منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#47901
مؤسس علم الاجتماع السياسي ابن خلدون:

هو ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن خلدون , ولد بتونس في رمضان سنة 732هـ ( 1332م ) في أسرة أندلسية نزحت من الأندلس إلى تونس في أوساط القرن السابع الهجري ، ويرجع أصله إلى العرب اليمانية في حضر موت ونسبه إلى وائل بن حجر .
لقب ابن خلدون بولي الدين بعدما تولى منصب القضاء في مصر , وهو أول من دخل من أسرته بلاد الأندلس مع الفاتحين العرب وقد اشتهرت فروع هذه الأسرة في الأندلس والمغرب باسم ابن خلدون .
ويعتبر ابن خلدون أحد العلماء الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية ، فهو مؤسس علم الاجتماع وأول من وضعه على أسسه الحديثة ، وقد توصل إلى نظريات باهرة في هذا العلم حول قوانين العمران ونظرية العصبية ، وبناء الدولة وأطوار عمارها وسقوطها ، وقد سبقت آراؤه ونظرياته ما توصل إليه لاحقاً بعدة قرون عدد من مشاهير العلماء كالعالم الفرنسي أوجست كونت .
وأصبح من المسلم به تقريبا في مشارق الأرض ومغاربها ، أن ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع أو علم العمران البشري كما يسميه ، وقد تفطن هو نفسه لهذه الحقيقة عندما قال في مقدمته التي خصصها في الواقع لهذا العلم الجديد : " وهذا هو غرض هذا الكتاب الأول من تأليفنا ، وهو علم مستقل بنفسه موضوعه العمران البشري والاجتماع الإنساني ، كما أنه علم يهدف إلى بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال لذاته واحدة بعد أخرى ، وهذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أم عقليا واعلم أن الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة غريب النزعة غزير الفائدة ، أعثر عليه البحث وأدى إليه الغوص ، وكأنه علم مستنبط النشأة ، ولعمري لم أقف على الكلام في منحاه لأحد من الخليقة " .


أعماله السياسية والوظيفية :
شغل ابن خلدون عدد من المهام أثناء حياته فتنقل بين عدد من المهام الإدارية والسياسية ، وشارك في عدد من الثورات فنجح في بعضها وأخفق في الأخر مما ترتب عليه تعرضه للسجن والإبعاد ، تنقل ابن خلدون بين كل من مراكش والأندلس وتونس ومن تونس سافر إلى مصر وبالتحديد القاهرة ووجد هناك له شعبية هائلة فعمل بها أستاذاً للفقه المالكي ثم قاضياً وبعد أن مكث بها فترة أنتقل إلى دمشق ثم إلى القاهرة ليتسلم القضاء مرة أخرى ، ونظراً لحكمته وعلمه تم إرساله في عدد من المهام كسفير لعقد اتفاقات للتصالح بين الدول ، ومن بين المهام التي كلف بها تمكن ابن خلدون من إيجاد الوقت من أجل الدراسة والتأليف .

مؤلفاته وآثاره :
كتاب " العبر" وهو كتاب ضخم يحتوي على سبع مجلدات , وأسمه الذي وصفه له ابن خلدون هو " كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر " ، ولقد انقسم هذا المجلد الضخم إلى ثلاثة كتب مستقلة .
1) مقدمة ابن خلدون : وتطلق الآن على المجلد الأول من سبع المجلدات التي يتألف منها " كتاب العبر " ، ويحتوي هذا المجلد الأول الذي اصطلح على تسميته باسم " مقدمة ابن خلدون " الآتي :
أولاًَ : خطبة الكتاب أو افتتاحيته .
ثانياًَ : المقدمة في فضل التاريخ وتحقيق مذاهبه .
ثالثاًَ : الكتاب الأول في طبيعة العمران في الخليقة وما يعرض فيها من البدو والحضر والتغلب والكسب والمعاش والصنائع والعلوم ونحوها.

2) كتاب " العبر" ذاته وهو يحتوي على المجلدات الباقية بعد فصل المجلد الأول عنها .
3) كتاب " التعريف " الذي كان ملحقاًَ بكتاب العبر ثم أصبح كتاباًَ مستقلاًَ يسمى " التعريف بابن خلدون ورحلته شرقاًَ وغرباًَ " ، ولا يقتصر ابن خلدون في كتاب " التعريف " على تاريخ حياته بل يذكر مما يتصل بهذا التاريخ من حوادث ووثائق وكتب وخطب وقصائد .

فلسفته السياسية :
حاول ابن خلدون أن يجعل المجتمع وتكوينه وخواصه موضوعاًَ لدراساته وتأملاته .
ولا يجد ابن خلدون بغيته في كتاب السياسة لأرسطو , يقول ابن خلدون : " وفي الكتاب المنسوب لأرسطو في السياسة المتداول بين الناس , جزء صالح منه إلا أنه غير مستوف ولا معطى حقه من البراهين , ومختلط بغيره " .
يريد ابن خلدون هنا أن يقلل من أهمية أفكار أرسطو السياسية , فهو من ناحية يشكك في نسب كتاب أرسطو السياسة , ومن ناحية ثانية يربط أفكاره بآراء الموبذان , ومن ناحية ثالثة يقرر بأن هذا الكتاب غير مستوف ولا معطى حقه من البراهين , وأنه مشوش ومختلط.

كيفية قيام الدولة أو المدينة:
يرى ابن خلدون أن الاجتماع السياسي ضروري , وأن الحكماء قد عبروا عن هذا بقولهم ( الإنسان مدني بالطبع ) أي لابد من الاجتماع الذي هو المدينة في اصطلاحهم وهو معنى العمران .
ثم يستمر ابن خلدون فيبين أن بني البشر يحتاجون إلى التعاون لصد كل عدوان خارجي من الحيوانات وإلى التآزر في مقاومة كل خطر طبيعي يتهدده ويتوعده ، يقول ابن خلدون : " وكذلك يحتاج كل واحد منهم أيضاًَ في الدفاع عن نفسه إلى الاستعانة بأبناء جنسه " .
ثم يوضح ابن خلدون ضرورة التعاون لبقاء الجنس البشري فيقول : " وما لم يكن هذا التعاون فلا يحصل له قوت ولا غذاء ولا تتم حياته لما ركبه الله تعالى عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته " ، ويستنتج من هذا " أن الاجتماع ضروري للنوع الإنساني وإلا لم يكمل وجودهم وما أراده الله من إعمار العالم بهم واستخلافه إياهم " .