذه المعلومات الى السلطات ‏العراقية بغية حثها على تكوين الجبهة الشرقية، ثم
استدعي ابو لطيف الى بغداد للاستفسار ‏منه عن بعض التفصيلات.(2)‏
‏*‏ ‏*‏ ‏*‏ ‏* ‏
ولكن، اثر اكتشاف هذا المشروع، قطع ابو لطيف اتصالاته بالمخابرات
الاسرائيلية خوفا على ‏سلامته، والقي القبض على كمال الكنج، وحكم عليه
بالسجن ... واستمر عضو الكنيست ‏الدرزي جبر معدى يعمل باتجاهه، فعقد يوما
اجتماعا صحفيا بمفرده، دعا فيه الى ضمّ هضبة ‏الجولان لاسرائيل. واعترف ان
امنيته هي ان تقوم دولة درزية تضم كل الدروز، وتكون ‏عاصمتها السويداء»
وعندما استهزأ الصحافيون باقواله، اعلن : ان اليهود ايضا ارادوا ‏قبل مئة
سنة ان تكون لهم دولة، واذ ذاك ضحك منهم ايضا. (3).‏
وبعد مدة، طالب «جبر معدى»، وكان نائبا لوزير الاتصال، بقيام «وكالة
درزية» على غرار ‏الوكالة اليهودية، تهتم بالهجرة والتوطين، وتجمع النقود من
ثمانين ألف درزي يعيشون في ‏المهجر للبدء بإنشاء دولة درزية مستقلة (4).‏
الاّ ان «جبر معدى» لم يكمّل شوطه، فقتله أحد عربان فلسطين في أوائل شهر شباط
سنة 1981... ‏وكمال جنبلاط ايضا لم ير لجهوده ثمرة، فقتل هو الآخر في 16/3/1977
... وكمال الكنج قطعت ‏عنه، بعد خروجه من السجن، كل زيارة من أي درزي...
وكمال ابو لطيف فرّ بنفسه من ملاحقة ‏الاستخبارات العاملة لاسرائيل... وشوكت
شقير عزل من منصبه... وسليمان الكنج يدلي ‏بشهاداته على المضايقات
الاسرائيلية (5).‏
من كان وراء كل هذه الملاحقات؟ لم يعد في الامر سرّ. ولماذا استمرار حرب لبنان؟
الاختلاف بين ‏طوائفه؟ أم لأجل انشاء دولة فلسطينية على ارض لبنان؟ أم لاجل
امتيازات مسيحية ‏مارونية؟ أم لأجل غبن يلحق بسنّة الاسلام؟ أم لاجل حرمان عند
الشيعة؟ في ظنّنا ان كل هذه ‏فقاقيع تطفو على سطح المياه، ومواضيع تمويه طمسا
للحقيقة... اما الحقيقة فهي في مخطط لم ‏يحك عنه بعد كفاية.‏
إبحث عما يريح اسرائيل وقل مع ارشييد: اوريكا، أي «وجدتها».‏
هذا المشروع الاسرائيلي هو استمرار لمحاولات عديدة سبقته في التاريخ. وكلها
تضرب على وتر ‏‏«ان الدروز لا يمكنهم ان يتعايشوا مع المسلمين».‏
ففي مخيم عكا 20/3/1798 اعلن الامبراطور نابليون بونابرت للأمير بشير:
ان «رغبتي المخلصة هي ‏ان اقيم للدروز استقلالهم، واعطيهم مدينة بيروت ذات
المرفأ كمركز تجاري لهم».‏


الامضاء
نابليون



واجاب الامير بشير، لا برسالة بل بـ«قوة من الخيالة الدروز لنجدة نابليون
بينما كان يحاول ‏اخضاع عكا، تحت امرة الشيخ عمر الظاهر. وكان ذلك في آذار
سنة 1799 (7).‏
وفي زمن الانتداب قسمت فرنسا بر الشام الى خمس دول «ذات سيادة كاملة»: دولة
لبنان، دولة ‏دمشق، دولة حلب، دولة جبل الدروز، دولة جبل العلويين.
وعرفت «ان هذه الدول تتألف من ‏شعوب مختلفة، لا جامع بينها. لا تشدها اواصر
واحدة، ولا تجمعها اية مصلحة مشتركة (8)‏
لقد عرف دروز اسرائيل هذه الحقيقة واعترفوا بها واعلنوها على صفحات الجرائد.
فقال «شريف ‏مهنا» ــ من البقيعة ــ :نعيش نحن ابناء الطائفة الدرزية
اقلية صغيرة ذات عقيدة، ‏دينية وطقوس وعادات تختلف عمّا لدى الشعوب والطوائف
الاخرى (9). وينقل سلمان فراج عن ‏لسان فلاح عجوز هذه الحقيقة: اسمعوا يا
شباب: صحيح انني فلاح بسيط، لكن بودي ان ابدى ‏رأيي: «لقد كان دروز سوريا
هم الذين اشعلوا الثورة على الفرنساويين وخسروا، وضحوا في ‏سبيل استقلال
بلادهم اكثر من غيرهم بكثير. ولكن، عندما جاء الاستقلال، خسروا ثمرة تضحياتهم
‏وخسروا مركزهم واحترامهم، لانهم لم يدركوا انهم اقلّية، وانهم رضوا ام ابوا فهم
دروز، يعني ‏دروز، لا يحق لهم اكثر مما يسمح به وزنهم العددي». (10)‏
ويعلق احد الباحثين الاجتماعيين الاسرائيليين على هذه الظاهرة الاقلية: ان
الدروز هم ‏اقلية صغيرة، حتى انهم طيلة تاريخهم كان همّهم الاساسي تقرير مَنْ هي
القوة الاكبر ليتحالفوا ‏معها. وينقل رأي احد مشايخ العائلات الدرزية الذي
يبلغ الرابعة والتسعين من سنّيه، قال ‏له: في رأيي، كل مَنْ يتركك تعيش، وموجود
في السلطة، يجب ان ينال دعمكَ. (11).‏
هذا الوعي الدرزي عرفته اسرائيل وادركته، وهي تسعى لتساعده كالام الرؤوم،
اقلية ‏مقهورة ظلمها العالم باسره واضطهدها كل صاحب سلطان أسرائيل تعرف،
والدروز سوف يعرفون ‏بأن سرّ حكمتهم لن يدوم الى الأبد سراً. فأصحاب المطابع
يقتنصون المخطوطات من تحت الأرض، ‏وأصحاب دور النشر يسيّرونها الى أقطار
الدنيا. والعلم لم يعد احتكارا على اصحابه ‏ومستحقيه. فلا ذريعة، بعد
اليوم، أن ليس بمقدور أحد، غير بني معروف، معرفة مضامين الحكمة ‏وأسرارها
وألغازها وألوانها ونقطها وتآويلها ورموزها..‏
قبْلهم، عرفت أسرائيل ذلك، وراحت تعمل لأجلهم، بالرغم عنهم، أحياناً،
وبرضاهم، أحياناً ‏أخرى. تعمل لمصلحتهم، كما تعمل مصلَحتها. ومصلحتها الكبرى
أن تتعاون مع هؤلاء. وهي ‏تعمل. هي تعرف أن أفضل جار لها هم الدروز. هؤلاء،
ان اكتشفت حقيقتهم، لن يكون لهم عون ‏الا من اسرائيل. فهم، كجيران لها، أقل
خطراً من المسلمين والفلسطينيين والمسيحيين والعرب ‏والعجم.. لأنهم محدودو العدد،
لا يتكاثرون ولا يتزاوجون مثنى أو ثلاث أو رباع، ولا مصلحة لهم ‏فيما وراء
البحار أو مع سكان البوادي. يكتفون بما لهم. ويصبرون. ويتحمّلون. وينامون.
‏ويبقون كهم حيث هم ومن حيث هم.‏
‏*‏ ‏*‏ ‏*‏ ‏* ‏
وفي الختام، نريد أن تسمع صوت الشهيد كمال جنبلاط الذي قال بنظرية «تتمتع
بها كل أقلية ‏مذهبية أو اتنية في أن تراجع الامم المتحدة بشأن كيانها ومصيرها،
استنادا الى الحق الطبيعي ‏والحق الدولي وشرعة حقوق الانسان».(12)‏
-الديار

:monkey: