منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#68968
سمعنا عما يعتقده رئيس الوزراء الإسرائيلي والكونجرس الأميركي بشأن الاتفاق النووي المرحلي الذي أبرمته الحكومة الإيرانية مع مجموعة «5+1»، ولكن ما لا نعرفه هو كيف يستجيب الشعب الإيراني أيضاً لهذه التطورات؟ وماذا يريد الإيرانيون من حكومتهم المنتخبة حديثاً؟ وكيف سيتم التعامل مع هذا الاتفاق في الداخل؟
في سبتمبر عام 2013، أجرى مركز «زغبي للأبحاث» استطلاعاً للرأي في إيران عبر مقابلة 1205 إيرانيين شخصياً في محاولة لفهم أولوياتهم وتوقعاتهم السياسية بصورة أفضل، خصوصاً مواقفهم من برنامج دولتهم النووي وسياساتهم الخارجية الإقليمية.

وما وجدناه في استطلاع الرأي بشكل عام هو أن أكبر هم وقلق سياسي بالنسبة للإيرانيين هو الحاجة إلى تحسين اقتصادهم، يتبعه عدد من الإصلاحات السياسية، بما في ذلك تعزيز الديمقراطية وحماية الحقوق المدنية والسياسية وزيادة حقوق المرأة وإنهاء الفساد وإصلاح الحكومة.

وكانت هذه النتائج التي أظهرها استطلاع 2013 مماثلة لآراء الإيرانيين في استطلاع عام 2011، وفي الحقيقة، مثلما وجدنا في مسوحات سابقة للرأي، كانت إيران هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمثل فيها هذه القضايا السياسية مبعث الاهتمام الرئيسي.

الجدير بالذكر أنه في آخر قائمة الاهتمامات ينطمر تحسين العلاقات مع الغرب ومواصلة برنامج التخصيب النووي وإنهاء حالة الجمود مع الغرب بحيث يتم رفع العقوبات الاقتصادية.

وعلى رغم أن الإيرانيين يتفقون بدرجة كبيرة على الحاجة إلى تغيير سياسي وترتيب أولوياتهم، إلا أنهم منقسمون بشأن القضية الأساسية، ألا وهي ما إذا كانوا يؤمنون بأن هذا التغيير يمكن أن يحدث.

والحقيقة الأكثر أهمية هي أن نصف الأشخاص المستطلعة آراؤهم يحتاجون إلى تعزيز الثقة في حكومتهم الجديدة وحتى في النظام الإيراني بأسره.

وقد توصل استطلاع الرأي أيضاً إلى درجة ملفتة من الإجماع بين الإيرانيين فيما يتعلق ببرنامج دولتهم النووي، وعلى رغم أنه يأتي في درجة متأخرة على سلم الأولويات، إذ يرى 6 في المئة فقط أنه يمثل أولوية كبرى، إلا أنهم عندما يسألون عن آرائهم في القضية النووية يبدو أن نزعتهم الوطنية تصبح محسوسة.

ويقول ثلثا الإيرانيين إنهم مؤيدون لحق بلادهم في التخصيب. والأسباب الكامنة وراء هذا التأييد تعود لاعتقادهم بأن إيران «دولة كبرى» وينبغي أن يكون لديها هذا البرنامج، وأنه «طالما أن هناك دولاً أخرى تمتلكه، فلابد لطهران من امتلاكه أيضاً».

وأقل من ثلث الإيرانيين يؤيدون الموقف الذي يعلنه زعيمهم الديني بأن «الأسلحة النووية محرمة ولا ينبغي لدولة امتلاكها»، وبالمثل عندما سئلوا بشأن ما إذا كان الاحتفاظ بحق تطوير برنامج نووي يستحق الثمن الذي يدفع من العقوبات والعزلة، أكد 96 في المئة أنه يستحق هذا الثمن.

ويظهر الانقسام العميق في الرأي العام الإيراني فيما يتعلق ببعض مواقف الحكومة في الخارج، وبينما يعتقد ثلاثة أرباع الإيرانيين أن إجراءات حكومتهم تهدف بصورة أساسية إلى حماية السكان الشيعة، ترى الغالبية أن تدخل دولتهم في سوريا والعراق سلبي، وينقسمون بشأن تأثير هذا التورط في لبنان.

والملاحظة الأخيرة، أنه من المثير للاهتمام أيضاً الإشارة إلى أن آراء الإيرانيين الذين يقولون إنهم صوتوا لحسن روحاني أقل ليبرالية وفي بعض الأحيان أكثر تشدداً من أولئك الذين عارضوا ترشحه أو اختاروا عدم التصويت في الانتخابات الأخيرة.

وقد بدا أنصار روحاني أقل اهتماماً بالإصلاحات السياسية والديمقراطية، وأكثر تأييداً للنظام الإيراني، وأقل تأييداً لأكثر تشابكات السياسات الخارجية الإيرانية والبرنامج النووي لبلادهم.

ولكن الاختلاف الكبير بين الفريقين هو أنه في حين يظهر ثلاثة أرباع أنصار روحاني ثقة في أن حكومته قادرة على إحداث تغيير، لا يرى نصف خصومه ذلك.

وخلاصة القول هي أن الإيرانيين، على ما يبدو، باتوا منهكين بشكل ما من الوضع الراهن لشؤون دولتهم، وربما أن النزعة القومية تمنعهم من الربط بين الأمور، ولكن المواقف في عهد نجاد، وتأثير السياسات الخارجية والداخلية لحكومتهم، أسفرت عن خسائر جمة بسبب العزلة الدولية.

وما فاز روحاني إلا بتفويض لتحسين الاقتصاد وإجراء إصلاح سياسي، ولم يحصل على تفويض إضافي لمواصلة الانخراط فيما يرونه مغامرات خارجية سلبية.

وفي حين يشير كثير من أنصاره إلى أن إيران «تحتاج» إلى المضي أبعد في البرنامج النووي، فإنه إذا نجح في إقناع شعبه بالاتفاق النووي مع الغرب، سيكون عليه الربط بين هذا الاتفاق والمنافع الاقتصادية والسياسية التي ربما تنتج عنه، وسيتطلب ذلك على الأرجح «الحفاظ على ماء الوجه».

وبالنسبة لأولئك القلقين من أن إيران ستجيّر على هذا الاتفاق وستصبح أكثر تدخلات في المنطقة، يبدو أن نتائج استطلاع الرأي تشي بأن الشعب الإيراني غير مهتم بهذه النتيجة، وينبغي استغلال حقيقة أن مكمن مخاوف معظم الإيرانيين هي أمور تتعلق بالداخل ومن شأنها تقييد سلوكيات الحكومة في منطقة الشرق الأوسط.

* نقلا عن صحيفة الاتحاد