منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#67210
القدس، بين القوانين الإسوالمواقف الدولية!رائيلية
د. عادل محمد عايش الأسطل
خلال الفترة الأخيرة شهدت الحكومة الإسرائيلية أكبر أزماتها منذ تشكيلها في منتصف مارس من العام الجاري، والتي تمثّلت بانهيار استراتيجيّتها لمواجهة إيران والتسليم للولايات المتحدة بالجنوح نحو تسويةٍ معها، وانتكاسها بشأن إفلات سوريا في اللحظات الأخيرة من ضربة أمريكية محتملة. وبدرجةٍ أعلى، انكشافها أمام المجتمع الدولي بأن ليس في واردها تكملة المسيرة السلمية مع الفلسطينيين. ولم تشأ التوقف عند هذه الأزمات برغم تحذيرات خارجية ومحليّة مشددة، بأن سياسة الحكومة تأخذ إسرائيل إلى العزلة، بل قامت بالانتقال ضمن سياستها من السيء إلى الأسوأ، حينما اهتدت إلى تحدّي الولايات المتحدة بتكفّلها منفردة بشأن الهجوم على منشآت إيران النووية، حيث أعلن "بنيامين نتانياهو" من على منبر الكنيست خطاباً هجومياً ضد الجمهورية الإيرانية، مسانداً للخط اليميني العنيف الذي يقول بأن إسرائيل قادرة ويجب عليها مهاجمة إيران. ومن ناحيةٍ أخرى، اعتمادها على تنفيذ سياسة عدائية اتجاه سوريا بمعزل عن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وحتى عن جنيف 2، حيث يرى أكثر وزرائها بأن على الرئيس "الأسد" مغادرة الحكم.
وكان أسوأ ما أقدمت عليه الحكومة الاحتلالية، هو عندما قامت في سعي واضحٍ، إلى إقرارها مشروع قانون يمنع بموجبه تقسيم مدينة القدس المحتلة إلى عربية وإسرائيلية، بمعنى- فيما لو تم إقراره في الكنيست، وهذا وارد بنسبة كبيرة- عدم التخلي عن الجزء الشرقي منها والرجوع إلى حدود جزيران عام 1967، ومنع إجراء أيّة عملية تفاوض مع الفلسطينيين على أراضي المدينة. وهذا يعني وضع العراقيل مسبقاً أمام المفاوضات الجارية بشأن التوصل إلى حلول، ومحاولة إفشالها بالكليّة. ومن ناحيةٍ أخرى محاولتها التهرب من أيّة التزامات تتعلق بعملية السلام وفرض سياسة الأمر الواقع. الأمر الذي ندد به مسؤولون فلسطينيون، باعتباره مؤشراً يثبت عدم جدّية هذه الحكومة في إجراء أيّة مفاوضات حقيقية معهم. بسبب علمها بأن إقرار هذا القانون يعني منع إقامة دولة فلسطينية التي يصر الفلسطينيون على أن تكون القدس عاصمةً لها، في حين أبدت العديد من الدول الكبرى انتقاداتها من خلال مواقفها الرافضة لهذه الخطوة، كونها تعمل على تدمير مساعي السلام. بينما اختلف المزاج الرسمي الإسرائيلي بين مؤيد ومعارض، فقد أعرب الوزير الاسرائيلي والأصولي المتشدد رئيس حزب البيت اليهودي ووزير الاقتصاد "نفتالي بينيت" عن ترحابه بمشروع القانون واصفاً إيّاه بالمهم للغاية. بسبب أن القدس تتبع الأجيال المتعاقبة من الشعب اليهودي، وأنه لا يمكن حتى لمائة وعشرين عضو كنيست التخلي عنها. بينما أعلنت وزيرة العدل "تسيبي ليفني" القائمة بالملف التفاوضي عن معارضتها الاقتراح باعتباره محاولة وقحة للمسّ بسلطة الحكومة الإسرائيلية وتقييد قدرتها على اتخاذ قرارات إسرائيل وإدارة شؤونها السياسية حتى نقطة الحسم.
ولا شك، لم يكن لجوء الحكومة إلى اتخاذ مشروع القرار في هذه المرحلة وعلى هذا النحو، إلاّ حين وجدت نفسها غير قادرة على مواصلة التفاوض منذ الآن، بسبب أن ما جمعته من آراء واقتراحات لم تفِ بالمطلوب، ومن ناحيةٍ أخرى، انكشاف نواياها التي لا تمت إلى السلام بصلة. وباتت فقط تسعى في إملاء الشروط وافتعال الأزمات ما جعلها تلجأ إلى إقرار هذا القانون. بالرغم من أن هناك العديد من القوانين الأخرى المتعلقة بشأنها، وعلى رأسها قانون الضم للمدينة المقدسة، والذي تم إقراره منذ العام 1980. بعد ثلاثة عشر عاماً من استيلاء إسرائيل على الجزء الشرقي للمدينة، حيث اعتبرت فيه القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل. وقوبل في حينه بالاستنكار الدولي، وصدر عن مجلس الأمن القرار رقم 478 ما يفيد بأن إسرائيل خرقت قانونًا دوليًا وطالب جميع الدول الأعضاء بعدم التقيّد بقرار الضم الإسرائيلي.
منذ الثلاثاء الماضي يخوض الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي مفاوضات مكثفة – سريّة - تتعلق بالقضايا الرئيسية مثل الحدود والقدس واللاجئين والمستوطنات وغيرها من القضايا النهائية فيما حصل موضوع الحدود على النصيب الأكبر من الخلاف باعتباره من الموضوعات الشائكة خلال المفاوضات وبدأ الأمر حين طلب الفلسطينيون من إسرائيل عرض خارطة الدولة الفلسطينية المستقبلية، الأمر الذي رفضه الإسرائيليون مطالبين بالشروع في تصميم خارطة خاصة تتعلق بطرق وأساليب تأمين الحدود والدفاع عنها قبل أن يتم رسمها على الواقع.
دائماً اعتادت الحكومات الإسرائيلية افتعال الأزمات حينما لا يعجبها أمر، أو عند كل ضائقة تقابلها، ترتيباً على سياستها، سواء كانت صراعية أمنية أو فيما يتعلق بالبيئة التفاوضيّة، فتلجأ إلى إحداث المشكلات المثيرة للعنف، أو إقرار المشاريع الصادمة أو إلى إجراء انتخابات مبكرة.
وليس مستغرباً في هذا السياق لجوء إسرائيل إلى أحد هذه الخيارات كما هو حاصلٌ الآن، بسبب أن أيّ منها مفضلٌ في هذه المرحلة أكثر من أي وقتٍ مضي على التوصل إلى حل. وقد ذهب "نتانياهو" إلى أبعد من ذلك حينما ألجأه تفكيره بناءً على الواقع المرير الذي تمر به إسرائيل تحت قيادته، إلى الهروب من حزب الليكود الذي يتزعمه طمعاً في الخروج من الأزمة وخلط الأوراق من جديد، والمضي ضمن إطار سياسي جديد، ليس ليناً أمام مطالبات الفلسطينيين وإنما للتوصل إلى حلٍ معهم، أسوةً بما فعله سابقه "أريئيل شارون" حينما فرّ من الليكود وقام بإنشاء حزب (كاديما). ولكن الذي يعرقل خطوته هذه، هي خشيته من فشل الفكرة، وأن يجد نفسه وحيداً، ومن ثمّ اندثاره وتاريخه السياسي معاً. لاسيما وأنه بات أكثر ضعفاً منذ تضعضعت مكانته في أعقاب الانتصار المهين في الانتخابات الماضية، ولو أن الظروف كانت مواتية للتخلّي عنه لما تنكن من تولى رئاسة الحكومة، لاسيما بعد أن أصبحت مؤسسات الحزب الهامة والكبرى تحت سيطرة أشد المعارضين لأي اتفاق مع الفلسطينيين، ومن أبرزهم الوزير "يسرائيل كاتس" ونواب الوزراء "زئيف إلكين"، ونائب الوزير "داني دنون" الذين ما فتؤوا يهددون بإخراج من يتنازل عن شيء، من صفوف الحزب. وبالطبع فإن "نتانياهو" في ضوء عدم ضمانه لمستقبله السياسي، لا يريد ولا يسعده أن يكون في الخارج بل في مركز الحزب وقمّته. وفي مقابل ذلك لا تسوؤه أنباء الفشل في المفاوضات، وسيكون مغتبطاً أكثر حين سيظهر أمام الحزب على أنه القوي الحامي لإسرائيل أرضاً وشعباً، حيث أنه لم يتنازل عن حدود وأمن إسرائيل، ولم يفرّ في ذرة من تراب القدس، ولم يتخلَ عن يهودية الدولة، ولم يرضخ لأيّة ضغوطات خارجية أو أيّة إغراءات من هنا أوهناك، ولن يضطر إلى تغيير فكره حتى لو شاهد بأم عينيه بأن إسرائيل تميل نحو الهلاك.