منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#48525
خطورة التراجع الأمريكي على النظام العالمي

يؤكد كاجان أنه لا يمكن حساب تكلفة البقاء في هذا الوضع، دون حساب تكلفة فقدانه، فبعض تكاليف تراجع دور أمريكا في العالم بالطبع لا يمكن حسابها كميًّا. فما قيمة أن يعيش الأمريكيون في عالم من الديمقراطيات، بدلا من عالم تحكمه ديكتاتوريات؟ ، ولكن بعض التكاليف يمكن قياسها، إذا حاول البعض أن يقوم بهذا. إذا أنتج انهيار القوة العسكرية الأمريكية نظامًا اقتصاديًّا عالميًّا متفككا، كانت هذه القوة قد أسهمت في الحفاظ عليه، إذا أصبحت الطرق التجارية والممرات المائية غير آمنة، لأن البحرية الأمريكية غير قادرة على حمايتها، إذا انفجرت الحروب الإقليمية بين القوى الكبرى، لأنها لم تعد مقيدة بالقوة الأمريكية العظمى، إذا ما تعرض حلفاء أمريكا للهجوم، لأنها غير قادرة على الدفاع عنهم، إذا أصبحت طبيعة النظام الدولي أقل حرية وانفتاحًا.. كل هذا إذا ما حدث، فستكون هناك تكاليف ممن الممكن حسابها.

أما التساؤل عما إذا كان الأمريكيون قادرين على القيام بأعباء المنافسة في القرن الحادي والعشرين أم لا، فيجيب عليه كاجان بأنه لا أحد يعلم إجابة هذا على وجه التحديد. إذا كان التاريخ الأمريكي يقودنا للإجابة على هذا، فهناك أسباب تدعونا للتفاؤل. فقد واجه الأمريكيون فترات عصيبة من قبل، والعديد من الأجيال السابقة شعرت بمعنى فقدان القوة ، واستطاع الأمريكيون أن يتغلبوا على الكثير من الأزمات الحادة التي واجهتهم في القرنين الماضيين من العبودية والحرب الأهلية حتى ووتر جيت.

لكن النجاح في الماضي لا يضمن التفوق في المستقبل. غير أن أمريكا تمتلك من المقومات ما يضمن نجاحها رغم حركة التاريخ، ومن بينها أن النموذج الأمريكي أظهر قدرة على تبني والتعافي من الأزمات أكثر من أي نظام مماثل في الأمم الأخرى، خاصة منافسيها الاستراتيجيين. ويرتبط هذا بدون شك بالحرية النسبية التي يتمتع بها المجتمع الأمريكي الذي يكافئ مبدعيه، والذين غالبًا ما ينمون خارج بنية السلطة القائمة، من أجل إنتاج طرق جديدة للتعامل مع الأمور. وكذلك يرتبط هذا بالنظام السياسي المفتوح، الذي يمكن الحركات الاجتماعية من أن تجد مسارًا لها للتأثير فى مؤسساته.

ويوضح كاجان أسباب القوة الأمريكية غير المعهودة في تاريخ القوى الكبرى، بما حدث في العام 1987، حيث رد رجال أعمال وساسة أمريكيون على دعاوى الانحدار الاقتصادي باتخاذ أفعال: تقليل النفقات، وتقليل حجم الشركات، وجعلها أكثر فاعلية، وجعلها تستثمر في التكنولوجيا الجديدة، وتطوير ثورة الاتصالات، والتقليل من حد العجز الحكومي. وقد ساعد كل هذا في تحقيق قفزات إنتاجية عامًا بعد عامًا، ومن الممكن تصور أن يتغلب الأمريكيون على أزمتهم الحالية بالطريقة نفسها.

ولا يستبعد كاجان أن تتعرض القوى الأخرى النامية ( كالبرازيل ، الصين ، الهند، تركيا ) إلى أزمات تعطل طريق صعودها؛ فلا توجد أمة تستطيع تحقيق معجزات اقتصادية دون أن تتعرض لأزمات. لكن أخطر ما قد يواجه الولايات المتحدة هو اعتقاد الأمريكيين بأن التراجع حتمي ولا مناص منه، أو أن الولايات المتحدة تستطيع أن تحصل على مهلة بالتخلي عن مسئولياتها العالمية لتعيد ترتيب منزلها من الداخل. غير أن كاجان يؤكد أن هذا لن يفيد؛ فالحفاظ على بنية النظام الدولي تحت القيادة الأمريكية يشكل مصلحة مباشرة لواشنطن والعالم.

وفي نهاية الأمر، يبقى أن القرار لا يزال في يد الأمريكيين. وكما لاحظ تشارلز كروثامر، فإن الانحطاط اختيار، وليس مصيرًا محتومًا على الأقل إلى الآن.