منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#65513
عرفت العلاقات السودانية المغربية تطوراً كبيراً وازدهاراً على مر العصور وفي شتى المجالات، ولم تقف الحواجز الطبيعية حائلاً دون الاختلاط الفكري والسياسي والثقافي والديني بين شمال الصحراء وجنوبها، وهذا يعني سهولة نقل النظم من مكان إلى مكان آخر خاصة في ميادين السياسة والإدارة وتنظيم الجيوش وتسييرها، إلا أن هذه الروابط عكر صفوها لفترة من الزمن توتر سياسي بين الشمال في عهد حكم الأشراف السعديين للمغرب، والجنوب في عهد حكم الأساكي بسبب الصراع على مناجم الذهب في السودان الغربي، وانتهى بغزو المغرب للسودان الغربي سنة 1591م، وهذا أمر وارد في سير الأمم والملوك، و تشمل هذه العلاقات في فترة الدراسة جميع الدول التي قامت بالمغرب وبلاد السودان الغربي طيلة القرنين 9و10هـ/15و16م . أولاً: العلاقات السودانية مع الدولة المرينية (668-961هـ/ 1258-1420م):
لقد تمسك ملوك بني مرين فيما يتعلق بالممالك الإفريقية جنوب الصحراء بعلاقات الود والإخاء التي ربطتهم كمسلمين بتلك الممالك، خاصة في ظل وجود مملكة قوية في الجنوب هي مملكة مالي، بل في أوج عظمتها في عهدي المنسى موسى ثم المنسى سليمان .
وإذا كانت شهرة المنسا موسى قد طبقت الآفاق في السودان إثر رحلته إلى الحج وما نتج عنها، فإن اسم جاره السلطان المريني أبي الحسن قد دوت عبر أطراف إفريقيا والأندلس، ولهذا فقد كان من الطبيعي أن تنشأ بين المملكتين علاقات قائمة على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وجاءت أول إشارة للعلاقات السياسية بين بني مرين ومالي خلال عهد السلطان أبي الحسن المريني، حين أرسل إليه سلطان مالي منسا موسى سفارة بها أحد رجال البلاط المالي ومعه أحد المترجمين من الملثمين من صنهاجة، وكان الهدف منها تهنئة سلطان المغرب على انتصاره واستيلائه على تلمسان.
وقد بالغ السلطان أبو الحسن في استقبال الوفد المالي والاحتفاء به، ورد على هذه السفارة، بسفارة كبيرة ظهرت فيها أبهة السلطان المريني حيث تضمنت هدايا كثيرة إلى السلطان المالي، وقد وصلت هذه السفارة إلى مالي في عهد منسا سليمان بن منسا موسى، الذي كان قد توفي منذ قليل. وبعد وفاة السلطان أبي الحسن استمرت العلاقة الطيبة بين المملكتين، وكان تبادل الهدايا والسفارات بين البلاطين أمراً يحظى باهتمام سلاطين الدولتين، فكان منسا سليمان قبل وفاة السلطان أبي الحسن قد أرسل هدية نفيسة إليه، ولكنها اختزنت في الطريق إلى المغرب بسبب وفاة مرسلها منسا سليمان، وظلت على هذه الحال حتى تولى ملك مالي منسا زاطة، فأمر بإرسال الهدية على الفور إلى السلطان أبي سالم المريني، وضم إلى الهدية حيوان الزرافة الغريب الشكل العظيم الهيكل، وكان يوم وصولها يوماً مشهوداً ، وأنشد الشعراء قصائدهم في ذلك.
وصاحب هذه العلاقات السياسية الودية انتقال بعض المؤثرات والتنظيمات الإدارية المرينية إلى دولة مالي، فكان بهذه الدولة الوزراء والقضاة والكتاب والدواوين، والجيش الذي وصل عدد الجند به إلى مائة ألف رجل. أما العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدولتين فلابد وأنها سبقت العلاقات الدبلوماسية بأمد بعيد، والمعروف أنها بدأت على المستوى الرسمي بين الدولتين في عهد منسا موسى.
ومن المعروف أن ابن بطوطة قام بزيارة إلى مالي على رغبة من السلطان أبي عنان المريني، ويرى البعض أن الهدف الحقيقي وراء هذه الرحلة هو القيام بدراسة عملية للطرق والمسالك التجارية بين مالي والدولة المرينية، والوقوف على الحجم الحقيقي لتجارة الذهب بين مالي ومصر، وذلك للعمل على تحويلها ما أمكن إلى البلاد المرينية .
أما العلاقات الثقافية بين الدولة المرينية وبلاد السودان الغربي، فهي علاقة قديمة تمتد جذورها إلى قرون عديدة، وقد حمل التجار العبء الأكبر في إيصال المؤثرات الثقافية الأولى لهذه البقاع، وسرعان ما اقتفى العلماء أثر التجار وساروا معهم أو وراءهم ينشرون الإسلام، ومعه يبثون العلم العربي والثقافة العربية الإسلامية، حتى إن منسى موسى نفسه أصبح يجيد اللغة العربية ويلم بكثير من ألوان الثقافة العربية الإسلامية.
ثانياً: العلاقات السودانية مع الدولة الوطاسية (876-961هـ/1471-1553م): بالرغم من أن فترة حكم الوطاسيين كانت قصيرة، وعرفت الكثير من المشاكل والاضطرابات، فإنهم ظلوا على صلة وثيقة بممالك السودان الغربي، فقد أرسل ملك فاس محمد الو طاسي المعروف بالبرتغـالي (1505-1524م) سفارة إلى مملكة سنغاي وبالذات إلى تنبكت في بداية القرن العاشر الهجري، حيث مثلت امام الأسكيا محمد توري الكبير(1493-1528م) رأس أسرة الأسكيين، وكانت برئاسة أحد أعمام الحسن بن محمد الوزان الذي كان برفقته، وهوما يزال في مقتبل العمر .
وكان مرور السفارة عن طريق درعة، وظلت سجلماسة حتى ذلك الوقت مركزاً تجارياً عظيماً يتبادل فيها التجار البضائع مع مصر والسودان .
ثالثاً: العلاقات السودانية مع دولة الأشراف السعديين (915-1069هـ/1510-1658م): تميزت العلاقات بين سلاطين السعديين وملوك السودان الغربي(الأساكي) بالتوتر والفتور في كثير من الأحيان، وتعتمد على الغرض والمنفعة وتحقيق مصالح استغلالية مغربية في السودان الغربي، فمنذ ظهور السعديين (916هـ/1510م)، وقيام دولتهم بالمغرب، سعوا إلى البحث عن موارد ثابتة، تمكنهم من توطيد أقدامهم، وتساعدهم على تطوير الاقتصاد المغربي لما فيه رفاهية البلاد وازدهارها خاصة في ظل الضائقة المالية التي عانوا منها نتيجة حروبهم المتواصلة مع أعدائهم . فتوجه السعديون بأنظارهم إلى ثروات السودان الغربي من الذهب والرقيق، وقد ركزوا على مناجم الملح في تغازا ، والذي تعتمد عليه سائر بلاد السودان.
وبالفعل فقد أرسل السلطان محمد الأعرج ثاني السلاطين السعديين إلى الأسكيا إسحاق الأول في عام (933هـ/1526م)، يطلب منه تسليم معدن تغازا، وكرر هذا الطلب السلطان محمد الشيخ خليفة الأعرج في عام (951هـ/1544م) بشأن التنازل عن نفس المعدن.
وانتهى الأمر بين الطرفين بغزو منطقة السودان الغربي على يد السلطان أحمد المنصور الذهبي والقضاء على دولة صنغاي، في ظل ظروف داخلية وتحديات خارجية فرضت نفسها على المغرب وتوجهاته السياسية والاقتصادية.