منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
By ناصر الخريجي 380
#68939
شركة الهند الإنجليزية وبدايات الاحتلال

وفي نهاية عهد (أورانك زيب) وفي عهد من جاء بعده زادت الأطماع الأوروبية في خيرات الهند، وخاصَّة بعدما اكتشف البرتغاليُّون رأسَ الرجاء الصالح عام (903هـ=1498م)، حيث تابع البرتغاليُّون تقدُّمهم حتى وصلوا الهند بعد سنة، واستولَوْا على "غوا" على ساحل الهند الغربي، وأصبحت منذ عام 937هـ عاصمة للهند البرتغالية، ونشط الهولنديُّون كما نشط البرتغاليُّون مِن قَبْلُ، حتى استطاعوا القضاء على نفوذ البرتغاليين عند الساحل الغربي، عند مَلِيبَار، واتَّبعوا سياسة احتكاريَّة عدوانيَّة ارتكبوا معها أخسَّ الأساليب وأبشع الجرائم، وتحرَّك الفرنسيُّون إلى الهند، ولَحِقَ بهم الإنجليز حين استولَوْا على مضيق هُرْمُز في الخليج عام ( 1032هـ=1623م )، وكان أهمَّ مراكز البرتغاليِّين[1].

ورأت إنجلترا ما وصلت إليه كلٌّ من البرتغال وإسبانيا وهولندا، من الثراء والغنى وخيرات الشرق، فسال لعاب الإنجليز، الذين أسرعوا بدورهم باستصدار مرسوم مَلَكِيٍّ عام (1009هـ= 1600م) يقضي بتكوين شركة تِجاريَّة إنجليزية في بلاد الهند، وهذا المرسوم الملكي كان وراءه دافعان: الأول سياسي، وهو العمل على كسر شوكة إسبانيا، وثانيها تِجاري، وهو حرمان الأسبان من احتكار التجارة الهندية عظيمة الأرباح[2].
اعتمدت إنجلترا على سياسة التودُّد والحيلة، والتقرُّب بالهدايا للأمراء والملوك المغول في الهند، وكانت سياسةُ "جلال الدين أكبر" - المفرِطةُ في التسامح، والانخراط مع الهنادكة في توليتهم المناصب العليا، وحتى المصاهرة معهم لأغراض سياسية - سببًا من الأسباب الرئيسيَّة في تَجَرُّؤ الإنجليز في التقدُّم لمَلِكِ المغول بموافقته على عمل الشركة الإنجليزية في الهند.

فبدأت الشركة ضعيفة في أوَّل أمرها، وقد كان حكامُ الهند متضايقين من نفوذ البرتغاليين المتزايد، وسلوكهم الخشن في معاملة الأمراء، فتَقَبَّل ملوك الهند الإنجليز بقَبُولٍ حَسَنٍ، فلَمْ يُعْطِهم الحكام أية عناية من الناحية السياسية، حيث كانت مراكزهم التِّجاريَّة في أوَّل أمرها مجموعةً من قِطَعِ الأراضي الصغيرة، يُقَام فيها بعض الأكشاك للموظَّفين الذين يعملون فيها، وكان يقوم بحراسة هذه الأراضي حُرَّاس هنود، ثم تدرَّجوا فجعلوا الحراس من أبناء جنسهم، وأخذوا يُسَلِّحونهم بحُجَّة الحراسة، ومِن هنا نَبَتَ الجيش الإنجليزيُّ، المُكَوَّن من أبناء جنسهم، وممَّن انخرطوا معهم من الخونة[3].

وفي عام (1097هـ = 1686م) أقدمت شركة الهند الشرقية الإنجليزية على بِنَاء أكبر مستعْمَرَة ومركز تِجاريٍّ في مدينة عُرِفَت فيما بعدُ بمدينة كلكتا بالبنغال، وذلك بعد طلبهم الصلح من (أورانك زيب)، بعد هزيمته لهم، والتي انطلقت منها الجيوش الإنجليزية لاحتلال شبه القارة الهندية، وقد بدأ مخطَّطهم برغبتهم في القضاء على ما تبقى من نفوذ الدولة المغولية، والتي تمثِّل رمز السيادة الإسلامية في شبه القارة الهندية، ومن أجل ذلك خاضوا غِمَار معاركَ طاحنةٍ ضدَّ "سراج الدين"، الحاكم القويُّ لإقليم البنغال، واستطاعوا غدرًا الاستيلاء على هذا الإقليم عام 1169هـ، ثم عيَّنوا جعفر علي خان - أحد الموالين لهم - حاكمًا اسميًّا على البنغال، ولم يقف الملك "جلال الدين محمد شاه عالم الثاني" - سلطان دِلْهَى - مكتوف الأيدي، وقد اتَّخذ من "إله آباد" مقرًّا لحكومته، فقد واجه المستعْمِرَ في معركتين؛ عُرِفَتِ الأولى بحرب بلاسي عام (1174هـ=1760م)، والثانية بحرب بكسر عام (1178هـ=1764م)، غير أنه مُنِيَ في المعركتين بهزيمتين حاسمتين، ترتَّب عليهما استسلامه، وإجباره على عقد اتِّفاقية مع المستَعْمِر عُرِفَت باسم اتفاقية "إله آباد"، اعْتَرَف فيها بحكم شركة الهند الشرقية الإنجليزية على البنغال وأوريسة وبهار، كما أَجْبَرُوا ملك "أوده" بدفع ضريبة سنويَّة قدرها خمسة ملايين روبية، وتعيين قادة من الإنجليز في مملكته[4].
مقاومة الاحتلال الإنجليزي

واستمر مسلمو الهند في مقاومة المدِّ الإنجليزي فوقف السلطان حيدر علي "حاكم ميسور"[5] بكُلِّ بسالة في وجه الغزو الاستبدادي الإنجليزي، وكان الإنجليز يَعْرِفُون مكانته الحربية والعسكرية، فلم يكونوا ليَجْرُءُوا على التقدُّم والنيل منه وحدهم، فتحالفوا مع المرهتا[6]، واجتمعت جيوشهم في مدينة مَدارس تحت قيادة القائد الإنجليزي أيركوت، ومنها انطلقوا للهجوم على ميسور، إلا أن السلطان حيدر علي استطاع هزيمتهم مجتمعين، ثم طلبوا منه الهدنة فَقَبِلَ، كما عاهد حيدر علي الفرنسيين، واتَّفق معهم على اتِّفاقية دفاع مشتَرَك.

فأمَدُّوه بالسلاح والضبَّاط المدرَّبين لجنده، فهاجم حيدر علي مدينة مَدارس، وأوقع بالإنجليز هزيمة ساحقة، واستنجد الإنجليز بقوَّات أيركوت، فدارت رَحَى حربٍ برِّيَّة وبَحْرِيَّة بين الجانبي عام (1195هـ = 1781م)، واشترك في هذه الحرب الأمير "فتح علي خان" الشهير بتيبو، وقد أحرزت قوَّات حيدر علي عدَّة انتصارات على قوَّات الإنجليز، إلا أن المَنِيَّة لَحِقَت بحيدر علِيٍّ عام (1160هـ= 1782م)، فاضطرَّ "تيبو" للرجوع لمدينة سرنجابتم العاصمة[7].

وأعاد السلطان "تيبو" تنظيم جيشه، وبناء أسطوله بمعاونة من الْفَرنسيِّين، حتى عاد إلى سابق قوَّته، وأصبح قوَّة كبرى تهدِّد الكيان الإنجليزي ومعاونيه، فجمع القائد ولزلي - الذي تولَّى منصب الحاكم العامِّ لشركة الهند الشرقية الإنجليزية - كُلَّ إمكانات الإنجليز وأسلحتهم الحديثة من الولايات التي بحوزتهم، وقاد جيوش الشركة والحلفاء في معركة شرسة عند كورج في عام (1213هـ= 1799م) فهُزم جيش تيبو، واتَّجهوا نحو سرنجابتم وحاصروا تيبو، إلا أنه دافع عن قلعته دفاع الأبطال، لكن الخيانة هي التي أوقعت به في نهاية الأمر بواسطة رئيس وزراء مملكته ويُدْعَى مير صادق، ففتح لهم القلعة، ودخلت جحافل الإنجليز واستولَوْا عليها، وسقط السلطان المجاهد شهيدًا في عام (1213هـ=1799م)، وهو في السادسة والأربعين من عمره[8].

وأصبح لشركة الهند الشرقية الإنجليزية الكلمة الكبرى بعد مقتل السلطان تيبو، وكانت الطامَّة الكبرى انتقال حكم الهند عام (1270هـ=1854م) من شركة الهند الشرقية الإنجليزية إلى التاج البريطاني[9].