منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#47967
تابع العلاقات الدولية - تأليف : اكزافييه غيّوم - ترجمة: د.قاسم المقداد.

2 ـ 3 ـ كيف نحلل الواقعية السياسية:
سنستشهد هنا بمقالة توماس كريستينسن T.Christensen حول الواقعية السياسية الصينية Chinese Realpolik وسنحتفظ في ذاكرتنا بالانسجامات كما نبرز الواقعية السياسية المذكورة أعلاه، كريستينسن ينطلق من مفهومه الواقعي الذي يقول أنه عثر عليه في السياسة الخارجية الصينية الحالية. وتبعاً لذلك فإن مفاهيم رجال الدولة الصينية هي مفاهيم واقعية تماماً بالمعنى الكلاسيكي للعبارة. ويسوق كريستينسن سلسلة من التحليلات التي يمكن استنتاجها من مأزق الأمن الخاص بالصين؛

1 ـ الشبهات الناجمة عن هذا النزاع جعلت الصين تتعلق بمفاهيم وآمال قادتها للجوء إلى استقطابات رفعت عندها عدم الشعور بالأمن عند الآخرين..

2 ـ ارتبط الموقف الصيني إزاء اليابان بالمفهومين الواقعي والتاريخي، وقد اهتم كريستينسن بهذا التمييز. فسعت الصين من خلال وسائل داخلية، إلى موازنة Balancing تهديد اليابان في المنطقة لتحقيق توازن في القوى. ولجأت إلى الطريقة نفسها إزاء الولايات المتحدة وروسيا. المكون الثاني لتحليل هذه العلاقات الصينية ـ اليابانية هو المكون التاريخي. وهو مكون يبتعد عن المفهوم الواقعي الجديد لكنه غالباً ما يستخدم في الدراسات الواقعية. وبالتالي فإن الصين تتذكر الاحتلال الياباني خلال مختلف الحروب التي وقعت بين البلدين لاسيما حرب الثلاثينات والأربعينات. ولا تزال هذه الحرب الأخيرة أكثر حضوراً في الأذهان اليابانية من حرب كوريا هذه الأسباب التاريخية هي التي جعلت الإحساس بالتهديد الياباني أهم من تهديد الولايات المتحدة مع أن الولايات المتحدة. من الناحية الموضوعية، قوية كاليابان، عسكرياً في تلك المنطقة إن لم تكن أكثر قوة منه. ويشير كريستينسن أيضاً إلى أهمية تايوان في سياسة الصين الخارجية. فالصين تعارض استقلال تايوان قانونياً jure de حتى لو كان هذا الاستقلال متحققاً بالفعل. وهكذا، فإن موقف الصين. إزاء جارها يرتبط بالمفهوم الواقعي وبالتاريخ للوهلة الأولى، يرى كريستينسن أن التحليل الواقعي المحض لا يستطيع تفسير إرادة إعادة التوحيد هذه. ومع هذا فالسيد ألان لا يتفق معه. فهو أي ألان، يقدر أن مفهوم المصلحة الوطنية، التي تنطوي عليه الواقعية يفسر هذه الإرادة. الحقيقة أن المصلحة الوطنية تسعى للحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى سلامة الأراضي من الوجهة التاريخية،، وهنا تقع محاجة كريستينسن على صعيد الوحدات، تبرر الوطنية الصينية إرادة إعادة التوحيد هذه، لأن الحزب الشيوعي الصيني، برأيه، "التجأ" إلى التبرير الوطني بعد أن فقد أي مبرر أيديولوجي..

4 ـ أخيراً، يحلل كريستينسن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، أي البقاء في اليابان من أجل البقاء في المنطقة للإمساك باليابان في الوقت نفسه، لكي لا تدعم استقلال تايوان حتى لو كان قانونياً D ejure..

2 ـ 4 ـ بنية المنظومة الدولية ونهاية الحرب الباردة. ومستقبلنا والسلام:
سنضرب مثالاً على ذلك التحليل الواقعي الجديد الذي قام به ميرشيمر Mearsheimer عام 1990 حول مستقبل أوروبا. يقوم السيناريو الأساسي لتحليله على افتراض انتهاء الحرب الباردة تماماً وعلى الانسحاب الشامل للقوات الأميريكية والسوفيتية من أوروبا. ويذكّر بأن تفكيك الاتحاد السوفيتي سيشكل خطراً وعاملاً كبيراً في عدم الاستقرار وسيؤدي هذا الوضع إلى تفاقم الأزمات الكبرى واحتمالات نشوب الحروب لأسباب عدة:

أولاً ـ لأن المنظومة المتعددة الأقطاب أقل استقراراً نظراً لازدياد الثنائيات[x]. وتزايد العلاقات بين الدول في المنظومة الدولية وعدم تناظر السلطات الممكنة، وسوء حسابات التوترات والسلطة.

ثانياً ـ لأن هناك تغير في طبيعية القوة العسكرية. ويقترح ميرشيمر أربعة سيناريوهات تقوم على الردع النووي:

1 ـ نزع السلاح النووي من أوربا. وهذا لا يتوقعه لأنه أمر غير معقول وهو على أية حال. خطير لأن الردع النووي يرسّخ العلاقات الدولية

2 ـ الإبقاء على الوضع الراهن. لكن هذا من شأنه [xi]أن يثير عدداً من الدول مثل ألمانيا أو دول الشرق، كما يمكنه أن يثير رد فعل تصعيدي إزاء امتلاك بلدانهم للسلاح النووي، أي لجوئها لاتخاذ إجراءات داخلية مناهضة لتهديد الدول الأخرى المالكة للأسلحة النووية؛

3 ـ تكاثر نووي بين يدي إدارة سيئة. وهذا قد يسبب زيادة في إمكانية حدوث نزاعات في أوروبا.

4 ـ تكاثر نووي بين يدي إدارة جيدة يترافق بسياسة توازن للقوى تقودها بعض الدول.

هذا هو الحل الذي يقترحه ميرشيمر. وهو يعني بالنسبة له تزويد ألمانيا بالسلاح النووي وعلى الولايات المتحدة وبريطانيا أن تقوما بهذا الدور في توازن القوى من خلال موقفهما من نقل القوى إلى أوروبا..

تقوم حجة ميرشيمر على اعتبار السلاح النووي بمثابة عامل استقرار وأن ألمانيا تسعى لترسيخ أمنها. والنقد الذي يمكن أن يوجهه المتخصصون في شؤون المؤسسات. ونحن معهم، إلى ميرشيمر هو أن سياسة الحفاظ على الوضع الراهن من من خلال منظمات كمنظمة حلف شمال الأطلسي أمر ممكن تماماً.
2 ـ 5 ـ أخلاقية الواقعية ونقدها:
علينا أن نميز الأخلاقيات عن العلوم حتى لو كانت مرتبطة ببعض مستويات التحليل. وسنعالج الأخلاقية أولاً، ثم نأتي على نقد الواقعية الكلاسيكية.
تفترض الواقعية مسبقاً وجود أنثروبولوجيا محافظة ومتشائمة، وأن البشر والدول هم سيئون ويشدد مورغينتو على ما هو هام، على الصعيد الدولي، أي على أمن الدولة وبقائها. ورؤيته "البريئة" للعلاقات الدولية هي الرؤية التي كانت سائدة في أوروبا إبان القرن التاسع عشر. حينما كان هناك "توافق بين الأمم Concert des Nations" لكن من كان وراء هذا التوافق؟.. أولاً، الأرستقراطيات التي كانت تمسك بالسياسة الدولية. وثانياً، كان يمكننا آنذاك الكلام عن المجتمع الدولي حيث كانت الدول تقبل بـ"المعايير العالمية". لكن في القرن العشرين حدثت تغيرات مثل بروز الديمقراطية وتأثيرها على السياسة الدولية وكذلك الانتقال من المعايير الدولية إلى المعايير الوطنية.
لذا يعتقد مورغينتو أن الأخلاق ضرورية في العلاقات الدولية ويناهض، على سبيل المثال، المبرر الأخلاقي للسياسة الدولية وهو ما يسميه بـ"إيدييولوجية الأخلاق" أي أن المبادئ الأخلاقية تخفي وراءها المصالح الخاصة. كما يدين الإطلاقية الأخلاقية Absolutisme Morale ويسميها "بالنزعة العاطفية Sentimentalisme" لأنها تغطي طبيعة السياسي وتركز فقط على القيمة الأخلاقية على حساب القيم الأخرى. وفي المقابل فهو يتفق مع "المصلحة الوطنية" التي يمكن تعريفها بعبارات مدروسة كمسألة الأمن الوطني، أي الحفاظ على سلامة المؤسسات الوطنية، وذلك لسببين على الأقل. لأن على هذه المؤسسات واجب أخلاقي لحماية مواطنيها بالدرجة الأولى. وبما أن المجتمع الدولي في حالة تنافس وتصارع دائمين فإن أي تصرف غير دولي سيكون على حساب مصالح مواطنيها. وثانياً إذا اهتم كل واحد بمصلحته الوطنية، عندها يمكن، عن طريق توازن القوى، تحقيق النظام والاستقرار للجميع، أي إيجاد حالة تخلو من صراعات مسلحة تذكر. إذاً مورغينتو يقترح علينا أخلاقية المسؤولية و"المصلحة العليا للدولة" أي للدولة ولمواطنيها. وعلى القادة أن يكونوا أخياراً إذا أمكن وأشراراً إذا استدعت الضرورة ذلك.
النقد الأساسي الذي يمكننا توجيهه للواقعية هو أنها تؤيد المنظومة من خلال أشكال فكرها. حتى لو كانت النية هي التغيير. والآن سننكبَّ على نقد مفهوم الواقعية الجديدة عبر خمس نقاط:
1 ـ مفهوم والتز هو مفهوم سكوني ولا يطرح على نفسه سؤالاً يتعلق بمعرفة الأسباب التي تؤدي إلى تغيرات المنظومة، كيف تنشأ وتتغير…؛.
2 ـ يرى والتز أن خصائص الوحدات تنتج المنظومة العالمية أي أنها ترتبط بالمنظومة. لكن يمكن لهذه الخصائص أن تكون مرتبطة بالوحدات نفسها كما يتضح من المثال التاريخي حول الانتقال من المرحلة الإقطاعية إلى مرحلة الحداثة حيث نرى بوضوح أن طبيعة العالم الإقطاعي نفسه تختلف جوهرياً عن طبيعة العالم الحديث؛..
3 ـ إن فكرة قابلية توظيف الإمكانيات تحتل مكانة هامة عند الواقعيين الجدد. فهم يظنون أن السلطة العسكرية، وهي أهم السلطات طراً، يمكن تحويلها إلى مجالات أخرى مثل مجال الاقتصاد. لكن تبرز هنا مشكلة معرفة السبب في عدم قدرة الأقوياء على تحقيق الانتصار كما حدث في فيتنام أو في أفغانستان. هناك خطان دفاعيان أساسيان من شأنهما تفسير ذلك:
أ- عملية التحويل conversion. الأقوياء، خسروا لعدم كفاءتهم أو بسبب حساباتهم الخاطئة وبسبب صعوبة تحويل إمكانات السلطة إلى مؤثرات.
ب- عدم تناظر المحفزات. فالأضعف غالباً مايكون أكثر تحفزاً لأنه يهتم بموضوع الصراع أكثر من اهتمام القوي به، وقد يكون دائماً حيوياً بالنسبة له.
النقد الرئيسي الذي يمكننا توجيهه للواقعية الجديدة هو صعوبة تحويل الموارد من مجال إلى آخر..
4 ـ ماهي المصلحة العليا، كما يحددها والتز؟ هي الأمن أم السيطرة؟ إنه لا يقول لنا شيئاً عن السياسات الخارجية في كنف المنظومة. وهذا يبين ضعف النزعة المنظومية Systetsme وقوتها، أي أنها نظرية بسيطة لكنها تفقد من قوتها في لحظة التنبؤات وهذا يقود إلى النقد الخامس؛
5 ـ تتحدد التوقعات بطبيعة المنظومة وليس بالأحداث..
أخيراً يمكننا عرض النقاط الإيجابية التي تنطوي عليها الواقعية. نشير أولاً إلى ملاءمة الواقعية، لأنها تبين العالم على حقيقته وثانياً، البساطة البالغة التي تتسم بها هذه النظرية، وثالثاً، تسمح بساطتها بما يسمى بـ"Armchir analysis"، أي أنك لست بحاجة لأن تكون متخصصاً في مجال ما لاستنتاج محفزات الأحداث وأسبابها.