منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
By محمد المليحان ٣٢
#66270
في عودة روسيا للشرق الأوسط :

هل بات خيار "الرابح يستحوذ على الكل" يحكم أداء الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط عامة وفي حال الأزمة الروسية خاصة؟
من الواضح للعيان أن روسيا عادت تلعب من جديد دور فاعل في المنطقة ومانراه على ساحة الملف السوري يؤكد ذلك بأمتياز... ماذا عن روسيا في الشرق الأوسط بداية وفي سوريا تاليا؟
يمكن القول بداية أن روسيا كان لها وجهة نظر خاصة في الانتفاضات العربية، وقد عبر عنه نجم الدبلوماسية الروسية اللامع هذه الأيام ووزير خارجيتها "سيرجي لافروف" الذي رفض منطق الثورات العربية لتغيير أنظمة الحكم في عدد من البلدان العربية معتبرا أن السبيل الأنجع لإحداث تغييرات لصالح شعوب المنطقة يبدأ بأجراء إصلاحات سياسية واجتماعية، تتيح المجال لانتقال السلطة بشكل سلمي عبر الحوار والأنتخابات.
والثابت أن المرء يستطيع أن يلمح خوفا روسيا من تلك الثورات أو الأنتفاضات على صعيدين، الأول يتعلق بصعود التيارات الدينية الراديكالية في المنطقة، وكيف أن لهذا الصعود أن يزخم قوى مماثلة لها في جمهوريات سوفيتيه سابقة ذات مسحة دينية أسلامية، كما الحال في الشيشان على سبيل المثال.
والثاني يتعلق بالاهداف والمصالح الاقتصادية، وقد كانت خسارة روسيا في ليبيا فادحة لاسيما بعد وضع الناتو يديه على النفط الليبي وصناعته، كما كانت ليبيا هي المدخل الروسي لقارة إفريقيا خاصة.
هل لهذا السبب لاتريد روسيا أن تكون خسارتها مزدوجة في الشرق الأوسط بمعنى أنها ترفض سقوط سوريا إما بين أيدي الثوار الاسلاميين أو الامبرياليين الغربيين؟
لعل من تابع زيارة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو إلى موسكو الأيبام القليلة المنصرمة، قد وقر لديه أن الأمر بالنسبة لروسيا هو قضية جوهرية وان علاقتهم مع السوريين لن تنفصم أبدا، وقد عجز نتانياهو عن إثناء بوتين عن تزويد سوريا بصفقة الصواريخ المتقدمة للغاية من طراز
S300 والتي تجعل سماء سوريا من المحرمات إذ تمنع اقتراب أي طائرات أمريكية أو أسرائيلية منها مع أخذ الاحتياطات الكافية لجهة إدرة تلك المنظومة الصاروخية، وربما بأيدي روسية.
في هذا الصدد بدا واضحا أن روسيا قد لعبت منذ اسبوعين وغداة الهجوم العسكري الاسرائيلي المسلح على دمشق دورا مهما للغاية في منع اشتعال المنطقة عبر حرب إقليمية، فقد تسرب أن الأسد كاد أن يرد بهجمات صاروخية موجهة لاسرائيل غير أن بوتين تدخل وحثه على التريث، وفي الوقت ذاته كانت روسيا تحذر اسرائيل من تكرار الهجوم.
لماذا سوريا على هذا القدر من الاهمية لروسيا؟
ربما يجدر بنا أن نذكر القارئ بان هناك حلما ظل يراود القياصرة الروس منذ زمن بطرس الاكبر وكاترينا العظيمة وهو الوصول إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط، وقد حققت روسيا بالفعل الكثير من هذا السياق في خمسينات وستينات وحتى منتصف سبعينات القرن المنصرم ، غير أن خروج مصر من المعادلة الخاصة بدول المقاومة عبر عقدها إتفاقية كامب ديفيد، أمر أصاب الروس بخسارة واضحة، ولم يكن في المنطقة من حليف قوي وجوهري بقدر سوريا التي تحقق لروسيا مزايا عديدة، فهي بجانب إطلالتها على البحر المتوسط ،تقع جغرافيا بالقرب من منابع النفط في الخليج، ثم أنها الدولة ذات التوجه العلماني لدولة جارة هي أيران تتخذ المنطقة والمنهج الثيولوجي(الديني) كـ مسار لها، وهذا أمر يمكنه أن يلعب دورا داعما لحركات التمرد الاسلامية في دول أخرى، كانت يوما ما تدور في فلك روسيا في أوج عز الاتحاد السوفيتي السابق.
هناك أمر أخر وربما سنفرد له قراءة مستقبلية لاحقا بأذن الله تتعلق بأهمية سوريا في تحقيق احلام روسيا التي تتطلع لان تصبح سيدة الغاز الطيبعي في العالم عبر خطوطها التي تمر بالموانئ السورية إلى العالم برمته.
وبأجمالي القول فأن بقاء الاسد أو في أضعف الأيمان بقاء النظام السوري حتى لو تغير الأسد، يعني أن روسيا هي الرابح الحقيقي الذي سيأخذ الكل كما في حال لعبة أوراق الكوتشينة(الشدة) ذلك لأنه ساعتها سيبقى الاسد أو من يقوم عوضا عنه مدينا لروسيا، وسيكون أكثر أستعدادا لتلبية مطالب القطب القائم كما العنقاء من الرماد، وفي مقدمة تلك المطالب الموانئ السورية التي ستضحي في خدمة الاساطيل الروسية وهو حادث اليوم بدرجة أو بأخرى، عطفا على قواعد القوات الجوية، وربما البرية، الامر الذي يكفل للروس حماية خاصرتها الجنوبية من تركيا العدو والخصم التاريخي للأمبراطورية الروسية، والذي يعد بالفعل خنجر في خاصرة روسيا لاسيما انها تلعب دورا بارزا في حلف الناتو .
تدرك موسكو تمام الادراك كيف أن شعوب عربية عديدة وانظمة سابقة فيها باتت تنظر لواشنطن على انها الحليف الخائن، وان أوباما على سبيل المثال هو يهوذا العصر، الذي سلم حلفائه لاعدائهم ،ولهذا فإن جزئا كبيرا من رهانها على سوريا، هو رهان أدبي أخلاقي، ذلك أن تخليها عن دمشق سيكون له تأثير ملحوظ على هيبة موسكو الدولية، بالاضافة إلى ذلك، فقد تنتقل موجة الفوضى الأمريكية بعد ازاحة الانظمة العربية غير الصديقة لواشنطن إلى أيران والقوقاز وأسيا الوسطى وهذا ما لن تسمح به موسكو.
وفي كل الاحوال تبقى عودة روسيا شرق أوسطيا على هذا النحو استعلان لفشل مفهوم السلام الامريكي "pax Americana" في الشرق الأوسط .








« منقول » ...