منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#68966
مع تصاعد الحديث داخل الأوساط الغربية والأمريكية عن التدخل العسكري في سوريا على غرار التحالف الدولي في ليبيا الذي أنهى الأزمة الإنسانية الليبية؛ بدأت الكتابات الغربية تولي أهمية لبحث مواقف الدول الكبرى من التدخل العسكري في سوريا.

وفي محاولة لدراسة الموقف الصيني من التدخل العسكري نشرت دورية مراقبة قيادة الصين China Leadership Monitorفي عددها عن شتاء 2012 دراسة لـ"مايكل سواين"، الخبير في شئون السياسة العسكرية والأمنية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي تحت عنوان "وجهة النظر الصينية بشأن النزاع السوري". ويسلط سواين في مقاله الضوء على موقف الصين من الاضطرابات السورية المستمرة، ومن فكرة التدخل العسكري الأجنبي.

الموقف الصيني بين التعنّت والرضوخ

لاحظ العديدُ من مراقبي السياسة الخارجية الصينية في السنوات الأخيرة تغيرًا طفيفًا في موقف بكين التقليدي تجاه التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية للدول الأخرى. فعلى مدار التاريخ؛ أيدت جمهورية الصين الشعبية بقوة ما تعتبره "المبدأ الصيني المقدس لسيادة الدولة"، وهو مبدأ معاداة التدخل الخارجي التعسفي أو المفرط (ولا سيما التدخل العسكري).

وقد تعزَّز موقفها ذلك بمعارضتها الشاملة المعلنة لاستخدام القوة في حسم القضايا السياسية الدولية، وبتشديدها على أن الضغوط القسرية الخارجية (مثل العقوبات) الرامية إلى تقويم سلوكيات الحكومات السلطوية لا تحقق النتائج المرجوَّة بقدر ما يحققه الحوار الخاص والحوافز الإيجابية في تلك الحالات.

وبالإضافة إلى ذلك؛ قاومت القيادة الصينية التدخلات الأجنبية في الشئون الداخلية للدول ذات السيادة، لا سيما عندما تقودها الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، انطلاقًا من دوافع قلق من أن مثل هذا التدخل الرامي إلى تغيير النظام يمكن أن يشكّل سابقة قد تُستخدم يوما ما ضد بكين. لذا تتلافى بكين المشاركة في الجهود التي تبذلها الدول الأخرى والهيئات الدولية للتدخل عسكريًّا في الحروب الأهلية أو في حالات الاضطرابات الداخلية التي تشبّ في الدول الأخرى (ولا سيما في الدول النامية).

ومع ذلك؛ وقع الموقف الصيني الحازم بشأن التدخل الأجنبي تحت ضغط في السنوات القليلة المنصرمة بسبب القلق الدولي المتصاعد حول عدد من الحوادث التي استخدمت فيها الحكومات الاستبدادية العنف ضد شعوبها؛ ومن تلك الحوادث الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا في عام 1994، وعمليات القتل الجماعي للمدنيين في منطقة دارفور السودانية في 2003-2004، وكذلك مجموعة واسعة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والأمنية الأخرى التي امتدت عبر الحدود الوطنية.

ومن وجهة نظر بعض المحللين؛ ساهمت مثل هذه التطورات في وضع قواعد تؤكد على حق المجتمع الدولي في التعدّي على استقلالية الدولة القومية لحماية أو تعزيز الاعتبارات الأخرى. وخير مثال على ذلك هو مبدأ "مسئولية الحماية" (Responsibility To Protect)الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2005 على خلفيات أحداث يوغوسلافيا السابقة، ورواندا، والصومال، وغيرها، وهذا المبدأ لا يعترف بحق السيادة.

وإذا حظيت مثل هذه القواعد بدعم الدول النامية الرئيسية مثل الهند والبرازيل وإندونيسيا، يمكن أن تواجه بكين ضغوطًا شديدة لدعم سياسات التدخل الأجنبي العسكري. وفي الواقع، تعترف بكين في قرارة نفسها بأن الأزمات الإنسانية أو المشاكل الأخرى التي تحدث فيما تصفها بـ"المناطق المتداعية" يمكن أن تشكّل تهديدات سياسية ودبلوماسية واقتصادية خطيرة للدول الأخرى، بما في ذلك الصين.

ونتيجة لذلك؛ أظهرت بكين مؤخرًا علامات قبول للتدخلات المعتمدة دوليًّا في بعض الحالات، وذلك لأسباب ترتبط بالوقاية من جرائم العنف الجماعي. وأحدث مثال على هذا التغير في الموقف الصيني هو دعم بكين لتدخل قوات حلف شمال الأطلسي عسكريًّا في ليبيا للحيلولة دون قتل "نظام القذافي الديكتاتوري" للمدنيين الأبرياء. وعلى النقيض من الحالة الليبية، استخدمت القيادة الصينية حق النقض (الفيتو) مرارا ضد قرارات مجلس الأمن الدولي المتخذة بحق سوريا، ولم تُعط أي مؤشر على قبول أي نوع من التدخل العسكري الأجنبي هناك.

موقف الصين الرسمي

رغم سعي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات على نظام بشار الأسد "السلطوي" من أجل إخراج سوريا من الظلمات إلى النور؛ نأت بكين بنفسها عن الجهود الرادعة للنظام السوري، وقررت اتخاذ موقف سلمي. فقد عارضت القيادة الصينية، جنبا إلى جنب مع القيادة الروسية، كافة العقوبات الأمريكية والأوروبية الصارمة المفروضة ضد نظام بشار الأسد، وانتقدت المساعي التي تمهّد للتدخل العسكري في سوريا.

وفي الوقت نفسه؛ حثت كل من بكين وموسكو المجتمع الدولي مرارًا على تشكيل جبهة موحدة تدعو كافة الأطراف إلى معالجة المشاكل عن طريق الحوار، ودعمتا جهود جامعة الدول العربية للتوصل إلى حل سياسي سلمي. هذا وأعربت بكين عن دعمها لقراري مجلس الأمن رقم 2042 و2043 اللذين يُلزمان الحكومة السورية بوقف استخدام الأسلحة الثقيلة في الأماكن السكنية بكافة أشكالها، ولخطة التسوية السياسية التي قدمها كوفي عنان، المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا.

ويُذكر أن الصين أوضحت موقفها بشأن الاضطرابات السورية من خلال مصادر تتألف أساسا من تصريحات لمسئولين كبار في الشئون الخارجية، وسفراء جمهورية الصين الشعبية لدى الأمم المتحدة، جنبا إلى جنب مع مختلف المتحدثين باسم وزارة الخارجية الصينية.

وبررت الصين موقفها بالقول إنها تحرص على الالتزام بالقواعد الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية، بما في ذلك مبادئ المساواة في السيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية للآخرين، حفاظا على مصالح كافة البلدان (الصغيرة والمتوسطة الحجم على وجه الخصوص).

وقد أكدت مصادر موثوقة مرارًا وتكرارًا أن الصين تسعى دائمًا إلى التوصل إلى حل عادل وسلمي ومناسب للأزمة، وأنها تفضّل استخدام وسائل سياسية وليست عسكرية، فهي ترى أن استخدام القوة لحل المشاكل الدولية يعقّد الأمور أكثر، ويعرقل الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية سياسية، ويؤجج الاضطرابات.

وتعليقًا على الإجراءات القسرية التي تُتخذ ضد النظام السوري، قال مسئولون صينيون في محافل عديدة إن مثل هذه الإجراءات تنتهك القواعد الأساسية المتعلقة بالسيادة، وتقوّض جهود الوساطة الحالية التي تهدف إلى التوصل إلى حلٍّ سياسي.

وعلاوة على المذكور أعلاه؛ ترى الصين أنه لا ينبغي تطبيق قاعدة "مسئولية الحماية" إلا في الحالات الاستثنائية التي ترى الأمم المتحدة أنها تهدد السلم والاستقرار الدولي، أي في الحالات التي تنطوي على الجرائم الدولية الأربع: الإبادة الجماعية، جرائم الحرب، التطهير العرقي، الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.

وجهات النظر الصينية غير الرسمية

بشكل عام، تتفق تحليلات المراقبين الصينيين، بما في ذلك الصحفيون والأكاديميون في المقام الأول، مع موقف بكين الرسمي المذكور أعلاه. بيد أن العديد من هذه المصادر "غير الرسمية" تقدم المزيد من التفاصيل بشأن موقف الصين إزاء الأزمة السورية وأسباب معارضتها لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية. ولربما الأهم من ذلك هو أن هذه المصادر غير الرسمية توجّه انتقادات صريحة للسلوك الغربي عن تلك المصادر الرسمية.

فتُشير المصادر الصينية غير الرسمية إلى أن بكين تتخذ موقفًا حياديًّا في القضية السورية نظرًا لعدم وجود هذا النوع من المصالح الإنسانية والاقتصادية المباشرة التي كانت موجودة في الحالة الليبية، لافتة إلى أن الصراع الليبي كان ينطوي على قتل جماعي، في حين أن الصراع السوري لا ينطوي إلا على حرب أهلية وجمود سياسي.

وفي انتقاداتها الموجهة للغرب؛ تُشير تلك المصادر إلى أن الجهود المبذولة للإطاحة بالأسد بالقوة من شأنها أن تؤجج الصراع وتشِيع الفوضى، لا سيما في ظل ضعف الجيش، ووجود انقسامات عرقية. هذا واتهم بعض المحللين الغرب باستخدامه "التدخل الإنساني" كذريعة للإطاحة بالحكومات التي يعتبرها بمثابة تهديد لمصالحه الوطنية. وبالمثل، يرى بعض المراقبين أن الولايات المتحدة تسعى إلى إسقاط الحكومة السورية من أجل القضاء على حليف إيران الوحيد في المنطقة، ما من شأنه أن يصعّد الضغط على طهران.

وبناء على المذكور أعلاه، يتجلّى أنه ليس شرطًا أن يكون كافة المواطنين الصينيين مؤيدين أو معارضين لموقف بلدهم من القضية السورية.

استنتاجات

بالنظر إلى موقف الصين الحيادي إزاء القضية السورية؛ خلص الخبير سواين إلى ما يلي:

أولًا: ترى الصينُ في مسألة التدخل في شئون الدول بابًا لو انفتح على سوريا فقد لا يستثنيها يومًا.

ثانيًا: تحترم الصين استقلالية الدول وسيادتها، وتفضل عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، حفاظًا على مصالح كافة الدول.

ثالثًا: تؤمن بكين بأن التدخل العسكري غير مسموح به إلا في الحالات الاستثنائية التي تنطوي على قتل جماعي مثلا.

رابعًا: ترى الصين أن القوى الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، ترغب في الإطاحة بحكومات ذات سيادة لتحقيق أهداف جغرافية وإستراتيجية.

خامسًا: لا تؤمن بكين بفعالية الإجراءات القسرية في الحالة السورية؛ لما سيكون له من عواقب وخيمة. فذلك من شأنه، من وجهة نظرها، أن يعيق الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسويات سلمية للمشاكل السياسية، وأن يؤجج الصراع هناك.

عرض شيماء أحمد محمود، مترجمة متخصصة في الشئون السياسية والاقتصادية