منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
By محمد المليحان ٣٢
#66250
نظام أم لا نظام عالمي جديد؟

حتى أواخر الثمانينات من القرن المنصرم كان العالم متركزا إلي قطبين رئيسيين الولايات المتحدة الأمريكية وفي فلكها أوربا واليابان ممثلة المثلث الرأسمالي للغرب، والاتحاد السوفيتي وتخومه في أوربا الشرقية، ومن لف لفه من دول متناثرة في آسيا أو غيرها من بقاع العالم.
بهذه الثنائية كان المشهد واضحا لا لبث فيه فالقوة العالمية ومفاتيح الحل والربط، عطفا على المنح والمنع، لم تبارح موسكو وواشنطن، والآن بعد عقدين أو يزيد قليلا من انهيار الاتحاد السوفيتي والانفراد الأمريكي بمقدرات العالم هل باتت موازين القوة في يد الأمريكيين بمفردهم أم حدث تغير جوهري تجاه فكرة "الأمة التي لا غني عنها للعالم" لتتعدل وتتبدل أوهام القوي وتتوزع الأنصاب بطريقة غير مسبوقة حول الكرة الأرضية، التي عرفت ثنائية القوة منذ زمن الفرس والروم وصولا إلي الانجليز والفرنسيين؟
في نهاية تسعينات القرن المنصرم كان الرئيس الأمريكي بيل كلينتون يفاخر العالم بأن دولته هي حجر الزاوية في النظام العالمي الجديد، وأنها بمثابة الدولية غير القابلة للانزناج ابد الدهر، والدولة التي لا يستغني عنها سكان الأرض كافة.
هذا المشهد في حقيقة الحال لم يطل به المقام، إذا بعد عدة سنوات لم تتجاوز العقد وفي مايو/ حزيران 2008 كان المنظر الدبلوماسي الأمريكي "الشهير" ريتشارد هاس:" يتحدث فير مجلة الفورين بوليس ذائعة الصيت عن ما أطلق عليه "عصر اللاقطاب" وجل قوله أن السمة الرئيسية لعلاقات القرن الحادي والعشرين الدولية تتحول لتصبح لا قطبية، أي عالم لا تهمين عليه دولة أو اثنتان أو حتى عدة دول وإنما عشرات الفاعلين الذين يمتلكون ويمارسون أنواعا مختلفة من القوة، الأمر الذي يمثل ولاشك تحولا تكنوينا (بينويا) عن الماضي.
هل ما جري في الشرق الأوسط في الأعوام الثلاثة الأخيرة يحمل جانبا أو يشئ بمصداقية للواقع العالمي الجديد والذي فيه يمكن أن تكون "أمريكا" الدولة المستغناة أو القابلة للاستغناء عنها، وفيه كذلك نهاية عصر القوة المنفردة القاهرة؟
حتما ذلك كذلك، ولعل أفضل جواب جاءت جربت به المقادير في الأشهر الأخيرة هو النموذج المصري حيث الزخم الشعبي بات يدعم مؤسسته العسكرية في مواجهة الولايات المتحدة وضغوطاتها، رغم متانة وقوة الرباط بين القاهرة وواشنطن، وباتت الأزمة التى كان يتحدث عنها البعض سرا في المخادع، ينادي بها الآن على السطوح، ولم يعد الخوف من الترهيب الأمريكي للمصريين ذو فاعلية، وبنفس القدر بات الترغيب الأمريكي قاصر على تحقيق وإدراك صوات المصريين، وهو الأمر الذي أعترف به أوباما مؤخراً، حيث ذهب إلي القول بأن مبلغ الـ 1.5 مليار دولار أي إجمالي المساعدات الأمريكية الاقتصادية والعسكرية لمصر لا يتيح لواشنطن ممارسة ضغوطات فاعلة على الحكومة المصرية وخاصة مؤسستها العسكرية .
هل أظهرت الأزمة المصرية مقدار التحنط الذي تعيشه واشنطن هي تمر بالفترة المعتادة للامبراطويات السابقة، أي تلك يتوجب عليها فيها دف أكلاف فرط الامتداد الإمبراطوري؟
مؤكد أن ذلك كذلك، ولهذا لا نري من تلك الإدارة المتداعية لاسيما تجاه منطقة الشرق الأوسط سوي خطابات بلاغية وفورات عاطفية لحظية، ما يؤكد الفعل أنها إدارة ربما تمتلك مهارات فنية في التنظير الايديلولجي، لكن على أرض الواقع لا رؤية إستراتيجية لها، ولا سقف واضح لأفقها السياسي وبخاصة بعد فضائحها الأخلاقية في تنصتها على العالم السبرنطيقي في الداخل الأمريكي وفي الخارج وحتى على أقرب أصدقائها من الأوربيين، والذين باتت ثقتهم فيها تهتز بشكل غير مسبوق.
وبالتوازي مع عصر اللاأقطاب وأضمحلال فكرة الأمة التي يحج إليها صيفا وشتاء، وفي كل الأجواء والأنواء، بدأت تتجلي حقائق نهاية عصر القوة المنفردة بمقدرات العالم، حتى وأن بقي للولايات المتحدة الأمريكية مسحة منها.
ولعل أفضل من تناول هذه الإشكالية الأحدث بإسهاب مؤخرا كان الكاتب والوزير الفنزويلي ورئيس تحرير مجلة الفورين بوليس السابق "موسي نعيم" في كتابه "نهاية عصر القوة" إذ يري أن القوة ومقدراتها قد أفلت من يد الزعماء والوزراء والحكومات وأصبحت "ضعيفة" متنقلة، ومقيدة... ما السبب وراء هذا الواقع الجديد؟
يمكن للمرء أن يتناول ظهور قوي اقتصادية وسياسة جديدة حول البسيطة مثل مجموعة دول البريكس، لكن ذلك في الغالب ليس السبب الرئيسي وإنما مرد نهاية عصر القوة التقليدية هو التغيرات المتسارعة في عالمنا اليوم، حيث البنوك العالمية، والشركات متعددة الجنسيات، ومنظمات حقوق الإنسان الناشطة، ومواقع التواصل الاجتماعي التي كانت أداة مؤخرا لتغيير الواقع السياسي في عدد بالغ من دول العالم، ولم توفر العرب منها.
ولعل علامة الاستفهام الحقيق بنا طرحها إلي أين يمضي العالم في ظل ثنائية اللاقطبية المنفردة أو الثنائية، ومع تغير مفاهيم وموازين القوي الدولية؟
يخشي كثيرون أن يكون العالم مقبل على مرحلة من فراغ أو شبه فراغ القوة العالمية، وقبل أن تفرز الأحداث والديالكتيك الإنساني نظاما جديدة لا ملامح واضحة له حتى الساعة، وحتى تلك اللحظة ربما يعيش العالم فترة ما من الفوضى غير الخلاقة الناجمة عن القطبية الأمريكية التي انفردت بمقدرات العالم لعقدين متواليين و بسبب إقدامها على تحضير الجني والعجز عن إعادته إلي القدر ثانية، وعلى غير المصدق أن ينظر إلي الخريطة الشرق الأوسط الجديد كما يراد لها أن تكون .






« منقول » ..