منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
By سلطان مؤمنه32
#67372
أولا: التفسير السياسي للدين: التفسير السياسي للدين هو مذهب معين في تفسير طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة، يقوم على تأكيد واثبات العلاقة بينهما، ولكنه يتطرف في هذا التأكيد والإثبات ، إلى درجه تجعل العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط، وليست علاقة ارتباط ووحده ، وبالتالي يساوى بين الدين والسياسة في الدرجة، وقد يتطرف فيجعل السياسة اعلي درجه من الدين حين يجعل الغاية هي الدولة – السلطة، والوسيلة هي الدين، ومرجع هذا التطرف في التأكيد والإثبات أن هذا المذهب إنما ظهر في المجتمعات المسلمة في العصور الحديثة والمعاصرة، كرد فعل على الليبرالية ،والتي باستنادها إلى العلمانية نفت وألغت اى علاقة للدين بالسياسة.
مصطلح الإسلام السياسي: وقد استخدم البعض مصطلح الإسلام السياسي للتعبير عن هذا المذهب، لكن - وكما أشار العديد من الباحثين - هناك الكثير من الاشكاليات المتعلقة بهذا المصطلح ، فهو يوحى بأنه ليس ثمة إسلام واحد ، وان هناك إسلام سياسي وأخر غير سياسي، فضلا عن نسبه الأصل (الإسلام) إلى الفرع( السياسة). لذا نفضل استخدام مصطلح التفسير السياسي للدين وليس مصطلح الإسلام السياسي، مع ملاحظه أن المصطلح الأخير يصدق في وصف احد الأخطاء التي وقع فيها التفسير السياسي للدين وهى نسبه الأصل (الإسلام)إلى الفرع(السياسة) وليس العكس .
التناقض مع مذهب أهل السنة: ويستند هذا المذهب إلى افتراض مضمونه أن
الامامه- السلطة- هي أصل من أصول الدين، وهو بهذا يتناقض مع مذهب أهل السنة ، القائم على أن الامامه فرع من فروع الدين، وليس من أصوله( كما يرى المذهب الشيعي) يقول الإيجي ( وهي عندنا من الفروع ، وإنّما ذكرناها في علم الكلام تأسيّاً بمن قبلنا... ) (المواقف : ص 395)، ويقول الإمام الغزالي ( اعلم أنّ النظر في الإمامة أيضاً ليس من المهمات ، وليس أيضاً من فنّ المعقولات ، بل من الفقهيات...) (الاقتصاد في الاعتقاد : ص 234) يقول الآمدي ( واعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أُصول الديانات ، ولا من الأُمور اللابدِّيَّات ، بحيث لا يسع المكلَّف الإعراض عنها والجهل بها... ) (غاية المرام في علم الكلام : ص 363) ، ويقول التفتازاني ( لا نزاع في أنّ مباحث الإمامة ، بعلم الفروع أَليق...) (شرح المقاصد : ج 2، ص 271).
التناقض مع مقاصد الشرع وضوابطه: كما أن مذهب التفسير السياسي يلزم منه ، جمله من المفاهيم ، التي تتناقض مع مقاصد الشرع وضوابطه ، ومن هذه
المفاهيم:
التفرق فى الدين: يلزم من هذا المذهب اباحه الاختلاف " التعدد "على مستوى أصول الدين، وهو ما يتناقض مع ما قررته النصوص ، من النهى عن الاختلاف ،على مستوى أصول الدين ،التى مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة : يقول تعالى( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ~ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( آل عمران: الآية (104).
احتكار الدين: كما يلزم من هذا المذهب احتكار فئة التحدث باسم الدين، وهو ما يخالف إقرار الإسلام للتعدد والاختلاف على مستوى الفروع ، يقول ابن مفلح( لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع)[الآداب الشرعية 1/186].
تكفير المخالف: كما يلزم من هذا المذهب تكفير المخالف في المذهب ،وهو ما يتعارض مع ورود الكثير من النصوص التي تفيد النهى عن تكفير المسلمين: قال تعالى ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً تبغون عرض الحياة الدنيا).
الاستغلال السياسي للدين: كما يلزم من هذا المذهب الاستغلال السياسي للدين، والذي يتمثل في جعل الغاية من النشاط السياسي هي الدولة – السلطة، والوسيلة هي الدين،" بدلا من جعل الدين هو الأصل والسياسة هي الفرع"، وهو شكل من أشكال الاتجار بالدين الذي ورد النهى عنه فى الكثير من النصوص كقوله تعالى:(ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)(المائدة:44.( ادعاء العصمة: كما يلزم من هذا المذهب اعتبار ان هناك أشخاص معصومين عن الخطأ،ولا عصمه لأحد بعد الأنبياء،والقول بذلك يعنى المساواة بينهم وبين الأنبياء والرسل في الدرجة.
التعصب المذهبي: كما يلزم من هذا المذهب التعصب المذهبي الذي ذمه علماء أهل السنة، يقول ابن القيِّم( وأما المتعصِّب الذي جعل قولَ متبوعه عيارًا على الكتاب والسُّنة وأقوالِ الصحابة، يزِنُها به، فما وافق قول متبوعه منها قبِلَه، وما خالفه ردَّه، فهذا إلى الذمِّ والعقاب أقرب منه إلى الأجر والصَّواب؛ وإن قال - وهو الواقع -: اتَّبعته وقلَّدته، ولا أدري أعلى صوابٍ هو أم لا؟ فالعُهْدة على القائل، وأنا حاكٍ لأقواله، قيل
له: فهل تتخلَّص بهذا من الله عند السُّؤال لك عمَّا حكمت به بين عباد الله، وأفتيتهم به؟ فوالله إن للحُكَّام والمفتين لموقفًا للسؤال لا يتخلص فيه إلاَّ مَن عرف الحق، وحكم به، وأفتى به، وأما من عداهما فسيَعلم عند انكشاف الحال أنه لم يكن على شيء )(إعلام الموقِّعين" 2/ 232).

ثانيا: التفسير الديني للسياسة(السياسة الشرعية): أما التفسير الديني للسياسة (الذي عبر عنه العلماء بمصطلح السياسة الشرعية) فيجعل الدين هو الأصل - والسياسة هي الفرع، اى أن يكون الدين " ممثلا في مقاصده وضوابطه " للسياسة بمثابة الكل للجزء، يحده فيكمله ولكن لا يلغيه ، و يقوم هذا التفسير على اعتبار أن الامامه فرع من فروع الدين وليس أصل من أصوله ، وهو بهذا يتسق مع مذهب أهل السنة في الامامه كما سبق ذكره.
وطبقا لهذا التفسير فان النشاط السياسي ينبغى أن يلتزم بجمله من الضوابط التي تهدف إلى تحقيق اكبر قدر ممكن من الاتساق بينه وبين مقاصد الشرع وضوابطه ، ومن هذه المقاصد والضوابط:
السياسة الشرعية ما يحقق مصلحه الجماعة ولو لم يرد فيه نص : من هذه الضوابط ما قرره علماء أهل السنة من أن السياسة الشرعية هي ما كل يحقق مصلحه الجماعة ولو لم يرد فيه نص ، يقول ابْنُ عَقِيلٍ(السِّيَاسَةُ مَا كَانَ فِعْلاً يَكُونُ مَعَهُ النَّاسُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ.)،ويقول ابن القيم(إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَهُوَ الْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْأَرْضُ وَالسَّمَوَاتُ فَإِذَا ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ الْعَدْلِ وَأَسْفَرَ وَجْهُهُ بِأَيْ طَرِيقٍ كَانَ، فَثَمَّ شَرْعُ اللهِ
وَدِينُهُ...) (الأحكام السلطانية،أبي يعلى الفراء).
لا كهنوت فى الإسلام: والسلطة الدينية (التي عبر عنها القران بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر)، في الفكر السياسي الاسلامى، مخوله بموجب الاستخلاف العام لجماعة المسلمين( كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )، أما اى جماعه من المسلمين فهي مكلفه بالأمر بالمعروف او النهى عن المنكر من باب التخصص، وليس الانفراد كما فى قوله تعالى(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )(آل عمران: 104)، فليس في الإسلام رجال دين ولكن به علماء دين . وهذا يعنى رفض التصور الاسلامى للكهنوتية التي تعنى إسناد السلطة الدينية (و
السياسية) إلى فرد أو فئة ، ينفرد او تنفرد بها دون الجماعة( رجال الدين). يقول تعالى(واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )، الأكثرون من المفسرين قالوا ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا أنهم آلهة العالم ،بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم.
الفكر السياسي الاسلامى المعاصر بين التفسير السياسي للدين والتفسير الديني للسياسة: طبقا للتمييز السابق ، فإننا سنعرض فيما يلي ، تصور كل من التفسير السياسي للدين، والتفسير الديني للسياسة ، لبعض مفاهيم ومصطلحات وقضايا الفكر السياسي الاسلامى المعاصر.