منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#66437
سوريا.. هل أضحي إسدال الستار قريبا؟


هل باتت نهاية النظام السوري قريبة جداً لتضحي سوريا على موعد مع فترة حكم مغايرة لتلك التى عرفتها إبان النظام البعثي الذي عمر طويلا هناك بعد سلسلة متصلة من الانقلابات وعدم الاتزان السياسي؟
عوامل عديدة في حقيقة الأمر تدفع المرء إلي التصديق بأن ذلك يمكن أن يكون حقيقة لاسيما بعد أن أكد إعلان مراكش الذي صدر في ختام اجتماع مؤتمر أصدقاء الشعب السوري اعتراف القوى العالمية المجتمعة بائتلاف المعارضة السورية الجديد بوصفه "الممثل الشرعي" للشعب السوري"... هل كان هذا الإعلان المسمار الأخير في نعش النظام السوري الحالي؟
الشاهد أنه حتى وأن لم يكن كذلك بالمعني العسكري، إلا أنه خطوة كبيرة مؤكدة في طريق تغيير المشهد السوري، وهذا ما أشار إليه أمين عام جامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي والذي اعتبر أن الأوضاع في سوريا قد تغيرت حيث تم تشكيل ائتلاف وطني سوري معارض أصبح واجهة سياسية تشمل الشعب السوري، وكذلك واجهة عسكرية تمثل قيادة موحدة.
ومما لا شك فيه أن اعتراف 113 دولة بالائتلاف الوطني لقوي المعارضة والثورة ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري، إنما جاء كرسالة زلزلت مكانة نظام الأسد الذي كان ولا يزال يزال على دعم روسيا لحكمه واستمراره في موقعه، غير أن هذا الرهان قد تلقي بدوره طعنة قاتلة عندما أعلنت روسيا أن الرئيس السوري بشار الأسد يفقد السيطرة على مقاليد الأمور في بلاده أمام الثوار الذين قد يتمكنون من الإطاحة بنظامه، وهذا ما تجلي في تصريح نائب وزير الخارجية الروسي "ميخائيل بوجدانوف" لوكالة " أيتارتاس" الروسية بأن "النظام السوري يفقد مزيداً من السيطرة على البلاد.
هل سيكون سقوط الأسد سهلاً يسيراً كما جري من قبل مع القذافي في ليبيا أو صدام حسين في العراق؟
الشاهد أن هناك مخاوف عديدة تنتاب العالم أجمع من الخيار شمشون الذي يمكن أن تلجأ إليه حكومة الأسد، حال إحساسها بأن الخطر يقترب من الأعناق، ويتمثل في استخدام ما تمتلكه سوريا من أسلحة كيميائية أو بيولوجية.
والثابت كذلك أن الاستخدام بمقدار ما سيكون موجها للداخل السوري، فإن إسرائيل الجار والعدو المحتل للأرض السورية تتحسب بدورها من إمكانية هذا الطرح وتحويله إلي واقع حال على الأرض.
في الحادي عشر من ديسمبر الجاري جاءت افتتاحية صحيفة "هارتس الإسرائيلية" تحت عنوان " رعب السلاح الكيماوي" وفيها أن المشكلة التى تقض مضاجع الدول الغربية وإسرائيل هي مخزونات السلاح الكيماوي لبشار الأسد. ولكن عندما تبشر كتائب الجيش السورى الحر، العصابات المسلحة ومنظمات القاعدة ـ-حسب تعبير هارتس - كل يوم بنجاح أخر وبسيطرة أخري على قواعد الجيش السوري فليست مسألة الاستخدام الذي سيقوم به الأسد أو لا يقوم به للسلاح هي التهديد الأساسي. وعليه فإن المسألة الاستراتيجية الآن هي من بين المنظمات المسلحة التى لا تعمل بالتنسيق ستسيطر أولاً على هذه المخزونات؟.
والمعروف أن هناك أحاديث عديدة تسربت في الأسابيع الماضية عن وجود فرق عسكرية خاصة على الحدود الأردنية - السورية مهمتها هي التدخل السريع حال فكر الأسد في استخدام تلك الأسلحة لاسيما وأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان قاطعا وواضحاً حين قال أنه إذا استخدم الأسد السلاح الكيماوي فسيكون هذا مبرراً للتدخل العسكري.
والآن نتساءل هل سيكون إعلان مراكش الأداة والمنقذ الذي من خلاله سوف يتم تسليح الجيش الحر بأسلحة متقدمة تمكنه من مجابهة قوات النظام السوري بنفس المقدرة العسكرية؟
الثابت أنه حتى بعد تشكل ائتلاف المعارضة للحركات الثورية فإن دول الغرب تتردد في كيفية الانتقال إلي المرحلة التالية، وقد كان توحيد الحركات الثورية هو مطلب الولايات المتحدة وكذا شرطا أساسيا لمواصلة تأييد المعارضة، ولكن عندما طولب الغرب بتزويد السلاح والذخيرة، بدأ واضحا التردد على الجميع ولعل جميع القراءات والتوقعات كانت تذهب إلي أن فرنسا ستكون البلد الأول الذي يقدم المساعدات العسكرية للثوار، إلا أنه في أعقاب لقاء مراكش قال وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس :" أنه من السابق لأوانه جداً أن تقوم فرنسا بتقديم السلاح لمقاتلي المعارضة السورية الذين يحاولون الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد".
يثور هنا تساؤل لماذا؟
الجواب الواضح هو أن واشنطن، ومن خلفها دول العالم في غالبها تخشي من أن يصل السلاح الذي يرسل إلي سوريا إلي أيدي منظمات معارضة ترى الأجهزة الاستخبارية الغربية أنها إسلامية متطرفة، كتلك التى توشك واشنطن نفسها على تعريفها كمنظمات إرهابية، هكذا هي مثلا - بحسب هارتس - منظمة جبهة النصرة، التى أعلن زعماؤها الملتحون والمعتمرون للعمامات السوداء ويرفعون الأعلام السود، بأن في نيتهم إقامة إمارات إسلامية في سوريا، وهم لا يتعاونون مع الجيش السوري الحر، ولهم كتائب خاصة بهم تسمي بالأسماء التقليدية الإسلامية والاشتباه هو أنهم فرع سوري لمنظمة القاعدة العراقية...... ما هي العلامة الأولي لتهاوي نظام الأسد؟ حكماً هي أن يترك بشار الأسد سورية.. هل سيفعلها كما جري الحال من قبل مع زين العابدين بن على في تونس؟
يذهب "فيودور لوكيانوف رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية"، إلي أن ذلك لن يحدث وأن بشار الأسد لن يترك سوريا.. كيف ولماذا؟
يقدم لنا السيد لوكيانوف في حقيقة الأمر تحليلا مثيراً للأحداث والفاعليات في سوريا، يجمع بين التاريخ السوري كما في والواقع الحالي كانسحابات وتداعيات لذلك الماضي.
وعنده أنه يستدل من تاريخ سوريا أن حكومة الأقلية العلوية كانت متمكنة منذ تولي السلطة خلال فترة طويلة لأن غيرها من الأقليات رأت فيها " أهون الشرين" بالمقارنة مع حكم الأغلبية السنية وليست لدى جزء كبير من سكان البلد أي ثقة إزاء "النموذج الديمقراطي" الذي يجلبه معهم مقاتلو "الجيش السوري الحر" ما يعني أن المقاومة ستستمر في حال بقاء أو عدم بقاء بشار الأسد على رأس الدولة السورية، على حد سواء، فسيتحول الجيش السوري البالغ تعداده 300 ألف جندي مضابط في الحالة الأخيرة من قوات نظامية شرعية إلي مليشيات مسلحة ليواصل القتال من أجل البقاء على قيد الحياة بكل بساطة.
هناك في حقيقة الأمر بعد أخر لابد وأن يطفو على السطح في ساعات الحسم، فكثيراً ما تردد أن بشار الأسد ليس إلا رأس نظام لا يملك كافة مفاتيح الدولة، وأن الدولة البعثية العلوية العميقة هي التى تحمل على أكتافها أعباء العمل الرسمي والحقيقي للدولة وهي التى مثلت ولا تزال أذرع النظام القمعي السوري وهنا كيف سيتصرف هؤلاء أن أراد الأسد أن يغادر أو يتنحي كما جري أيضا مع الرئيس اليمني على عبد الله صالح؟ وهل سيسمحون له بالفعل بالفرار من سوريا وتركهم؟
مما لاشك فيه أن انسحاب الأسد من الساحة كمركز لمناصرية وأبناء طائفته والأقليات الأخرى يعني أن نظام الحكم القائم في البلد سينهار كليا وبسرعة، ذلك أن تلك اللحظة التى كان فيها التوصل إلي اتفاق مع المعارضة على مرحلة انتقالية أمراً ممكناً قد فوتت بدون رجعة.
بعبارة أخرى، كما يري المحلل الروسي، لا يبقي أمام النظام إلا الصمود على أمل حدوث متغيرات ما في سياق الأحداث الداخلية والخارجية، والمقصود مثلا نشوب أزمة ما في المنطقة من شأنها أن تصرف أنظار اللاعبين الخارجين عن سوريا وتؤدي إلي تخفيف الضغوطات الممارسة عليهما.
وأنطلاقا من إدراك ضرورة إطالة أمد النظام والتشبث بالسلطة خوفا من مخاوف تقويض الوضع الهش القائم، لن يسمح الأنصار المقربون من بشار الأسد له، كما يبدو بترك الحلبة لأن التخلص منه لن يفتح إمكانيات جديدة أمامهم، خاصة، فهو شخصيا قد يمنح ضمانات ما لدواع سياسية، بينما سيقع باقي رموز النظام تحت "رحمة القاهر" مع عواقب معروفة مسبقاً لأن الحروب الطائفية لا هوادة فيها.
وبغض النظر عن هروب الأسد أو فنائه أن جاز التعبير، ففي كل الأحوال بات مستقبل النظام الأسدي في سوريا وراءه وليس أمامه.
و يبقي التساؤل ما هو مستقبل سوريا بعد الأسد، وهل ستشهد ومن خلفها الشرق الأوسط استقراراً حقيقياً؟
"سوريا بعد الأسد..." هل تتجه نحو سقوط مروع؟"... كان ذلك عنوان الورقة البحثية الهامة جداً التى صدرت مؤخراً عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني، وكاتبها هو "مايكل أيزنشتات" مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية " .
ما هي خلاصة تلك الرؤية البحثية المهمة؟
يذهب "أيزنشتات إلي أن النجاحات العسكرية الأخيرة، للمعارضة تزيد من احتمالية السقوط النهائي لنظام بشار الأسد، وعلى الرغم من أنه لا يمكن للمرء أن يستبعد نهاية حاسمة للحرب الأهلية، والتى تؤدي إلي قيام سوريا "ديمقراطية موحدة وتعددية" كما توختها وزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون" إلا أن رحيل النظام من المرجح أن يبشر بقيام مرحلة أكثر فوضوية وخطيرة للصراع.
هل سوريا داخلة إلي متاهة الحرب الأهلية الأوسع غير الأنفع؟
وهل هي مقدمة بالفعل على تقسيمات جغرافية ومناطقية، تتسق وما يتردد أو تردد بالفعل منذ عقدين على الأقل حول ضرورة تقسيم الشرق الأوسط ورسم خريطته من جديد، ولهذا سنشهد مولد دول جديدة على أطراف وحدود دول عرفت باستقلالها منذ عقود الاستقلال عن المستعمر الأوربي في منتصف القرن الماضي؟
بحسب أيزنشتات فإنه بمجرد سقوط الأسد سوف تظهر مسائل جمة، بما في ذلك إذا ستتحرك المعارضة لتطهر موظفي النظام، وإذا سيتم تدمير المكاتب الحكومية ونهبها كما حدث في العراق، وإذا كانت ستندلع صراعات عنيفة على السلطة بين الثوار، ويمكن لأي من هذه المسائل أن تعرض عملية الانتقال الواعدة والمأمولة إلي الخطر.
ونظراً لأن معظم جماعات الثوار متمركزة في الداخل ومجزأة للغاية، وأن الاتصال بالمعارضة في المنفي هو محدود ـ إن لم يكن معدوما ـ فلن تظهر على ما يبدو دولة موحدة ذات حكومة مركزية قوية في أعقاب الحرب الأهلية. إذ يحتمل أن تواجه الحكومة الجديدة تحديات كبرى لبسط سيطرتها على القادة المحليين الذين حاربوا النظام وقدموا خدمات بدائية إلي المناطق التى حرروها.
فبدلاً من تسليم ما أنجزوه بشق الأنفس إلي حكومة مركزية، فقد يفضلوا إقامة تحالفات مع زعماء محليين أخرين، بما في ذلك أعضاء من الجماعات العرقية الطائفية المختلفة، أو قوي خارجية، كما حدث أثناء الحرب الأهلية في لبنان وبعدها.
والشاهد أننا لا نريد أن نستبق الأحداث، ذلك لأن سورية دولة محورية من دول الممانعة، ودول الطوق، ودولة جار وحليف لإيران، ودولة ذات أطياف عرقية ودينية تتماشي وما حولها من دول، وعليه فإن حديث النهاية تداعياته ستكون شديدة الواقع على المنطقة بأكملها، وستكون بمثابة زلزال أخر، في منطقة متألمة من كثرة الأعاصير السياسية التى عرفتها في العقدين الأخيرين.






« منقول » ...