منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
By محمد المليحان ٣٢
#66253
مرحلة جديدة من التطور العالمي :

هل العالم على مشارف مرحلة جديدة من مراحل تطور النظام العالمي؟
هذا السؤال يطرحه المفكر الأسيوي الكبير السنغافوري الأصل كيشور محبوباني في كتابه الجديد " نصف العلام الآسيوي " وعنده أن القرارات التي سوف تتخذ اليوم يمكن أن تقرر مسار القرن الحادي والعشرين، وعنده كذلك أنه لم يحدث قط أن كان لدينا فرصة مثل المتوفرة الآن لإيجاد عالم أفضل لسكان العالم.
لقد أدت الثورة العلمية وخاصة في العلوم والتكنولوجيا إلي إتاحة هذه الفرصة لنا، إلا أنه من الواضح أن العقول التي تقود العالم وخاصة في الغرب، مازالت أسيرة الماضي، رافضة أو غير قادرة على رؤية الفرصة المتاحة الآن لتغيير العالم إلي الأفضل، ولكن أن لم يفعلوا فسوف يكونون قد ارتكبوا أخطاء فادحة، وربما تكون كارثية.
وقد كان قرار غزو العراق الذي اتخذته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في مارس 2003، أحد هذه الأخطاء، ومن الممكن الجدل بأن الأمريكيين والبريطانيين كانوا يقصدون فقط تحرير الشعب العراقي من أحد الحكام الطغاة وتخليص العالم من شخص خطير مثل "صدام حسين".
لم تكن لدي أي من بوش وبلير أية أغراض شريرة، إلا أن منهجهم الفكري كان أسير العقلية الغربية، وقد أعتقد كثير من قادة الفكر الأمريكيين أنه سيتم الترحيب بالقوات الأمريكية الغازية وسيتم استقبالها بالورود والرياض التي سيلقيها عليهم العراقيون في الشوارع، إلا أنه لا توجد دولة في النصف الثاني من القرن العشرين ترحب بالغزاة الأجانب.
وبالتالي فإن فكرة أن أي دولة إسلامية سترحب بوطء الأحذية العسكرية على ترابها، فكرة سخيفة. أن غزوة العراق واحتلاله سيظل باقيا في الذاكرة ككارثة حضارية وحتى لو كان تنفيذ العملية قد تم بشكل جيد، فإن فشلها أمر محتوم.
يقرر محبوباني أنه وعلى مدار القرون الثلاثة الماضية، كانت شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية مواد للتاريخ العالمي، وكانت القرارات التي شكلت التاريخ تتخذ في بضع عواصم غربية، كانت في معظم الأحيان هي لندن وباريس وبرلين وواشنطن العاصمة، فقد نشبت الحرب العالمية الأولي والثانية دون استشارة الغالبية العظمي من شعوب العالم، حيث أدخلت هذه الشعوب في حروب أوربية بالأساس، على الأقل حتى ظهر العدوان الياباني على الصين والباسفيك. أما الآن فإن بقية شعوب العالم التي يبلغ عددها حوالي 5.6 مليار نسمة والتي تعيش خارج العالم الغربي، لن تقبل أن يتم اتخاذ القرارات نيابة عنها في العواصم الغربية.
ومن ثم هل يعتبر القرن الحادي والعشرون لحظة انتصار تاريخية للغرب أم لحظة هزيمة تاريخية له؟
بحسب "كيشور محبوباني" فإنه لا يمكن الإجابة الآن، لأن الإجابة تتوقف على رد فعل الغرب تجاه نهضة آسيا. أن عدد الأفراد الذين يسعون في أركان العالم وراء تحقيق الحلم الغربي بزيادة حجم وقوة الطبقة المتوسط لم يكن في أي وقت أكبر مما هو عليه الآن.
ولعدة قرون لم يكن بإمكان الصينيين والهنود أن يتطلعوا إلي تحقيق هذا الحلم، أما الآن فيزداد يوما بعد يوم من يعتقدون أن الحلم أصبح في متناول أيديهم، ومثلهم الأعلين في ذلك هو بلوغ ما حققته أمريكا وأوربا، فما يريدونه هو تكرار تجربة الغرب، وليس السيطرة عليه.
يقودنا فكر كيشور محبوباني إلي البحث عن أبعاد قضية مهمة وهي أنه على الرغم من أن إسباغ العالمية على الحلم الغربي ينبغي أن يكون لحظة انتصار للغرب، فإن كثيرا من القادة الغربيين يبدءون خطبهم بالتنويه عن مدي خطورة الوضع العالمي. وقد قال الرئيس بوش في أغسطس 2006 أن " على الشعب الأمريكي أن يعرف أننا نعيش في عالم خطر" كما أدلي غيره من القادة الغربيين بيانات مماثلة، فقد ذكر وزير الخارجية الفرنسية "ميشيل بارنييه" في فبراير 2005 "أن هناك الكثير من التحديات التي علينا مواجهتها في هذا العالم الخطر وغير المستقر أما السفير الكندي إلي الولايات المتحدة "مايكل ويلسون" فقد قال في عصر أصبح فيه العالم أصغر، وأكثر خطورة، فإن كندا تتقدم مع إعادة توجيه جهودها لمواجهة التهديدات الجديدة التي تواجه شعبنا "إن مثل هذه التصريحات لبعض القادة الغربيين تمثل روحا جديدة في الغرب، إلا وهي الاعتقاد بأن العالم قد أصبح أكثر خطورة مما سبق".
ويلفت محبوباني إلي أن أحد عناصر قوة الحضارة الغربية هو اعتقادها بأن تقدم المجتمعات يتم عندما لا تكون هذه المجتمعات أسيرة لإيديولوجية معينة. ويؤمن الغرب أن هذا ما ساعده على تحقيق أحد أعظم انتصاراته، بينما أنهار الاتحاد السوفيتي لأنه وقع في شرك إتباع أيديولوجية جامدة، أما المجتمعات الغربية فإنها على النقيض، كانت أكثر انفتاحا على الأفكار الجديدة، ولم تقع في فتح إتباع الإيديولوجيات الجامدة.
لعل ما هدف إليه "كيشور محبوباني" في كتابه المتميز هذا هو ترك القارئ بعد قراءة هذا الكتاب ولديه شعور بالتفاؤل بشأن مستقبل العالم فهو مؤمن ومتفائل بأن مستقبل أبنائه سيكون أفضل كثيرا من مستقبله، وهذا هو السبب وراء إهدائه الكتاب إليهم، غير أنه يؤكد على أن النتائج المتفائلة لا تحدث تلقائيا بل تتطلب اتخاذ قرارات حاسمة وقد حان الوقت وقت العمل لإحداث هذا التدخل.







« منقول » ...