منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#20779
أعمدة
الصراع على السلطة في إيران ودلالاته للمنطقة العربية
محمد جلال نعمان
إنه من نافلة القول إن الصراع الدائر حالياً في إيران هو صراع على السلطة من داخل نظام الجمهورية الإسلامية، ولكن في الوقت نفسه فإن النظام كما هو قائم في إيران حالياً، هو نظام وطني إيراني بقدر ما يحمل من شعارات إسلامية لأغراض سياسية داخلية وخارجية. وهذه الحقائق المعروفة تستند إلى مبدأ الدولة الوطنية الذي ظهر في أوروبا منذ معاهدة وستفاليا العام 1648 التي أنهت الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت واعترفت بمبدأ سيادة الدولة على أسس وطنية
إيران كدولة وطنية قامت بعد الحرب العالمية الثانية بصورتها الراهنة، حيث شملت أراضي تنتمي لأعراق عدة، وهي بهذا كررت وجوداً إيرانياً سابقاً سواء في عهد الدولة الصفوية أو قبلها أو بعدها. وهذا يعني قيام إيران الحديثة كدولة متعددة الأعراق والطوائف بل والعقائد. ومن المفترض أن تتمتع كافة الأعراق والطوائف الدينية بحقوق متساوية.
ولكن إيران الجمهورية الإسلامية حاولت المزج بين الأمرين، فالدستور يعطي السلطة السياسية والقرار السياسي للمذهب الاثنى عشرية فرئيس الجمهورية وكافة السلطات تقوم على أساسه.
وبالنسبة للمنطقة العربية التي قامت دولها الحديثة وفي مقدمتها سوريا والعراق في ظل حكم البعث، وكذلك الدعوة للقومية العربية التي طرحها البعث، ثم عمقها عبدالناصر، وأصبح زعيماً لها، هذه الدعوة قامت على أساس رفض التمييز الديني والاعتراف بالدولة المدنية وبالحقوق المتساوية للمواطنين على الأقل من الناحية القانونية والدستورية، وهنا نجد تعارضاً جوهرياً بين مفهوم الدولة الإسلامية في إيران والدول العربية جميعاً، سواء معتدلة، أو غير معتدلة سواء صديقة لإيران أو ذات علاقات متوترة معها، ولا نقل عدوة لإيران، لان هذا مفهوم خاطئ، وغير موجود على أرض الواقع العملي ولم يصدر تصريح من أي مسؤول عربي، بأن إيران عدوة لدولته بل الجميع حريص على تأكيد أن إيران دولة إسلامية شقيقة، وعلى تأكيد الحرص على صداقتها وإقامة علاقات ودية معها شريطة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
الجديد في تطور الأوضاع في إيران، والذي يرتبط بالصراع على السلطة، أو بالأحرى التنافس في الانتخابات وما أعقبه من تداعيات قد تنذر بمخاطر، ليس على إيران فحسب، وإنما على الدول العربية، وفي مقدمتها دول الخليج العربية، ولهذا فإنه ينبغي المبادرة لإزالة بعض الأوهام التي قد تدور بخلد بعض السياسيين أو الإعلاميين أو الجماهير العادية في المنطقة العربية أو إيران، على حد سواء، وذلك من خلال التأكيد على المبادئ التالية:
الأول: إنه ليس في مصلحة أية دولة عربية أن تحدث قلاقل واضطرابات في إيران، لأن ذلك سيؤثر سلبياً على أوضاع الدول العربية قاطبة وفي المقدمة دول الخليج العربي ولهذا لم يصدر أي تصريح عربي يشير إلى الترحيب بالقلاقل في إيران.
الثاني: إنه ليس بالضرورة أن حدوث تغير في النظام السياسي في إيران سيكون لصالح المنطقة العربية، فهذه التصور هو من الأوهام، فإيران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي لم تكن صديقة لكل العرب، وإنما لبعضهم و إيران في الجمهورية الإسلامية ليست صديقة لكل العرب، وإنما لبعضهم والصداقة هنا بمعنى علاقاتها السياسية الرسمية، وأما الشعوب العربية والإيرانية فهي أكثر صداقة في معظمها من سياسات دولها الرسمية.
الثالث: إنه في تقديري أن من مصلحة الدول العربية عودة الاستقرار لإيران، وكذلك عودة الاستقرار للعراق، فكلاهما ركيزتان أساسيتان للمنطقة وأمنها وسلامتها، ولكن التغير الذي يمكن أن ينشده أي عربي ليس في النظام، فهذا شأن داخلي إيراني، وإنما في سياسات النظام أياً كان هذا النظام. بمعنى احترام مبدأ سيادة الدول الأخرى في المنطقة، والتخلي عن مفهوم سياسات الهيمنة والسيطرة، على أسس عرقية أو طائفية أو دينية أو سياسية، مثل تصدير الثورة، أو نشر فكر إسلامي معين ، فمبدأ الحرية الدينية واحترام عقائد الآخرين، وعدم السعي لتغيير عقائدهم، هو المبدأ المعترف به بمقتضى مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهذا ينطبق على العرب، كما ينطبق على إيران كما ينطبق على الدول كافة.
الرابع: إنه من الضروري تخلي المثقفين العرب أو الإيرانيين عن ممارسات استدعاء الماضي التاريخي، وأن دولة ما، كان لها سيطرة على منطقة ما، لأن عالم اليوم يقوم على سيادة الدول والاعتراف بحدودها الوطنية وبعضويتها في الأمم المتحدة. واستدعاء أحداث التاريخ هو وصفة لإثارة الفوضى والقلاقل في العالم بأسره. ويكفي أن توضع أحداث التاريخ في الكتب للدراسة والمعرفة، وأخذ العبرة.
الخامس: مفهوم الدولة الإسلامية والحكومة الإسلامية، هذه مفاهيم ذات أبعاد تاريخية بعضها صحيح، وبعضها طرأ عليه الكثير من التشويه، ولنتركه للعلماء والباحثين والمفكرين لدراسته وأخذ عبره ودروسه وهو مفهوم غير قابل للتطبيق عملياً، وأثار في التاريخ الإسلامي في الماضي كثيرا من الحروب، وأدى إلى إراقة الدماء والقلاقل.
السادس: إن عقدة الصراع العربي الإسرائيلي هو في انحباس إسرائيل في أمرين أولهما المفاهيم التاريخية سواء صحيحة أو مشوهة، وثانيهما انحباس إسرائيل في المفهوم الديني. وبالطبع العالم بأسره يرفض ذلك، ولكن لاعتبارات عديدة لا يرغب في مواجهة إسرائيل بوضوح ودعوتها للتخلي عن مثل هذه المفاهيم. والعرب الذين يرفضون ذلك لإسرائيل، من المنطقي أن يرفضوه بالنسبة للدول الأخرى في المنطقة أو غيرها.
تلك بعض الأفكار حول التداعيات في الأحداث في إيران والتي نتمنى أن تنتهي ويعود لها الاستقرار، وأن يعطى شعبها حق اتخاذ قراره بدون تدخل خارجي، وأن يعترف لكافة المواطنين بالحقوق نفسها في إطار من التعايش السلمي والاحترام المتبادل.

المراجع/مجلة القت,العدد1230,11رجب1430