منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#69225
ان الغزو الانكلوامريكي للعراق منذ عام 2003 يعد من ابرز الاحداث العالمية في القرن الواحد والعشرين ان لم يكن اهمها لتداخل عوامله ونتائجه في تحديد سياسات عالمية وترتيب كل بلد في العالم اوراقه الداخلية والخارجية بناءا" على تفاصيل هذا الاحتلال ونتائجه . في دراسة مقارنة تفصيلية للغزو الامريكي قدمت الصحفية العراقية الاصل شذى الدليمي كتابها الجديد بعنوان الموقف الالماني من ذلك الغزو ، اعتمدت الدراسة المنهج التاريخي في تحليل وقائع ذلك الغزو الذي مازال قائما"على ارض الواقع. معتمدة" بالاساس على موقف المانيا الاتحادية مفردة" لها مساحة ما يقارب الثلثين من البحث لاسباب عديدة اهمها ضعف المصادر والمراجع التي تبين للقارئ في المكتبة العربية حيثيات القرار الالماني ، والدور الذي لعبته وتلعبه المانيا على الساحة الاوربية والدولية. هذه الاسباب وغيرها دفعت الى التعمق قدر المستطاع في الجذور التاريخية التي لها عميق الاثر والصلة في الحياة السياسية والاجتماعية الغربية الى يومنا هذا.

ان ارباكات الحياة ، وتنوع الاطروحات السياسية وتشعب اهتمامات الفرد في العالم عامة وفي البلاد العربية خاصة. والهجمة الحقيقية لوسائل الاعلام. وعجلة الحياة المتسارعة لم تترك مجالا" كبيرا" ليحتفظ الفرد ايا" كان بقدر كبير من المعلومات او يحاول الوصول اليها ان لم تقدم له بلباقة ، وبطريقة تفتح شهيته للتعرف عليها. لقد سرقت الحياة العصرية الانسان من صبره وحرصة على المثابرة والمتابعة فلم يبقى امام الباحثين الا التحايل على عزوف القارئ وعدم رغبته في الاطلاع وذلك بتقديم الكثير الذي يتسنى لهم تقديمه دون ان يرهقوا كاهل القارئ قدر المستطاع.

لماذا الغزو بالتحديد

لان غزو العراق يعني ذلك الاحتلال الذي وقع على العراق كدولة وشعب من قبل الولايات المتحدة الامريكية التي هي القوى العظمى الوحيدة على الاقل الى الان، وحليفتها بريطانيا وتحالف شكلي ضعيف من دول اخرى لم يرقى الى مستوى التحالف الكبير الذي جمعته الولايات المتحدة الامريكية في حرب الخليج الثانية على العراق ايضا". فلم تجد الدراسة بدا" من التعريف بكلا البلدين . وكما ذكرت فان التعريف بتاريخ المانيا تلك الدولة التي ستشكل القاسم المشترك لفصول الكتاب كونها ستكون العمود الفقري له ليعرف القارئ العربي كيف يتخذ القرار السياسي الالماني بعيدا" عن العواطف والصداقات ،ويتعرف كذلك على حجم المساحة التي تتحرك بها الحكومات الالمانية المتعاقبة . وطبيعة القرارات التي تتخذ في هذا البلد الشديد الاهمية . اولا" : لانه يشكل سادس اقوى اقتصاد في العالم حسب اخر الاحصائيات . وثانيا": ان المانيا عاشت معاناة الاحتلال والتقسيم لفترة زمنية امتدت على ما يزيد عن نصف قرن. وثالثا": ان المانيا استطاعت ان تبني اركان دولتها من جديد وبارادة فولاذية ، لتسجل لنفسها في قاموس الانسانية الحديث مصطلحين لا يزاحمها عليه احد اولا": المعجزة الاقتصادية وهي تلك النهضة الاقتصادية التي اعادت بها المانيا الغربية هيبتها ومكانتها الى المجتمع الدولي بعد هزيمتها المرة في الحرب العالمية الثانية وهزيمة الرايخ الثالث. اضافة الى التخطيط الثاقب والصبر الطويل الذي تحلت به للوصول الى هدفها الذي لم تتخلى عنه في يوم من الايام الا وهو وحدتها مع المانيا الشرقية واستردادها للجزء الذي اقتطع منها بعد خسارتها للحرب.

فعلت المانيا كل ذلك وهي محرومة من ان تتسلح او يكون لها جيش قوي . باختصار دون ان تطلق رصاصة واحدة على صدر اعدائها الذين تلاشوا على مر الايام وتحولوا الى حلفائها ، واصدقائها تتبادل واياهم الادوار المهمة في المجتمع الاوربي والدولي.
لقد حققت المانيا لنفسها المكانة المرموقة التي تصبو لها كل دولة في العالم . واعادت وحدتها وسقط جدار برلين وهو المصطلح الثاني الذي يذكر اليوم كخط فاصل بين حقب سياسية مهمة في التاريخ الحديث فيقال قبل سقوط جدار برلين ، ويقال بعد سقوط جدار برلين . الذي ساهم سقوطه بان تتهاوى احجار البيت السوفيتي وسقط جدار الاتحاد السوفيتي على اثره في سرعة خاطفة . وكانه كان يتكئ عليه.

تبدأ فصول الكتاب باستعراض سريع لتاريخ العراق . الذي صار بعد سقوط بغداد في 9 نيسان يتعرض لأخطر عملية نزع للعروبة وللهوية من تهجير لا بنائة العرب الاقحاح الى تزيف للتاريخ وحقائقه ، الى اتهامه بانه كيان مصطنع بموجب التسمية المبهمة المشبوه الاهداف والنوايا التي تطلق على العراق بتسمية تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي. في اول فصول الكتاب يتم تناول تاريخ العراق ، وباسلوب شديد الاختصار ليقف القارئ على ابرز حقب العراق تاريخا" وبالادلة والشواهد لكي يطلع القارئ على حقيقة هذا البلد الذي يتعرض كل يوم الى النهب والسلب والتدليس والاحتلال بكل انواعه واشكاله المعروفة عن طريق ارتال الجيوش التي زحفت لدك مدنه وقراه ، او بطمس ومحو هويته الحضارية والثقافية وتغييبه عن الذاكرة ليحل محله تاريخ جديد يحاول ان يصنعه المحتلين سواءأ" المحتل لتاريخة وارضه او لثرواته او المحتل الثاني الذي جاء متخفيا" بعبائه اتباع الاحتلال الاول . ان الفرق بين الاحتلالين الالماني والعراقي ان الاول كانت له ظروف محيطة اكثر حظا" من العراق حيث كان لقوات الاحتلال من الحلفاء الغربيين المتمثلين بفرنسا وبريطانيا وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية كل هذه الاسباب جعلته يقف على قدميه من جديد. ويساعدونه ويناصرونه ليواجه خطر ابتلاعه من قبل الاتحاد السوفيتي. لكن العراق احتلته الولايات المتحدة الامريكية لتقدمه هدية عن دراية ام لا الى الجمهورية الاسلامية الايرانية . وتتقاسم معها ما امكن مراكز القوى واستغلال ثرواته. ولكن بحكم الطبيعة الجغرافية والارتباط وكثرة الاتباع الايرانيين الذين صاروا متنفذين في العراق بعد الاحتلال اصبح نصيب ايران اكبر بكثير من نصيب الامريكان الذين لم يبقى لهم بعد ست سنوات من النزف والحرب الا ان يسلموا بان الدور الايراني صار اكبر . وان عليهم ان يتعاونوا مع المحتل الايراني للعراق ويعيدوا ترتيب اوراقهم على كونه اللاعب الرئيسي في العراق.