منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#66729

يعد مفهوم القوة مفهوما شائع الاستعمال ويحمل معاني مختلفة، فالقوة التي يمتلكها شخص أ و هيئة أو دولة تحدد مركزه وموقعه وقدرته على التأثير على المحيط الذي ينتمي إليه، ويمكن إجمال مفهوم القوة أو معانيها في ثلاث مفاهيم :
1 _ امتلاك قوة يعني امتلاك شيء واستعماله لأهداف معينة ومختلفة.
2 _ عامل متحرك، فحسب المدرسة الواقعية، فان الصراع من اجل القوة هو الدافع لسلوكيات الدول اتجاه بعضها البعض.
3 _ سمة أو خاصية تطبع علاقة الاطراف بعضها بالبعض الاخر,كان يقول مثلا ان التفاعل القائم بين طرفين يتسم بالقوة,حيث يتجاوب الطرف الثاني مع متطلبات الاول بسبب الفارق في القوة بين الاثنين.
وفي هذا السياق الأخر يجب علينا التفرقة بين القوة الكامنة و التي تمثل القدرات الوطنية لمجتمع معين و بين القوة الفعلية والحقيقية أو المستخدمة و التي تنتج عن عملية تحويل للقوة الأولى و التي تكون لها ضوابطها التنظيمية و التقريرية و الوصفية والتي تقدر مدى نجاحها .
ومن جهة ثانية نجد توازن القوى و الذي يحمل عدة معاني قد تكون مختلفة او متناقضة، فحسب ارنست هاس و مارتن وايت فهناك عدة معاني مختلفة لميزان القوى منها:
1 _وصف لتوزيع القوة دون تحميل ذلك أي معنى توازني فكل توزيع للقوة يمكن وصفه بميزان القوى
2 _توازن،بين أطراف مختلفة أو محاولة للتوازن أو عملية نحو التوازن
3 _ الدلالة على الاستقرار و السلم
4_ الدلالة على عدم الاستقرار و الحرب
5 _ نظام آو دليل لصناعة القرار فصانع القرار يحسب بدقة وعقلانية تطور قوةالدول الأخرى ، وبتالي يعمل بشكل يمنع قيام قوة تهدد دولته واحتواء هذه المحاولات بوسائل دبلوماسية (الدخول في تحالفات) او بوسائل عسكرية (بناء قوة كبيرة).

بذلك يمكن القول بان نظام ميزان القوى يقوم على تبعثر القوة بين الدول بحيث ان كل محاولة من قبل دولة للهيمنة تؤدي الى قيام تحالف بين الدول الاخرى لمنع نجاح تلك المحاولة.
وفي السعي للتطرق لمفهوم القوة والتدرج فيه سنتطرق للقوة عند الواقعين وسنعالج اشكالية ميزان القوة بالنظر للفرق بين النظام الدولي القديم والنظام الدولي الحديث, وذلك حسب التصميم التالي :
المحور الأول: القوة عند الواقعيين
الفقرة الأولى: القوة عند الواقعيين الكلاسيكيين (هانس مورجنتو )
الفقرة الثانية: القوة عند الواقعيين الجدد ( ريمون ارون )
المحور الثاني: ميزان القوى في العلاقات الدولية
الفقرة الاولى: ميزان القوى في النظام القديم
الفقرة الثانية: النظام الجديد و ميزان القوة
المحور الأول: مفهوم القوة عند الواقعيين

لقد شهدت فترة الأربعينيات في القرن العشرين تحولات عديدة وكان أبرزها ظهور الاتجاه الواقعي في العلاقات الدولية والذي جاء كرد فعل على الاتجاه المثالي بسبب عدم صحة هذا الاتجاه، فسيطرت النظرية الواقعية كمنهج في العلاقات الدولية في الولايات المتحدة ابتداء في عام 1940 على مدى 20 سنة ثم اخدت تتطور في عقد التسعينات وبداية مطلع القرن 21 بظهور تيار الواقعيون الجدد.
الفقرة الأولى: الواقعية الكلاسيكية (هانس مورجنتو )
يعد هانس مورجنتو أكثر منظري المدرسة الواقعية وضوحا وصرامة حيث أكد أن السياسات الدولية عبارة عن عملية تتم فيها تسوية المصالح القومية المختلفة فمفهوم المصلحة القومية يفترض صراعا مستمرا وتهديدا مستمرا بالحرب يساهم العمل الدبلوماسي في تقليل احتمالاته من خلال التسوية المستمرة للمصالح المتعارضة.
كما يؤكد على أن امتلاك القوة شيء أساسي لضمان مصالح الدول وبقائها باعتبار ان المصلحة هي جوهر السياسة الخارجية رفضا بذلك الربط بين المبادئ الأخلاقية وسلوك الدول وذلك كون هذا السلوك تحركه حوافز الحصول على مزيد من القوة و السباق لزيادتها باللجؤ إلى كل الوسائل المتاحة لذلك لكون هذه الأخيرة السياسة الوطنية لها عدة ضوابط منها وجود طرق يحتكر القوة الذي هو الدولة في حين انه في النظام الدولي فهناك غياب لطرف يحتكر القوة بالتالي له القدرة على التحكم و فرض تأثير كبير في اللعبة السياسية ومحاولة السيطرة على الساحة الدولية
فحسب مورجنتو فعلاقة الدول في ما بينها علاقات يحكمها الصراع من اجل القوة بغض النظر عن تركيبة هذه الدول السياسية وبنيتها وتوجهاتها ويستعمل مورجنتو مفهوم القوة كقيمة خاصة يملكها طرف معين دون أن يكسب هذا المعنى قيمة مادية فهو يعتبر القوة صفة لعلاقة بين فاعلين مختلفين وبذلك فهي عبارة عن علاقة بسيكولوجية حسب مورجنتو بين الذين يمارسونها وبين الذين تمارس اتجاههم فهي تسمع للطرف الأول بالسيطرة على سلوكيات أو بعض سلوكيات الطرف الثاني ولكن ما يعاب على نظرة مورجنتو للقوة كونها لم نميز بين القوة كهدف أساسي وبين القوة كوسيلة لتحقيق أهداف قد تكون القوة ذاتها جزء منها
ورغم تأكيده على طابع السعي نحو القوة فان مورجنتو لم يغفل شروط تحقيق السلام الدولي
والذي بقي مرتبط بتوازن القوى
فاتفاق الدول المتنافسة على الالتزام يتوازن سيضبط رغباتها عير المحدودة لامتلاك القوة وبذلك فان مورجنتو ساير الاتجاه الواقعي إذن فان تحليله لسياسة الدولية يقوم على دراستها كما هي في الواقع وليس كما يجب أن تكون وان العلاقات الدولية تقوم على أساس المصلحة.
الفقرة الثانية : الواقعية الجديدة ( ريمون ارون )
لقد اعتبر الواقعيون مع ريمون ارون بان"خصوصية العلاقات الدولية يمكن أن توجد في شرعية و مشروعية اللجوء إلى القوة المسلحة من قبل أطرافها في الحضارات السابقة
فغياب المؤسسات و الإجراءات لحل النزاعات في العلاقات الدولية مقارنة بتلك الموجودة في النظام السياسي الداخلي، يجعل القوة أكثر وضوحا على المستوى الدولي منه على المستوى الداخلي وحسب ريمون ارون فان الحرب كانت شرعية و اللجوء إليها كان مشروعا. وتنبع خصوصية العلاقات الدولية من كونها تتناول علاقات بين وحدات سياسية يدعي كل واحد منهم بأن الحق إلى جانبه، ربانه صاحب الرأي الوحيد في قرار اللجوء إلى القتال من عدمه. حيث يرى ريمون بأن هناك عدة ظروف تؤثر في أهداف القادة السياسيين مثل التغيرات في التقنية العسكرية أو الاقتصادية أو التحول في المؤسسات والإيديولوجيات, إذ الاختراعات في المجال العسكري تؤدي إلى التعديل في القيمة الإستراتيجية لبعض المواقع الجغرافية أو في الأهمية الاقتصادية لموارد بشرية أو طبيعة معينة.
ويؤكد ارون على أن الوحدات السياسية لا تسعى لامتلاك القوة كغاية في حد ذاتها، وإنما كوسائل لتحقيق بعض الأهداف كالسلم أو المجد من أجل التأثير في مستقبل النظام الدولي.
ويتجنب رايمون آرون، الحديث عن دور القانون الدولي في العلاقات الدولية.
لقد سمح الواقعيون بممارسة الحرب في العلاقات بين الدول،ولزمن طويل حيث
تحافظ الدول على علاقات وصفها رايمون آرون بـ"الدبلوماسية الاستراتيجية"، والدبلوماسي والعسكري، هما الفاعلان في العلاقات الدولية، يأخذان الدور بالتناوب حسبما تكون عليه الدول في حالة حرب أم حالة سلم "أيضاً يجب أن لا تكون الدبلوماسية غائبة مطلقاً تماماً عن الحرب، وبحيث يكون للجيش دور الردع أو التهديد في زمن السلم".فالحرب هي إذن "استمرار للدبلوماسية بطرق أخرى" طبقاً للصيغة المشهورة لكلوزفيتس، فما أن تعجز الطرق الدبلوماسية في تحقيق ما تصبو إليه دولة ما، عندئذ يجب أن تسمح الحرب بها. ولقد فتح القانون الدولي الطريق أمام الحرب، كعلامة لهذا التطور، وعلى نحو متزايد، كما أن وضع الحياد الدائم منظم أيضا يفكر الواقعيون في حدود النظام الدولي النظام هو مجمل
عناصر مترابطة. ويمكن أن يكون مستقراً وناشطاً. ويتحرك طبقاً لقوانين محددة، والسلطة المحددة من قبل رايمون آرون، هي: "قدرة وحدة سياسية على فرض إرادتها على وحدات أخرى"، وهي توزع بين الدول تبعاً لعوامل مادية، بصورة رئيسة "مناطق، ثروات، سكان، جيوش". ولا تعتبر المنظمات الدولية فاعلة حقيقية عن طريق النظام، بل كانعكاس لتقاسم السلطة بين الدول.كما أن الموضوع الأساس للنظام بين الدول، هو معرفة قوانين النظام ومفاتيح استقراره: سواء عن طريق توازن القوى، أم عن طريق هيمنة قوة ما.
ورغم اختلاف هؤلاء الفقهاء، إلا أنهم يتفقون على فكرة واحدة وهي أن المجتمع الدولي مجتمع فوضوي.


http://www.startimes.com/?t=27329513